تجليات الفصل المرن بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية على ضوء دستور المملكة والقانون التنظيمي 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
من إعداد: نورالدين مصلوحي. عدل متمرن وباحث بماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط.
إن الباحث عن طبيعة النظام الدستوري للمملكة المغربية؛ حتما سيجد أنه يقوم على أساس فصل السلط، وتعاونها وتوازنها، والذي ينهي الخلاف حول هذه الطبيعة هو أنها مكرسة دستوريا في الفصل الأول من دستور 2011.
وحيث أن موضوع مقالنا متمحور حول تجليات الفصل المرن بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية؛ فإننا سنقوم بتسليط الضوء على أهم هذه التجليات والتي تترجم مفهوم الفصل المرن بين هاتين السلطتين.
أولا: إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية وبين الوزارة المكلفة بالعدل:
إن وظيفة هذه الهيئة حسب المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية 100.13؛ هو التنسيق في مجال الإدارة القضائية، وتعمل الهيئة هذه تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل فيما خصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية.
وحسب القرار الذي يحيل عليه القانون التنظيمي للمجلس بخصوص تأليف الهيئة المذكورة، فإنها تضم عضوية الرئيس المنتدب والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ووزير العدل، والأمين العام للمجلس، والكاتب العام لوزارة العدل، والمفتش العام للوزارة، والمفتش العام للشؤون القضائية في المجلس، ومدير المعهد العالي للقضاء، ورؤساء الأقسام بالمجلس، ومديري الإدارة المركزية بالوزارة، ومدير ديوان رئيس النيابة العامة.
ثانيا: إمكانية حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية:
إن الدستور المغربي، ولئن كان قد أخرج وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب الفصل 115 من الدستور؛ فإن هذا الإخراج يعد تجسيدا للوظيفة التي أصبح يشغلها المجلس الأعلى للسلطة القضائية وانتزعت من وزير العدل؛ هذه الوظيفة التي أشار إليها الفصل 113 من الدستور، أي تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.
ولهذا فإن المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لما نصت على إمكانية حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس المذكور؛ فإنها حصرت الغاية من حضوره في تقديم بيانات ومعلومات تتعلق بالإدارة القضائية أو أي موضوع يتعلق بسير مرفق العدالة، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. كما أن الوزارة المكلفة بالعدل بقيت محتفظة بوظيفة الاشراف الإداري والمالي على المحاكم، ولم يجردها الدستور من هذه الوظيفة، لأن الدستور في الفصل 113 منه جعل وظيفة المجلس الأعلى للسلطة القضائية تنحصر في تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ولم يمنحه سلطة أو إشرافا على المحاكم من الناحية المالية والإدارية.
هذا وإن حضور وزير العدل لاجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية يمكن أن يكون إما بناء على طلبه أو بناء على طلب المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وبخصوص إجراءات الطلبين المذكورين فقد حددها النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة 10 منه، حيث يوجه الرئيس المنتدب الدعوة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل عشرة (10) أيام على الأقل قبل تاريخ انعقاد الاجتماع ما لم تكن هناك حالة استعجال، وأما بخصوص طلب وزير العدل للحضور لاجتماعات المجلس فإنه يوجه عشرة (10) أيام كذلك قبل تاريخ انعقاد الاجتماع ما لم تكن هناك حالة استعجال.
وقد قضى المجلس الدستوري في قرار له أنه ما دام حضور الوزير المكلف بالعدل لاجتماعات المجلس الأعلى للسلطة القضائية غايته هو ما حددته المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس؛ ولا يجوز حضوره إلا بطلب من المجلس أو بطلب من وزير العدل؛ فإن ما تنص عليه المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس حول ما ذكر ليس فيه ما يخالف الدستور.
ثالثا: تعاون السلطة القضائية والسلطة التنفيذية لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للقضاة:
طبقا للمادة 55 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تؤهل الوزارة المكلفة بالعدل والوزارة المكلفة بالمالية لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لتنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالوضعيات الإدارية والمالية للقضاة بتعاون مع المصالح المختصة بالمجلس.
رابعا: مراعاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية للتقارير المعدة من طرق وزير العدل حول أداء المسؤولين القضائيين بشأن الاشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم:
إن تعيين المسؤولين القضائيين كالوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف أو الرؤساء الأولين لدى هذه المحاكم أو تجديد تعيينهم؛ يعد من صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية بصريح المادة 113 من الدستور، لأن هؤلاء المسؤولين لهم الصفة القضائية، وقد حددت المادة 72 من القانون التنظيمي للمجلس المذكور معايير يراعيها عند هذا التعيين أو التجديد، ومن المعايير المذكورة في هذه المادة؛ القدرة على تحمل المسؤولية وعلى اتخاذ القرارات والمؤهلات في مجال الإدارة القضائية، ومن المعايير الواجب أخذها بعين الاعتبار كذلك؛ التقارير التي يعدها وزير العدل حول أداء المسؤولين القضائيين بشأن الاشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية.
وإن ما يؤاخذ على ما منح لوزير العدل من صلاحية إعداد التقارير المذكورة أعلاه؛ أن هذه الصلاحية تضرب مبدأ استقلال السلطة القضائية في العمق، لأن الوزير الذي يحمل حقيبة سياسية ليس من حقه تقييم أداء المسؤول القضائي الذي ينتمي للسلطة القضائية، لأن من شأن هذا التقييم أن يؤثر على الاستقلال الفردي للمسؤول القضائي ويجعله تحت رحمة وزير العدل، وإن من مظاهر الاستقلالية أن لا يشعر القاضي بالامتنان لأي أحد فهو لا يحكمه في وظيفته إلا ضميره المسؤول وفهمه للقانون والتطبيق العادل له.
خامسا: التعيين التشاركي لقضاة الاتصال من طرف السلطة القضائية والتنفيذية
تحتاج الدول إلى ربط علاقة تعاون فيما بينها لتحقيق مصالح مشروعة لها علاقة بالشأن القضائي، وتعد مؤسسة قاضي الاتصال الوسيلة المحققة لهذا التعاون، حيث يقوم قاضي الاتصال بتحسين معالجة ملفات التعاون الجنائي أو المدني، مع الحرص بشكل خاص على جودة التواصل ومتابعة لجان الانابة القضائية الدولية الصادرة عن السلطات القضائية في البلدين…
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 81 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن تعيين قضاة الاتصال يكون بقرار مشترك للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزير المكلف بالعدل والوزير المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون، بعد استيفاء مسطرة الانتقاء التي تتولاها الوزارة المكلفة بالعدل.
سادسا: تلقي المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتقرير تعده وزارة العدل:
أسند القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تلقي تقارير معدة من جهات متعددة تفعيلا لمبدإ المشاركة المنصوص عليه في تصدير الدستور وفي فصول أخرى منه كالفصل الأول، وهذه التقارير ما يميزها أن الهدف من إنجازها هو مساهمة الجميع في النهوض والارتقاء بالسلطة القضائية وأعضائها وإدارتها.
هذا، وبناء على المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ فإن من التقارير التي يتلقاها المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ تقرير يعده الوزير المكلف بالعدل حول سير وأداء الإدارة القضائية، وحصيلة منجزاتها وبرامج عملها، وكذا وضعيات المهن القضائية.
سابعا: إصدار المجلس الأعلى للسلطة القضائية آراء مفصلة بطلب من الحكومة.
ينص الدستور المغربي في الفصل 113 منه على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط.
ثامنا: ضرورة التنسيق مع السلطة التنفيذية لإقامة المجلس الأعلى للسلطة القضائية علاقة تعاون وشراكة مع المؤسسات والهيئات الأجنبية المهتمة بقضايا العدالة:
سعيا من المشرع لتمكين السلطة القضائية من سبل التطوير والتأهيل والذي يعد التواصل من أجل تبادل المعارف والتجارب ونقل الخبرات وسيلة لهذا التطوير والتأهيل؛ فإنه بموجب المادة 113 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ يمكن لهذا المجلس أن يقيم في مجال اختصاصه، علاقات تعاون وشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة وكذا الهيئات الأجنبية المهتمة بقضايا العدالة، شرط التنسيق حول ما ذكر مع السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون وإشعار الوزارة المكلفة بالعدل بذلك.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً