نظرة متعمقة حول قانون العقوبات الأردني
الدكتور كامل السعيد :
أستاذ الدراسات العليا لقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية
في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية.
بعد أن تم الإطلاع من خلال موقع المجلس القضائي على التعديلات التي صدرت على بعض مواد قانون العقوبات اعتماداً على الأسباب الموجبة المتمثلة في التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الأردني التي يُسلم كل واحد منا فيها خلال خمسين سنة مرت على تطبيق قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته، يكون من حق المرء من الناحية القانونية – لا السياسية – أن يُبدي رأيه في ظل دولة القانون التي نتفيأ ظلالها، لا في جوهر تلك التعديلات التي قد نتفق مع بعضها أو نختلف وإنما فيما إذا كان إصدار قانون العقوبات المؤقت التي يتضمن تلك التعديلات قد أصاب صحيح نص المادة (94) من الدستور الأردني الصادر عام 1952 والمعدل لسنة 1984 في قولها :-
1- عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام هذا الدستور قوة القانون على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده وللمجلس أن يقر هذه القوانين أو يعدلها، أما إذا رفضها فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانها فوراً من تاريخ ذلك الإعلان ويزول مفعولها على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة.
2- يسرى مفعول القوانين المؤقتة بالصورة التي تسرى فيها مفعول القوانين بمقتضى حكم الفقرة الثانية من المادة (93) من هذا الدستور.
هذه الفقرة التي تقضي سريان مفعول القوانين بإصدارها من جلالة الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشرها في الجريدة الرسمية إلا إذا ورد نص خاص في القانون على أن يسري مفعولها من تاريخ أخر.
ونحن لا نبدي أي تخوف فيما إذا قلنا بأن تلك التعديلات لا يساندها الاجتهاد القضائي أو القانون أو الفقه.
فمن حيث الاجتهاد القضائي يكفي للتدليل على عدم مساندتة لها الإشارة إلى قرارين صادرين عن محكمة العدل العليا الموقرة في تحديدها للشروط التي يتعين توفرها لإصدار قوانين مؤقتة تحت طائلة عدم دستورية تلك القوانين.
ففي قرارها رقم 234/ 1997 (هيئة عامة) تاريخ 26/1/1998 المنشور على الصفحة رقم 42 من عدد المجلة القضائية رقم 3 تاريخ 1/1/1998 قضت بما يلي :-
” يستفاد من نص المادة (94) من الدستور الأردني أن المشرع منح السلطة التنفيذية صلاحية القوانين المؤقتة ضمن الشروط التالية:-
1- أن يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً.
2- وجود حالة ضرورية أي وجود أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير.
3- أن لا تخالف القوانين المؤقتة الدستور.
وإذا كان أحداً لا يجادل في توفر الشرط الأول، فإن توفر الشرطين الآخرين أمر يثير كل الجدل والخلاف وليس الاختلاف فقط .
وقد أوضحت المحكمة العليا في قرارها – بحق- أن حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة (94) من الدستور تتمثل في نشوء خطر جسيم يتعذر مواجهته بالطرق القانونية العادية كحالة الحرب والكوارث والفتن الداخلية، وطبيعة هذا الخطر أنه داهم ذو صفة استثنائية، مضيفة في قرارها أن سلطة مجلس الوزراء يجب أن تقتصر في إصدار القوانين المؤقته على مواجهة الحالات الاستثنائية ولا تتعداها، ولا يجوز أن تمتد هذه السلطة لغير حالة الضرورة، فما يمكن معالجته بقانون عادي لا يصح معالجته بقانون مؤقت لأن نصوص الدستور ومبادئه وهي التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة ويتوجب النزول عندها باعتبارها أسمى القواعد الشريعة، هذه النصوص والمبادئ هي التي تحدد للسلطات العامة في الدولة وظائفها واختصاصاتها بحيث لا يجوز لأي سلطة أن تتعدى على اختصاصات سلطات أخرى، منتهية في قرارها هذا إلى أن حالة الضرورة بالمعنى الذي نصت عليها المادة (94) من الدستور لإصدار القانون المؤقت رقم (27) لسنة 1997 غير متوفرة الآن لأن معالجة أوضاع الصحافة ليست خطراً جسيماً داهماً ولا وضعاً طارئاً ملجئاً فليس شأن الصحافة شأن الكوارث التي تقع أو الحرب التي تنشب فجأة أو الفتنة التي تستوجب مجابة سريعة لئلا ينتشر خطرها فتهدم كيان الدول وتعصف بمؤسساته. وتوالت قرارات محكمة العدل العليا على هذا المنوال ( ) التي تستلزم جميعها هذه الشروط وفي مقدمتها بطبيعة الحال مفاجئة تشكل خطراً جسيما، الأمر الذي ينتفي معه مقتضى استنانها أن تكون قد عالجت أوضاعاً قائمة منذ شهور سابقه تحت طائلة انتقاء عنصراً المفاجئة والمداهمة. أما من حيث القانون فما حددته المحكمة العليا من شروط لتوفر حالة الضرورة هي ذاتها التي حددتها المادة (89) من قانون العقوبات الأردني لحالة الضرورة في قولها “لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو عن ملكه أو ملك غيره، خطراً جسيما محدقاً لم يتسبب هو فيه قصداً شرط أن يكون الفصل متناسباً والخطر.
ومن هذا يتبين لنا أيضاً أن شروط حالة الضرورة التي يرتكب الجاني في ظلها جريمة لضرورة وتعفيه من العقاب هي ذاتها التي أقرتها محكمة العدل العليا وهي على التوالي :
1- خطر يهدد الحياة أو المال.
2- أن يكون هذا الخطر جسيما.
3- أن يكون محدقاً أي حالا بل ومحيطاً بمن يتهدده الخطر.
4- أن لا يكون قد تسبب الفاعل في الخطر قصداً.
5- أن لا يكون ممكناً تفادي الخطر بوسيلة أخرى.
6- بالإضافة إلى شرط تناسب الفعل والخطر.
ومن حيث الفقه فقد استوجب ذات الشروط التي أشارت إليها المحكمة العليا في قراراتها وً استوجبها القانون ايضاً لتوفر حالة الضرورة وهي ” أن يجد الإنسان نفسه أو غيره مهدداً بضرر جسم على وشك الوقوع فلا يرى سبيلاً للخلاص منه إلا بارتكاب الفعل المكوَّن للجريمة ( ). بعد هذا العرض يكون من حق المرء أن يتساءل مرة أخرى أين هي الأمور التي تواجه شعبنا وتستوجب أيجاد تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير في ظل قانون انقضى على تطبيقه نصف قرن تقريباً؟؟ ثم لماذا لم يكتشف المشرع الجزائي العادي ممثلاً بالمجالس النيابية المتتالية المتعاقبة المتواصلة هذا الخطر الداهم وسائر الشروط الأخرى لحالة الضرورة في حين تم اكتشافها في وقت كان فيه مجلس النواب منحلاً؟؟ ثم في ظل مجتمع آمن كمجتمعنا بحمد الله- مع الاعتراف ببعض التجاوزات – يكون من حق المرء أن يتساءل للمرة الثالثة أين هي الأحداث المفاجئة والتي لا يمكن مواجهتها بالقوانين العادية؟
هل نحن أمام حالة حرب؟
هل نحن أما كوارث؟
هل نحن أمام فتن ؟
إنّ الإجابة على هذه التساؤلات، لا تكون إلا بالنفي والنفي المطلق وإنما على فرض وجود أحدى هذه الحالات لا سمح الله فالأولى أن تواجه لا بقوانين مؤقته- وإنا بحالة الطوارئ أو الأحكام العرفية ، لأن القوانين المؤقتة لا تستطيع مواجهتها. في ضوء إصدار هذا القانون المؤقت، هل خطر بالبال عما يمكن أن يحدثه من تداعيات قانونية على صعيد التطبيقات القضائية، فمن حق المحاكم وفقاً لما هو مسلم به قانوناً وفقها وقضاء عند النظر في أي قضية تعرض عليها إذا ما أثير أمامها عدم دستوريه احد القوانين المراد تطبيقه عليها لتعارضه مع نص المادة (94) من الدستور أن تمتنع عن تطبيق هذا القانون لتعارضه مع الدستور، وهذا حق لا ينازعها فيه أحد، إذ هو من صميم واجباتها القانونية، فامتناعها عن تطبيق القانون الأدنى من اجل عيون القانون الأسمى هو تطبيق صحيح القانون؟؟؟ فلماذا نفسح المجال دوما للنعي على كثير من قوانينا المؤقتة بأنها قوانين غير دستورية؟ ولماذا نوجد الفرص دوما للقول بأن السلطة التنفيذية تتغول على السلطة التشريعية؟ إن الفيصل دوما في نظرنا هو أنه لا يجوز للسلطة التشريعية أن تفتأت على السلطة التنفيذية، في مقابل عدم جواز قيام السلطة التنفيذية باغتصابسلطة المشرع أو منازعته في باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع.
وأخيراً لا آخراً فلا بد من القول أن نص فنص المادة (94) من الدستور هو نص استثنائي لا يجوز القياس عليه أو التوسع في تطبيقه.
وأخيراً نشير إلى أن السرعة التي تم بها إصدار هذا القانون قد أوقعت المشرع في أخطاء قانونية جسيمة في عدد من النصوص القانونية التي سنشير إليها إما في شروحاتنا أو مؤلفاتنا أو في أي مقامات أخرى تقتضيها المصلحة العامة.
اترك تعليقاً