الرد على المشككين فى عبارة حالات التلبس
بقلم : مجدى عبد الحليم المحامى
مجدى عبد الحليم
لم تمض ساعة علي إقرار مادة المحاماة في الدستور الا وقد انهالت ردود أفعال قوية وعنيفة مابين مؤيد ومعارض وأمطر كل طرف سهامه نحو تحقير الطرف الاخر وقد نالنا من ذلك الجانب الوفير من أوصاف “العمالة” و “المطبلتية” باعتبار أننا ممن رحبنا بهذا النص، في حين اهتم البعض بالنقد الموضوعي الذى لايخلو من اللدغات في المعني والهجوم الطبيعى لمن يؤيد النص ومنهم أحد الزملاء الافاضل الذى افتتح مقالاً نشرناه فى هذا الموقع بعبارة غاية فى القسوة اذ يقول ( مسخرة هي تعبير عربي فصيح يقال لشئ بلغ حدا بعيدا من استهزاء الناس به ، وسخريتهم منه ، فيصير عندهم مسخرة )
وبدأ باستعراض مشاهد ثلاثة قبل ان يدلف الي التناول الموضوعي لنص المادة ووضح انه قد بنى وجهة نظره على الاثار التى رآها مدمرة فى العبارة التى تم الاصرار على اضافتها للنص من قبل القضاة بعد أن حاول النقيب عاشور رفعها والتى تقول ويحظر فى غير حالات التلبس القبض على المحامى وهو مايعنى انه فى حالات التلبس يتم القبض على المحامى وبدا اختصار ذلك فيما ذكره في البند الاول والذى يقول فيه “في الوقت الذي جاءت فيه الفقرة الأخيرة صريحة قاطعة لا تحتمل التباسا ولا تأويلا في أنه يجوز القبض على المحامي في الجرائم المنسوبة اليه أثناء وبسبب مباشرة عمله تحت ستار وجود حالة من حالات التلبس ، فقد جاءت الفقرة السابقة عليها من النص شائهة ركيكة ملتبسة تتحدث عن ضمانة غير منضبطة ولا مفهومة وتحيل الى قانون غير محدد ، وفي عبارة لا تفهم منها أي حماية وأي ضمانة وأي قانون ، وهل هو قانون سابق أو لاحق” .
ومع كامل الاحترام لهذا الرأى والتخوفات التى تنتاب سيادته من تأثير وسريان هذه الفقرة على نص المادة باكملها الا أننا ينبغى أن نوضح الاتى:
اولاً : جاءت المقارنة التى عقدها سيادته في فهم فقرتين فى غير موضعها حين أظهر فهماً واضحاً للفقرة الاخيرة منه مؤكداً أنها جاءت صريحة وقاطعة لا تحتمل التباسا ولا تأويلا في أنه يجوز القبض على المحامي في الجرائم المنسوبة اليه أثناء وبسبب مباشرة عمله تحت ستار وجود حالة من حالات التلبس بينما اظهر عدم فهم للفقرة الثانية منه التى تتحدث عن تمتع المحامى بالضمانات المقررة له بالقانون.
علي الرغم انه لم يكمل باقى نص هذه الفقرة الاولي التي رآى عبارات الجزء الاول منها كاف بذاته ومفصحة عما تحويه من جواز القبض علي المحامي ووصف انطباق ذلك مباشرة تحت ستار وجود حالة من حالات التلبس فيما تجاهل باقى عبارات النص والتى تقول “وذلك على النحو الذى يحدده القانون”.
لاننا لو نظرنا الى الفقرة نفسها ودون سابقتها وفى سياقها نفسه لوجدناها تحتاج الى الوضوح والتحديد الذى أحالت فيه الى القانون ولو كان الجزء الاول منها بهذا الوضوح الذى رآه صاحب الرأى لما كان النص قد استكمل الفقرة بعبارة “علي النحو الذي يحدده القانون “ وبالتالي فان ما انصرف اليه الرأي هو مجرد تفسير شخصى قاصر لايحتمله النص نفسه ولا يجوز ان نفرضه ونجعله واقعاً وحقيقة فى حين أنه تفسير مغلوط ، والقدر المفهوم منه بوضوح أن الجزء الاول من الفقرة قد أحال الى الجزء الثانى منها فى تحديد وتفسير وتفصيل علي النحو الذي يحدده القانون وبالتالى فقد تم تحميل النص بما لايحتمل وتجاهل جزءاً منه وادعى عليه بما لاتحتمله عباراته.
ثانياً : يأتى تجاهل عبارة وذلك على النحو الذى يحدده القانون التي تجاهلها الرأى والتفت عنها ونحن نعفى صاحبها من سوء القصد ونحسب انه مجرد سهو ونسيان غير مقصود ، الا أننا لو نظرنا الى هذه العبارة نجد انها تأتى فى سياق متكامل لنص المادة تحمل تأكيداً للهدف الذى ابتغاه النص الدستورى من هذه الفقرة المزعجة ويجعلها فى سياق متكامل مع الفقرة السابقة التي تتحدث عن تمتع المحامى أثناء مباشرة حق الدفاع بالضمانات والحماية الواردة فى القانون اثناء تادية اعمال الدفاع وهى التى لم يراها هذا الرأى واضحة ويعتبرها شائهة ركيكة ملتبسة ويعتبر ما تتحدث به عن ضمانة غير منضبطة ولا مفهومة وتحيل الى قانون غير محدد ،
وفي عبارة لا تفهم منها أي حماية وأي ضمانة وأي قانون ، وهل هو قانون سابق أو لاحق على حد قول صاحب هذا الرأى، وكأنه يريد حصر للمواد التى تحدثت عن الضمانات ، وموضوع الضمانة ، رغم أن المسألة واضحة جداً أكثر وهى أن اى ضمانة وردت فى القانون – أى قانون – لصالح المحامى وهو يمارس حق الدفاع أصبحت هذه الضمانة محمية دستورياً ، وجميع النصوص التى تشملها غير قابلة للالغاء من قبل أى سلطة تشريعية ، وأن سلطة قضائية لابد أن تحترم هذه النصوص ولاتتجاهلها ، كما كان يحدث من قبل عند البعض منهم.
والرأى المنصف يرى أن هذه الفقرة تحمل عبقرية في الصياغة ما كنا نتوقع ان نصل اليها بالنص فى صياغته الاولى حتى وان حذفت منها عبارة فى غير حالات التلبس.ونري ان وضع النص الان قد أصبح أوضح وافضل ألف مرة فيما لو رفعت العبارة فيما عدا حالات التلبس وترك النص علي عباراته الاولي التي كان عليها.
ثالثاً : ان العبارة الواردة فى الفقرة السابقة حول تمتع المحامى بالضمانات الواردة بالقانون – اي قانون- سواء كان قانون المحاماة او غيرة من نصوص في قانون اخر يحمل ضمانة للمحامي او حماية له من اي نوع كانت هى مسألة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا ركاكة فأي ضمانة للمحامي في اي نص تشريعي أصبحت محصنة دستوريا الان ولم تكن كذلك في النص، عند صياغته الاولي وبذلك وسع هذا النص من دائرة الحماية للمحامى وجلب أى مواد أخرى تكون منصوص فيها على حماية أو ضمانة للمحامى ليسبغ عليها الحماية الدستورية ، وليس ماورد فى قانون المحاماة فقط ، فهي أصبحت الان محل احترام وحصانة دستورية لايجوز ولا ينبغي علي اي نص تشريعي ان يتجاهل تلك الضمانات او الحماية فبالله عليكم ما الغبش وما الركاكة في ذلك وما العيب في ذلك.
رابعاً : نعتقد أن التأكيد على تمتع المحامين بالضمانات المنصوص فى القوانين قد حصنت على الاقل المواد ارقام ٤٩، ٥٠، ٥٤ من قانون المحاماة والتي كان سيقضي فيها حتما بعدم دستوريتها اذا ما صدر نص مادة المحاماة خلوا من هذه الفقرة الهامة – الركيكة فى وجهة النظر- العظيمة فى وجهة النظر الاخرى ، وأصبح التعارض هنا انه فى حالة التلبس لايتم القبض على المحامى فى المحكمة المحمى فيه دور المحامى بهذه النصوص بينما فى غير ما ورد بهذه النصوص فان حالات التلبس لاتمنع من القبض على المحامى ، مع ضرورة أن يتم تحديد حالات التلبس التى يتم فيها القبض على المحامى غير ماورد فى القانون امام المحكمة وهذا هو الفرق
خامساً : ان تأكيد النص الدستورى علي احترام الضمانات الواردة للمحامين في القانون دون تحديد هذا القانون لايعنى ابهام ولاتشويش ولاركاكة بقدر انه يعنى توسيع دائرة الحماية قبل الحظر العام الذى يأتى فى الفقرة الاخيرة من النص بأنه قد فتح الباب لكل ضمانة او حماية حصل عليها المحامون وكانت لا تحترم في التطبيق وكانت رغم وجودها تنتهك من بعض المتشددين من القضاة ، أليس الان أستاذي الكريم أصبحت هذه النصوص محمية دستورياً
سادساً :أن النص عندما أحال الى القانون فى أكثر من موضع فى نص هذه المادة سواء بشأن الضمانات التى يتمتع بها المحامى أثناء مباشرة حق الدفاع أو بشأن تحديد الحالات التى يمكن اعتبار المحامى متلبساً ويجوز القبض عليه دون اى حماية ، وهو مايعنى ان هناك مهمة ثقيلة فى تحديد مايمكن لاى جهة من الجهات التى يتعامل معها المحامى ان تفعله مع المحامى الذى يكون قد ارتكب شيئا مما يشكل جريمة اثناء مباشرة حق الدفاع دون الخضوع للقواعد العامة فى شأن حالات التلبس التى يتشدق بها البعض ويرتاب منها الاخرون.
سابعاً : أن النص قد سحب الحماية التى كانت مقررة للمحامى امام المحكمة واثناء المرافعة الى جهات الاستدلال وجهات التحقيق بما لم يكن متاحا من قبل ولم يكن متاحا قبل تعديل النص ولا تمنع الفقرة الاخيرة من حماية خاصة للمحامى امام هذه الجهات ايضا ، وهو مايعنى أن جميع الضمانات الواردة فى القانون – اى قانون – وتحمى المحامى أثناء مباشرة حق الدفاع أصبحت مكفولة وبذات القدر أمام جهات الاستدلال وجهات التحقيق ، وهو مايعنى توسيع دائرة الحماية وكأن المحامون قد حصلوا على دفعة نصوص حماية جديدة بمعدل ضعفى ما كانوا قد حصلوا عليه من قبل .
ثامناً : أن المسألة أصبحت الان لايكفى فيها ذلك الفهم السطحى للفقرة الاخيرة من النص دون النظر الى باقى عباراته التى تكمل بعضها البعض فى النظر الى حماية المحامى كركيزة أساسية من ركائز حق الدفاع وهو مااشتملت عليه المادة 98 من الدستور التى ربطت بين كفالة حق الدفاع وبين رسالة المحاماة كصاحبة الحق فى اداء هذه الرسالة وحدها دون غيرها وتوفير مايلزم لاداء هذا الدور بعيدا عن مادة المحاماة اصلا التى استغرقتنا فيها الانفعالات
وفى النهاية:
ان عبقرية النص جاءت في انها وضعت الفقرة التي يريدها القضاة دون ان تحول عما حصل عليه المحامون من حمايات وضمانات كانت غير مفعلة من قبل في اغلب الأحوال ، وهو مايحسب للنقيب سامح عاشور ويستوجب التحية له رغم مايراه البعض من تهليل الا انها كلمة حق والله على مانقول شهيد
عافانا الله من اي نظرة قاصرة وجمعنا علي حب مهنة المحاماة والدفاع عنها والذود عما ينالها من أعدائها من الداخل وخصومها من الخارج.
اترك تعليقاً