الشروط الشكلية اللآزمة لصحة الشيك
إن بداية استخدام الشيكات (cheques or checks) في أواخر القرن التاسع عشر أحدث ثورة في التعاملات بصفة عامة وفي العمل المصرفي بصفة خاصة ومع تطور التشريعات أصبح للشيك شروطا معينة لا بد من استيفائها حتى تشمله الحماية الجنائية المقررة بمقتضي قانون العقوبات والجنايات و هذه الشروط المعينة بعضها شكلية والأخرى موضوعية وللأهمية سنتناول في هذا المقال الشروط الشكلية للشيك و نأمل أن نتناول الشروط الموضوعية في مقال لاحق.
من الشروط الشكلية أن يتم إثبات أو كتابة الشيك في “محرر كاف بذاته” وأن يشتمل هذا المحرر علي البيانات أو التفاصيلparticulars المقررة قانونا أو عرفا، ومن الشروط الشكلية الأساسية التي يجب توافرها في الشيك نذكر:
1- ثبوت الشيك في محرر كاف بذاته: يعد إثبات – كتابة – الشيك في محرر شرطا شكليا ضروريا كي يؤدي الشيك دوره كأداة وفاء instrument of payment، ويستوي في ذلك أن يكون الشيك محررا على النموذج الخاص المتعارف عليه مصرفيا أو أن يكون محررا علي ورقة عادية وسواء كان مكتوبا بخط الساحب أو بخط غيره أو باستخدام آلة طابعة.
والآن يشترط أن تحرر الشيكات على النماذج – أو دفاتر الشيكات – التي أعدتها البنوك طالما كان هناك اتفاق بين الساحب والبنك المسحوب عليه لأن ذلك يعد اتفاقا صحيحا في القانون وليس فيه ما يخالف الصالح العام.
ويرى البعض أن الاتفاق السابق بين الساحب والبنك المسحوب عليه يجب ألا تنتج آثاره إلا بين أطرافه فقط فلا يسري في حق المستفيد الذي لم يكن طرفا في العلاقة القانونية ، وبالتالي فان ذلك لا يمنع من تحرير الشيك على ورقة عادية ، وعليه لا يكون للبنك حق الامتناع عن صرف قيمة الشيك لأنه من غير المقبول أن يتمسك البنك بآثار اتفاق لم يكن الأخير طرفا فيه.
ولا يكفي أن يثبت أو يكتب الشيك في محرر، وإنما يجب أن يكون هذا المحرر كافيا بحد ذاته لتحديد ما يثبته من حقوق للمستفيد والتزامات على المدين، ودون أن يعلق على ذلك أمر خارج عن نطاقه أو شرطا، لان الشيك وفقا للتعريف القانوني هو عبارة عن أمر غير مشروط بدفع مبلغ معين لشخص معين في تاريخ معين “a cheque is an unconditional order to pay certain amount of money by a certain bank to a certain person at a certain date” وعلى ذلك فإذا ذكر في المحرر – الشيك – تعليق دفع قيمته علي قيام المستفيد بعمل معين، فان الشيك يفقد استقلاله الذاتي ولا يعتبر شيكا بالمعنى القانوني، ولذا لا يجوز في الشيك الأمر بدفع قيمة الشيك شريطة استلام المستندات أو المفاتيح ……
2- تضمين الشيك بيانات معينة: يجب أن يتضمن الشيك بيانات معينة قد يحددها المشرع، أو يترك تحديدها للعرف الجاري وهذا نادر الحدوث. وبصفة عامة فان البيانات والتفاصيل التي يجب أن يتضمنها الشيك هي:
أ- الأمر بالدفع لدى الاطلاع : على أن يكون هذا الأمر حالا غير معلق على شرط أو مضافا إلي أجل.
ب- قيمة مبلغ الشيك محددة بالنقود :يشترط أن يكون مكتوبا على الشيك مبلغا محددا، فلا يجوز أن يكون على الشيك شيء آخر خلاف النقود أو أن يكون المبلغ غير محدد القيمة كأن يأمر الساحب المسحوب عليه بدفع باقي رصيده إلى المستفيد. ولا يوجد ما يمنع من أن يكتب المبلغ على الشيك بالأرقام أو الحروف وإن جرى العرف على أن يكتب بالأثنين معا، وتكون العبرة بالرقم المكتوب بالحروف في حالة الاختلاف بالمبلغ الأقل إذا أثبت المبلغ عدة مرات بالحروف و ذلك في حالة الاختلاف. ومن الناحية العملية فأننا نلاحظ أن هذا يحدث كثيرا وبطرق متعددة ويجب اليقظة تجنبا للمشاكل.
ج- اسم المسحوب عليه:يجب أن يذكر في الشيك الجهة المنوط بها دفع قيمة الشيك سواء كانت بنكا أو غيره، ولا يشترط لصحة الشيك قبول المسحوب عليه. وفي الواقع فان المشرع لم يتطلب شروطا خاصة في المسحوب عليه ، وعلى ذلك يجوز أن يكون المسحوب عليه بنكا، أو فردا أو جهة أخرى (مع العلم أن قانون جنيف الموحد للشيكات1931 يحظر سحب الشيكات على غير البنوك. كما تضمن قانون التجارة الاتحادي لدولة الأمارات النص على ضرورة أن يكون المسحوب عليه بنكا أو مصرفا و هذا النص موجود أيضا في القوانين في عدة بلدان). و نظرا لما جرى عليه العمل من تحرير الشيكات علي نماذج مطبوعة، فإن هذه النماذج تتضمن في بياناتها المطبوعة اسم البنك المسحوب عليه، سواء كان المركز الرئيسي أو أحد الفروع.
د- اسم المستفيد: وهو الشخص الذي تم تحرير الشيك لمصلحته سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا. وجرى العرف أن هناك ثلاث صور لكيفية ذكر المستفيد في الشيك :
1- أن يصدر الشيك باسم معين – اسم المستفيد.
2- أن يصدر الشيك لأمر شخص معين.
3- أن يصدر الشيك لحامله. وكقاعدة عامة فإذا لم يبين اسم المستفيد يعتبر الشيك لحامله.
قد يكون المستفيد من الشيك هو الساحب نفسه وهذا الوضع انتشر استخدامه حيث يعتبر الوسيلة المألوفة التي يتمكن بها صاحب الوديعة النقدية من سحب وديعته من البنك المودع لديه. ويجوز أن يتعدد المستفيدون وأن يصدر الشيك لأمرهم جميعا، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الوفاء لهم مجتمعين بحيث أنه إذا وفى البنك لأحدهم أو بعضهم فان هذا الوفاء لن يبرئ ذمته إلا إذا دلت صيغة الشيك على جواز الوفاء لأحدهم حينئذ يجوز الوفاء لأي منهم بشرط أن يحرر الشيك و يقوم البنك باسترداده عند وفائه له بقيمته.
هـ – تاريخ سحب الشيك : و يقصد به تاريخ تحرير الشيك، و يفترض أن يكون الشيك منذ هذا التاريخ واجب الدفع بمجرد الاطلاع عليه، هذا ونشير إلى أن تاريخ الشيك يعتبر من البيانات التي تثير عدة صعوبات عند التطبيق وجدل في التفسير، لذلك فان بعض التشريعات تفرض عقوبة على ساحب الشيك الذي يغفل ذكر تاريخ إصدار الشيك أو الذي يصدر الشيك بتاريخ كاذب (كمثال التشريع الليبي والسعودي).
و يرى بعض الفقهاء أن إغفال ذكر تاريخ الشيك يستوجب بطلانه ولا شك أن تاريخ سحب الشيك يعتبر من البيانات المهمة، لأنه علي أساسها يتحدد الوقت الذي كان ينبغي أن يوجد فيه مقابل الوفاء لتحديد المسؤولية الجنائية، كما أنه علي أساس تاريخ الشيك يتم حساب بداية التقادم.
وقد استقر العرف التجاري على جواز كتابة تاريخ الشيك باليد أو طباعته بالآلة الكاتبة سواء تم تحريره بالأرقام أو بالحروف، ويرى الكثيرون ضرورة كتابة الشيك بالتقويم الميلادي وذلك لأن مدة السقوط تحتسب بهذا التقويم.
إن طبيعة الشيك كأداة وفاء تقتضي بأن يكون تاريخ السحب هو ذاته تاريخ الوفاء، وعلى ذلك فإن اختلاف تاريخ سحب الشيك عن تاريخ تحريره يفقد الشيك عنصره المميز و يغيره من أداة وفاء إلى أداة ائتمان from instrument of payment to instrument of credit وبالتالي يفقد الشيك الحماية الجنائية المقررة له تشريعا لأن إصدار شيك بدون رصيد يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
و قد استقر القضاء على أن لا يقبل من الساحب إثبات صورية التاريخ فالعبرة تكون بالحالة الظاهرة وحدها بغض النظر عن حقيقة الواقع طالما كان الشيك يصلح أداة وفاء في التاريخ الموضوع عليه. وقد أرست المحاكم مبدءا قضائيا مهما مقتضاه إن إثبات الساحب أنه أصدر الشيك في تاريخ يسبق التاريخ المثبت على الشيك، كما لو كان الساحب قد تلقى خطابا من المستفيد يفيد امتلاك الشيك في تاريخ سابق علي الاستحقاق لا يسحب ذلك لإثبات الحماية الجنائية علي الشيك وذلك لأن هذه الحماية لم تفرض لصالح المستفيد وإنما لاستقرار التعاملات وتدعيما للثقة في الشيكات التي يتم التعامل بها علي نطاق واسع.
و – اسم و توقيع الساحب : ولا يكون للشيك قيمة تذكر ما لم يوقع عليه الساحب أمام أسمه المطبوع في المستند لأن الشيك الذي لم يوقع عليه الساحب يعتبر ورقة لا قيمة لها، و يشترط في التوقيع أن يكون بخط الساحب نفسه ولا يعتد بكتابة اسم الساحب بواسطة الآلة الكاتبة و يجوز أن يتم التوقيع عن طريق خاتم الساحب بشرط أن يتم هذا الإجراء بحضور شاهدين لإثبات صحة ذلك، هذا و نشير إلي أن قانون جنيف الموحد للشيكات 1931 لا يعترف بالبصمة كبديل للتوقيع علي الشيك، ونقول أن هذا قد يكون مقبولا في أوروبا حيث يعرف الجميع الكتابة و لكن ما هو الوضع في البلدان التي تسود فيها الأمية ولا يعرف الكثيرون الكتابة؟
ذكرنا أعلاه أهم الشروط الشكلية والبيانات التي يجب أن تتوفر في الشيكات حتى يتم التعامل مع السند أو المحرر على أنه شيك وفق المتطلبات التي يشترط القانون توفرها و يتم التعامل معه بهذه الكيفية.
اترك تعليقاً