المحامين ومراعاة حق الدفاع
من المبادئ الأساسية لضمان حقوق الإنسان هو حق المتهم في دفع التهمة عن نفسه وتهدف القوانين المنظمة للإجراءات الجنائية إلى الحفاظ على حقين متعارضين، الأول حق المجتمع في حق المتهم في براءته من التهمة المسندة إليه فالمبدأ هو الأصل براءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة لهذا تضمن هذه القوانين ما يحقق تكافؤ الفرص بينهما وتعمل على عدم طغيان حق المجتمع على مصلحة الإفراد والعكس هو الصحيح وتكاد التشريعات الجنائية ان تجمع على منح المتهم بجناية الحق في ان يكون له من يدافع عنه، وتعود النشأة الأولى لهذا الحق إلى القانون الانكليزي الصادر عام 1695 حيث أعطى هذا التشريع حقاً للمتهم في ان يكون له من يدافع عنه في القضايا المتعلقة بجريمة الخيانة العظمى وقد نص في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة على حق المتهم في المعونة في دستور عام 1870،
اما في العراق فلم يكن قانون أصول المحاكمات الجزائية البغدادي الملقي ينص على حق المتهم في المعونة بل كان يجير ان يدافع عن المتهم أصدقائه ولو من غير المحامين بشرط ان يحصل على أذن من رئيس المحكمة؛ ويعد قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم رقم 7 لسنة 1958 أول تشريع في العراق ينص على حق المتهم في ان يكون له من يدافع عنه من المحامين وجاءت المادة 17 من قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 مبينة لحق المتهم في اختيار محامية واذا كان متهماً بجناية ولم يختر محامياً له عينة المحكمة من يقوم بالدفاع عنه من المحامين))، وعندما تم تشريع قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 النافذ فقد نصت المادة 144 منه إلى انه ((يندب رئيس محكمة الجنايات محامياً للمتهم ان لم يكن قد وكل محامياً)) وبموجب المذكرة رقم 3 لسنة 2003 فانه طبقاً للقسم 4 منها ((يجب على قاضي التحقيق إعلام المتهم ما يلي: ((ثانياً: ان يكون له الحق في ان يتم تمثيله من قبل محامي، وان لم تكن له القدرة على توكيل محام يقوم المحكمة بتعيين محام منتدب له دون تحميل المتهم أتعابه، وعلى قاضي التحقيق أو المحقق حسم موضوع رغبة المتهم في توكيل محام قبل المباشرة بالتحقيق وفي حالة اختيار المتهم توكيل محام فليس لقاضي التحقيق أو المحقق المباشرة بأي إجراء حتى توكيل المحامي المنتدب، وترجع العلة في منح المعونة القانونية أو ما يسمى بانتداب المحامين فان ذلك يعود إلى أسباب كثيرة وأهمها.
أ-من شأن المعونة القانونية (الانتداب) ان تحقق المساواة بين المواطنين بغض النظر عن حالتهم الاقتصادية، فهي تقر مبدأ مساواة المواطنين في لحماية القانونية التي تقررها الدولة.
ب-ان المتهم عند اتهامه بارتكاب جريمة فانه يكون في حالة ارتباك واضطراب تنال من قدرته على الدفاع عن نفسه حين ينفرد بهذا الدفاع أو قد لا تكون للمتهم من الجرأة واللباقة بما يخاطب به المحكمة أو يناقش به الشهود ويكون المتهم في وضع أفضل لو أنيط أمر الدفاع عنه بمحام لان المحامي أكبر قدرة على فهم القضايا الجزائية وأكثر استيعاباً لها، وان حق المتهم في اختيار من يشاء للدفاع عنه هو حق أصيل مقدم على واجب المحكمة في تعيين مدافع عنه.
ووفقاً للقانون العراقي فان انتداب المحامين للدفاع عن المتهمين يتم في مرحلة التحقيق والمحاكمة وفي الجنايات والجنح دون المخالفات وهذا دليل تقدم القانون العراقي على الكثير من القوانين التي اقتصرت انتداب المحامين على مرحلة المحاكمة فقط.
والأصل ان تقدم المعونة من محام، فعلى المحامي المعين من قبل المحكمة واجب الحضور وتقديم كافة أوجه الدفاع عن المتهم فالمحامي ملزم قانوناً بالعمل لمصلحة المتهم وتقديم كافة الأدلة الدفاعية، وفي حالة غياب المحامي المعين أو المنتدب فانه يعرض نفسه لغرامة مالية تفرض عليه من المحكمة إضافة إلى قيام المسؤولية التأدبية ضده وقد نصت المادة 70 من قانون المحاماة العراقي على ان ((كل محام يرفض دون عذر مقبول تقديم المعونة القضائية التي كلف بها أو يهمل القيام بهذا الواجب يعاقب تادبياً)) ويتقاضى المحامي المنتدب أجوراً عن مهمته في تقديم المعونة وهذه الأتعاب يختلف مقدارها من دولة إلى أخرى، وتتحمل الدولة أتعاب المحامين في القضايا التي تقدم فيها المعونة، وعليه فلا يجوز للمحامي المنتدب ان يتفق مع المتهم على دفع كل أو جزء من الأتعاب في حالة تعينه من قبل المحكمة، ان حق المتهم في ان يكون له من يدافع عنه بعد من النظام العام ويترتب على هذا الحق ايقاع واجب على عاتق المحكمة وهذا الواجب وفقاً للتشريع العراقي هو ان المحكمة ملزمة عند النظر في دعاوى الجنايات والجنح ان تعيين محامي للمتهم وفي حالة عدم وجود مدافع أثناء التحقيق والمحاكمة يكون حكمهما باطل، الا ان مسألة انتداب المحامين بحاجة إلى تنظيم قانوني أكثر دقة حين لوحظ عدم تحديد اتعاب المحاماة من حيث الحد الأدنى والحد الأعلى، وكذلك فيما يتعلق بآلية دفع أجور الانتداب والمبالغ المترتبة على ذلك، وكذلك فيما يتعلق بعدم التزام المحامي بعدم الحضور وابداء المساعدة القانوية
اترك تعليقاً