الـرأي الـمـنـكـر لـوجـود نـظـام عـام عـبـر دولـي
بداية نشير إلى أن مفهوم القواعد العبر دولية يمكن أن يستغرق لوحده بحتا مستقلا، إلا أننا سنقتصر في البحث عن النقط التي تفيد بحث النظام العام العبر دولي، وذلك بالبحث ومن خلال قواعد النظام العام ومدى تأثيرها وتأثرها كونها تثير إشكالات عديدة ومتنوعة باعتبارها أكتر المواضيع إثارة للجدل في إطار التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية .
ففيما يتعلق بوجود قواعد ذات طابع أمر أو عبر دولية فيرى أصحاب هذا الرأي أنه من المقرر وباختلاف القوانين الوطنية أن القاضي الوطني لايقوم باستبعاد أحكام القانون الأجنبي المختص إلا إذا تعين مناهضتها لما هو مقرر في دولته ولا يلزم أن يقوم القاضي مباشرة بتطبيقها مهما كان مضمون أحكام القانون الأجنبي المختص وأن اشتمال قانون القاضي على مثل هذه القواعد يفترض أن بمقدور هذه الدول أن تقوم بتعينها في حين أن ذلك ليس بمقدورها وذلك لتعذر تحديدها وإذا تم تحديدها سلفا فسيؤدي ذلك إلى زيادة اتساع دائرة اختصاص قانون القاضي على حساب اختصاص القوانين الأجنبية.
كما يرى أصحاب هذا الاتجاه أيضا، أن القانون الأجنبي قد يتوافق مع النظام القانوني لدولة القاضي الأمر الذي لايتأتى معه أن نحدد سلفا ما اذا كان القانون الأجنبي المختص موافقا أو مخالفا للنظام العام في دولة القاضي، ولا يستقيم منطقيا أن يثبت للنظام العام نقيض الوصف أو الوظيفة التي تثبت لقاعدة الإسناد كقاعدة غير مباشرة، في حين أن النظام العام يعتبر استثناءا من حكم قاعدة الإسناد أو أنه يشكل في نطاق العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي ،قاعدة من قواعد تنازع القوانين أو جزءا لا يتجزأ منها وليس قاعدة مادية .
ذلك أنه لايوجد في نظرهم حكم قانوني يمكن أن يوصف بأنه مطلق القيمة. بحيث يتأتى للدولة الصادر عنها أن تفترض تطبيقه على كل نزاع، فكل مافي الأمر أن مثل هذه القواعد الآمرة تلحق بمنهج قواعد الإسناد، فالقاضي الوطني لايقوم بإعمال ماهو مقرر في بلده من مثل هذه القواعد الآمرة إلا حين يتبين له بعد إعمال منهج قواعد الإسناد أو القانون الذي تشير باختصاصه قاعدة الإسناد يتضمن أحكاما تناهض القواعد الآمرة، وذلك هو مفهوم الدفع بالنظام العام.
أما ما يخص فكرة النظام العام العبر دولي أمام المحكم الدولي، فهي الأخرى لم تسلم من النقد الموجه لها، حيث يذهب جانب من الفقه إلى إنكار وجود نظام عام عبر دولي بما يدل عليه هذا الاصطلاح، فهذا النظام يعتبر نظام قانوني فوق الدول لمجتمع يتكون من أشخاص خاصة، وهذا المجتمع غير موجود في الوقت الحاضر.
فالمجتمع الدولي الوحيد الموجود حاليا هو المجتمع المؤلف من الدول ويخضع للقانون الدولي العام، وأن النظام العام العبر دولي وعلى فرض وجوده سيكون خاصا وإن صح التعبير متعلقا وجودا وعدما بالقانون الدولي العام.
وقد أعلن بذلك الفقيهNiboyet أن النظام العام العبر دولي هو القانون الدولي العام نفسه يتطابق معه ويمتزج به، وفي نفس الاتجاه يذهب الأستاذ Rollin إلى ماذهب إليه سابقه في هذه الزاوية، كما ذهب الاستاد Franchescakis الى نفس الأمرحيث تبنى وضعا مشابها، فعنده إن الصفة أو الطبيعة الوطنية للنظام العام الدولي مازالت حتى اليوم العقيدة أو الركن الذي يستند عليه النظام العام في القانون الدولي الخاص، وأن إجماع الفقه يكاد ينعقد بأن النظام العام يكون دوليا بالنظر إلى طبيعة العلاقة القانونية ويظل وطنيا لأنه يعبر عن المفاهيم والأفكار الأساسية للمجتمعات الوطنية ،ويتنوع مفهومه تبعا لتنوع الدول .
كما أن المصطلح المستخدم في القضاء في هذا الصدد هوا لتمييز بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي بمفهوم القانون الدولي الخاص، ولم يقر بعد بمفهوم النظام العام بمفهومه الحقيقي أي العبر دولي وذلك لعدم وجود سلطة عليا فوق الدول يمكن لها أن تفرض هذا النظام، فتطبيق المبادئ العامة التي تشترك معظم دول العالم في الاعتراف بها بإسم النظام العام العبر دولي هو خلط غير مستساغ، فالقاضي حينما يطبق النظام العام الدولي ، إنما يفعل ذلك لأن الأمر يمس النظام العام الوطني السائد في دولته .
ذلك أن صعوبة التسليم بالنظام العام العبر دولي هي نتيجة للصفة الوطنية لقواعد القانون الدولي الخاص، ولتعذر القول بوجود تنظيم دولي متكامل لهذا الفرع من فروع القانون. إذ ليس هناك نظام عام دولي ونظام عام وطني، وإنما النظام العام كقاعدة عامة هو الذي يتسم بصفته الوطنية ، وكل مافي الأمر أن دور فكرة النظام العام ونطاق إعمالها يختلف في القانون الداخلي عنه في مجال القانون الدولي الخاص .
كما يؤخذ على هذه الفكرة أمام قضاء التحكيم التجاري الدولي بأنها وسيلة مشبوهة، لأنه كثيرا مايستبعد المحكمون تطبيق القوانين الوطنية للدول النامية بدعوى تعارضها مع النظام العام العبر دولي والذي تتطابق سماته وملامحه مع المبادئ العامة للأمم المتمدنة، ونادوا بفكرة تدويل الأحكام التي يجب أن تخضع لها عقود الدولة بمبررات أبسطها أن هذا التدويل من شأنه أن يسد ماقد يظهر من نقص في قانون الدولة المتعاقدة .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً