الدول الفدرالية ذات المجلسين التشريعيين
فتحي الجواري قاض متقاعد
تمهيد
على الرغم من ان العراق في بداية تأسيسه كدولة حديثة فيه بعيد انتهاء الحكم العثماني ، كدولة ملكية دستورية ، لم يكن دولة فدرالية ، الا انه شهد نظام المجلسين التشريعيين ، اي مجلس (الاعيان) ومجلس (النواب) ، بما أطلق عليهما (مجلس الامة) بمقتضى القانون الاساسي لعام (1925) .
تتضمن دساتير معظم الدول الفدرالية مبدأ تكوين سلطاتها التشريعية من مجلسين تشريعيين ، ومن هذه الدول (جمهورية العراق) ، فقد نصت المادة (48) من دستوره على :”تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب و مجلس الاتحاد” . واوجبت المادة (65) من الدستور ان : “يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى – مجلس الاتحاد – يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، وينظم تكوينه ، وشروط العضوية فيه ، واختصاصاته ، وكل ما يتعلق به ، بقانون يسن ، باغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب” . ورغم المآخذ على هذا النص الدستوري ، الذي جعل (مجلس الاتحاد) تحت سطوة (مجلس النواب) من خلال إعطائه سلطة تشريع قانون (مجلس الاتحاد) لـ (مجلس النواب) ، مما سيحد – بالتأكيد – من سلطاته ، ويضعه تحت هيمنته ، في حين كان من المفروض ان يكون (مجلس الاتحاد) مكافئا لـ (مجلس النواب) – ان لم يكن له العلوية – من جهة الاختصاص ، والصلاحيات . إذ كان من الواجب ان ينظم (الدستور) صلاحيات (مجلس الاتحاد) ، وكيفية تشكيله ، وطريقة ممارسته لمهامه ، لا أن يترك الأمر لقانون يشرعه مجلس النواب . ومع كل ذلك ، لم يقم (مجلس النواب) بتشريع ذلك القانون ، رغم ان السيد (رئيس جمهورية العراق) الدكتور (فؤاد معصوم) ، تقدم بمشروع قانون متكامل لتفعيل النصوص الدستورية التي اوجبت تشريع قانون (مجلس الاتحاد) ، ورغم مضي (12) عاما على سن الدستور ، ونفاده . مما يجعلنا نتسآل عن القيمة الدستورية لعمل مجلس النواب وهو يمارس مهامه بطريقته (العرجاء) ، بسنه التشريعات وممارسة مهامه الدستورية بغياب (الغرفة الثانية) التي نص عليها الدستور .
تشكيل المجلس الثاني في الدول الفدرالية
كان الجدل محتدما عند انشاء اول اتحاد فدرالي حديث وهو (الولايات المتحدة الامريكية) حول ما اذا يكون التمثيل في المجلس الثاني على اساس عدد السكان او على اساس الولايات التي يتشكل منها الاتحاد الفدرالي ، وقد حسم الأمر في مؤتمر (فيلادلفيا) عام (1787) ، عن طريق اقتراح ولاية (كونيكتيكت) التوفيقي الذي بمقتضاه تم إنشاء مجلس تشريعي يتكون من مجلسين ، حيث كان التمثيل في (مجلس النواب) قائما على عدد السكان ، في حين كان التمثيل في مجلس (الشيوخ) قائما على التمثيل المتساوي للولايات ، من خلال اختيار اعضاء مجلس الشيوخ من قبل المجالس التشريعية للولايات ، الا ان ذلك تغير بعد ذلك ، اذ اصبح (مجلس الشيوخ) يتم انتخاب اعضاءه انتخابا مباشرا من قبل المواطنين .
ومنذ ذلك الحين ، تبنت معظم الاتحادات الفدرالية المجالس التشريعية الفدرالية ذات المجلسين . وفي الوقت الراهن فان الاتحادات الفدرالية التي ليس لها مجالس تشريعية (ثانية) هي (دولة الامارات العربية المتحدة) ، و (صربيا – الجبل الاسود) ، و (بعض الجزر الصغيرة) .
كيفية انشاء المجالس الثانية وتكوينها واختيار اعضائها وسلطاتها ودورها
بعد أن رأينا ان معظم الاتحادات الفدرالية ، وجدت أن من الضروري إنشاء مجالس تشريعية فدرالية ذات مجلسين ، فانه هناك تباين كبير بينها في طريقة اختيار اعضاء وتكوين وسلطات المجلس الثاني ، ودوره .
اختيار الاعضاء
ثمة تباينا كبيرا في طرق اختيار اعضاء المجالس الثانية الفدرالية ، او تعيينهم :
-1- ففي ثلاثة اتحادات فدرالية ، وهي (اوستراليا) ، و (الولايات المتحدة الامريكية) ، و (سويسرا) ، يتم انتخاب اعضاء المجالس الثانية انتخابا مباشرا من قبل المواطنين في الوحدات المكونة للفدرالية .
–2- في (النمسا) ، و (الهند) يتم انتخاب اعضاء المجلس الثاني من قبل المجالس التشريعية للولايات .
-3- في المانيا ، فان اعضاء (البوندسرات/ المجلس الفدرالي) هم يمثلون مجالس الوزراء بمقاطعاتهم ، حيث يحتفظون بمناصب في المجلس الثاني بحكم مناصبهم في السلطة التنفيذية لمقاطعاتهم ويقومون بالتصويت في المجلس الثاني بناء على تعليمات حكوماتهم المحلية .
-4– في كندا يتم تعيين اعضاء مجلس الشيوخ من قبل رئيس الوزراء الفدرالي ويحتفظون بمناصبهم حتى تقاعدهم عند بلوغهم سن الخامسة والسبعين .
-5- في (ماليزيا) ، و (بلجيكا) ، و(أسبانيا) ، فتشكل المجالس الثانية بطريقة مختلطة ، حيث يتم تشكيل نسبة من مقاعدها عن طريق الانتخاب المباشر ، ، ويتم شغل النسبة الباقية عن طريق الانتخاب من قبل المجالس التشريعية للولايات .
تقويم
بالطبع ان اعضاء المجلس الثاني عندما يكونون منخبين انتخابا مباشرا من المواطنين ، او من المجالس التشريعية للولايات ، فانهم يكونون ممثلين للمصالح الاقليمية ، بينما في الحالات الاخرى فانهم أقل مصداقية في التعبير عن المصالح الاقليمية ، ألا ان التعيين يوفر وسيلة افضل لضمان تمثيل مصالح بعض الاقليات ، أو لتحقيق مواقف سياسية توفيقية .
سلطات المجالس الثانية
ان الدور المحدد لمعظم المجالس الثانية في الاتحادات الفدرالية كان دورا تشريعيا يتمثل في مراجعة التشريعات التي يسنها مجلس النواب بهدف جعلها توائم مصالح الاقاليم والاقليات ، وهذا يعطي للمجالس الثانية ثقلا سياسيا قويا ، رغم ان الجلسات المشتركة للمجلسين يكون فيها اعضاء المجلس الثاني اقل عددا .
نظرة لمشروع قانون مجلس الاتحاد في العراق
بينت في التمهيد لهذا المقال ، ان الدستور العراقي لعام (2005) اخذ بمبدأ السلطة التشريعية ذات المجلسين ، وكان هذا واضحا بجلاء في المادة (48) من الدستور التي تنص على : “تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد” . وقد غطى الدستور بشكل مفصل تكوين مجلس النواب وشروط العضوية فيه وكيفية انعقاده ونصاب انعقاد جلساته واختصاصاته ، وكان ذلك في المواد (من 49 الى 64 ) منه ، الا انه اكتفى بمادة (يتيمة)هي المادة (65) لكيفية إنشاء (مجلس الاتحاد) ، الذي اعطي صلاحية تمثيل الاقاليم والمحافظات غير المتظمة بإقليم ، الا ان الدستور ترك امر كيفية تكوينه ، وشروط العضوية فيه ، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به ، لقانون يسن بأغلبية ثلثس اعضاء مجلس النواب .
وها هي الدورة الانتخابية الثالثة قد اوشكت على الانتهاء ، ولا زال هذا القانون الموعود لم ير النور .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً