العدل في الميراث و الشهادة
ان الله سبحانه وتعالى عندما وضع نصيبآ للمرأة في الميراث فانه كان يتعامل مع عقليات متحجرة كانت في السابق تعتبر المرأة نفسها جزءآ من الميراث هذا ان نجت أصلآ من الوئد في صغرها فكيف يكون لها نصيب من الميراث أصلآ ، والله يتعامل مع هذا العصر بطريقته لأن هؤلاء الناس كانوا يجب أن يؤمنوا بما ينزل حتى ينقلوه لنا لنكمل نحن من بعد ذلك المسيرة لقد تناول الله هذه المسألة كتناوله مسألة العبيد فالله لم يأمر صراحة باعتاق كل العبيد و انهاء العبودية بشكل مطلق وانما حبب ذلك للناس كنوع من تكفير الخطايا و التقرب الى الله جل في علاه ذلك أن الله يعلم أن مسألة العبودية هذه منذ قديم الزمان وهي ضروروة اقتصادية ولا تستقيم معيشة الناس في ذلك الوقت بدونها ،أما والآن وقد انتهت هذه الظاهرة البشعة ولو بشكل رسمي على يد بريطانيا عام 1807م هل من الممكن الآن المناداة بعودة العبودية أو حتى جواز تحليلها بحجة أن انهائها بشكل تام وكامل لم يرد ذكره في القرآن ؟! ؛ لذلك فان الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا اللبنة الأولى في بناء العدالة الذي نحن مأمورون باستكمال بناءه مثلما نحن مأمورين بتعمير الأرض ونشر المحبة والسلام بين الناس .
بالاضافة الى أنه اذا كان الوضع كذلك في سالف العصر والأوان حيث كان الرجل يتولى تمامآ عملية الانفاق فان الوضع ليس كذلك حاليآ فالمرأة منذ نعومة أظافرها فان أهلها هم اللذين يجهزونها ويدخرون من المال ما يكفي لزواجها ويساهمون في بناء و تجهيز عش الزوجية وان لم يفعلوا ذلك فنادرآ ما ستتجوز ابنتهم وسيمتنع كثير من الرجال ان علموا أن أهل العروسة لن يساهموا في تكاليف الزواج و تأسيس منزل الزوجية لأن أمور الحياة تعقدت ومعيشتها تجاوزت مجرد حلب الشاة وتناول الثريد للطعام ومجرد جلب الماء من البئر والسكن في خيمة أو في بيت صغير من الطين ؛ فلم يعد الرجل قادرآ في السواد الأعظم من الحالات أن يتولى الانفاق بشكل كامل و منفرد على المنزل بل ان ذلك أصبح ينطبق في الطبقات الميسورة الحال حيث ينظرون الى عدم تجهيز ابنتهم والمساهمة في تأثيث بيت الزوجية تقليلآ من شأن ابنتهم و كرامتها أمام زوجها و أهله . اذن فقد انتفت العلة والقاعدة الاسلامية تقول ( أن الحكم الشرعي المبني على علة يدور مع علته وجودآ وعدمآ ) .
كما أننا في هذا العصر السحيق كانت المرأة محرومة من التعليم في ظل مجتمع تسود الأمية والجهل بين معظم ذكوره فكيف لها أن تستثمر وتحافظ على مالها وهي تعاني من ظلام وسواد الأميو والجهل خاصة في ظل عصر كان الكسب فيه يحتاج الى القوة والمجهود العضلي كجمع الحطب والصيد وانقطاع للسفر طيلة شهور طويلة موحشة في البرية في طريق القوافل (لايلاف قريش ايلافهم رحلتي الشتاء والصيف) وما يتبعه ذلك من تعرض لوحوش البرية من الحيوانات وأشباه الآدميين المعروفين باللصوص وقطاع الطرق و ما يستتبعه ذلك من ترك المنزل و الأطفال شهورآ طويلة فمن سيقوم على رعاية الأطفال ساعتها . أما الآن فقد اختلف العصر كلية و أصبح كسب المال واستثماره ليس بحاجة في السواد الأعظم من الحالات الى القوة والمجهود العضليين بل الى المجهود الفكري والتحصيل العلمي الذي أصبحت فيه كثير من النساء يتفوقن فيه على كثير من الرجال و أضحت الكثير من النساء العاملات يساهمن في الانفاق على بيوتهن سواء كنا في كنف آبائهن أو يشاركن أزواجهن في تيسير أمور الحياة بل ان وهذه هي الحقيقة كثيرآ من الرجال يرفضن أن تجلس نساؤهن في المنزل دونما عمل بل يشترطن عليهن ذلك قبل الزواج فلا حيلة لأغلب الرجال( وهذا ليس عيبآ أو حرامآ ) أن يقوموا بأعباء المنزل المادية بمفردهم ، وتجد بعض النساء ينفقن على منزل الزوجية أكثر من الزوج نفسه اما لقلة دخله مقارنة بزوجته أو اما لمرض ألم به يجعاه غير قادر على الكسب الكافي أو ينفق ما يكسبه على علاجه أو اما لبخله وهم للأسف كثر واما تتحمل الزوجة الانفاق كلية لوفاة زوجها فقليل من أصبح يصل الرحم ويمد يد المساعدة دونما من أو اذلال ؛ ومن لا يتوافر لها العلم ولا القدرة على العمل فانها تستطيع أن تضع ميراثها في البنك أو في صناديق الاستثمار أو كلاهما بغية الحصول على عائد حلال يكفيها ذل السؤال .
كذلك اذا كانت المسألة برمتها مسألة ذكورية فان المرأة أيضآ يمكن أن يكون لديها أولاد ذكور في حاجة عندما يموت جدهم أن يرثوه لأنهم في حاجة أيضآ أن ينفقوا ويفتحوا بيوتآ مثل أولاد خالهم هذا ان كان فيهم ذكر أيضآ .والدليل على صحة ماسبق هو الواقع الذي نعيشه والذي لا يخفى على أحد بل ان كثيرآ من النساء حتى في وقتنا الحالي لا يحصلن حتى على نصيبهن اليسير من الميراث وينهرن ان هن طالبن به ، ان العوز والحاجة دفعن نساءآ و أولادهن دفعآ نحو طريق الرذيلة وسوء المصير و الاسلام الحقيقي العادل برئ مما فعل نفر من الرجال بهن ؛ أليس دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة .وعلى هذا بما أن للمرأة نفس حق الرجل في الميراث لما أضحت تتمتع به من علم وعمل تقارع بهما كثيرهن كثير من الرجال بل ويتفوقن في كثير من الحالات والأحايين و يصعدن على منصات االتتويج و التكريم على حساب أقرانهن من الرجال (وهذا ليس عيبآ في حق الرجال بل غير ذلك هو العيب في حق الحق و العدل ان كن يستحقين هذا التكريم والتفضيل ) فعلى ذلك فان شهادة المرأة يجب أن تعادل شهادة الرجل فلا يعقل أبدآ أن تفضل شهادة رجل يسير العلم و العقل على شهادة امرأة تفوقه علمآ وعقلآ و أحيانآ عملآ .
وكفى حججآ يرددها البعض لدرجة لا تقبل الأذن مجرد سماعها أن النساء تصيبهن أمراض كأعراض الدورة الشهرية مما يضعف شهادتهن فلم نعلم يومآ أن الدورة الشهرية تضيع الحقوق وتنصر الظالمين ، وكم من رجال شهدوا زورآ و أضاعوا الحقوق وكم من رجال تفاخروا بأبنائهم من البنات وكم من أبناء من الذكور لم يضيعوا ما آتاهم آبائهم بل ضيعوا آبائهم أنفسهم والعكس صحيح اذن فالمسألة ليست نوع الجنس و انما نوع الفكر والأدب . وكفى حججآ بأن النساء ناقصات عقل ودين ونسب تلك الأحاديث لا أقول الضعيفة بل المدمرة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كيف يكن ناقصات عقل و دين وهن الأمهات اللاتي تحت أقدامهن الجنة كيف وهن أحق الناس بصحبتنا كيف وهن من يبذلن الغالي و النفيس لاسعادنا كيف وهن يقدمن أرواحهن فداءآ لأبنائهن ويؤثروهم على أنفسهن كيف و فاقد الشئ لا يعطيه فان كن ينقصهن العقل و الدين فنحن على هذا الحال بالتبعية ينقصنا العقل و الدين فهن من أنجبوننا و ربوننا ، وكم من رجال ضلوا الطريق فأرشدتهم نساء كن لهم أمهات أو أخوات أو زوجات .
اذن فالمسألة ليست نوع الجنس و انما نوع العقل والدين ؛ ولو أنهن ناقصات عقل ودين فعلآ فالأولى اذن أن يتحجب الرجال لا أن يقصروا جلابيبهم ، وحديث أبو بكرة بأنه لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، والذي يتخذه السلفيون والمتشددون ذريعة لقمع النساء ورفض توليتهم الحكم حتى لو استحقوا ذلك ، فقد ثبت من واقع كتب التاريخ أن الفرس لم يولوا امرأة يومآ حكمهم ، أي أنه حديث مكذوب عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا بالطبع مع الوضع في الاعتبار وضع النساء في ذلك العصر من حرمان من العمل والتعليم في السواد الأعظم منهن وفقآ لما تم توضيحهه مسبقآ . ان الأصل في الاسلام وكل مقصده الأساسي هو اقامة العدل والحرية والمساواة بين الناس ونشر للمحبة والسعادة ولم ينزل القرآن لنشقى ، وان كان الاسلام ساوى بين النساء والرجال في المسؤوليات والواجبات فانه من العدل والبديهة انه ساوى بينهم في العطايا و الحقوق حتى لايكون للناس على الله سبحانه وتعالى حجة يوم القيامة ، فلنكن أبناء هذا العصر بالحق ولا نكن عليه بما سلف من عصر فنحيله ظلمآ وبهتانآ ، فان كان الاسلام قد وضع وأشار الينا بقواعد و أساليب لتحقيق العدالة والمساواة فانها في النهاية منارات نستعين بها وترشدنا نحو موانئ العدل والحق اللاتي تتغير بتغير الزمان والمكان . فالله له الملك و العدل أساس الملك .
* بقلم د. حمد حمدي سبح *
اترك تعليقاً