مقال قانوني هام حول وضع اليد على الملكية بمرور الزمن
إعداد: نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق
محام بالإستئناف
مجلة الجيش
العدد 306 – December, 2010
يعود تعلّق الإنسان بالأرض الى بداية الحضارة البشرية. وقد حرصت جميع الشرائع، القديمة والحديثة، على حماية حق ملكية العقارات لما لها من تأثير كبير في ضمان الاستقرار والطمأنينة. وكان لهذه الأسباب الدور الجوهري في إقرار حق إكتساب ملكية العقارات بوضع اليد مدة معينة من الزمن، حتى بات مرور الزمن من أحد الأسباب الرئيسة في تملّك العقارات والحقوق العينية التي يجوز قانوناً تملّكها بهذه الطريقة إذا وضع الشخص يده على العقار مدة زمنية معينة وتوافرت الشروط التي نص عليها القانون.
ويختلف مرور الزمن المكسب للملكية عن مرور الزمن المسقط الذي يؤدي في إسقاط الحق بمرور مدة معينة من الزمن كعقوبة تنزل بمن يهمل الإهتمام بأرضه وفي المطالبة بملكيته وبحقوقه، مع الإشارة الى وجود عقارات لا يجوز تطبيق أحكام مرور الزمن المكسب عليها.
العقارات التي لا يجوز اكتساب ملكيتها بمرور الزمن
تسري أحكام مرور الزمن المكسب على جميع العقارات باستثناء تلك التي منع القانون سريانها عليها، ومن العقارات التي لا يجوز اكتساب ملكيتها بوضع اليد عليها بمرور الزمن ما يلي:
1- العقارات المقيّدة في السجل العقاري:
نصت المادة 19 من القرار الرقم 188/1926 على أنه «لا يسري مرور الزمن على الحقوق المدوّنة في السجل العقاري، كما نصت المادة 255 من قانون الملكية العقارية على أنه «لا يسري مرور الزمن على الحقوق المقيّدة في السجل العقاري أو الخاضعة لإدارة أملاك الدولة».
فالحقوق المقيّدة في السجل العقاري تبقى محفوظة لدى أمانة السجل العقاري مهما طال عليها الزمن، ولا يمكن اكتسابها بوضع اليد عليها بمرور الزمن، حتى ولو ضاع سند ملكيتها حيث يستطيع مالك العقار أن يستحصل على سند ملكية جديد بدل عن ضائع وفق إجراءات قانونية محدّدة. كما تنتقل هذه الحقوق الى ورثة المالك حتى ولو لم يعمد الورثة الى إجراء معاملات إنتقال حصصهم الإرثية، غير أنه لا يمكنهم التصرف بها تجاه الغير إلا بعد تسجيلها في السجل العقاري (سنداً للمادة 229 من قانون الملكية العقارية).
2- الأملاك العامة للدولة أو للبلديات:
إن الأملاك العامة العائدة ملكيتها للدولة أو للبلديات لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن، ومنها شاطئ البحر والغدران والبحيرات ومجاري المياه وضفافها والشلالات وأقنية الملاحة وطرقاتها والسدود البحرية والنهرية والطرقات وسكك الحديد والمرافئ والخلجان (سنداً للمادتين 1و2 من القرار الرقم 144/1925). وكذلك الأراضي المتروكة المحمية وهي العقارات التي تخص الدولة أو البلديات وتكون جزءاً من الأملاك العامة (م 8 و 256 ملكية عقارية)، والآثار العقارية (سنداً للقرار الرقم 166/1933). فهذه الأملاك العامة لا يمكن لأي شخص اكتسابها بمرور الزمن.
3- الأملاك الخاصة للدولة أو للبلديات:
وهي العقارات الخاصة بالدولة أو بالبلديات، سواء تمّت معرفتها وتحديدها وتحريرها أو لم تخضع لهذه المعاملات بعد، وهي تشمل: الأراضي الأميرية (التي تكون رقبة الملك فيها عائدة للدولة)، والأراضي المتروكة والمحمية والمرفقة (الموضوعة تحت تصرف الجماعات)، والعقارات الخاصة التي تشتريها الدولة، والعقارات التي لا وريث لها، والأراضي الخالية والمهملة زراعتها، والأحراج، والغابات، والجبال غير المزروعة (سنداً للمادة 2 من القرار الرقم 275/1926)، والعقارات التي تملكها القرى ملكية جماعية. وهذه العقارات لا يمكن اكتسابها بوضع اليد بمرور الزمن (سنداً للمادتين 255 و256 من قانون الملكية العقارية.
4- العقارات الوقفية:
نصت المادة 178 من قانون الملكية العقارية على أنه: «لا يكتسب بمرور الزمن أي حق كان على العقارات الوقفية المستعملة مسجداً أو كنيسة أو مستشفى أو معهداً تعليمياً أو المخصصة لاستعمال العموم».
شروط اكتساب العقارات بمرور الزمن
حدّدت المادة 37 من القرار الرقم 186/1926 والمادة 257 من قانون الملكية العقارية شروط اكتساب ملكية العقارات بمرور الزمن، من هذه الشروط ما يتعلق بشخص واضع اليد، ومنها ما يتعلق بصفات وضع اليد، ومنها ما يتعلق بالمدة الزمنية لوضع اليد:
• شروط الشخص واضع اليد:
لم يحدّد القانون أشخاصاً معينين يحق لهم اكتساب ملكية العقارات بوضع اليد بمرور الزمن، فهو حق يعود لمصلحة جميع الأشخاص الذين يكتسبون الملكية بمرور الزمن، وضد مصلحة جميع الأشخاص الذين تسقط ملكيتهم بمرور الزمن. على أن يكون وضع اليد قد جرى لمصلحة الشخص الذي وضع يده على العقار من خلال استعماله أو استثماره، فلا يستطيع الأجير أن يدعي ملكية عقارات رب عمله بوضع يده عليها بمرور الزمن بالنظر لعلاقة التبعية القائمة بين المالك وواضع اليد. ولا يجوز للمزارع ولا للمستغل ولا للوديع ولا للمستعير، ولا لورثتهم أن يدّعوا بمرور الزمن المكسب (سنداً للفقرة الأخيرة من المادة 258 من قانون الملكية العقارية).
والمبدأ أن واضع اليد يجب أن يكون بالغاً راشداً متمتعاً بالأهلية القانونية، إلا أنه يجوز للقاصر أن يكتسب الملكية بوضع اليد بمرور الزمن لمصلحته بواسطة الولي أو الوصي أو المشرف القضائي أو الوكيل القانوني، كما يجوز للشركة أو للأشخاص المعنويين اكتساب الملكية العقارية بوضع اليد بمرور الزمن بواسطة المدير أو المخدومين أو من يمثلهم للقيام بأعمال وضع اليد المكسب.
وقد اعتبر الاجتهاد اللبناني أن البائع يستطيع اكتساب ملكية العقار المبيع بوضع اليد بمرور الزمن، على الرغم من الموجب الملقى على عاتقه بضمان موضع يد المشتري على المبيع من دون معارضة وموجب ضمان العيوب الخفية (المادة 28 من قانون الموجبات والعقود). فإذا أهمل المشتري تسلّم المبيع وظل البائع واضعاً يده عليه بنية التملك أمكنه ذلك بوضع اليد بمرور الزمن.
ويشترط أن يكون واضع اليد قد باشر تصرفه بنفسه، أو بواسطة شخص آخر لحسابه، طوال مدة مرور الزمن المحددة في القانون، فلا يحق له التمسك بمدة وضع اليد التي باشرها سواه ما لم يكن وضع اليد قد جرى لمصلحة الأول.
ويجوز لواضع اليد أن يتمسك بمدة مرور الزمن التي جرت من سلفه، حيث ينتقل وضع اليد بالإرث أو بالوصية أو بنتيجة عمل قانوني، فيمكن لمن يدعي بمرور الزمن المكسب أن يستند الى يد الشخص الذي اتصل منه العقار إليه سنداً للمادة 258 من قانون الملكية العقارية. فينتقل وضع اليد حكماً الى الخلف من السلف المتوفى.
• صفات وضع اليد المكسب بمرور الزمن:
سنداً للمادة 37 من القرار الرقم 158/1926 وللمادة 257 من قانون الملكية العقارية، يجب أن يكون وضع اليد المكسب للعقارات بمرور الزمن، متصفاً بعدة صفات جوهرية، وهي: أن يكون هادئاً، وعلنياً، ومستمراً، وخالياً من الإلتباس:
– أن يكون وضع اليد هادئاً:
يعتبر وضع اليد المكسب لملكية العقار بمرور الزمن هادئاً عندما يكون قد جرى بدون عنف أو إكراه مادي أو معنوي. فإذا احتاج واضع اليد لمباشرة وضع اليد أو لاستمراره، إلى ممارسة العنف أو التهديد أو الإكراه ضد المالك الحقيقي للعقار، فلا يعتبر هادئاً ولا يؤدي الى اكتساب الملكية بمرور الزمن. أما إذا بدأ وضع اليد هادئاً، ثم اضطر واضع اليد الى الدفاع عن نفسه ضد شخص آخر غير المالك، فلا تنتفي صفة الهدوء عن وضع اليد، بل يعتبر هادئاً ومكسباً للملكية إذا توافرت باقي الشروط القانونية للتملك بمرور الزمن.
– أن يكون وضع اليد علنياً:
يجب أن يكون وضع اليد بنية التملك بمرور الزمن علنياً وظاهراً للجميع، وليس خفياً، سواء تعمّده واضع اليد أم لم يتعمّده. فإذا أقدم شخص على حفر قبو أو كهف تحت منزل جاره واستعمله لمدة من الزمن من دون أية إشارة خارجية علنية تدل على ذلك الاستعمال، فلا يعتبر شرط العلنية متحققاً، ولا يؤدي إلى إكتساب الملكية بمرور الزمن بوضع اليد.
– أن يكون وضع اليد مستمراً:
يجب على واضع اليد أن يتصرف بالعقار تصرف المالك بملكه وفي الأوقات العادية لاستعماله واستثماره والاستفادة منه، باستمرار وبدون انقطاع. وقد اعتبرت المادتان 258 و259 من قانون الملكية العقارية أن وضع اليد يعتبر مستمراً منذ اللحظة التي يظهر فيها استعمال الحق الموجود في اليد بصورة اعتيادية منتظمة. وإن وضع اليد الثابت وقوعه بزمن معين ووضع اليد الحالي يرجحان قيام اليد في الفترة الواقعة بينهما، ما لم يثبت خلاف ذلك.
وينقطع مرور الزمن عندما يفقد مدّعيه اليد، حتى ولو فقدها بسبب شخص ثالث. كما ينقطع إذا طالب صاحب العقار بحقه بموجب دعوى قضائية لم تسقط، ولا يسري مرور الزمن على الغائبين ولا على فاقدي الأهلية بمقتضى القانون (المواد 264 و 265 و 266 من قانون الملكية العقارية).
– أن يكون وضع اليد خالياً من الالتباس:
يجب أن يكون وضع اليد المكسب بمرور الزمن بهدف التملك لحساب واضع اليد، وليس لحساب شخص آخر، فإذا كان هناك شك أو تأويل حول وضع اليد باعتباره، في الوقت نفسه لحساب واضع اليد ولحساب المالك أو لحساب شخص آخر وغير مقرون بنية التملك الأكيدة، نكون أمام التباس حول نية التملك، كالمزارع أو المستغل أو الوديع أو المستعير أو ورثتهم الذين لا يحق لهم اكتساب الملكية بوضع اليد بمرور الزمن، ولا يجوز لشخص أن يكتسب حقاً بمرور الزمن ضد سنده الشخصي أو ضد سند مورثيه (سنداً للمادتين 258 و261 من قانون الملكية العقارية)، فلا يستطيع المستأجر مثلاً أن يدعي ملكية المأجور بالإستناد الى عقد إيجاره أو إيجار مورّثه.
المدة المكتسبة لحق وضع اليد بمرور الزمن
تختلف هذه المدة وفق حيازة واضع اليد سنداً محقاً أو عدم حيازته، ووفق حسن النية أو عدمه وأيضاً وفق نوع العقار الموضوع اليد عليه في ما يتعلق بالعقارات الملك والعقارات الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة. وتراوح هذه المدة بين خمس سنوات وخمس عشر سنة وفق الآتي:
– وضع اليد بمرور الزمن خمس سنوات بسند محق وبحسن نية:
اشترطت المادة 37 من القرار الرقم 186/1926 والمادة 257 من قانون الملكية العقارية لاكتساب ملكية العقارات بمرور الزمن بمدة خمس سنوات، أن يكون لدى واضع اليد سند محق وأن يتم وضع اليد بحسن نية. والسند المحق هو السند الصادر عن غير المالك الحقيقي والمتضمن نقلاً للملكية أو للحق العيني، كما لو انه صادر عن المالك الحقيقي ولا يشترط أن يكون قد نقل الملكية قد تمّ بالفعل، وإلا فلا حاجة لمرور الزمن.
إذاً يشترط لاعتبار السند محقاً، أن يكون ذا تاريخ صحيح، وأن يكون موضوع هذا السند نقل ملكية العقار الموضوع اليد عليه، وأن يكون صادراً عن غير المالك الحقيقي؛ سواء أكان سنداً عادياً ذا توقيع خاص أم سنداً رسمياً. أما حسن النية فيتحقق من خلال اعتقاد واضع اليد الأكيد والراسخ أن العقار انتقل اليه من المالك الحقيقي. ويعتبر الشك دليلاً على سوء النية. أما المشتري الذي اعتقد أن سنده صحيح وصادر عن المالك الحقيقي، ثم تبيّن له أنه ليس المالك الحقيقي فلا يؤثر ذلك على حسن نيته. فالاعتقاد الخاطئ بسبب الخطأ العادي لا يؤثر على حسن النية. أما الخطأ الجسيم فيعتبر دليلاً على سوء النية، كشراء العقار بثمن بخس مع شرط عدم الضمان أو العلم بعدم صحة سند البائع وبطلانه، أو الشراء من بائع أي مستند يثبت ملكيته.
ويجب تقدير حسن النية في الوقت الذي تم فيه وضع اليد على العقار، وهو الوقت الذي تبدأ فيه مدة مرور الزمن المكسب. علماً أن افتراض حسن النية هو الأصل، وعلى من يدّعي سوء النية أن يثبت ذلك، إذ أن الإثبات يقع على من يدّعي.
– وضع اليد بمرور الزمن خمس عشرة سنة من دون سند محق أو بسوء نية:
سنداً للمادة 37 من القرار الرقم 156/1926 والمادة 257 من قانون الملكية العقارية، تكتسب ملكية العقارات بوضع اليد مدة خمس عشر سنة وإن لم يكن لدى واضع اليد سند محق أو حتى إذا كان سيىء النية. على أن يكون فعل وضع اليد قد تمّ بصورة علنية وهادئة ومستمرة بدون إنقطاع وبدون التباس.
– وضع اليد بمرور الزمن عشر سنوات على الأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة:
نصت المادة 260 من قانون الملكية العقارية على أنه «يكتسب حق قيد التصرف بالأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة بمرور عشر سنين على وضع اليد بسند أو بدون سند، شرط أن يكون واضع اليد قائماً بزراعة الأرض». فمدة مرور الزمن المكسب هي عشر سنوات على الأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة، شرط وضع اليد بصورة علنية وهادئة ومستمرة بدون إنقطاع وبدون التباس، وشرط أن يكون واضع اليد قائماًَ بزراعة الأرض الموضوع اليد عليها.
آثار اكتساب العقارات بمرور الزمن
يؤدي تمسّك واضع اليد بمرور الزمن الى إكتسابه ملكية العقار الموضوعة اليد عليه بأثر رجعي منذ وضع اليد، إذا توافرت شروطه القانونية التي سبق ذكرها. فيصبح واضع اليد مالكاً العقار الذي وضع يده عليه بأثر رجعي عند إتمام وإكتمال مدة مرور الزمن القانونية، وعلى قدر النطاق الذي ورد عليه وضع اليد.
وإذا أقدم المالك الأصلي للعقار على رفع دعوى الاستحقاق ضد واضع اليد، يمكن لهذا الأخير الإدلاء بمرور الزمن المكسب للملكية. وكذلك، إذا اعتدى الغير على عقاره أو على حقه في ملكيته، يحق للمكتسب بوضع اليد بمرور الزمن أن يرفع دعوى الإستحقاق ضد المعتدي أو الغاصب استناداً إلى اكتسابه ملكية العقار بمرور الزمن.
ويعود اكتساب ملكية العقار بمرور الزمن بأثر رجعي الى الوقت الذي بدأ فيه سريان مرور الزمن، فيعتبر واضع اليد مالكاً العقار المكتسب منذ بداية سريان مرور الزمن وليس منذ اكتمال هذه المدة. ويكسب واضع اليد الثمار التي أنتجها العقار طيلة مرور الزمن، وتعتبر الحقوق التي رتّبها على العقار صحيحة ونافذة وكأنها صادرة عن المالك الحقيقي (الرهن أو الارتفاق أو الإيجار أو الزراعة أو الاستثمار أو غيرها). ومن جهة ثانية تعتبر الحقوق العينية التي رتّبها المالك الحقيقي على العقار خلال مدة مرور الزمن غير صحيحة وكأنها صادرة عن غير مالك. أما الحقوق العينية التي رتّبها المالك الحقيقي على العقار قبل بدء سريان مدة مرور الزمن المكسب، فتعتبر قائمة وصحيحة وسارية المفعول على واضع اليد، لصدورها عن المالك الحقيقي للعقار وقت وقوعها.
اترك تعليقاً