الحكم القضائي، قرار نهائي يعلنه القاضي في نطاق خصومه معروضة عليه متبعا في ذلك اجراءات شكلية معينة بقصد واقعة تجهيل تكتنف عائدية حق يدعيه طرف وينكره طرف آخر. فالحمك ليكتسب هذه الصفة، يلزم ان يصدر من القضاة في منازعة رفعت اليهم وفقا لقواعد المرافعات وبالشكلية التي يحددها القانون (1). والحكم غير البات، هو الحكم الذي يمكن ان يطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن اما الحكم البات فلا يمكن الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن الواردة في القانون، ويكتسب الحكم القضائي درجة البتات في الاحالات الآتية :-
1-اذا طعن في الحكم استئنافا وتمييزا وتصحيحاً، ورد الطعن وصدق الحكم.
2-اذا بلغ المحكوم عليه بالحكم ولم يطعن فيه.
3-اذا أسقط الخصوم بالاتفاق حقهم في الطعن.
4-اذا صدر الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل (2)
واذا اكتسب الحكم درجة البتات، أدى الى منع رؤية الدعوى مجددا او عرض النزاع مرة اخرى على القضاء، فقد نصت المادة 105 من قانون الاثبات على ان (الاحكام الصادرة من المحاكم العراقية التي حازت درجة البتات تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق، اذا اتحد أطراف الدعوى ولم تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بذات الحق محلا وسببا)(3) فالحمك الذي تصدره المحكمة في خصومة ما، يعد عنوان الحقيقة، ويبقى مرعيا ومعتبرا ما لم يبطل او ينقض من محكمة اعلى منها وفق الطرق القانونية (4). وتعد أحكام المحاكم من السندات الرسمية التي تعد حجة على الناس بما دون فيها ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا (5). ويكتسب الحكم حجية الأمر المقتضي بالنسبة الى الخصوم فلا يجوز لأي منهم دحض هذه الحجية او اثبات خلافها، سواء كان على شكل دفع عند الاحتجاج عليها بها او عن طريق دعوى جديدة (6).
وحجية الأمر المقضي به (حجية الشيء المحكوم فيه) معناها ان للحمك حجية بين الخصوم، تمنع من اعادة النظر امام القضاء، فيما فصل فيه، الا من طريق الطعن فيه بالطرق التي أجازها القانون وفي المواعيد التي حددها، وثبت الحجية لكل حكم يفصل في نزاع، الى ان تزول بأبطال الحكم او فسخه او نقضه، اما قوة الأمر المقتضى به (قوة الشيء المحكوم فيه) فصفة تثبت للحمك الذي يكون نهائيا، اي غير قابل للطعن فيه، فهي تعني قابلية الحكم للتنفيذ الجبري (7). فحجية الأمر المقضي به (حجية الشيء المحكوم فيه) هي التي يعني بها قانون الاثبات وهي كون الحكم حجة على الخصوم، اما قوة الأمر المقضي به (قوة الشيء المحكوم فيه) فهي تعني قابلية الحكم للتنفيذ الجبري (8).
اما بالنسبة للغير فالأصل في حجية الأحكام أنها نسبية وان الحكم لا يفيد منه او يضار به الا من كان خصما في الدعوى التي صدر فيها ولا يجوز الحجية الا بينهم، وان الغير لم يكن طرفا في الخصومة لا يحتج به عليه ولا يؤثر على حقوقه، لانه لم تتح له فرصة مناقشة الادلة التي انبنى عليها الحكم، ومع ذلك يجب ان نفرق بين حجية الأحكام بالنسبة الى الغير حسن نوع الادلة التي انبنى عليها الحكم، فاذا انبنى الحكم على الاقرار مثلا، وهو حجة قاصرة على المقر، كانت حجية الحكم مقصورة على الطرفين ولا يجوز التمسك بها على الغير، اما اذا انبنى الحكم على دليل من الأدلة المتعدية كالشهادة، فان القاعدة التي تقضي بحجية الحكم على الكافة تسري عليه، ومع ذلك فان الغير لم تتح له فرصة مناقشة هذا الدليل، لذلك وجب ان لا يكون لحجية الحكم بالنسبة إليه او لقرينة الحقيقة الا اضعف الأثر، وذلك بان تعتبر هذه القرينة، قرينة بسيطة يمكن دحضها وفقا للقواعد العامة، فيجوز لمن يحتج عليه بحكم صدر في دعوى لم يكن ممثلا فيها ان ينازع صحة الوقائع الثابتة بهذا الحكم وان يقم الدليل على عدم صحتها، ويجوز له ذلك سواء في شكل دعوى يرفعها او دفاع يبديه في دعوى مرفوعة عليه استنادا الى ذلك الحكم، ومع ذلك، فاذا كان هذا هو الدليل، فان استثناءا يرد عليه يتعلق ببعض انواع من الأحكام يكون لها بالنسبة الى الغير مثل الحجية التي تثبت لها بالنسبة الى الخصوم أنفسهم اي لا يجوز دحضها بكافة الطرق، بل فقط بسلوك طرق الطعن المقررة لهؤلاء الخصوم ومن جانبهم وحدهم، فاذا استنفدت طرق الطعن بالنسبة لهؤلاء الخصوم صارت للحكم حجية مطلقة قبل الكافة، مثال ذلك، الاحكام الجزائية فيما تقضي به من اساس المساءلة المدنية والاحكام المنشلة للحالة المدنية كالحكم بالطلاق والحجر على شخص وتعيين وصي او قيم (9).
وتستهدف حجية الأحكام، استقرار الحقوق والمراكز القانونية ووضع حد لتجدد الخصومات وعدم تأييدها وتفادي صدور أحكام متناقضة متعارضة مما يؤدي الى مشكلات في تنفيذ الأحكام وفقد القضاء لهيبته واحترام الناس له (10)، لذلك تعد حجية الاحكام في النظام العام (11). حيث يفهم من نص المادة 106 من قانون الاثبات التي منعت قبول دليل ينقض حجية الأحكام الباتة، ان هذه الحجية من النظام العام، ويترتب على ذلك ما يأتي:-
1-للمحكمة ان تقضي بها، من تلقاء نفسها، ولو لم يتمسك بها أحد الخصوم (م 41 / 2 بينات اردني).
2-يجوز التمسك بها في جميع مراحل الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز.
3-ان الاتفاق او التنازل عن التمسك بها يقع باطلا (12).
ولا تمنع حجية الأحكام من تصحيح الخطأ المادي الكتابي او الحسابي الواقع في صيغة الحكم على أن لا يؤدي هذا التصحيح الى اعادة النظر في موضوع الحكم مما يؤثر على حجيته (13). ولا تمنع كذلك تفسير الغموض الذي قد يشوب الحكم، فللمنفذ العدل ان يستوضح من المحكمة التي اصدرت الحكم عما ورد فيه من غموض، ويعتبر القرار الصادر بالتفسير متمما من كل الوجوه للحكم الذ2ي يفسره ومن حيث تاريخه يعتبر القرار المفسر كأنه صدر من تاريخ الحكم الذي يفسره (14).
___________________
1- الدكتور آدم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل 1988 ص327.
2- المصدر السابق ص328.
3- انظر المواد (41) اثبات مصري و(40 / 1) بينات اردني و (9 / 1) بينات سوري.
4- المادة (160 / ثالثاً) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل.
5- انظر المادة (22 / أولاً – ثانياً) من قانون الاثبات والمادة (41 / 1) بينات اردني.
6- السنهوري، فقرة 343 ص635.
7- محمود جمال الدين زكي فقرة 713 ص1152 – 1153. فتحي والي، مبادئ فقرة 89 – 90 ص 137 – 138.
8- الوسيط في شرح القانون المدني الاردني ج1 ص822. السنهوري وفقرة 342 ص633 – 634.
9- مرقس : اصول الاثبات ج2 فقرة 296 ص144 وما بعدها.
10- الدكتور احمد السيد صاوي، الشروط الموضوعية للدفع بحجية الشيء المحكوم فيه، القاهرة، دار النهضة العربية 1971 ص7. وانظر ابراهيم نجيب سعد، القانون القضائي الخاص، ج1، الاسكندرية 1974 فقرة 30 ص109.
11- مرقس، اصول الاثبات، فقرة 302 ص166 وما بعدها. فتحي والي، مبادئ، فقرة 101 ص156 – 157. النداوي، شرح ص234. العبودي، أحكام، ص349 – 350. عامر جودت النائب، حجية الاحكام، رسالة مقدمة الى المعهد القضائي / الدراسات القانونية المتخصصة 1991 ص24.
12- حسين المؤمن، ج4 ص157.
13- السنهوري، فقرة 346 ص645. ادور عيد، ج2 فقرة 311 ص206 – 107 وانظر المادة (167) مرافعات مدنية.
14- النداوي، المرافعات، ص348 – 349. وانظر المادة (10) من قانون التنفيذ رقم (45) لسنة 1980.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً