الرقابـــة القضائيـــة
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة و اكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد . وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها بما في ذلك الإدارة . وإلا تعرض المخالف للمسألة .
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة لا يميز النوع الأول بين الأفراد والإدارة في مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم لنظام قضائي واحد هو القضاء العادي، ويسمى بنظام القضاء الموحد . أما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج ويتم فيه التمييز بين منازعات الأفراد ويختص بها القضاء العادي والمنازعات الإدارية وتخضـع لقضاء متخصص هو القضاء الإداري .
المطلب الأول : نظام القضاء الموحد
يسود هذا النظام في إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى، ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها
وهذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية إذ يخضع الأفراد والإدارة إلي قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد([1]). بالإضافة إلي اليسر في إجراءات التقاضي إذا ما قورنت بأسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج .
ومع ذلك فقد وجه النقد إلي هذا النظام من حيث انه يقضي على الاستقلال الواجب توفره للإدارة بتوجيهه الأوامر إليها مما يعيق أدائها لأعمالها، مما يدفع الإدارة إلي استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها، ولا يخفى ما لهذا من إضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم .
ومن جانب آخر فأن نظام القضاء الموحد يؤدي إلي تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفعهم إلي الخشية من أداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءلة، وإذا مـا قرر القضاء تضمين الموظفين بناءً على هذا المبدأ فانه يحرم المضرورين من اقتضاء التعويض المناسب لضعف إمكانية الموظف المالية غالباً ([2]).
المطلب الثاني : نظام القضاء المزدوج
يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين، جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص، ويطبق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص.
وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام .
وتعد فرنسا مهد القضاء الإداري ومنها انتشر هذا النظام في الكثير من الدول كبلجيكا واليونان، ومصر، والعراق، لما يتمتع به من خصائص مهمة، فالقضاء الإداري قضاء إنشائي يسهم في خلق قواعد القانون العام المتميزة عن القواعد العادية في ظل القانون الخاص والتي يمكن من خلالها تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم .
وان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الافراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الادارة، وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية في ان رقابة القضاء على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدودة وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة.
ولا شك في أن نظام القضاء المزدوج كان قد نشأ أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية، وهو ما وفر للقضاء الإداري الكثير من الاستقلال والخصوصية يناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الإدارية وإنشاء قواعد القانون الإداري المتميزة أصلا عن قواعد القانون الخاص
وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الإدارية و البساطة في الإجراءات ضماناً لحسن سير المرافق العامة، الأمر الذي تمليه طبيعة المنازعات الإدارية وتعلقها بالمصلحة العامة غالباً.
وتعد محكمة القضاء الاداري في العراق التي تم انشائها بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 (قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 ) ركناً مهماً من اركان احترام القانون فتختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والتعويض عنها.
فقد ورد في المادة السابعة / ثانياً من القانون اعلاه:
(( يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص ما يلي:-
1- ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة والتعليمات.
2- ان يكون الامر او القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص او معيباً في شكله.
3- ان يتضمن الامر او القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعليمات او تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة ويعتبر في حكم القرارات او الاوامر التي يجوز الطعن فيها رفض او امتناع الموظف او الهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عن اتخاذ قرار او امر كان من الواجب عليه اتخاذه قانوناً )).
الا انه وجه إلي نظام القضاء المزدوج بعض النقد من حيث أن وجود جهتين قضائيتين في الدولة يؤدي من جانب إلي تعقيد في الإجراءات وإرباك الأفراد في اختيار جهة التقاضي ويؤدي من جانب آخر إلي تنازع في الاختصاص القضائي بين القضاء العادي والقضاء الإداري.
إلا أن هذه المشكلة أمكن حلها عن طريق إنشاء مرجع للفصل في تنازع الاختصاص سواء أكان التنازع إيجابيا أم سلبياً . وفي فرنسا تم إنشاء محكمة تنازع الاختصاص التي تعد مكملة لنظام القضاء المزدوج، وتعمل على فض التنازع على الاختصاص أو التعارض بين الأحكام ([3]).
كذلك فان المشرع المصري عهد إلي المحكمة الدستورية العليا المنشأة بموجب القانون رقم 48 لسنة 1979. حسم مشكلة تنازع الاختصاص، حيث تنص المادة 25/2 على أن تختص المحكمة “……… الفصل في تنازع الاختصاص بتعين الجهة المختصة من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي كما تختص بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأنه تنفيذ حكمين نهائيين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والأخرى من جهة أخرى”.
اما في العراق فقد انشأ المشرع في قانون تعديل قانون مجلس شورى رقم 106 لسنة 1989 هيأة تنازع الاختصاص تتالف من ستة اعضاء : يختار رئيس محكمة التمييز ثلاثه من بين اعضاء المحكمه , اما الثلاثه الاخرين فيختارهم رئيس مجلس شورى الدولة من بين اعضاء المجلس وتجتمع الهيأة برئاسة رئيس محكمة التمييز لتتولى النظر في التنازع الحاصل في الاختصاص بين القضاء الاداري والمحاكم المدنيه وتتخذ الهيأة قراراتها بالاتفاق او الاكثرية
-[1] H. W. R. Wade، Administrative law، 1967 . P11 .
[2]- ينظر :
– د. صبيح بشير مسكوني، المصدر السابق، ص81 .
– د. سامي جمال الدين، المصدر السابق، ص229 .
– د. محمد عبد الله الحراري، المصدر السابق، ص38 .
[3]- د. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق، ص74
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً