حالتان لإلغائه: ما أحكام “وقف التنفيذ” في قانون الجزاء العماني، وما الفرق بين الجديد والمُلغى؟
المحامي صلاح بن خليفة بن زاهر المقبالي
يقول شراح القانون وفقهاؤه بأن العقوبات المقررة في قانون الجزاء وكافة القوانين التي تشتمل نصوصها على أحكام عقابية، وضعت لتحقق ما اصطلح عليه بالردع، وهو على صورتين: ردع خاص أي إيجاد أمر يغرس في نفس من تتم معاقبته بعقوبة جزائية رهبة ومانع يمنعه من ارتكاب الجرم الذي سبق وارتكبه، والنوع الآخر يقال له الردع العام والذي لا يكون شخصياً للمجرم وإنما هدفه يكون لعموم الناس لردهم عن ارتكاب المحظورات القانونية برؤية ما حل بمن أقدم على مثل هذا الفعل، وعليه فإن الأصل في القوانين تنفيذ العقوبات لردع الجاني وعـدم عودته لارتـكاب الجـريمة مـرة أخرى خـوفًا من تطـبيق العقـوبة عليه أيا كانت سجـنا أو غـرامة، ولكن هناك استثناء على ذلك بأن يتم وقف تنفيذ العقوبة على الرغم من إدانة مرتكبها، فما الهدف من وقف العقـوبة؟ ألا يتعارض ذلك مع مبدأ الردع العام والخاص المقصود من العقوبات المقررة في قانون الجزاء؟ جواب ذلك سهل؛ فإذا عرف السبب بطل العجب، فلا بد من معرفة أساس العقاب وغاياته قبل إنفاذه، فالهـدف من العــقاب الإصلاح والتقــويم لا التشريد والتحطيم.
ومن منطلق ذلك سنعرج في هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” إلى بيان ميسر حول الأصل القانوني الذي قرر وقف تنفيذ العقوبة خروجاً عن الأصل العام بتنفيذها على المجرم، وما هي شروط وقف التنفيذ؟ ومتى يجوز تطبيقه؟ وهل كل العقوبات يصح أن يتم وقف تنفيذها؟ وهل وقف تنفيذ العقوبة له أسباب زوال؟ وهل له مدة محددة للوقف؟ بالإضافة إلى التعريج على نتيجة وقف التنفيذ وانقضاء المدة المقررة له.
إن المشرع العماني حرص على أن يراعي النص على وقف تنفيذ العقوبة بأمل الإصلاح ومراعـاة لظـروف إنسـانية وضمانات، الموازنة مع مراعاة العقاب في حالة العـودة للجريمة، في كـلا القـانونين المـلغى والجديد المطبق في الفترة الحالية، حيث نص المشرع في كلاهما على وقف التنفيذ للظروف المبينة بالقانون، والعودة لتنفيذ العقوبة في حالة القيام بارتكـاب جرمٍ مرة ثانية، إلا أن ذلك مقيدا وفقـا للشروط المقـررة قانـوناً، وقد اشترط القانون الملغى في المادة (74) ما يـلي: للقاضي عند القضاء بعقـوبة تأديبية أو تكـديرية أن يأمر بوقـف تنفيـذها إذا توافـرت الشـروط التالية: 1-أن لا يكـون قد سـبق أن قـضى على المحكـوم عليه بعقـوبة من النـوع نفسه أو بعقـوبة أشـد منها. 2-أن يكون للمحكوم عليه محل إقامة حقيقي في السلطنة و ألا يكون قد تقـرر طـرده إداريا أو جزائيا. و للقاضي أن يربـط وقـف التنفيذ بتقـديـم كـفالة احتياطـية أو حصـول المتضـرر على تعويضه في مدة السنتين في الجنحة والست شهور في القباحة.
أما قانون الجـزاء الجـديد الصادر بالمرسوم السلطاني (7/2018) فقد نصت المادة (71) منه على ما يلي: (للمحكـمة عنـد الحكـم بعقوبة الغـرامة أو السجن مدة تقـل عن (3) ثلاث سنوات، أن تأمر في الحكم بـوقف تنـفيذ إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه، أو ماضيه أو سنه، أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب جريمة، متى كان له محل إقامة معلوم. وللمحكمة أن تجعل وقف التنفيذ شاملاً الآثار الجزائية المترتبة على الحكم، أو أي عقوبة تبعية أو تكميلية عدا المصادرة)، والمادة (72) من القانون ذاته نصت على: (للمحكمة أن تجعل وقف تنفيذ الحكم مشروطا بالرد أو بأداء المبالغ المحكوم بها، وذلك خلال أجل يحدد في الحكم).
وبذلك يتضح أن من النصوص التي أوردها المشرع أنه وضع قواعد خاصة لكي تتمكن المحكمة من وقف التنفيذ وذلك مقصور فقط على الجرائم التي لا تتجاوز مدة السجن فيها (3) ثلاث سنوات، والحكمة من ذلك أن تقدير المشرع للجرائم التي لا تتجاوز عقوبتها الثلاث سنوات بأنها ليست جرائم خطيرة، ويكون وقع الحكم فيها أكثر أثراً من العقوبة ذاتها، والمشرع أعطى المحكمة في هذه الحالة السلطة التقديرية في وقف التنفيذ نظراً لما تلتمسه من رفعة أخلاق وماضٍ مشرق للمتهم، فضلاً عن سنه والظروف التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة فكل هذه الأمور تكون أساساً لتقدير المحكمة التي تستأنس بها لتضع حكمها موقوفاً، وأن مجرد الاعتقاد من قبل المحكمة الذي لا يصل إلى حد اليقين أن المتهم لن يعود لارتكاب أي جرم يكفي لأن يتم وقف التنفيذ، وهذه كلها مشروطة بشرط آخر غير مقدار العقوبة وإنما يجب أن يكون للمحكوم ضده موطن معلوم داخل السلطنة، ووقف التنفيذ يطال جميع آثار الحكم والعقوبات التي يقررها، ولم يستثن من ذلك إلا المصادرة التي تكون على ما يتم استخدامه في ارتكاب الجريمة سواء كانت أموالا أو منقولات، فمصادرتها أولى من تركها بيد المحكوم ضده والتي قد يبددها أو يستغلها فيصعب عند زوال الوقف التنفيذ عليها، ومن جانب آخر فوقف التنفيذ لا يوقف الحق المدني المحكوم به، لأنه مقرر لمصلحة المدعي به من الأفراد وفي وقفه تدخل غير مبرر في حق المدعي بالحق المدني، فقرر المشرع استثناءه من وقف التنفيذ بيد أنه لم ينص عليه صراحة في القانون، ولكن العقل والمنطق السليم يفترضه، بالإضافة إلى أن نص المادة (72) توحي بذلك، إذ وضع المشرع للمحكمة السلطة في أن تجعل من وقف التنفيذ مشروطاً ومعلقاً تنفيذه بأن يقوم المحكوم ضده بأداء الحق المدني المترتب عليه لمصلحة المدعي بالحق المدني.
كما يتضح أن التعديل في القانون الجديد استـحدث أمـرًا لم يكـن منصوصًا عليه في القـانون الملغى وذلك باعتبار الحكـم كأن لم يكـن وذلك بشـرط أن تمضي مدة الـوقف ثلاث سـنوات دون أن يصدر أمر بإلغـائه، فنص في المادة (73) على مدة التي يكون فيها وقف التنفيذ بأنها (3) ثلاث سنوات وتبدأ هذه المدة منذ أن يصبح الحكم نهائياً، وليس من تاريخ صدور الحكم، فالحكم يكون نهائياً بعد فوات مواعيد الطعن عليه بالطرق العادية للطعن في الأحكام، أو بصدور حكم محكمة الاستئناف، وبموجب ذلك يمكن للمحكـوم عليه الحصول على رد اعتبار وشهادة عدم محكومية، فنص المشرع في هذه المادة على أن: (تكون مدة وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها (3) ثلاث سنوات، تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا، فإذا انقضت مدة الوقف دون أن يصدر خلالها أمر بإلغائه، عُدّ الحكم كأن لم يكن) فيتضح من هذا النص التأكيد على ما ذكرنها سلفاً في بداية الزاوية أن القصد من العقاب هو الإصلاح و التقــويم لا التشريد والتحطيم، فمضي الثلاث سنوات دون أن يقدم المحكوم ضده على أي فعل مجرم يتضح منه عودته للسلوك المستقيم وصدق عودته إلى الحق، وإقلاعه عن الجرم، فلا يمكن أن يحرم من حقوقه بسبب الحكم الذي صدر في مواجهته، فاعتبر المشرع أن مضي مدة الوقف مع التزام المحكوم ضده بألا يقدم على أي جرم دليل على صفاء سريرته فيقوم بتعديل وضعه ومعاملته كبقية المواطنين دون أن يبقى الحكم وصمة عار في سجله المدني، فيعد الحكم كأن لم يكن ويصبح هو والعدم سواء.
لكن المشرع لم يجعل وقف التنفيذ إلا للإصلاح والتقويم، فهو ليس للفرار من العقاب، فقرر جواز أن تأمر المحكمة بإلغاء وقف التنفيذ في عدة حالات أفرد لها نصاً خاصاً بها، فقرر القانـون للقـاضي سلطة التراجع عن وقـف تـنـفيذ في حـالة توفرت حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة (74) التي نصت على أنه: (يجـوز الأمـر بإلغاء وقـف التنفيذ في أي من الحالتين الآتيتين: أ- إذا صدر ضد المحكوم عليه خلال مدة الوقـف حـكم بالسجن مدة تزيد على (3) أشهر عن جريمة عمدية وقعت قبل الأمر بالإيقاف أو بعده.ب-إذا ظهر خلال مدة الوقف أن المحكوم عـليه صـدر ضده قبل الوقـف حكم كالمنصوص عليه في البند السابق و لم تكن المحكمة قد علمت به.) من هذا النص يتضح أنه لإلغاء أمر الوقف فيجب أن يرتكب المحكوم ضده خلال مدة الوقف جريمة شروطها أن تكون عمدية، وأن تزيد عقوبتها عن السجن لمدة ثلاثة أشهر، أو أن يكون المحكوم ضده صدرت ضده قبل الحكم بالوقف أحكام لم تكن المحكمة على علم بها لأي سبب كان، فهنا يجوز إلغاء الوقف، وهي سلطة جوازية للمحكمة وليست وجوبية في حالة توفر أي من الحالتين السابقتين، بل يمكن للمحكمة ولئن توفرت أحدهما أن لا تقوم بإلغاء الوقف وتستمر في إنفاذه وفقاً لسلطتها التقديرية في ذلك.
وتكون سلطة إلغاء وقف التنفيذ بيد المحكمة التي أصدرت الحكم فقاضي الأصل هو قاضي الفرع، وبالتالي تكون المحكمة التي أصدرت أمر وقف الحكم هي المحكمة المختصة بإلغائه، ولا يجوز لمحكمة أخرى أن تقوم بإلغاء أمر الوقف ويجب أن يقوم الادعاء العام بتقديم طلب إلى المحكمة لتصدر أمرها بإلغاء وقف التفنيذ، بعد أن يقوم بإعلان المحكوم عليه للمثول أمام المحكمة لكي يصدر أمر إلغاء الوقف في مواجهته، وذلك بحسب النص الذي أضافه القانون الجديد والمحدد لكيفية إصدار الأمر بإلغاء وقف التنفيذ الذي نص عليه في المادة (75): (يصدر الامر بإلغاء وقف التنفيذ من المحكمة التي أصدرت الحكم، وذلك بناء على طلب الادعاء العام بعد تكليف المحكوم عليه بالحضور).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً