تطور مفهوم سيادة الدول
في داخل كل دولة لا يمكن ممارسة الا سيادة واحدة “غير قابلة للتقسيم ولا للتنازل ولا تتقادم ” كما جاء في الدستور الفرنسي لسنة 1791 وهو يعبر عن تحديد القواعد القانونية والسياسية التي تبين صلاحيات وسلطات القيادة ومن خلال امكانية اختيار السلطات التي تمثل الشعب وتتعهد باسمه تجاه الاخرين ومن خلال القدرة على اتخاذ القرارات التي تفرضها التقديرات الحرة لحاجاته ومصالحه واهدافه الداخلية والخارجية.
ان ممارسة هذه الصلاحيات داخليا لا تخضع لاية سلطة اجنبية ولا لاية مراقبة دولية كما انها تتحمل ايضا الصلاحيات الخارجية بمعنى اختيار وتنفيذ مناورات تعبر عن وجود وتحرك كل دولة وعلى هذا فان العلاقات الدبلوماسية والقانون الدولي لا ياخذان بعين الاعتبار والحسبان سوى الدولة على انها صاحبة الحق في مثل هذه الصلاحيات الاساسية وهي دولة يتحدد مفهومها بالنظر للاخرين مهما تكن هيكلتها الداخلية ونظامها السياسي.
يسود المجتمع الدولي المعاصر بشكل واسع التاكيد على مفهوم الدولة ذات سيادة والذي انبثق من التطور الذي حصل في اوروبا فقد نشات بين الشعوب القاطنة في هذه القارة علاقات نسجت عبر الزمن. وهي علاقات من نوع خاص جدا اذ يوحدها تضامن حقيقي وفعال قد يبادر الى ابعاد امثال نابليون الذين لا يمتثلون ولا يعبئون بقواعد هذه العلاقات وليس بمقدور أي ملك ان يدعي لنفسه احتكار السيادة وعليه فقد اعتبرت دبلوماسية تلك العلاقات التي قامت بين سلطات لم يصب صلاحياتها لا خضوع زمني ولا تقسيم.
لقد مكنت حيوية اوروبا العلمية والصناعية والثقافية من التوسع في هذا البناء السياسي وقد يحدث احيانا ان تستعمل القوة لاخضاع شعوب اخرى وفرض تواجد اوروبا عليها وعلى مبادلاتها كما حصل مع الصين ابتداءا من سنة 1840 عندما تحاملت عليها انجلترا وبعض البلدان الاوروبية اضافة الى الولايات المتحدة الامريكية.
رغم رفض السيطرة الاوروبية التي زالت فيما بعد فان حال الدبلوماسية بقيت محافظة على اسسها كما بنتها ورسمتها فارضة نفسها . فالدول التي ابدت رفضها البات لهذا النوع من العلاقات الدولية كالاتحاد السوفييتي (السابق) في بداية نشوئه عادت لتخضع سلوكياتها له . كما ان الرغبة في اعتماد شارات ووسائل الشخصية الدولية تعد من اولى مظاهر الدول الحديثة العهد بالاستقلال ويمكن التحقق من ان تشكيل الاتحاد الفرنسي ومجموعة الكومنولث انما يترجم العدوى في الحاجة الى التوصل الى الحوار بين الشعوب . فالدولة في النظام الدولي الحالي تبقى اذن هي المتحدث باسم المجتمع فتقوم بتاطيره وتعبر عن طموحاته وخصوصياته وتدافع عن امنه ومصالحه وكرامته.
وتجدر الاشارة الى ان الحرب مثلا هي من الدلائل العليا المعبرة عن السيادة غير ان هذه السيادة تبقى دائما عرضة لمخاطر الزوال كما ان زوالها يحرم الدولة من مهمتها في الاتصال بالاخرين فالانضواء تحت لواء التبعية يعبر في اساسه عن الانسحاب من المشاركة في العلاقات الدولية فجورجيا مثلا كانت مملكة مستقلة منذ بدايات العصر المسيحي الا انها اضاعت الاهلية الدبلوماسية عندما حولت روسيا القيصرية معاهدة الحماية الموقعة بينهما في سنة 1793 الى ضم عام 1801.
ان نظام الحماية مفهوم سياسي غامض وغير دقيق لانه يتكيف مع توازن القوى بين الاطراف المعنية فيبدو حينا كمقدمة للضم ويعبر تارة عن ضمانات ويظهر تارة اخرى في شكل تطور مآله الاستقلال كما حصل مع الامم التي كانت تابعة لتركيا اذ تحررت اثناء القرن التاسع عشر . ان الدولة الخاضعة لنظام الحماية تحتفظ بشخصيتها الدولية حتى وان لم تمارس منها بعض الجوانب ( مثل صلاحيات التنازل او التفاوض) وعلى غرار الانتداب ونظام الوصاية فان الحماية تؤدي الى نقل مسؤوليات الدفاع والدبلوماسية من المحمي لصالح الحامي.
اترك تعليقاً