المطالبة بالتعويض في حالة البراءة
إن القضاة ليسوا إلا آدميين قد يحالفهم الصواب حيناً وقد يقعوا في الخطأ في تفسير القوانين أو الفصل في النزاعات ، وبالطبع فإن ما قرره المشرع من ضمانات عدة واهتمام بالغ في تولي هذا المنصب الهام ، قد يؤدي إلى قلة الأخطاء ولكنه لا يمكن أن ينفي وجودها ، بل وقد تؤدي هذه الأخطاء في أحيان كثيرة إلى الإضرار بالمتقاضين دون وجه، الأمر الذي يتطلب تعويضهم عما لحقهم من ضرر من عمل القضاء بشقيه المحاكم أو النيابة العامة باعتبارها جزء هام من السلطة القضائية .
إن أخطاء القضاة المهنية في ممارسة العمل القضائي ليست مستحيلة الوقوع ويجب تلافيها فالخطأ هو الخطأ ومتى ثبت خطأ القاضي في القرار المشكو منه جسيماً كان أو عادياً فلابد من إصلاح هذا الخطأ إذ ليس من سمات القضاء أن يتحمل أصحاب الحقوق ما ينجم عن عمل القضاة من أخطاء كما أنه ليس من المعقول فسح المجال لمساءلة القاضي عن أي خطأ عادي يقع فيه ولكن ما هو السبيل لاصلاح أخطاء القضاة المهنية العادية المحصنة بقضية الانبرام دون المساس بمشاعر القاضي وحرمة القضاء ؟ من هذا المنطلق نتساءل ألسنا مطالبين بتحقيق العدالة ؟
وهل يجوز التخلي عن هذا الواجب فنبرر للدولة سكوتها عن هذه الأخطاء مراعاة منها لاعتبارات خاصة بالقضاء والقضاة وهي على أهميتها لا يجوز أن تطغى على الحقوق وتعلو مشارف العدالة.
لا محيص عن القول الى انه وبالرجوع إلى القواعد الدولية ( العهد العالمي لحقوق الانسان فان القضاء يعتبر تابعاً للدولة وعليه فإنها تكون مسؤولة عن اخطاء السلطة القضائية ويجوز اختصامها في الخصومة ذاتها تطبيقاً للقواعد الدولية• ولما كان الأصل العام في القانون أن كل خطأ يسبب ضرراً للغير يلزم من أحدثه بتعويضه حسبما نصت على ذلك المادة 256من القانون المدني الاردني – كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر).
لقد قام الأردن بالمصادقة على كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان حيث كان من أوائل الدول المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصادق على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان بتاريخ 28/5/1975 ونشرا في الجريدة الرسمية عدد 4764 صفحة 2227 بتاريخ 15/6/2006 وتعتبر المادة التاسعة من أهم المواد التي تعرضت إلى إجراءات التوقيف والحبس المؤقت وقد أكدت المادة بأنه لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني الحق في الحصول على تعويض.
وهناك بعض حالات الخطأ المهني الجسيم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:
1- التعسف في استعمال القانون .
3- إهمال القاضي لوثائق ذات تأثير على النتيجة .
4- وقوع ظلال من الشك والريبة حول شرعية الادلة الجنائية .
ومثال ذلك انتزاع اعتراف من متهم تحت الاكراه البدني او المعنوي و/او اعلان اية جهة قضائية عدم اختصاصها بالجنحة او الجناية التي اوقف على اثرها شخص ما واحالة القضية بجرم يٌمنع التوقيف فيه ابتداءا و/او ثبوت بطلان محاضر القاء القبض او التفتيش او الضبوطات الشرطية …الخ .
ان المسؤولية المدنية تترتب على الدولة جراء الأفعال الصادرة عن سلطتها القضائية، إذا تعارضت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونشأ عنها ضرر ، ولا تستطيع الدولة الدفع بمبدأ فصل السلطات وبما يترتب عليه من استقلال السلطة القضائية، فمثل هذه الأمور تتعلق بالتنظيم الداخلي للدولة ولا تؤثر على التزاماتها المدنية.
وعليه تكون الدولة مسئولة مسؤولية مدنية عن أخطاء القضاء( الذي نجله ونحترمه ) اذا تقرر الحكم باعلان البراءة و/او عدم المسوؤلية ويحق للشخص المتضرر من التوقيف اقامه دعوى تعويض امام القضاء المدني عما لحقه من ضرر مادي ومعنوي بمواجهة وكيل ادارة قضايا الدولة بصفته ممثلا للحكومة .
*المحامي محمد زياد ابو غنيمة – قاضي سابق
اترك تعليقاً