صياغة العقود العقارية
تمثل الضمانات جزاء مهما في بنية العقود فبقدر ما يسعى كاتبو العقود إلى بيان العناصر الأساسية لطرفي العقد ومحله, فإنهم يسعون إلى تضمين العقد ما أمكن من الضمانات الحافظة لحقوق عملائهم, وذلك لضمان تنفيذ العقد بالصورة المطلوبة وبالكفاءة العالية, ومن هذه الضمانات ما يتعلق بالسعي لتحصيل قيمة العقد بأسرع طريقة, مثل اشتراط كفيل غارم أو إصدار سندات لأمر وشيكات – مع ملاحظة المخالفة النظامية في حال اعتبرت أداة ضمان لا وفاء, وأنها تعرض مصدرها والقابل بها عن علم للعقوبة – ونحو ذلك, ومن الضمانات التي تسجل في العقود العقارية والإنشائية منها على وجه الخصوص: النص على شرط جزائي في حال التأخر عن تنفيذ المشروع المتفق عليه.
والشرط الجزائي المضمن في العقود نوعان, الأول: شرط جزائي على التأخر عن سداد مبلغ العقد, وهذا من صور الربا حسب الفتوى المشهورة, والثاني: شرط جزائي على التأخر عن تنفيذ العمل وهو شرط صحيح جائز, وقد صدر عن هيئة كبار العلماء القرار رقم (25) وتاريخ21/8/1394هـ بخصوص الشرط الجزائي, ومما جاء فيه – بعد استعراض أنواع الشروط الصحيحة والفاسدة – ما نصه: “… وبتطبيق الشرط الجزائي عليها، وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، والاستئناس بما رواه البخاري في [صحيحة] بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قال لكريه أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: (من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه) وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلاً باع طعاماً وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: (أنت أخلفت) فقضى عليه، وفضلاً عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام، حيث إن الإخلال به مظنة الضرر، وتفويت المنافع، وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود؛ تحقيقاً لقوله تعالى”يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”.
لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع:
أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول.
وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية – فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملاً بقوله تعالى: “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”وقوله سبحانه: “ولا يجر منكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”[المائدة:8] وبقوله – صلى الله عليه وسلم- “لا ضرر ولا ضرار”. وقد نبه القرار إلى أمر مهم يخطئ فيه البعض أثناء صياغتهم لهذا الشرط, حيث إنهم يبالغون في تحديد قيمة الشرط الجزائي لتهديد الطرف الآخر, إلا أنه وفقا لهذا القرار وهو المعمول به في القضاء فإن المحاكم تتدخل في النظر في القيمة إذا كان فيها مبالغة وفقا لما أشير إليه في القرار.
وكل عام وأنتم بخير, وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
اترك تعليقاً