مقال قانوني هام حول جريمة الامتناع عمدًا عن تنفيذ الأحكام
بالطبع من الحقائق الراسخة أن لا أحد فوق القانون أو يفترض أن يكون الأمر كذلك غير إننا بتنا نسمع كثيراً من العديد من الأشخاص أنه لا يوجد قانون وكنت في كل مرة أنبري للرد على ذلك بالقول إن هناك فروقاً جوهرية بين (وجود) القانون و (تطبيق القانون) و (تنفيذ القانون) فالقانون لاشك في وجوده وإن كانت كغيرها لاتخلو من قصور شيم البشر وسيمتهم التي لن يتخلصوا منها ولو حاولوا ذلك.
وقد تكون مناسبة هذا المقال هو مسألة تنفيذ الأحكام القضائية فصاحب القول يردد أن هناك من هو (فوق القانون) وليس هناك أحد يريد أن ينفذ الأحكام (بالطبع ليست كل الأحكام) بل من مؤسسات الدولة والمجتمع ممثلة في رؤساء بعض الإدارات يمتنعون عن تنفيذ العديد من الأحكام تحمل الصيغة التنفيذية عندما كنت أحاججه يدفع إليّ بحكم واجب التنفيذ لأراه فأجد أن الرجل صادق في قوله على الأقل في مسألة وجود الحكم وإن كان أمر التنفيذ ليس من اختصاصي ولا مهنتي تسمح بالمتابعة فلكل اختصاصه وأشير إليه بالاتجاه إلى جهات الاختصاص إلى أن حضر العديد من الأشخاص يعانون من ذات المسألة ولأتساءل معهم (وإن كان سؤالي بين جنباتي أفصح عنه الآن) لماذا لا يتم التنفيذ مادامت الأحكام القضائية وأقصد البعض الذي شاهدت قد اكتملت دورتها وصارت واجبة التنفيذ؟ أهناك شيء فعلاً كما قالوا ( فوق القانون)؟
القانون والدولة :-
الجدلية التي لم تزل محل بحث ونقاش تتمثل في الجوانب المتعلقة بصلة القانون بالدولة فهل القانون من عمل الدولة؟ أي دولة؟ وإذاما كان الأمر في ليبيا وفقاً للفكر المطروح إن القانون يظهر من خلال الأفراد،فيالإطار التنظيمي،فإن القانون لابد أن يصطبغ بطابع الدولة من خلال السياسات التي تهدف إليها وعلاقاتها بالدول الأخرى والتي يشكلها تنظيمياً الأفراد وفقاً للتصورالمطروح.
ويصرف النظر عن الحديث عن جدلية قائمة فإنعلاقة القانون بالدولة قد تعرضت لمناقشات من خلال نظريتين نظرية الإرادة والتي اعتبرت أن القوانين من عمل الدولة وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يمكن أن تتصور وجود تناقض بين الاثنين. في حين أن مفكري نظرية القانون الطبيعي يؤكدون على سمو القانون على الدولة .
ويبدو أن الأقرب إلى القول السليم أن الدولة هي شكل من أشكال السلطة وهذه الأخيرة يفترض أن لا تكون بعيدة عن القانون خاصة عندما يدرك المجتمع الهدف الذي يسعى إليه وتظهر المسألة أكثر صدقاً عندما تتوحد (الدولة والقانون) أو على الأقل تقترب بأن يكون على سدة أجهزة الدولة من أخرجه المجتمع فتكون للإرادة الشعبية دور في تكوين القانون الذي يتلاءم مع المجتمع والأفراد بشكل عام وهنا نصبح أمام قانون لابد لنا من احترامه لأنه وليد إرادتنا وقد تكون مناقشة القوانين عبر الناس ترجمة حية لهذا الأمر وقد لا يتصور عندها القول بالامتناع عن تنفيذ الأحكام أو يفترض أن يكون كذلك.
نظرة حول التنفيذ من حيث التاريخ:-
في السابق أي قبل ظهور القانون كان في إمكان كل شخص الحصول على حقه بنفسه دون اللجوء إلى أي سلطة أخرى وكان هذا المسلك من الأمور التي دعت إلى الفوضى لذلك فقد حظر على الأشخاص بعد مرور الزمن- اقتضاء حقوقهم بأنفسهم وإن كانت هناك أمثلة في العصر الحديث كما سوف نرى لا زالت تنص على إمكان اقتضاء الشخص لحقوقه بنفسه في بعض الحالات.
وفي إطار القانون الروماني وجدت قواعد تتعلق بالتنفيذ الأصل فيها أنه يجب رفع دعوى أمام القضاء للحصول على حكم واجب التنفيذ ضد المحكوم عليه غير أن السلطة القضائية لم تكن هي التي تتخذ الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ كما هو الحال في القوانين الحديثة بل كان الأمر متروكاً للمحكوم عليه وقد ظهرت ملامح هذا الأمر من خلال نظام الإكراه البدني حيث يسلم المدين إلى الدائن ليحبسه بمعرفته في سجن خاص.
وفي العصر الحديث توجد أمثلة كثيرة على قدرة الشخص أو حقه في اتخاذ إجراءات التنفيذ دون الالتجاء السابق إلى القضاء ومن ذلك حق الدفاع الشرعي وحالة الضرورة والدفع بعدم التنفيذ وغير ذلك ففي مثل هذهالحالات المتقدمة يتخذ الشخص إجراءات التنفيذ دون حاجة إلى حكم بتقرير حقه أي دون حاجة إلى سند تنفيذي وهذه الحالات تعتبر استثناء على الأصل العام وهو عدم جواز التنفيذ إلا بمقتضى سند تنفيذي.
الأحكام أهم السندات التنفيذية:-
نصت المادة 369 من قانون المرافعات على أن (التنفيذ الجبري لا يجوز إلا بسند تنفيذي والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والقرارات والعقود الرسمية والكمبيالات والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة).
وتعد الأحكام من أهم السندات التنفيذية وهي التي تقفز إلى ذهن السامع عند الحديث عن السندات التنفيذية وليست كل الأحكام القضائية قابلة للتنفيذ إذ كي تكون قابلة لذلك لابد أن تكون من أحكام الإلزام، أي الأحكام التي تلزم المحكوم عليه بأداء معين يمكن تنفيذه جبراً كالحكم الذي يلزم المدين بإخلاء عقار معين وأن يكون الحكم نهائياً وفاصلاً في الموضوع.
هل يمكن تعطيل القوة التنفيذية للأحكام ؟
بمعنى هل يجوز وقف تنفيذ الحكم النهائي الذي يتمتع بالقوة التنفيذية؟ لقد أجاز القانون لذي الشأن تقديم طلب إلى المحكمة التييرفع إليها الطعن غير العادي وذلك من أجل وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلى حين الفصل في موضوع الطعن وقد يكون الهدف من هذه الوسيلة هو توفير حماية وقتية بوقف التنفيذ أثناء الطعن غير العادي وذلك إذا ما تحققت شرائط معينة.
ولقد نصت المادة 340 مرافعات على أنه (لا يترتب على الطعن بطريق النقض إيقاف تنفيذ الحكم ومع ذلك يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف التنفيذ مؤقتاً إذا طلب ذلك في تقرير الطعن وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه) وهذا النص بالطبع يتعلق بالأحكام الصادرة عن القضاء المدني وقد أعطيت المحكمة العليا إمكان وقف العقوبة في الجانب الجنائي إذا ما طلب منها ذلك وتحققت الشرائط المنصوص عليها في القانون.
الصيغة التنفيذية:-
تعتبر الصيغة التنفيذية الشرط الشكلي في السند التنفيذي وتعد الصيغة التنفيذية بمثابة أمر يصدر إلى المحضرين أو للجهة المناط بها التنفيذ للقيام به وعلى أعضاء السلطة العامة تقديم ما يلزم من معونة ومساندة.
ولقد نصت المادة التاسعة والعشرون من القانون رقم لسنة 2006م بشأن نظام القضاء –على بيان الصيغة التنفيذية للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية والتجارية ودعاوى الأحوال الشخصية بالنص الآتي: ‘باسم الشعب يجب على المحضرين وغيرهم المطلوب منهم تنفيذ هذه الورقة أن يبادروا إلى تنفيذها وعلى النيابة العامة أن تساعدهم وعلى رجال الأمن العام أن يعاونوهم على إجراء التنفيذ باستعمال القوة الجبرية متى طلبت منهم المساعدة والمعاونة بصورة قانونية’.
وهذه الصيغة اختلفت عن الصيغة التي كانت سائدة من قبل وقد اختلف الرأي حول أهمية الصيغة التنفيذية ويذهب البعض إلى أن وجود الصيغة التنفيذية يمنع تعدد التنفيذ وإن كان رأي آخر يذهب إلى أن وظيفة الصيغة التنفيذية تكاد تكون معدومة وهي لا تمثل إلى شهادة بجواز التنفيذ وهو ما يمثله السند فعلاً.
تنفيذ الأحكام انعكاس لرقي المجتمع:-
الحكم عنوان الحقيقة بما اشتمل عليه ولذلك فإن وجوب تنفيذه- إذا ما توافرت شروط هذا التنفيذ- يعكس رقي المجتمع- أي مجتمع-واحترامه للقوانين الصادرة عنه ذلك أن تنفيذ الأحكام القضائية مهما كانت النتائج تشير إلى احترام كامن في المجتمع للأحكام الصادرة عن أجهزته وكم من أمثلة عالمية تشير إلى احترام تنفيذ الأحكام بالرغم مما قد يتصوره البعض من حصول عواقب قد يراها كبيرة وإن كان عدم تنفيذ الأحكام له أكبر خطر حتى على المجتمع ذاته إذ يولد ذلكعدم احترام الأفراد للقانون من خلال عدم التقيد بالأحكام الصادرة عن الهيآت المختصة.
ولقد نبهت العديد من التشريعات ومنها التشريع الليبي إلى أن من الهيآت ما قد تقع في الأحكام والأوامر القضائية ولذلك أوجد سبلاً عدة للطعن منها بل ووقف تنفيذها بوسائل قانونية متاحة كالطعن وطلب وقف النفاذ.
الجزاء الجنائي على عدم تنفيذ الأحكام:-
لقد شدد قانون العقوبات الليبي الجزاء في الحالات التي يستغل فيها الموظف سلطات وظيفته لإيقاف تنفيذ الأوامر أو يمتنع عن تنفيذ حكم أو أمر من الأوامر الصادرة عن الدولة حيث وصلت العقوبة إلى حد العزل من الوظيفة والحبس إذ أورد القانون المذكور المادة 234 تحت عنوان سوء التصرف إضرارا بمصالح الإدارة العامة أو القضاء حيث نصت المادة على أن (يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استغل وظيفته لإيقاف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة (الدولة) أو تنفيذ القوانين أو اللوائح المعمول بها أو تأخير تحصيل الأموال أو الرسوم المقررة قانوناً أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أي جهة مختصة.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي عشرة أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الأمر أو الحكم داخلاً في اختصاصه.
ويفصح هذا النص عن شعور المشرع القانوني بالخطورة والنتائج السيئة التي تترتب بسبب استغلال الموظفين لوظائفهم بغية إيقاف تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة عن المحاكم أو من أي جهة مختصة كما جعل في ذات الخطورة مجرد امتناع الموظف عن تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة عن المحاكم والجهات المختصة.
وليس من شك أن وقف تنفيذ الأحكام أو الامتناع عن تنفيذها من قبل الموظف المختص تشكل ظاهرة خطيرة تنم عن عدم اكتراث بالقوانين النابعة عن المجتمع والتي ارتضاها الأفراد لتكون حكماً بينهما عندما تنشب الخصومة بينهم لذلك فإن أغلب إن لم تكن كل التشريعات تحرص على أن تحترم الأحكام الصادرة من محاكمها وهيآتها المختصة ويعد هذا الأمر تجسيداً لما ورد في القوانين والوثائق منحق المواطنين في اللجوء إلى القضاء ومن ذلك ما جاء بالمادة الثلاثين من قانون تعزيز الحرية من أن (لكل شخص الحق في الالتجاء إلى القضاء وفقاً للقانون وتؤمن له المحكمة كافة الضمانات اللازمة بما فيها المحامي وله حق الاستعانة بمحامِ يختاره من خارج المحكمة ويتحمل نفقته).
وليس من شك أن نتاج حق الالتجاء إلى القضاء صدور أحكام يكون واجب تنفيذها من الأمور التي ترقى إلى مراتب الدستورية وإلا كان اللجوء إلى القضاء فاقداً لمعناه ومحصلته عديم الجدوى وكي ينبغي الحكم عنوان الحقيقة لابد أن ينفذ فالحكم بدون تنفيذ لا قيمة له.
اترك تعليقاً