رواتب المعـلمين.. وحقـوق القضـاة
د. نعيمة إبراهيم الغنام
كان ردّ رئيسة وزراء ألمانيا على إضراب مطالبة القضاة بالمساواة مع المعلمين في الأجور «كيف أساويكم بمن علَّمكم؟» تحمل هذه الجملة البسيطة الكثير من المعاني، فهي تدلّ على تقدير المجتمع الألماني لدور المعلم، ليس على المستوى المعنوي فقط بل على المستوى المادي أيضًا، فهم أعلى دخلًا من القضاة الذين يتقدمون المعلمين ببلادنا درجات واسعة على سلم الأجور، وهذا الوضع المنطقي والبسيط، هو الذي يؤدي إلى التقدُّم، فالتعليم هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، والمعلم هو العنصر البشري المؤثر في منظومة التعليم التي مهما تطوّرت، فلن تعمل بكفاءة دون المعلم، لكن هذا لا ينفي الأهمية الكبيرة لدور القضاء في توازن العلاقات الاجتماعية، والحفاظ على الحقوق والحريات.
ويتضح أيضًا من جملة «ميركل» أن التباين في الأجور أمر منطقي غير قابل للنقاش، والتدرّج بحسب الأهمية للمجتمع، وأعتقد أن المشكلة تكمن في هذا المعنى، فالنظرة التقليدية للأجر، تراها في مقابل العمل، أي علاقة تبادلية، تأخذ بقدر ما تعطي، وهذه النظرة التقليدية قد تراجعت كثيرًا في الفكر الإنساني؛
المعلم يجب ألا يضطر لبيع علمه لمن يدفع، لكن من حق الجميع أن يجد أجرًا يكفيه وأسرته، لهذا لم تعجبني عبارة «ميركل» كثيرًا برغم انحيازي الطبيعي للمعلم، فرحت بمعنى التكريم لكني أرفض الرؤية التقليدية للأجر وأرى الأجر حقًّا من حقوق الإنسان.
لأنها لا تجيب عن تساؤلات عديدة، مثل أن يعمل الشخص أكثر ويحصل على أجر أقل، أو ألا يجد الشخص عملًا برغم قدرته على الإنتاج، نعم الأجر من حيث المبدأ يكون مقابل عمل، لكن النظرة للأجر قد تغيّرت، فالأجر أيضًا يجب أن يكفي حاجات الإنسان الأساسية، مأكل، ملبس، سكن، علاج، تعليم، فالأجر بالمعنى الحقوقي، قضية اجتماعية وليست فردية، وأنتجت الرؤية الحديثة أفكارًا مثل: الحد الأدنى للأجور، وشمول الأجر للتأمين الصحي، وغيرها من أفكار طبّقت بالفعل في الكثير من بلاد العالم، فالتفاوت في الأجور بحسب أهمية العمل، يأتي بعد تحقيق الحدّ الأدنى للجميع وليس قبله، فبين المعلم والقاضي درجات ومهن كثيرة بغاية الأهمية، فمن الزاوية الاجتماعية، كل المهن مهمة، الطبيب، القاضي، المهندس، العامل، المزارع، وعامل النظافة، كل له دور بغاية الأهمية حتى لو لم ندركه جيدًا، وتعالوا نتخيّل توقف عمال النظافة عن جمع القمامة والمخلفات، كيف سيكون الحال الصحي، البيئي، وحتى العلمي، والتفاوت المقبول هو الذي يحمي المجتمع من الانحراف، فالقاضي يجب ألا تغريه الأموال، والمعلم يجب ألا يضطر لبيع علمه لمن يدفع، لكن من حق الجميع أن يجد أجرًا يكفيه وأسرته، لهذا لم تعجبني عبارة «ميركل» كثيرًا برغم انحيازي الطبيعي للمعلم، فرحت بمعنى التكريم لكني أرفض الرؤية التقليدية للأجر وأرى الأجر حقًا من حقوق الإنسان.
اترك تعليقاً