حجـية الحكم القضـائي
اعداد القاضي:محمد الناعسة
محكمة صلح جنين
يمكن تعريف الحجية بأنها تلك القوة المانعة من قبول دليل ينقضها أو دعوى جديدة لسبق الفصل في موضوعها بحكم حائز على حجية الشيء المقضي به.
وهي قوة مانعة نسبية فلا تكون الا بين الخصوم أنفسهم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الحائز على الحجية وهي متعلقة بذات الحق _سببًا ومحلًا_ وقد تكون من النظام العام إذ تقضي المحكمة بها من تلقاء نفسها ولو دون طلب متى استبان لها ان الدعوى سبق الفصل فيها بحكم حائز لقوة الأمر المقضي به او دفع بذلك المتمسك بحجية ذلك الحكم
والحجية تقوم على اعتبارين هما:
أولاً:إن الحكم الفاصل في النزاع ملزم لطرفيه فليس لهم او لأحدهم طرح النزاع مجدداً على القضاء بدعوى جديدة،ولولا هذا الاعتبار الذي تقوم عليه حجية الاحكام لما انتهت المنازعات إلى يوم الدين.
ثانيًا:إن فتح الباب امام طرح النزاع مجدداً أمام القضاء ،يؤدي الى حصول كل من الخصمين على حكم يتعارض مع الحكم الذي حصل عليه خصمه .فينتج عن هذا احكام متعارضة في ذات النزاع وبين نفس الخصوم مما يصبح متعذراً معه تنفيذ الاحكام القضائية ،وقد اصبحت حجية الامر المقضي به قاعدة موضوعية مفادها ان الحقيقةالتي قررها الحكم هي الحقيقة الواقعة شأنها شأن قرينة الحيازة في المنقول للمالك.
وحجية الامر المقضي به تعتبر من النظام العام في الدعاوى الجزائية ،وهذا يعني ان الحكم الذي يصدر في جريمة بالبراءة او الإدانة يعتبر من النظام العام ،ولا يجوز ترك هذا الحكم للخصوم يتصرفون فيه كما يشاؤون ومتى صدر الحكم الجزائي حاز الحجية المطلقة بالنسبة للخصوم والعموم لان المتهم يدان او يبرأ بإسم المجتمع والمصلحة العامة،ومن هنا كان للقاضي الجزائي ان يثير حجية الامر المقضي به ولم من تلقاء نفسه ولولم يتمسك بها الخصوم .
أما في الدعاوى المدنية فإن حجية الامر المقضي به ليست من النظام العام وهي ليست اكثر من دليل على الحق والخصم الذي يملك الحق يملك التنازل عنه وليس للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه
ويشترط لقيام حجية الامر المقضي به الشروط التالية:
1_ان يكون حكما قضائياً صادراً عن جهة قضائية ذات اختصاص وولاية قضائية ،وعليه وعلى سبيل المثال لا الحصر للقرار الاداري الصادر عن جهة ادارية ما حجية الامر المقضي به
2_ان يكون الحكم قد صدر من الجهة القضائية بموجب سلطتها القضائية لا بموجب سلطتها الولائية ،فإذا كان متعلقاً بخصومة بين طرفين فصل فيها فهو حكم قضائي وإلا فهو امر ولائي،ومثاله :التصديق على مصالحة وإجراء القسمة قضائياً ،وعموماًكل ما يصدر عن القضاء فصلاً في خصومه فهو عمل قضائي يحوز الحجية وما يصدر في غير خصومه فهو عمل ولائي
3_أن يكون الحكم قطعياً اي حكماً فاصلاً في الموضوع ولو كان ابتدائياً قابلاً للطعن بالاستئناف ،ويحوز الحكم النهائي الحجية حتى لو طعن فيه بالنقض او بإلتماس اعادة النظر ،ويحوز الحجية الحكم القطعي الفاصل في الخصومة كلها او بعضها كما يحوزها الحكم الفاصل في الدفع موضوعيا كان ام شكلياً (كالدفع بعدم الاختصاص او عدم قبول الدعوى او بطلان لائحة الدعوى او الحكم بسقوط الخصومة وانقضائها بالترك وانقضاء المدة ).
ويعرف فقهاء القانون الحكم القضائي بأنه قرار تصدره المحكمة في خصومة مطروحة عليها طبقاً للقانون فصلاُ في موضوعها
مما يخرج الاحكام غير الفاصلة في الموضوع غير المنهية للخصومة عن دائرة الحجية فلا يتمتع بأية حجية الحكم غير المنهي للخصومة تمهيدياً كان ام وقتياً
ونطاق سريان حجية الاحكام محدد بأطراف الخصومة وموضوعها وسببها فلا تتعدى الحجية أطراف النزاع ولا تخرج عن موضوعه ولا تتجاوز سببه فهي بهذا حجية نسبية او محدودة الاثر الا اذا نص القانون على خلاف ذلك.ومنه ما جاء في قانون الاجراءات الجزائية رقم(3) لسنة2001 في المادة (390) منه بفقراتها الثلاثة والتي نصت على ما يلي:
1_يكون للحكم الجزائي الصادر من المحكمة المختصة في موضوع الدعوى الجزائية بالبراءة او بالادانة قوة الامر المقضي به امام المحاكم المدنية في الدعاوى التي يكون قد فصل فيها نهائيا فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها الى فاعلها
2_ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة او على عدم كفاية الادلة
3_ لايكون للحكم بالبراءة هذه القوة اذا كان مبنياً على ان الفعل لا يعاقب عليه القانون
واشير بهذا الصدد الى قرار محكمة النقض الفلسطينية رقم 40/2004 بتاريخ 11/2/2006 والذي جاء فيه (ان الحكم الجزائي الصادر بالبراءة اذا كان مبنياً على ان الفعل لا يعاقب عليه القانون سواء لانتفاء القصد الجنائي او لسبب اخر لا تكون له حجية الشيء المحكوم فيه امام المحاكم المدنية ،ولا يمنع تلك المحكمة من البحث فيما اذا كان هذا الفعل قد نشأ عنه ضرر يكون اساساً للتعويض)
ونجد ان المادة (391) من ذات القانون السابق الاشارة اليه تنص على انه لا تكون للاحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الامر المقضي به امام المحاكم الجزائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها الى فاعلها
والمادة (392) ايضا تنص على انه تكون للاحكام الصادرة من محاكم الاحوال الشخصية(الشرعية) في حدود اختصاصها قوة الامر المقضي به امام المحاكمة الجزائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجزائية
ويشترط لحجية الحكم ثلاثة شروط:
اولاً:اتحاد الخصوم
ثانياً: اتحاد محل النزاع
ثالثاً:اتحاد السبب
اما الشرط الاول وهو (اتحاد الخصوم) فيعني ان الحكم حجة على الخصوم انفسهم بصفاتهم كما ان الحكم حجة على خلف الخصوم عاماً كان ام خاصاً كما انه حجة على الدائنين ،فإذا صدر حكم على شخص باستحقاق العين التي وضع يده عليها فإن هذا الحكم حجة على دائنيه اذ لا تعتبر العين مملوكة لمدينهم ولا يستطيعون التنفيذ عليها ،واذا صدر الحكم في دعوى الاستحقاق لصالح المدين فقضي برفض دعوى المستحق فإن الحكم يكون حجة للدائنين الا ان الحكم ليس حجة على الغير ،والغير في الحكم لا يختلف عن الغير في العقد كالمالك في الشيوع ،والمدين المتضامن والكفيل والوارث بالنسبة الى بقية الورثة فلو صدر الحكم ضد احد الملاك في الشيوع فإنه لا يكون حجة على الملاك في الشيوع الاخرين الا اذا اختصموا في الدعوى اما المدينون المتضامنون او الدائنون المتضامنون فان الحكم الصادر لمصلحة احد منهم يفيد الباقين وعلى العكس فان الحكم ضد احدهم ليس حجة على الاخرين اما الورثة فلا يمثل بعضهم بعضاً ولايسري الحكم الصادر على احدهم في حق الباقين الا اذا ثبت ان الوارث كان خصما في الدعوى باعتباره ممثلا للتركة .
اما شرط اتحاد المحل فالعبرة فيه بما طلبه الخصم لا بما لم يطلبه لأن الحكم لا تكون له حجية الا بالنسبة لمحل النزاع المدعى به في الدعوى التي صدر فيها الحكم والعبرة بطلبات الخصوم التي فصل فيها الحكم ،والحكم في الشيء يعتبر حكماً فيما يتفرع عنه لان الحكم في الكل كالحكم في الجزء ومثاله الحكم بصحة بيع متجر حجة في بيع كل عنصر من عناصر المتجر والحكم في جزء من التركة حجة في جميع اجزائها والحكم بالدين حكم بكل قسط من اقساطه
اما شرط اتحاد السبب فهو المصدر القانوني للحق المدعى به او المنفعة القانونية المدعاة،وهو لا يعدو ان يكون الواقعة المراد اثباتها مادية كانت ام تصرفاً قانونياً فدعوى مطالبة المستأجر للمؤجر بتسليم العين المؤجرة سببها عقد الايجار فلا يجوز رفعها مجددًا بعد الحكم فيها استناداً الى نفس عقد الايجار
والسبب هو الواقعة القانونية التي يستمد منها الخصم الحق الذي يدعيه سواء كان ذلك عقداً ام ارادة منفردة او فعلاً ضاراً او نصاً قانونياً وهو لا يتغير بتغير الادلة الواقعية او الحجج القانونية التي يستند اليها الخصم
واشير اخيراً الى قرار محكمة النقض المصرية رقم(1785) بتاريخ 11/6/1996 والذي جاء فيه ان (حجية الاحكام نسبية لا يضار ولا يستفيد منها غير الخصوم الحقيقيين في الدعوى ولا تتعداهم الى من لم يختصم فيها) على انه يستثنى من ذلك الشريك المتضامن فإنه يسأل في امواله الخاصة عن كافة ديون الشركة فيكون مدنياً متضامناً مع الشركة ولوكان الدين المدعى به ثابتاً في ذمة الشركة وحدها والحكم باشهار افلاس الشركة يستلزم بالتبعية افلاس الشريك المتضامن وهو حجة عليه ولو لم يكن خصماً في الدعوى التي صدر فيها ذلك الحكم.
اترك تعليقاً