خطاب القانون واشخاصه .. المرأة انموذجاً / المحامي سلام مكي / نقلا عن جريدة القضاء الواقف
القانون، بما يمثله من نسق فكري، مجتمعي عام، تستدعي وجوده، عدة معطيات وأسس تنظيمية يرتكز عليها. ولعل أشخاصه يعتبرون أهم مبررات وجوده، ونعني بأشخاص القانون: من يتوجه إليهم خطابه
أي من يمتثلون لنصوص القانون، والخاضعين لولاية القضاء. وثمة نوعان من الأشخاص : الشخص الطبيعي ونقصد به الإنسان. والشخص المعنوي ونقصد به المؤسسات الرسمية والدوائر الحكومية والشركات الأهلية التي منحها القانون الشخصية المعنوية، وفق ضوابط محددة . وعندما نقول : بأن الشخص الطبيعي هو الإنسان، فلا نعني به أي إنسان، ذلك أن خطاب القانون لا يتوجه إلا للإنسان العاقل، والبالغ سن الرشد وغير المحكوم بجناية أو جنحة .
فالمجنون والمعتوه والسفيه والمحجور لذاته أو بحكم القانون، لا يعتبرون من أشخاص القانون، وتصرفاتهم ومعاملاتهم تعتبر باطلة. كما إن مسؤوليتهم الجنائية تختلف عن مسؤولية الشخص العاقل، البالغ . وما يتعلق بالمرأة، باعتبارها شخصا طبيعيا، نجد أن خطاب القانون الموجه إليها يتباين، من فرع لآخر، حسب طبيعة ذلك الفرع من القانون، ونظرة المصادر التي يستقي منها أحكامه فيما يتعلق بالمرأة.
البعد العام للموضوع، يتمثل بما جاءت به المادة 29 من قانون المرافعات المدنية رقم 88 لسنة1956) تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية( فالمبدأ العام هو سريان القانون على الرجل والمرأة بصورة متساوية. أما البعد التفصيلي،أو الخاص يتمثل بعدة نصوص قانونية، موزعة بين القوانين المدنية و الجزائية.
فبالرغم من ان نصوص هذه القوانين مستقاة من الشريعة الإسلامية، إلا إنها مثلت إشكالية فكرية، وأثارت جدلا بين الأوساط القانونية ومنظمات المجتمع المدني.
كقاعدة عامة، خطاب القانون ساوى بين الرجل والمرأة، حيث جعلهما تحت مسمى واحد: الشخص الطبيعي. أي ان الذي يسري على الرجل، يسري على المرأة، وهذا يعني إن مرتكب الفعل غير المباح الجريمة رجلا كان أو امرأة، يعاقب بالعقوبة المقررة نفسها.
لكن الواقع يشير إلى غير ذلك. فعقوبة جريمة الزنا مثلا، تختلف باختلاف مرتكبها، فإذا كانت الزوجة هي مرتكبة هذا الفعل تعاقب بالحبس حسب ماجاءت به المادة 377 من قانون العقوبات. بينما تنص المادة ذاتها على إن يعاقب الزوج بالعقوبة نفسها في حالة ارتكابه فعل الزنا في منزل الزوجية. اذن الزوج معفي من العقوبة لو مارس الفعل خارج منزل الزوجية. وقد تناول الدكتور ماهر شويش الدرة في كتابه (شرح قانون العقوبات .. القسم الخاص) هذه المادة بصورة موجزة، حيث عاب على القانون وضع هذه العقوبة للزوجة الزانية، على اعتبار إنها لا تتناسب وجسامة الفعل، بينما نراه يذهب إلى تأييد المذهب القائل بإعفاء الزوج الذي فاجأ زوجته، أو إحدى محارمه في حالة التلبس بالزنا من العقوبة في حال قتلهما أو التسبب بعاهة لإحداهما، على اعتبار إن الزوج أصيب باستفزاز خطير في اعز ما يملك: شرفه.
بينما لا نجد هذا الحق للزوجة، أو على الأقل اعتباره عذرا مخففا. لذا ، اعتبرت المادة 409 من قانون العقوبات مثالا على التمييز وعدم المساواة في خطاب القانون. إن لهذه المادة أبعادا أخرى، فهو لا يعتد بما ستؤول إليه الحالة النفسية للزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسا بالزنا، فالسؤال: ألا يمكن أن تصاب الزوجة أيضا باستفزاز خطير؟ وتفترض أن عفاف الزوج شيء مكمل للعلاقة الزوجية، فللزوج أن يزني في فراش الزوجية، ولا تنتظره عقوبة سوى الحبس!! أما المرأة فأهون ما ينتظرها هو الموت. والعقوبة الأخرى التي نص عليها المشرع في عقوبة الزوج الزاني حيث انه جعل من الخيانة الزوجية مبررا لطلب المرأة التفريق من زوجها. لكن : هل بمقدور المرأة أن تثبت خيانة زوجها بالسهولة التي يتصورها القانون؟
إذا علمنا أن فعل الزنا واقعة مادية، ويتطلب إثباتها بينة شخصية، أي اثنان من الشهود . فكيف يمكن للزوجة أن تجلب شهودا لواقعة ، مرتكبها يبالغ في سريتها؟
إضافة إلى أن القانون لا يعترف بسوى (دليل كتابي و بينة شخصية) ومؤكد أن المرأة لا تملك إزاء زوجها سوى الدليل الكتابي المتمثل بعقد الزواج الذي من خلاله يمكنها الحصول على حقوقها في النفقة والمهر والحضانة ، أما البينة الشخصية التي تحتاجها المرأة في الحالات السالفة الذكر، فتعتبر استحالة، فواقع المجتمع، وظروف الوقائع تستدعي أن تجد المرأة صعوبة من يقف معها في إثبات حقها، باستثناء الدعاوى الشرعية، وهي غالبا ما تكون قليلة.
لكن، فيما يخص الرجل، فنجد إن المجتمع بأكمله مستعد للشهادة ضد الزوجة، حقا أو باطلا . إن مطلب المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون ليس حديثا مقارنة بالمعطيات الاجتماعية الأخرى التي انتهت إلى اتفاقيات وقوانين، لكنه لم يتبلور كقاعدة رسمية أو شرعة دولية إلا بعد أن تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1979و دخولها حيز التنفيذ سنة 1981 بعد مصادقة عدة دول عليها، والعراق بدوره صادق على الاتفاقية سنة 1986 على الرغم من تحفظه على بعض المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية. ما نريد قوله: إننا لا ندعو للغلو في المساواة بين الرجل والمرأة كما تطالب بذلك بعض منظمات المجتمع المدني، فالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في القانون أمر غير مقبول، لكن حق المساواة في التقاضي، وإتاحة الفرصة للمرأة أن تدافع عن نفسها أمام القضاء، هو المطلب الأساسي،وتيسير الإجراءات القضائية لصالح المرأة . وإلغاء ما من شأنه التقليل من كرامة المرأة.
فثمة كثير من النصوص القانونية، لا تجعل من المرأة صنو الرجل، أو باعتبارها تشكل معه ما يسميه القانون بالشخصية الطبيعية، فهي مجرد تابع له ، وعندما نقول شخصية طبيعية فنعني به الرجل. وحسنا فعل المشرع العراقي انذاك على عدم القبول ببعض ما جاءت به الاتفاقية كونها تذهب الى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة غير اخذة بنظر الاعتبار خصوصية المرأة وما فرضته الشريعة من اعتبارات .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً