إشكالات تحفيظ أراضي الجموع من خلال الاجتهاد القضائي.
الدكتور حسـن فتـوخ : قاض بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء.
إذا كانت الغاية من التحفيظ في إطار المسطرة العامة الواردة في ظهير 12 غشت 1913 هي استقرار الملكية وبقاؤها بعيدة عن كل المنازعات سواء من حيث الحقوق المتعلقة بها أو من حيث مادية العقار موقعا وشكلا ومساحة، فإن مسطرة التحديد الإداري المقررة لفائدة الدولة تتميز بإجراءات بسيطة وسريعة وتطبق على أنواع خاصة من الأراضي من ضمنها أراضي الجموع أو ما يسمى بالأراضي السلالية. فما هي إذن خصوصيات كل من المرحلتين الإدارية والقضائية لمسطرة تحديد أراضي الجموع؟
ولعل الجواب عن ذلك يقتضي منا تناول هذا الموضوع في محورين:
المحور الأول: المرحلة الإدارية لمسطرة تحديد أراضي الجموع.
المحور الثاني: المرحلة القضائية لمسطرة تحديد أراضي الجموع.
المحور الأول: المرحلة الإدارية لمسطرة تحديد أراضي الجموع
أولا: الجهة المؤهلة لإعداد ملف التحديد الإداري
يمكن للسلطة الوصية التابعة لها الجماعات السلالية والتابعة بدورها لوزارة الداخلية وبمساهمة من السلطات المحلية مباشرة تحديد الأراضي الجماعية بقصد تعيين صورتها ومشتملاتها من الوجهة المادية وكذا تسوية وضعيتها القانونية بناء على طلب من الوصي بعد استشارة الجماعة أو السلالة المعنية ذكورا وإناثا على أساس المساواة بين الجنسين في الاستفادة من التعويضات المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية حسبما جاء في منشور وزير الداخلية المؤرخ في 25 أكتوبر 2010.
ويتم تحفيظ هذا النوع من الأراضي التي تتجاوز مساحتها 500 هكتار من خلال سلوك مسطرة خاصة للتحفيظ وهي مسطرة التحديد الإداري للحصول على رسم عقاري يضمن وضعيتها القانونية والمادية وحمايتها من خلال ضبط حدودها ومساحتها وذلك عملا بنص الفصل الأول من ظهير 1924 المتعلق بالتحديد الإداري للأراضي السلالية على العقارات المفترض أنها جماعية. وهذا ما يوحي بأن القرينة التشريعية المقررة لفائدة الجماعات السلالية تعفيها من الإثبات، وتجعل حيازة الغير ولو طال أمدها غير عاملة طبقا للفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 من جهة، وحسب ما استقر عليه العمل القضائي من جهة اخرى والذي اعتبر أن ” أفعال التصرف بالانتفاع على أرض جماعية تمت حيازتها لا يمكن أن يترتب على تلك الحيازة ولو طالت أي مفعول فيما يتعلق بملكية تلك الأراضي”.
وهكذا، يتم إعداد ملف يشتمل على ما يلي:
– تصميم مختصر للأرض المراد تحديدها معزز بتقرير للسلطة المحلية.
– مطبوع يحمل جميع المعلومات والبيانات المتعلقة بالأرض المعنية بالتحديد.
– تصريح من نواب أراضي الجموع مذيل بإمضاء رئيس الجماعة النيابية.
– رأي بعض الإدارات كالأملاك المخزنية والمياه والغابات والأحباس.
وبعد ذلك، يرسل الملف إلى سلطة الوصاية التي تقوم بإعداد ملف آخر يتضمن معلومات عن الأرض تتمثل في موقعها وحدودها واسمها وأسماء المجاورين للأرض والحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار الجماعي المراد تحديده.
وقد اعتبر قضاء محكمة النقض في هذا الصدد أن الأصل في الصفة الجماعية للأرض عند النزاع هو افتراض كونها جماعية، بدليل أنه يمنع على العدول أن يحرروا ملكية أو استمرار إلا بعد الحصول على شهادة إدارية تثبت أن الأرض ليست جماعية طبقا لظهير 7 يوليوز 1914.
وعلى إثر ذلك، تقوم سلطة الوصاية بإرسال الملف المعد من طرفها إلى الأمانة العامة للحكومة حيث يصدر رئيس الحكومة مرسوما يأذن فيه بالتحديد ويعين تاريخ الشروع في العمليات، هذا مع العلم أن العمل القضائي اعتبر أن سلوك مسطرة التحديد الإداري ليست واجبة لإثبات الصفة للأراضي الجماعية.
ثانيا: إشهار عملية التحديد:
بمقتضى الفصل الرابع من ظهير 18 فبراير 1924 يجب نشر مطلب الجماعة السلالية بشأن عملية التحديد وكذا المرسوم الذي يأذن بهذه العملية بالجريدة الرسمية على الأملاك داخل أجل شهر قبل افتتاح عمليات التحديد، كما يتم نشرهما أيضا بالمحاكم التي يوجد العقار بدائرتها، المحافظة على الأملاك العقارية التابع لنفوذها العقار، مقر العمالة أو المراكز التابعة لها التي يوجد العقار بدائرتها، مصالح الأملاك المخزنية التي يوجد العقار بدائرتها، إدارة المياه والغابات، ومركز السلطة المحلية المجاورة.
ويترتب على نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية بمقتضى الفصل 11 من ظهير 18/2/1924 منع عقد أي رسم يتعلق بتفويت حق الملكية أو الانتفاع بشأن الأراضي الخاضعة لأعمال التحديد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في ظهير 27 أبريل 1919، وذلك من تاريخ نشر المرسوم الإذن بعملية التحديد إلى حين نشر المرسوم المتعلق بالمصادقة على التحديد، وإلا كان هذا العقد باطلا حتى فيما بين المتعاقدين، هذا مع العلم أن الفصل 11 من ظهير 18/2/1924 قد ربط تطبيق أثر هذا المنع بالنسبة للقطع المتنازع بشأنها إلى نهاية النزاع.
غير أن ما يلاحظ بشأن وسائل الإشهار أعلاه أنها لا يحقق الغايات المتوخاة من سنها، خاصة وأن شساعة مساحة الأرض موضوع التحديد تحول دون علم الأشخاص الذين يستغلون ويسكنون بالأراضي الجماعية، كما أن تعذر الاطلاع على الجريدة الرسمية وعلى الوثائق المعلقة بالأماكن أعلاه، من شأنه هدر الحقوق التي يمكن أن تكون متعلقة بتلك الأراضي.
لذا ينبغي تفعيل آلية تبليغ الأشخاص المعنيين عن طريق الاستدعاء بواسطة السلطة المحلية وذلك لضمان حقوق الدفاع كحق دستوري انسجاما مع مضامين الدستور الجديد لسنة 2011 والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ثالثا: اللجنة المكلفة بالتحديد:
ينص الفصل 18 من ظهير 18 فبراير 1924 على أن أعمال التحديد تباشر من طرف لجنة تتكون من:
*ممثل عن وزارة الداخلية باعتبارها سلطة الوصاية على الأراضي الجماعية.
* نائب أو نواب الجماعة السلالية صاحبة الأرض.
* قائد المنطقة.
* مهندس طبوغرافي.
* وعند الاقتضاء عدلين اثنين وممثل الإدارة المكلفة بالأملاك المخزنية.
ويعاب على تشكيلة هذه اللجنة أنها لا تضم أشخاصا يتوفرون على كفاءة وتكوين قانوني في المادة العقارية التي تتسم بالصعوبة والتعقيد نتيجة تعدد وتنوع الأنظمة القانونية المطبقة على العقارات بالمغرب، مما يساهم لا محالة في ضياع الحقوق وعرقلة استثمار هذه الأراضي الجماعية.
وبعد مراقبة اللجنة أعلاه لسلامة إجراءات الإشهار المومأ إليها أعلاه، تقوم بوضع الأنصبة والتأكد من حضور كل من يهمه الأمر، ويجب على من يدعي حقا أن يقدم تعرضه أمام اللجنة التي تعمل على تدوينه بمحضر التحديد أو لدى السلطة المحلية مع انتهاء التحديد.
وبعد الانتهاء من هذه العملية يتم إيداع الملف الذي يشتمل على محضر التحديد والتصميم الهندسي بمكاتب السلطة المحلية والمحافظة على الأملاك العقارية مع قيام المحافظ بنشر إعلان بهذا الإيداع بالجريدة الرسمية.
ويتعين طبقا للفصل السادس من ظهير 18 فبراير 1924 على ما يلي:
” التعرض المقدم تطبيقا لمقتضيات الفصل الخامس لا يكون له أثر إلا إذا أودع المتعرض مطلبا للتحفيظ مصرحا فيه أنه يرغب في تحفيظ العقار وذلك خلال الثلاثة أشهر الموالية لانقضاء الأجل المضروب لتقديم التعرضات، ويقع البحث والتحقيق عما يتضمنه المطلب المذكور بشأن التحديد الإداري، وإن لم يفعل المتعرض ذلك فتسقط حقوقه فيما ذكر مع مراعاة الحقوق التي يكون قد اعترف لها بها مجلس الوصاية أثناء الأجل المذكور بأن يضاف مثلا ملحق لمحضر التحديد يتضمن تغيير حدود التحديد الأول ويودع مطلب التحفيظ باسم المتعرض وعلى نفقته “.
ويستفاد من هذا المقتضى التشريعي أنه يتعين على كل شخص ينازع في حدود العقار أو يدعي حقا عينيا في الأراضي الخاضعة لعمليات التحديد أن يقوم بما يلي:
1- التصريح بتعرضه أمام اللجنة المكلفة بعمليات التحديد أثناء القيام بعملها بعين المكان قصد تدوين تعرضه بمحضر التحديد.
2- في حالة تعذر التصريح أمام اللجنة أعلاه، يمكنه التقدم بطلب التعرض لدى السلطة المحلية داخل أجل ستة أشهر تبتدئ من تاريخ نشر الإعلان عن إيداع محضر التحديد والتصميم بمكاتب السلطة المحلية والمحافظة على الأملاك العقارية بالجريدة الرسمية.
وفي هذا السياق، قضت محكمة النقض في أحد قراراتها بأن ” التعرض يصح على التحديد الإداري سواء قدم أمام اللجنة التي قامت بإنجازه أو السلطة المحلية التي وقع بدائرتها ذلك التحديد الإداري “.
3- تقديم المتعرض المعني بالأمر باسمه وعلى نفقته مطلب تحفيظ للعقار المتعرض عليه لدى المحافظة العقارية داخل أجل ثلاثة أشهر الموالية للستة أشهر المحددة لتقديم التعرض الكتابي تحت طائلة سقوط حقه، ويتم طبقا للفصل 8 من ظهير 18/2/1924 إصدار مرسوم المصادقة على أعمال التحديد، ونشره بالجريدة الرسمية بعد الاطلاع على شهادة المحافظة العقارية التي يجب أن تتضمن أنه لم تقيد أي قطعة كانت داخلة في الأرض المعنية بالتحديد، وأنه لم يقع تعرض على عملية التحديد ولم يودع بسبب ذلك مطلب التقييد لدى مصلحة المحافظة على الأملاك العقارية داخل أجل ثلاثة أشهر المشار إليه أعلاه .
ويترتب على نشر مرسوم المصادقة على أعمال التحديد بالجريدة الرسمية نفس آثار التحفيظ العقاري قياسا على قاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصلين 1 و 62 من قانون 07/14، ولا تقبل أية منازعة أو دعوى عينية عقارية على الأراضي الجماعية موضوع المرسوم المذكور، حسبما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها معتبرة أن عملية التحديد الإداري المنصوص عليها في ظهير التحديد الإداري الصادر بتاريخ 18/02/1924 تصبح لها نفس آثار التحفيظ العقاري إذا تم تصديقها بمرسوم.
رابعا: تقديم سلطة الوصاية لطلب التحفيظ
تنص المادة 10 من ظهير 1924 المعدل بظهير 16 فبراير 1933 على أنه :
” يمكن بطلب من الوصي على الجماعات الإعلان عن تحفيظ أراضي جماعة مصادق على تحديدها بقرار وزاري وذلك بعد كشف جديد للأنصاب ووضع تصميم عقاري لهذه الأراضي تقوم بها مصلحة المحافظة على الاملاك العقارية “.
ومعنى ذلك، أن الأراضي الجماعية المحددة تحديدا إداريا مصادقا عليه بمقتضى مرسوم يمكن تحفيظها بنا على طلب من الوصي على الجماعات السلالية، وفي اسم الجماعة السلالية المعنية وذلك بعد التحقق من حدود الملك وتأسيس تصميم نهائي من طرف مصلحة المحافظة العقارية. أي أن مسطرة التحفيظ تنطلق بإيداع مطلب التحفيظ من طرف وزير الداخلية الوصي على الجماعات السلالية معضدا بمحضر التحديد الإداري والتصميم المؤقت.
ولعل خصوصية هذه المسطرة تتمثل في عدم خضوعها لأي شكل من أشكال الإشهار، ولا يباشر بشأنها إجراء التحديد، بل فقط إيفاد مهندس مساح الذي يمثل المحافظ على الأملاك العقارية بحضور ممثل عن الجماعة النيابية للتحقق من الحدود ووجود الأنصاب في مكانها طبقا للتصميم الذي سبق إعداده في إطار مسطرة التحديد الإداري، مما يفيد أن تحفيظ العقار الجماعي موضوع مرسوم المصادقة يكتسي طابع الأثر الكاشف للحق فقط ما دام مرسوم المصادقة على أعمال التحديد يتسم بطابع الأثر التطهيري للنزاعات التي لم يستظهر بها خلال عملية التحديد.
المحور الثاني: المرحلة القضائية لمسطرة التحديد الإداري.
بمقتضى الفصلين الخامس والسادس من ظهير 18 فبراير 1924 نظم المشرع كيفية تصفية التعرضات على التحديد الإداري التي قد تنصب على الحدود، أو الادعاء بحق من الحقوق في العقار الجماعي موضوع التحديد أو بحق من الحقوق العينية الواردة في مدونة الحقوق العينية والتي ستترتب على العقار المذكور. فما هي خصوصيات المسطرة المعمول بها من طرف قضاء التحفيظ؟
أولا: المحافظ العقاري جهة إحالة على محكمة التحفيظ
من الثابت قضاء وقانونا أن خضوع عقار جماعي لمسطرة التحفيظ التي تباشر من طرف جماعتين سلاليتين ومحل نزاع بينهما، يغل يد مجلس الوصاية ومعه الجماعتين السلاليتين للنظر في النزاعات الناتجة عن التحفيظ، ويجعل الاختصاص منعقدا للمحاكم العادية باعتبارها الجهة المؤهلة للفصل في التعرضات”.
كما أن التعرض على مسطرة التحديد الإداري يختلف عن التعرض على مطلب التحفيظ، على اعتبار أن الأول يباشر في إطار ظهير 18/2/1924 أما الثاني فيمارس وفق الفصل 24 من قانون 07/14. أي ما معناه، أن الإدارة عند سلوكها لمسطرة التحديد الإداري تكون دائما في مركز ( طالب التحفيظ ) المدعى عليه، والمتعرض هو المدعي بالرغم من كون هذا الأخير يتعرض داخل أجل ستة أشهر ويجب أن يقدم مطلب تحفيظ ( تعرض تأكيدي ) داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ انصرام أجل ستة أشهر.
ولعل هذا كرسته محكمة النقض في أحد قراراتها عندما اعتبرت أن الإدارة التي تبادر إلى إجراء مسطرة التحديد الإداري في إطار ظهير 18/02/192، يجعلها في وضعية طالب التحفيظ، وتأخذ بالتالي مركز المدعى عليه. وأن طالب التحفيظ لعقار ينصب في وعاء التحديد الإداري يتحول إلى متعرض ويلزم بإثبات تعرضه.
وقد جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي:
” حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه اعتمد في تعليله للقول بعدم صحة تعرضها على أن ” الوثائق المدلى بها لا تنهض حجة لإثبات أن موضوع النزاع يكتسي صبغة جماعية، وأن الأراضي الجماعية لا يمكنها أن توصف بهذه الصفة إلا إذا سلك المتعرض مسطرة التحديد الإداري “، في حين أن النزاع في النازلة يتعلق أساسا بتعرض المطلوب على مسطرة التحديد الإداري لعقار النزاع المقام من طرف الطاعنة مما يجعلها في مركز المدعى عليه، وأن تقديم مطلب التحفيظ من طرف المطلوب في النقض إنما هو شرط لقبول تعرضه على التحديد المشار إليه طبقا للفصل 6 من ظهير 18/2/1924، وبالتالي فهو المدعي الذي يقع عليه عبء إثبات تعرضه “.
ومن جهة أخرى، فإن المحافظ على الأملاك العقارية يعتبر جهة إحالة على المحكمة للبت في التعرضات، من خلال تحديده لأطراف النزاع ومراكزهم، والقانون الذي يجب على المحكمة أن تبت في إطاره، وهو ما يتجلى صراحة من شهادة التعرضات التي لا غنى للمحكمة عنها لأنها تنزل منزلة مفهوم الطلب المتحدث عنه ضمن مقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية.
ومعلوم أن محكمة النقض استقرت على تأكيد هذا المنحى معتبرة أن دعوى التحفيظ يحصر المحافظ العقاري أطرافها وتنصرف إلى طالبة التحفيظ من جهة، وإلى المتعرض من جهة أخرى، وتبت المحكمة في الحق المدعى فيه من هذا الأخير ودعواه.
غير أن محكمة التحفيظ ملزمة بأن تبت في نطاق مطلب التحفيظ الذي أحيل عليها من طرف المحافظ وهي تنظر في إطار الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري. كما يجب عليها أن تفصل في مطلب التحفيظ المقدم من طرف المحافظ بعد إجراء التعرض، ولا مجال لاحتجاجها بظهير 18/02/1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية.
أما من حيث القانون الواجب التطبيق من طرف محكمة التحفيظ هو ظهير 27/4/1919 حسبما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها الذي ورد فيه ما يلي:
” حيث إن الملك الجماعي كما يثبت بشهادة الشهود يثبت بالقرائن الدالة عليه والمؤكدة له، وأن الرعي الجماعي في البقعة والاستغلال السكني في البقعة من جميع أفراد الدوار وإحداث مدرسة فوقه لدليل قوي على الصفة الجماعية للمدعى فيه. وأن المستأنف عليهم لم يثبتوا بأي دليل وجه الترامي الحاصل على ملكهم من جانب دوار جماعة (…) وأن ثبوت الصفة الجماعية للمدعى فيه يشل أفعال الحيازة والتصرف للغير مهما طال أمده تطبيقا للفصل 4 من ظهير 27/04/1919 المتعلق بتدبير الأملاك الجماعية وأن الأرض الجماعية لا تمتلك بالحيازة ولا يمكن أن تفوت أو تحجز. وأن الاستغلال للمدعى فيه من جانب المستأنفة أمر مقر به من جانب المستأنف عليهم”.
ثانيا: شفوية المسطرة في نزاعات التحديد الإداري ونيابة المحامي اختيارية
يجب التنبيه في البداية إلى أن المشرع ومعه العمل القضائي قد اعتبر المحافظ جهة قضائية وأسند إليه صلاحية قبول التعرض شكلا ولا رقابة لمحكمة التحفيظ عليه في ذلك، مالم يتم الطعن في قراره من طرف من له مصلحة أمام القضاء الإداري.
وهذا ما تواتر عليه اجتهاد محكمة النقض في العديد من قراراتها نعرض لحيثيات أحدها كما يلي:
” … ومن جهة ثانية فإن قبول التعرض أو عدم قبوله هو من اختصاص المحافظ، إذ أنه بمقتضى الفصلين 37 و 45 من قانون التحفيظ العقاري فإن المحكمة إنما تبت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ومداه، الأمر الذي تعتبر معه الوسيلتان معا بالتالي غير جديرتين بالاعتبار ”
وعليه، فإن التعرض في قضايا التحديد الإداري يقدم في شكل تصريح أمام اللجنة بعين المكان، أو أمام السلطة المحلية المختصة، مع تقديم مطلب داخل الأجل القانوني، وبعد إحالة الملف برمته من طرف المحافظ على المحكمة للبت فيه، فإن هذه الأخيرة تستدعي الأطراف بصفة شخصية ما لم يكن قد اختاروا محام للنيابة عنهم، مما يعني أن طبيعة المسطرة في هذا النوع من النزاعات هي شفوية ومعفاة من المحامي في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية فقط دون مرحلة النقض التي تعتبر فيها المسطرة كتابية والمحامي فيها إلزامي لتقديم الطعن بالنقض تحت طائلة التصريح بعدم قبوله.
وهكذا يمكن القول بأن هذه الميزة المتعلقة بنزاعات التحفيظ العقاري تشكل استثناء من القواعد العامة التي تتسم فيها الدعاوى العينية العقارية بخاصية المسطرة الكتابية مع إلزامية تنصيب المحامي.
ولعل سندنا في هذا التوجه، هو مقتضيات الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري التي تخول لمحكمة التحفيظ صلاحية البت في موضوع التعرض والحكم بصحته أو بعدم صحته. ذلك أن تكليف الأطراف بتعيين محام يجب أن يقع تحت الجزاء المقرر تشريعيا في حالة عدم القيام بالمطلوب، في حين أن المحكمة يحظر عليها أصلا البت في الشق المتعلق بالشكل لأنه سبق البت فيه من طرف الجهة المؤهلة قانونا لذلك وهي جهة المحافظ العقاري.
وهذا ما كرسه اجتهاد محكمة النقض في أحد قراراتها المبدئية الذي تضمن الإشارة إلى ما يلي:
” تبت محكمة التحفيظ في قضايا التحفيظ العقاري في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ومداه بعد إحالة المحافظ ملف المطلب عليها للبت في تلك التعرضات طبقا لمقتضيات الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري.
إن قبول التعرضات أو عدم قبولها حسب تقديمها داخل الآجال القانونية أو خارجها يدخل في اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية الذي يتولى تلقي هذه التعرضات وتهييئها قبل إحالة الملف على المحكمة التي لا يحق لها قانونا أن تفحص الآجال المتعلقة بتقديم التعرضات ضد مطلب التحفيظ “.
ثالثا: حصر طرق الطعن في الأحكام وإشكالية الصفة في التقاضي
1- بالنسبة لحصرية طرق الطعن:
حدد المشرع طرق الطعن في الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري بمقتضى الفصل 1ّ09 من قانون 07/14 وحصرها في الاستئناف والنقض فقط. أي بمفهوم المخالفة لهذا المقتضى القانوني أنه لا يجوز مباشرة أي طعن آخر من طرف المتضرر من الحكم تحت طائلة التصريح بعدم قبوله شكلا من طرف محكمة الطعن.
وقد كرست محكمة النقض هذا الاستثناء معتبرة في أحد قراراتها الصادر عن غرفتين مجتمعتين كما يلي:
” إذا كانت خصوصيات المسطرة في مادة التحفيظ العقاري تقضي بخضوع النزاعات لقواعد الشكل المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري، فإن الطعن بإعادة النظر ضد الأحكام الصادرة بشأنها لا يقبل قانونا ما دام الفصل 109 من ظ ت.ع قد حصر طرق الطعن في الاستئناف والنقض “.
ومن جهة أخرى فقد دأب العمل القضائي على اعتبار أنه لا إمكانية لممارسة التدخل الإرادي والهجومي أمام محكمة التحفيظ لأن المشرع حصر أطراف دعوى التحفيظ في الفصل 24 من قانون 07/14، كما قضى بعدم قبول كل تدخل إرادي في دعوى التحفيظ ما دام القانون أفرد قواعد مسطرية خاصة ذات صلة بالنظام العام ويجب على المحكمة إثارة ما يخالف أحكامه تلقائيا.
2- بالنسبة لإشكالية الصفة في التقاضي
يعتبر الطعن بالاستئناف كطريق طعن عادي أمام محكمة الدرجة الثانية تجسيدا لمبدأ التقاضي على درجتين الذي يعد من النظام العام، باعتباره يشكل ضمانة هامة في ممارسة حق التقاضي وإمكانية الدفاع عن الحقوق أمام جميع المحاكم بمختلف درجاتها تكريسا لمبدأ الحق في محاكمة عادلة، لأن من شأن ذلك أن يساعد على تدارك الأخطاء القضائية للأحكام الابتدائية، وإتاحة الفرصة للخصوم، أو خلفائهم – لمرة واحدة فقط – لاستدراك ما فاتهم من دفوع وأدلة أمام محكمة أول درجة، لا سيما وأن الغاية التي شرع من أجلها هذا النوع من الطعون تتجلى في إعادة الفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون من قبل محكمة الدرجة الثانية.
وقد أثير التساؤل حول مدى قبول استئناف حكم ابتدائي صادر في نزاع تعرض مقدم من طرف الجماعة النيابية في شخص الوصي عليها وهو وزير الداخلية ؟
وجوابا على ذلك نورد ما عابه أحد الطاعنين بالنقض على قرار محكمة الاستئناف بالرباط كما يلي:
“حيث يعيب الطاعن على القرار المطعون فيه خرق الفصل 5 من ظهير 27/04/1919 المعدل بظهير 06/02/1963 المتعلق بالإذن بالترافع للجماعة السلالية ذلك أن مقال الاستئناف المقدم من طرف الجماعة النيابية في شخص الوصي عليها وهو وزير الداخلية الذي هو وصي له سلطة الرقابة فقط وأن مديرية الشؤون القروية والجماعية التابعة لوزارة الداخلية هي التي تعين نواب الجماعات السلالية وتعطيهم الإذن بالترافع وأنه ليس هناك إذن بالترافع لمن يمثل الجماعة ولم يذكر نائب الجماعة الذي له حق الترافع وحده دون غيره”.
وقد ردت محكمة النقض هذه الوسيلة تبعا للحيثيات التالية:
” لكن حيث إنه يستفاد من الفقرة الأخيرة من الفصل 5 من ظهير 27/04/1919 المحتج بخرقه، فإن وزير الداخلية مؤهل قانونا للتقاضي وحده عند الضرورة عن الجماعات التي هو وصي عليها والدفاع عن مصالحها. وأن الجماعة المستأنفة مثلها مندوبها القانوني والوصي عليها ولا ضير للمستأنف عليهم في إثارة هذا الدفع الشكلي وأن إقامة الحجة يتأتى من أفراد الجماعة نيابة عنها أو الوصي عليها. ولذا يكون الاستئناف المرفوع من طرف الجماعة مقدما ممن له الصفة والأهلية، والسبب بالتالي غير جدير بالاعتبار”.
كما طرح الإشكال حول أحقية الجماعة النيابية في التمسك بعدم سريان قرار استئنافي صادر ضدها في تعرضها على مطلب تحفيظ دون أن يبلغ إليها شخصيا؟
وجوابا على ذلك نعرض لقرار صادر عن محكمة النقض أجاز للجماعة النيابية أو السلالية الحق في عدم الاحتجاج بنهائية القرار الاستئنافي الصادر بشأن تعرضها على مطلب تحفيظ طالما أنه لم يبلغ إليها شخصيا وذلك استنادا للعلة التالية:
” إذا كان الفصل 5 من ظهير 27 أبريل 1919 يخول للجماعة حق التعرض على مطلب التحفيظ دون ترخيص من الجهة الوصية، فإن من حقها أن تتمسك بأن القرار الاستئنافي الصادر ضدها في تعرضها على المطلب المذكور يجب أن يبلغ إليها شخصيا لكي يسري في مواجهتها النقض. وأن وزير الداخلية إنما ينوب عن الجماعة عند الاقتضاء، ولا شيء يمنعها من أن تمارس التقاضي بنفسها “.
رابعا: الطعن بالنقض يوقف التنفيذ:
نظم المشرع طرق الطعن غير العادية في قانون المسطرة المدنية، وخول للمتضررين من الأحكام القضائية الصادرة ضدهم أن يمارسوا حقوق الطعن المخولة إياهم وفق الشروط الإجرائية المحددة قانونا. إذ إن التنصيص على هذه الطعون يعتبر ضمانة هامة تجسد حقيقة مظاهر العدالة المسطرية في أرقى صورها، ويعكس حرص القانون على التوفيق بين الحماية الموضوعية والإجرائية للحقوق، على اعتبار أن استنفاذ طرق الطعن من قبل المتقاضي يجعل الحكم الصادر نهائيا ومكتسبا لقوة الشيء المقضي به، ويوفر بالتالي الاطمئنان، والاقتناع لدى أطرافه، وقبول نتيجته.
ويعتبر طلب النقض طريق طعن غير عادي، يستهدف عرض الحكم أو القرار المطعون فيه على محكمة النقض قصد نقضه بسبب ما يطاله من عيوب قانونية سواء تعلق الأمر بالشق المتعلق بالمسطرة، أو بالشق الذي يهم الموضوع، وذلك بعد مراقبته لمدى التطبيق السليم للقانون، وسعيا منه لتوحيد الاجتهاد القضائي بين جميع محاكم المملكة.
كما أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ كقاعدة عامة، ذلك أن المحكوم له يمكنه طلب تنفيذ الحكم أو القرار المطعون فيه بالنقض ولو أدى ذلك التنفيذ إلى نتائج غير قابلة للإصلاح. غير أن الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ العقاري له أثر موقف للتنفيذ بمقتضى الفصل 361 من ق م م، ويحظر تبعا لذلك على المحافظ العقاري تنفيذ القرار المطعون فيه قبل أن تصدر محكمة النقض أي قرار بشأنه تحت طائلة اعتباره باطلا، على اعتبار أن الطعن بالنقض يعطل تنفيذ القرار المطعون فيه ويفقده قوته كسند تنفيذي، ولا يمكن مباشرة التنفيذ في قضايا التحفيظ العقاري إلا بعد صدور قرار عن محكمة النقض بشان الطعن المذكور.
اترك تعليقاً