مقال قانوني مميز عن السياسة الجنائية في محاكمة الأحداث
القاضي / ساجر عبدعباس الفراجي
ان قانون رعاية الاحداث المرقم 76 والذي صدر بتاريخ 20/7/1983 في المادة الثالثة منه التي حددت سريان القانون حيث نصت المادة المذكورة (يسري هذا القانون على الحدث الجانح وعلى وعلى الصغير والحدث المعرضين للجنوح وعلى اوليائهم بالمعاني المحددة ادناه لأغراض هذا القانون :-
اولاً :- يعتبر صغيراً من اتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة .
ثانياً :- يعتبر حدثا من اتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة .
ثالثاً :- يعتبر الحدث صبيا اذا اتم التاسعة ولم يتم الخامسة عشرة .
رابعاً :- يعتبر الحدث فتى اذا اتم الخامسة عشر من عمرة ولم يتم الثامنة عشر .
خامسا :- يعتبر وليا الاب و الام او اي شخص ضم اليه صغير او حدث او عهد اليه بتربية احدهما بقرار من المحكمة بالرجوع الى قانون رعاية الاحداث رقم 76 المعدل نجد انه صدر عام 1983 في وقت لم يكن فيه لجرائم الارهاب وجود كانت الجرائم المرتكبة آنذاك لا تتعدى صور الجرائم التقليدية او بشكل محدود من قبل الاحداث كما ان قانون المذكور كان قد صدر في وقت تعالت فيه دعوات الباحثين والمتخصصين بشؤون الاحداث الى الرقم بالأحداث ومعاملتهم بالحسنى من اجل اعادة دمجهم بالمجتمع وعدم ابعادهم عن الجو الاسري ما امكن فاتجهت سياسة المشرع الجنائية في حينها الى اصدار هذا القانون مسايرة منه لمتطلبات الفقه الجنائي المعاصر آنذاك ولما اتجهت اليه وسارت عليه السياسة الجنائية في العديد من دول العالم حيث اختصت الاحداث بقانون خاص يتميز بالسماحة والرأفة .
ومن اجل ذلك حدد هذا القانون اهدافه في المادة (1) بقوله : (يهدف قانون رعاية الاحداث الى الحد من ظاهرة جنوح الاحداث من خلال وقاية الحدث من الجنوح ومعالجة الجانح وتكييفه اجتماعيا …) .
ولما كانت السياسة الاجتماعية في كل بلد ينبغي ان تساير الظروف والاوضاع فتتطور وتتبدل تلك السياسة حسبما تقتضي الضرورة وبحسب تطور وتبدل تلك الظروف والاوضاع فان الواقع المعاصر الذي نعيشه في العراق وبخاصة من يشتغل في قضاء الاحداث على وجه الخصوص يلاحظ امرين جوهريين :-
الاول : تفشي ظاهر الاجرام وبخاصة جرائم الارهاب حتى لدى طائفة الاحداث حيث يكون الحدث شريكاً في العديد منها وتكليفه في الكثير منها بمهام الرقابة فيها وترقب الضحية .
الثاني : وكرد فعل لهذه الظاهرة اتجهت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة وفي العديد من قراراتها الى نقض القرارات الصادرة والمتعلقة بالتدابير من اجل تشديدها وكما انها في العديد من قراراتها تقرر نقض القرار الصادر بفرض تدبير غير مناسب للحرية لمراقبة السلوك من اجل فرض احد تدابير الايداع (الايداع في مدرسة تأهيل الصبيان او تأهيل الفتيان او في مدرسة الشباب البالغين) بحسب المرحلة العمرية للحدث الجانح .
ومحاكم الاحداث في مثل هذه الحالات عليها ان توازن بين امرين جوهريين :-
1- اتجاه المشرع في سياسته الجنائية (التشريعية) .
2- اتجاه محكمة التمييز الاتحادية في سياستها (القضائية) .
اما السياسة الجنائية (التشريعية) فبصددها ارجو ملاحظه ان المشرع وفي جرائم الجنح حدد في المادة (73) من قانون رعاية الاحداث عددا من التدابير يمكن للمحكمة ان تختار احدها لفرضه بحق المدان وهي بحسب تسلسلها في النص : التسليم ، ومراقبة السلوك ، والايداع ، والغرامة .
كما ارجو ملاحظة ان المشرع وفي المادة (76/اولا) قد حدد عددا من التدابير التي يمكن فرضها على (الصبي) في جناية عقوبتها السجن المؤبد او المؤقت وهي كذلك بحسب تسلسلها في النص : التسليم ومراقبة السلوك والايداع مدة لا تزيد على خمس سنوات اما اذا كانت الجناية المرتكبة من قبل (الصبي) عقوبتها الاعدام فالتدبير الذي يمكن فرضه بمقتضى المادة (76/ثانيا) هو الايداع مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات . واما (الفتيان) فبمقتضى المادة (77/اولا) وفيما يتعلق بالجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤبد او المؤقت فبإمكان محكمة الاحداث ان تختار احد التدابير الاتية :-
مراقبة السلوك او الايداع مدة لا تزيد على سبع سنوات . وفي الجنايات المعاقب عليها بالإعدام فبمقتضى المادة (77/ثانيا) فعلى محكمة الاحداث ان تقرر ايداع الحدث (الفتى) مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على خمسة عشر سنة .
والملاحظة على التدابير المتقدمة من الترتيب او التسلسل الموضوع من قبل المشرع لم يوضع عبثاً وانما قدم فيه (التدابير الاهم) على (التدبير المهم) وهو يبغي من ذلك ان تختار محاكم الاحداث التدبير الاقدم ثم الذي يليه وهكذا وبحسب قناعتها من تناسب التدبير المفروض مع الجرم المرتكب وظروف ارتكابه وظروف الحدث الجانح الشخصية .
اما السياسة الجنائية (القضائية) وهي تمثل رأي القضاء وبخاصة محكمة التمييز الاتحادية فيما استقرت عليه في قراراتها واحكامها . وهذه السياسة كما نلخصها في العديد من قراراتها انها تذهب باتجاه التشديد وباتجاه اختيار تدبير الايداع وتقديمه على بقية التدابير . وهي بذلك تستجيب لواقع الاجرام المعاصر وضرورة تفعيل عامل الردع .
غير اننا مع ذلك نرى ان خطورة المجرم لا تقاس دائما بالعقوبة المقررة لجريمته كما نص القانون بل ان الخطورة الاجرامية ينبغي ان يؤخذ في سياستها بالحسبان ظروف ارتكاب الجريمة وظروف مرتكبها الشخصية . فقد تكون الجريمة المرتكبة من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام غير ان الحدث (الشريك) كان قد استقل واستدرج للمشاركة دون ان يعي خطورة المشاركة فالشريك بالجريمة بعمل من اعمالها يضنه بسيطاً ومثاله تكليف الحدث بإخبار الجناة عند قدوم الضحية .
واحياناً قد يكون دور الحدث في الجريمة اصلياً ، كما لوكان احد المشاركين الفعليين في تنفيذ العمل الارهابي وكذلك تبدو الخطورة الاجرامية كبيرة عند ارتكاب الحدث الجانح لجرائم ارهابية متعددة … لذلك نعتقد ان السياسة الجنائية الصائبة والتي ينبغي ان تكون عليها في معالجة جنوح الاحداث والحد من ظاهرة الجنوح عموماً ينبغي ان تقوم على ركيزتين اساسيتين :
الركيزة الاولى / ان محكمة الاحداث باعتبارها محكمة موضوع هي الأدرى بتقدير ظروف الحدث عند اختيار التدبير . وهذه الركيزة هي اتباع لما سارت عليه الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية في العديد من قراراتها من ذلك القرار 232/ الهيئة العامة /2002 في 6/4/2002 ومما جاء فيه وبالنص (وان محكمة الموضوع هي الأدرى بتلك الظروف عند فرض العقوبة) . وبالتالي ينبغي عدم مصادرة هذه الصلاحية عندما تختار المحكمة فرض تدبير معين من بين التدابير المختلفة او ان تختار فرض تدبير الايداع لمدة محددة بدلاً من الحد الاعلى وقراراتها في كل ذلك ينبغي ان تكون مسببة بما يكفي لتكوين القناعة بنجاحة التدبير المفروض .
الركيزة الثانية / اعمال جانب الردع وبهذا الصدد نعتقد تماماً بضرورة اعادة النظر في التدابير المقررة للأحداث وتشديدها قانونيا ودعوتنا هذه تتناول النصوص التالية :
اولا ـ المادة (76/اولا) وفيها نقترح جعل الفقرة (ج) هي الفقرة (أ) فيكون تسلسلها كالاتي : ( أ ـ الايداع … ب ـ التسليم ….ج ـ المراقبة ) وكذلك نقترح تعديل المادة (76/ثانياً) وجعل مدة الايداع للصبي في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة .
ثانياً ـ المادة (77/اولا) وفيها نقترح ايضاً تعديلها بجعل الفقرة (ب) هي الفقرة (أ) فيكون الايداع هو التدبير الاول الذي يمكن فرضه على الفتى ولمدة لا تزيد على عشرة سنوات بدلاً من سبع .
اما في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام فنقترح تعديل نص المادة (77/ثانيا ً) وجعلها لمدة لا تزيد على عشرين سنة بدلا من خمس عشرة سنة .
مع العرض اننا لا يمكننا المطالبة بإيقاع عقوبة (الاعدام) بحق الاحداث ممن بلغ سن الرشد اثناء المحاكمة طالما ارتكب الجريمة وهو في سن الحداثة يتعارض مثل هذه المطالبة بقاعدة جنائية مستقرة وهي : (تطبيق القانون الاصلح للمتهم) ما تقدم مجرد اراء ارجو ان تكون صائبة نحو توجيه السياسة الجنائية للأحداث الوجه السليمة بما يحقق اهدافها في الردع والاصلاح .
اترك تعليقاً