روح القانون ” بين الحقيقة و الوهم “
الكل يتطلع إليها .. و الكل أيضا يظلمها ..
الظالم و المظلوم .. الجاني و المجني عليه .. المتهم و الضحية ..
يولون وجوههم إليها كـ الراهب في محراب الأمل
فإذا وقعت حواف النص على رقبته كالمقصلة .. بحث عنها كمن يبحث عن طوق النجاة في لحظة غرق
و يبكيها إذا ما خزلته في لحظة أمل
فإذا أنصفت المتهم .. جرحها المجني عليه
و إذا ما انصفت المجني عليه .. أهال المتهم على وجهها التراب
و النص جاف و العدالة عمياء و الحكم عنوان الحقيقة
فهل الحكم عنوان الحقيقة ؟
ماذا لو الحقيقة غائبة أو مغيبة أو مدفونة في عمق الحدث ؟
تظل روح القانون هي الملاذ لكل من التفت حول عنقه مشنقة النص الذي لا يرحم و لا يفرق بين هذا و ذاك فالكل في نظره سواء
لكن أين هي روح القانون ؟
روح القانون مجرد فكرة أو قناعة تتضح عند تفسير النص و تتلبس القاض و هو يقرأ الأوراق و يمحّص الأدلة و يتأمل الشواهد و يدرس القضية من كل جوانبها و بعدها تبدأ هي في الظهور و العمل لكي يخرج الحكم عنوانا للحقيقة
** و تبرز روح القانون في القضايا الجنائية أكثر من غيرها .. تلك التي تثير ملابساتها مخيلة القاضي .. فيرى بعين قلبه و عقله و بصيرته .. إن كان هناك دوافع نفسية أو عقلية أو مرضية أو حتى ظروف خاصة بالزمان و المكان أدت إلى حدوث الفعل الاجرامي
فتنتفض بداخله روح القانون و هو يبحث في النصوص عن عقوبة ملائمة للفعل لما له من سلطة تقديرية و طبقا لما أعطاه النص ذاته من خيارات تسمح له بتخفيف العقوبة أو وقفها أو حتى تبرأة المتهم منها
لهذا فروح القانون تتجلى في هذه الحكمة التي يجب أن يتمتع بها القاض عند نظر القضايا و عند توقيع العقوبة بعد الدراسة الوافيه لكل الملابسات التي أحاطت بالجريمة
لكن متى تختفي روح القانون ؟
تختفي روح القانون في تلك القضايا ذات الطبيعة الجافة و التي لا تحتمل نصوصها خيارات و لا تعطي للقاضي سلطة تقديرية طالما توافرت كل المقومات التي تؤدي إلى تطبيق النص على الفعل بلا تردد
و أبرزها قضايا القضاء الإداري بكافة درجاته
إذ أنه يكفي وقوع الفعل لكي يطبق عليه النص بحرفية جامدة
فإذا خالف قانون مادة دستورية حكم بعدم دستوريته و اعتبر معدوما و بالتالي انعدت كل الآثار التي ترتبت عليه ..
و إذا خالف قرار حكومي قانون إداري تم الحكم بإلغاء القرار و ما ترتب عليه من آثار …
لهذا فإن روح القانون تتجلى بقوة في قضايا و تختفي بقوة في قضايا و تتأرجح بين القوة و الضعف في قضايا أخرى كالأحوال الشخصية
و العبرة بنوع الفعل و نوع القانون الذي سيطبق عليه
و تظل روح القانون هي القشة التي يبحث عنها الغريق في لحظة أمل
بقلم : منار يوسف
اترك تعليقاً