الخروقات الدستورية ودولة القانون / للقاضي زهير كاظم عبود
يقول الدستور العراقي في الفقرة اولاً/أ من المادة 9 بان القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية لاتكون أداة لقمع الشعب العراقي ولايمكن ان يتم استعمال هذه الاجهزة لقمع الشعب والتصدي له حتى لايمكن له ان يعبر عن إرادته بالشكل السلمي القانوني وان لكل فرد من افراد الشعب العراقي له الحق في الحياة والحرية والامن ولايجوز الحرمان او تقييد هذه الحقوق الا وفقاً للقانون ومنع الدستور بشكل مطلق كل اشكال العنف ضمن المجتمع العراقي وان الدولة تكفل بمقتضى نص المادة 38 من الدستور حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وان حرية الاجتماع والتظاهر السلمي مصونة وتنظم بقانون .هذا ما يقوله الدستور ولكن هل يمكن ان تكون أجهزتنا الامنية بالمستوى المطلوب من الوعي القانوني بحيث يعتبر كل تجاوز على هذه النصوص خرقاً للدستور وتجاوزأ للقانون وهل ان افراد الاجهزة الامنية التي يفترض انها تتصدى للقوى الارهابية والمعادية لحياة وحرية شعب العراق ان يكونوا بالمستوى المطلوب لمعرفة المبادئ الاساسية لحقوق الانسان؟ ليست حادثة التصدي للجماهير التي خرجت في مدينة الحمزة الشرقي بالديوانية حادثة عابرة كما ليست الحادثة التي حصلت في مدينة الشعلة في بغداد حصلت بالصدفة وكلتا الحادثتين نتج عنها دماء وضحايا وكلتا الحادثتين وجهت فيها القوى الامنية فوهات الرشاشات الاوتماتيكية لصدور الشباب الذين كانوا يحملون أرواحهم ويحلمون بالتعبير عن امنياتهم وطلباتهم المشروعة كلتا الحادثتين كانت فيها الجماهير تتظاهر لتعبرعن استيائها ورفضها للواقع المرير والخدمات السيئة وسوء الادارة التي تلقاها وكانت تظاهرة سلمية ترتفع فيها الاصوات اعتقاداً منهم انها تصل الى اسماع المسؤولين .
الحصة التموينية تشكل غذاء الفقراء وهي مشروع انساني يساند الفقراء والموظفين الصغار ضد غلاء السوق وارتفاع الاسعار غير ان هذه الحصة تضيع شهرياً ويتم تجاوزها اشهر اخرى غير ان هذه الحصة تشكل حقاً مشروعاً من حقوق المواطن العراقي عليه ان يتعرف على خفاياها المسؤول عنها وعليه ان يتعرف اين تذهب اموالها ولماذا لايتم صرف مبالغها؟ واين تذهب تلك المبالغ والاموال ؟ومن المسؤول عن اخفاء مواد عديدة واساسية من الحصة التموينية والاسئلة كثيرة وتطول غير ان من حق المواطن العراقي ان يسأل وان يطالب بالمحاسبة وان يتظاهر ويعتصم وان يمارس حقه الدستوري غير ان بعض العقول الضيقة لم تستوعب تغيير الزمان ورحيل زمن الدكتاتورية وهؤلاء لم يستوعبوا المبادئ الاساسية لحقوق الانسان ولا نصوص الدستور فكيف يمكن لنا ان نرفع من مستوى هذه الاجهزة وان يتم تدريس حقوق الانسان في المناهج الدراسية وان نحاسب بشدة كل من تخول له نفسه بخرق هذه الحقوق والتجاوز على حياة وحرية الناس وان يكون عبرة لغيره حتى يمكن ان يعكس صورة حقيقية تبرز الخلل والخطأ في التعامل وتحمل النتائج التي يجب ان تعلن للشعب
و إذ تتعدد المطالب وجميعها مشروعة ومن حق الناس ان تطالب بها ، من حق الناس ان تطالب بالكهرباء المطلب الذي بات شبه دائم وثابت ودون حلول تنقذ الناس من مأساة تردي واقع الكهرباء ونحن نعبر الى القرن الحادي والعشرين وامام فترة زمنية تجاوزت السبع سنوات تردت فيها المنظومة الكهربائية كثيراً وصرفت فيها اموال خيالية وسرقت واختلست اموال خيالية ايضاً دون ان يحقق المواطن العراقي ولو بصيصاً من الامل في تحسين وضعه المعاشي او الخدماتي فالطرق ما زالت متربة والحفر تملأ طرق العراق والمياه الأسنة تملأ الشوارع وتقطع الساحات وتلوث المياه التي يشربها المواطن العراقي وتردي الحالة التربوية والدراسية وتراجعها وتخلف الاستثمار وفشله في استقطاب شركات ومشاريع وتردي الخدمات الصحية وسوء الحالة الطبية وتخلفها وتدهور التعليم والزراعة بالأضافة الى حالة البطالة وتهميش الكفاءات والخريجين وفوق كل تلك المواجع تنتشر الرشوة والفساد في مفاصل الدولة العراقية بالأضافة الى الوضع امني متخلخل لا يمكن ان تطمِئن له العائلة العراقية .كيف يمكن ان يفهم عنصر الامن والشرطي والجندي البسيط ان يوجه فوهة السلاح لإخوته واهله ؟ وإن لادستور ولا القوانين ولا التعليمات الامنية او العسكرية تبيح له ان يقتل إخوته ولا حتى ان يتم اطلاق النار فوق الرؤوس واحداث حالة من الرعب والتخويف تتعارض مع حق الانسان في التعبير.كيف يمكن ان نقرأ نصوص وبنود مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان على الشرطة والجنود وان نجعلها نصوصاً يتم اختبارهم بها قبل قبولهم في مسلك الشرطة والامن وان نعلمهم قبل مباشرة وظائفهم اصول التعامل مع المتظاهرين والمحتجين والمعتصمين وان تكون هناك وحدات متخصصة في هذا المجال ما حدث اخيراً إشارات لاتدعو ولا تبشر بالخير فخروقات قضية الحرية اتسعت في مجالات عديدة وتؤشر بانحدار خطير يمكن ان تنزلق معه الحياة العراقية الى الخراب والتردي بديلاً عن التطور ومسايرة الشعوب والعصر خروقات تتعدد اسبابها وتختلف حججها جميعها تعبر عن ذهنية المسؤول وفكر الموظف الذي يعتقد يقيناً انه الحاكم العسكري الأوحد وفي زمن نزعم فيه إننا نتمسك بان لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية يتم سحق مبادئ الديمقراطية وفي زمن نزعم إننا نتمسك بعدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية في الدستور يتم الاستهانة بحقوق الناس وحرياتهم وفي زمن نعتقد فيه ان الموظف خادم للشعب وليس العكس .
وإزاء هذا الانحدار لانجد وقفة تتناسب مع تلك الخروقات فالاستنكار وحده لايقوّم النصوص ويعيد لها القوة والرفض وحده لايتناسب مع ما يحدثه هذا السحق من خراب والصمت وحده لايمكن ان يعلم المخطئين الذين يتعاملون مع جميع العراقيين وفق رغباتهم واعتقاداتهم شيئاً وستبقى الامور متدهورة وهذا التدهور يشكل علامة خطيرة في حياة العراق. إننا إزاء حالة ينبغي ان يتم تشخيصها وفقاً للمبادئ الاساسية للدستور وإننا ازاء حالة مهمة خلقت نتائج خطيرة لايمكن ان تنتهي دون حلول ودراسة واحكام مادمنا حقاً نريد دولة اسمها دولة القانون. دولة القانون ان لايكون لكل واحد منا مزاجه في التطبيق ولايمكن لأي منا ان يسحب فلسفته وافكاره وان يفرضها على الغير قسراً دولة القانون ان يتم تطبيق نصوص الحريات والحقوق بشكل واضح دقيق وصريح وان لاقيمة للنصوص الدستورية والقانونية دون ان يتم تطبيقها على الواقع .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً