حالات عدم قبول طلبات الطعن بالنقض أمام محكمة النقض
ذ. محمد سعد جرندي : رئيس غرفة بمحكمة النقض
إن الدور الرائد والمتميز الذي تقوم به محكمة النقض كمحكمة قانون بحكم أنها تبسط رقابتها على أحكام محاكم الموضوع دفع المشرع إلى سن مقتضيات قانونية مسطرية خاصة واستثنائية تختلف أحيانا عن تلك المقتضيات العادية المقررة أمام محاكم الموضوع.
ويرجع السبب في ذلك إلى جعل هذا الطعن الاستثنائي وأمام أعلى هيئة قضائية في سلم الهرم القضائي منحصرا في القرارات التي تكتسي أهمية كبيرة، وحتى لا يفتح الباب على مصراعيه على جميع الأحكام النهائية الصادرة عن جميع المحاكم مهما كانت درجة أهميتها، لذلك كان من الضروري وضع قيود أو شروط لقبول هذا النوع من الطعن.
وتأسيسا على ذلك فإن الطعن بالنقض يفرض على طالبه أن يتقيد بها وإلا كان مآل هذا الطلب عدم القبول، ولعل هذا هو السر في تنصيص جل المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية المنظمة لهذا النوع من الطعن ترتب أحيانا جزاء عدم القبول على عدم التقيد بالقيود أو الشروط المذكورة أو أنها تستعمل صيغة الوجوب أو ما في حكمها[1] في بعض الحالات الأخرى.
وإذا كانت مراقبة محكمة النقض لمدى تقيد طالب النقض بهذه المقتضيات التي يغلب عليها الطابع الشكلي يؤدي إلى كون حالات عدم القبول تحتل نسبة مهمة[2] مقارنة مع نسبة القضايا التي يبت فيها في الموضوع سواء كان الأمر يتعلق بالرفض أو بالنقض، فإن العيب ليس في قرارات عدم القبول التي تصدرها محكمة النقض بمختلف غرفها وإنما الخلل يكمن في تقصير طالب النقض أو من ينوب عنه وإخلاله بشكليات الطلب.
فعلى سبيل المثال واستنادا لما زودتنا به مصلحة الإحصاء التابعة لمحكمة النقض فقد احتلت قضايا الشكل خلال سنة 2010 نسبة 33.12% أي ما يمثل 10674 قضية من مجموع القضايا الذي وصل إلى 32231، وأما خلال سنة 2011 فقدرت هذه النسبة ب 30.80% وبما يعادل8914 قضية من مجموع القضايا الذي مثل 28945 قضية، وخلال سنة 2012 احتلت هذه النسبة 32.21% أي بما يصل إلى 9484 قضية من المجموع الذي ناهز 29442 قضية، وأما خلال سنة 2013 فقد بلغت 31.06% وهو ما يمثل 8602 قضية من مجمل القضايا الذي لم يتعد 27695 قضية، بينما وصلت هذه النسبة خلال سنة 2014 إلى 31.21% وهو ما يوازي 10204 من مجموع القضايا الذي ارتفع إلى 32698 قضية.
وتتعدد حالات عدم قبول طلبات الطعن بالنقض كما تتنوع صورها، حيث يمكن التمييز بين ما يرتبط بشخص طالب النقض أو المطلوب، وبين تلك التي ترجع لطبيعة مقال النقض، وبين ما يعود للوصف القانوني للحكم النهائي أو للقرار المطعون فيه بالنقض، وبين ما يتعلق بطبيعة الطلب موضوع الطعن بالنقض.
وغير هذه الحالات كثير، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولا : حالات عدم القبول الذي ترجع إلى شخص الطالب أو شخص المطلوب
يرتبط هذا النوع بضرورة توفر الصفة والمصلحة وكذا الأهلية في أطراف النزاع، ذلك أن الدعوى أو الطعن بالنقض على حد سواء لا يصحان إلا بتوفرها، وهذا المبدأ هو الذي يقرره الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية بخصوص الدعوى[3]، وعلى هذا الأساس نتعرض لثلاث صور كما يلي:
الصورة الأولى: الصفة
بالنسبة للصفة يجب توفرها في كل من الطالب والمطلوب معا حتى تستقيم الدعوى أو يقبل طلب الطعن بالنقض، فلا يكفي مثلا تقديمهما من قبل الورثة دون تحديد هؤلاء بأسمائهم، كما لا يقبل طلب الطعن بالنقض إذا قدم في اسم أو ضد شخص من قبل ورثته أو على ورثته.
كما يدخل في هذه الصورة كون طالب النقض لم يستأنف الحكم الابتدائي الذي قضى القرار المطعون فيه بالنقض بتأييده، على اعتبار أنه بعدم استئنافه قد فوت عليه وسيلة من وسائل الطعن لذلك فلا صفة له في الطعن بالنقض.
كما أن الصفة قد تكون متوفرة في البعض دون البعض الآخر في حالة تعدد هؤلاء وينطبق على هذه الحالة أن يحكم القرار للبعض في حالة تعدد المدعى عليهم لذلك فإن توجيه الطعن ضد من لم يحكم له بأي شيء يكون على غير ذي صفة وتكون الدعوى في مواجهتهم غير مقبولة بينما تكون مقبولة شكلا في مواجهة الفئة التي حكم لها.
ونفس المبدأ ينطبق على الفريق المحكوم عليه في حالة استثناء البعض منه، فمن لم يحكم عليه بشيء لا صفة له بالطبع في الطعن بالنقض.
الصورة الثانية: الأهلية
كما أن أهلية التقاضي في الدعوى بصفة عامة وكذا الطعن بالنقض تعتبر أمرا لازما ومن ثم فلا يصح تقديمه من قبل قاصر أو على قاصر ما لم يكن في شخص وليه القانوني، كما أن الشركة كشخص اعتباري حينما تفقد أهليتها من خلال خضوعها لمسطرة التصفية القضائية فيتعين تقديم الطعن بالنقض من أو على سنديك التصفية.
الصورة الثالثة: المصلحة
وأما فيما يخص المصلحة فإنه ما دام قبول الدعوى بصفة عامة يجب أن يكون ممن له مصلحة فيها فإن ذلك يكون لازما أيضا في أي طعن كيفما كان شكله، لذلك فإنه لا يقبل الطعن بالنقض أيضا ممن لم تتضرر مصالحه من القرار أو الحكم المطعون فيه بالنقض، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم موضوع الطعن قد استجابت لطلبات الطالب ودون أن تمس بعض مصالحه وإنما تضررت بعض مصالح خصمه، لذلك فيكون من العبث الطعن في قرار من هذا النوع ما دامت الفائدة منعدمة من هذا الطعن ويكون تبعا لذلك مآله عدم القبول.
كما يدخل في هذه الصورة كون محكمة القرار المطعون فيه قضت بإخراج طرف من الدعوى، لذلك فلا تكون لهذا الأخير مصلحة في الطعن بالنقض في هذا القرار سواء كان طرفا رئيسيا أو مدخلا في الدعوى، وفي هذه الحالة يتداخل إلى حد ما عنصرا الصفة والمصلحة.
ثانيا : حالات عدم القبول التي ترجع إلى مقال النقض
أما هذه الحالات فترتبط بما قد يشوب مقال النقض من خروقات شكلية، ذلك أن الفصل 354 من قانون المسطرة المدنية ينص على انه ” ترفع طلبات النقض… بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف أحد المدافعين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض.
يمكن للمحكمة عند عدم تقديم مقال أو تقديمه موقعا عليه من طرف طالب النقض نفسه او من طرف مدافع لا تتوفر فيه الشروط المقررة في الفقرة السابقة ان تشطب على القضية تلقايئا من غير استدعاء الطرف…”
ومن ابرز هذه الخروقات المرتبطة بهذا الجانب وانطلاقا من الفصل المشار إليه أعلاه يمكن استعراض الصور التالية:
الصورة الأولى: تقديم المقال من طرف الطالب شخصيا وبدون دفاع
ذلك أن الطالب أو المدعى إذا كان في امكانه تقديم مقاله بصفته الشخصية وبدون دفاع في بعض القضايا وبشروط أمام بعض محاكم الموضوع فإنه لا يسوغ له مهما كانت طبيعة الدعوى أن يرفع مقاله أمام محكمة النقض بدون دفاع، فإذا كان التصريح بالنقض في القضايا الزجرية من الممكن أن يتم من قبل الطالب شخصيا كما تقرر ذلك المادة 526 من قانون المسطرة الجنائية[4]. فإنه طبقا للمادة 528 من نفس القانون فإن مذكرته بأسباب الطعن بالنقض يجب أن تقدم من قبل دفاع مقبول للترافع أمام محكمة النقض[5].
غير أن الفصل 354 من قانون المسطرة المدنية أورد على مبدأ رفع المقال بواسطة محام استثناء يتعلق بتقديم المقال من قبل الدولة، حيث جاء في الفقرتين الثالثة والرابعة على أنه:
“تعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خلافا لمقتضيات الفقرتين 1 و2 أعلاه.
يوقع في هذه الحالة على مقالاتها ومذكراتها الوزير المعني بالأمر أو موظف منتدب لهذا الغرض ويمكن أن يكون هذا الانتداب عاما يشمل نوعا من القضايا”.
لقد اشترطت الفقرة الثانية من هذا الفصل لتطبيق هذا الاستثناء أن يتم توقيع مقال النقض من قبل الوزير المعني، أو من قبل موظف يعهد إليه بالقيام بهذه المهمة بمقتضى انتداب من قبل الوزير المذكور، ذلك أن عدم إرفاق المقال بهذا الانتداب يشكل إخلالا بهذا الشرط يترتب عليه عدم قبول الطلب.
الصورة الثانية : تقديم المقال من قبل محام غير مقبول للترافع أمام محكمة النقض
لقد حددت المادة 33 منن قانون مهنة المحاماة[6] شرطا لازما لقبول المحامي أمام محكمة النقض يتمثل في أن يسجل في جدول الهيئة لمدة تزيد على 15 سنة، حيث نصت هذه المادة على ثلاث فئات أفردت كل واحدة منها شرطا خاصا[7]، ذلك أنها وإن كانت أعفت فئة المحامين الذين كانوا مستشارين أو محامين بمحكمة النقض بصفة نظامية من أي شرط فإنها قد اشترطت في فئة قدماء القضاة وقدماء أساتذة التعليم العالي التسجيل في الجدول لمدة خمس سنوات، وإن كانت هذه الفئة الأخيرة لم تشترط فيها هذه المادة الحصول على شهادة الأهلية وقضاء فترة التمرين.
كما يدخل في هذه الحالة عدم التنصيص من قبل محامي الطلب إلى أنه مقبول أمام محكمة النقض لأن إغفال ذلك قد يشكك في توفره على هذه الصفة أمام تعذر معرفة توفره عليها.
غير أنه في حالة توفر جدول هيئة المحامين التي ينتمي إليها هذا المحامي فإنه يمكن تدارك ذلك بالاطلاع على الجدول ومعرفة تاريخ تسجيله وما إذا كان قد استوفى المدة اللازمة.
الصورة الثالثة: عدم توفر المقال على توقيع دفاع الطلب
لقد رتبت الفقرة الثانية من الفصل 354 من ق م م على خلو المقال من التوقيع جزاء التشطيب على القضية، وهو بلا شك مظهر من مظاهر البت في شكل الدعوى.
ومن أجل توثيق واقعة خلو مقال النقض من توقيع الدفاع فإن بعض أقسام غرف محكمة النقض ومن خلال رئيس القسم يعمدون أحيانا إلى تضمين ذلك في المقال من خلال الإشارة إلى جون أعضاء الهيئة قد عاينوا عدم توفر المقال على التوقيع ثم يذيل ذلك بتوقيع الرئيس.
الصورة الرابعة: عدم التعريف بالتوقيع الوارد بمقال النقض
يلاحظ أن مقال النقض وإن كان يحمل توقيعا إلا أنه يكون أحيانا غير مفتوح بمعنى أنه لا يقترن باسم من وقعه، الأمر تعتبره بعض غرف محكمة النقض أنه صادر عن مجهول وتقضي بعدم قبول طلب النقض، كما ينطبق على هذه الحالة أن يحمل المقال توقيعا ويقترن باسم محام آخر على أساس أنه ينوب عن الدفاع الذي قدم المقال من طرفه، حيث تكتب مع التوقيع والاسم عبارة: “عنه”.
ويرجع السبب الذي يجعل هذه الحالة الأخيرة تندرج في حالات عدم القبول هو أن هذا الدفاع لا يشير إلى أنه مقبول أمام محكمة النقض.
الصورة الخامسة: عدم توفر المقال على موطن الطالب أو المطلوب
غير أنه يلاحظ أن الاتجاه الغالب يفرض توفر هذا الشرط في المطلوب لأن الطالب حاضر بمقاله ولا يحتاج إلى تبليغ مقال النقض، كما يندرج في هذه الحالة كون طالب النقض يضمن في مقاله موطنا غير حقيقي للمطلوب كأن يشير فقط إلى اسم دفاعه الذي كان ينوب عنه خلال مرحلة الاستئناف، وهو بالطبع لا يعتبر موطنا حقيقيا.
وأحيانا يكون الموطن غير كامل بأن يتم الاقتصار فيه على رقمه واسم الزنقة دون اسم الحي أو اسم الدينة وهذا بالطبع لا يعتبر موطنا حقيقيا.
غير أنه إذا تعلق الأمر بموطن يتواجد في منطقة قروية حيث لا تتوفر فيها في الغالب أرقام محلات السكنى فيمكن الاقتصار على اسم الجماعة القروية واسم الدوار بالإضافة إلى الإقليم.
وإذا كان عدم توفر الموطن يجعل مآل المقال عدم قبوله فمن باب أولى وأحرى خلو المقال من اسم المطلوب وهويته الكاملة وموطنه، وهذه الحالة وإن كانت ناذرة إلا أنها موجودة مع الأسف الشديد.
الصورة السادسة: عدم توفر المقال على وسائل النقض أو الوقائع
لقد أقر ذلك كل من الفصل 359 من ق م م الذي أوجب أن يكون طلب النقض مبنيا على إحدى الوسائل الواردة فيه على سبيل الحصر، كما أن الفصل 355 من نفس القانون أوجب أيضا أن يتضمن مقال النقض مجموع بيانات منها الوسائل وكذا ملخصا للوقائع تحت طائلة عدم القبول.
الصورة السابعة: عدم إرفاق المقال بنسخة الحكم النهائي أو بالنسخ المساوية لعدد الأطراف
إلا أن ذلك يتطلب وكما يقرر الفصل 355 إنذار دفاع الطالب من قبل كتابة الضبط من أجل الإدلاء بنسخة الحكم أو بنسخ المقال المساوية لعدد الأطراف، وعدم تنفيذه للإجراء بعد مرور أجل 10 أيام من توصله بالإنذار.
ثالثا: حالات عدم القبول التي ترجع إلى طبيعة الحكم
نميز في هذا الإطار بين ثلاث صور كما يلي:
الصورة الأولى: كون الحكم غير انتهائي وغير قابل للطعن بالنقض
يمكن تقسيم هذه الحالة إلى نوعين على الشكل التالي:
1- كون الحكم غيابيا وقابلا للطعن بالتعرض
إذا كان أهم شرط للطعن بالنقض في الأحكام أن تكون انتهائية وكما ينص على ذلك الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية ولما كانت العبرة في وصف الحكم أو القرار بالوصف الذي يعطيه له القانون لا بما تصفه به المحكمة خطأ ولما كان القرار الاستئنافي لا يكون حضوريا إلا إذا أدلى المستأنف عليه بمستنتجاته الكتابية كما يقرر ذلك الفصل 333 من نفس القانون لذلك فمتى كان خاليا من هذه المستنتجات فإنه يكون غيابيا كما يكون قابلا للطعن بالتعرض، لذلك وحتى يكون المقال مقبولا يتعين إدلاء الطالب بما يفيد تبليغ القرار الاستئنافي إلى من صدر في حقه غيابيا واستنفاذ أجل الطعن بالتعرض.
2- كون الحكم ابتدائيا وقابلا للطعن بالاستئناف
تطرح هذه الحالة فقط في حوادث الشغل بالنسبة للدعاوى التي ترفع في إطار الغرامة الإجبارية المقررة من خلال المادتين 78 و116 من ظهير 25-12-2015 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل[8] وحينما يكون طلب المدعي المتعلق بهذه الغرامة مركبا بأن يرتبط طلبها بطلب آخر كطلب الإيراد أو التعويضات اليومية أو أن يتقدم المدعى عليه في هذه الدعوى بطلب مقابل، ذلك أنه حينما يكون الطلب حولها مستقلا فإن البت فيها يكون انتهائيا طبقا للفصل 21 من قانون المسطرة المدنية[9]،
وطبقا للمادة 79 من ظهير حوادث الشغل المشار إليه أعلاه، بمعنى أنه لا يكون قابلا للطعن بالاستئناف، ويقبل الطعن بالنقض مباشرة، غير أن هذا المبدأ لا يطبق إذا كان طلب الغرامة قد أضيف إليه طلب آخر أو أكثر حيث يبت فيها ابتدائيا أو كان هناك طلب مقابل، وكما يقرر الفصل 15 من نفس القانون[10]، لذلك قد يتم الطعن بالنقض في هذه الحالة على اعتبار أن الحكم الصادر فيها نهائيا، إلا أن الحقيقة هي العكس، ونظرا لتجاوز مرحلة الاستئناف وما دام الحكم يتعين أن يكون ابتدائيا فإن مصير هذا الطعن هو عدم القبول، لذلك فلا يمكن تخطي هذا الطعن العادي إلى طعن استثنائي الذي هو النقض.
ذلك أن البت في طلب النقض في قرار قابل للطعن بالاستئناف قد يؤدي إلى صدور قرارين متناقضين عن محكمة النقض حينما يطعن في القرار الاستئنافي الذي قد يصدر بعد التعرض.
الصورة الثانية: كون الحكم أو القرار سبق الطعن فيه بالنقض
إذا كان الطعن بالنقض لا يكون إلا مرة واحدة على نفس القرار أو الحكم ومن قبل نفس الطالب فإنه يستوي في ذلك أن تبت محكمة النقض في القرار السابق في الشكل أو في الموضوع على حد سواء، لذلك فإن الطعن فيه للمرة الثانية يكون مآله عدم القبول.
ويلاحظ أن هذا التوجه هو مجرد اجتهاد استقر عليه العمل القضائي للمجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا، ذلك أن المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية لا تنص عليه.
الصورة الثالثة: كون مراجع القرار المدلى به غير مطابقة لما أشير إليه بمقال النقض
يلاحظ أن القرار المرفق بمقال النقض يحمل أحيانا-وإن كانت ناذرة- بيانات تختلف عن بيانات القرار المطعون فيه بالنقض حيث تكون أرقامهما وكذا تاريخا صدورهما ورقما ملفهما غير متطابقة لذلك وما دام قانون المسطرة المدنية لا يخول لمحكمة النقض تكليف دفاع الطالب بالإدلاء بنسخة القرار المطعون فيه إذا كانت النسخة المدلى ليست هي المطعون فيها، باعتبار أن الفقرة الثانية من الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية تنص بصيغة الوجوب على إرفاق مقال النقض بنسخة القرار بالمرة[11]، وأما إذا كانت هذه النسخة غير مطابقة فإنه يكون مآل هذا المقال عدم القبول.
رابعا: حالات عدم القبول التي ترجع إلى عدم أداء الرسوم القضائية
إذا كان قانون المسطرة المدنية يعفي الأجير من أداء الرسوم القضائية في القضايا الاجتماعية مثلا وكما يقرر ذلك الفصل 273[12] فإن ذلك ينحصر فقط في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية دون مرحلة النقض، غير أن البعض يعتقد أنها تشمل جميع المراحل القضائية فيكون مآل الطعن بالنقض هو عدم القبول.
ولا تقتصر هذه الحالة على عدم الأداء بالمرة، وإنما تنطبق أيضا على أدائها بتاريخ لاحق على تاريخ تقيد مقال الطعن بالنقض، بأن يتم أمام محكمة النقض[13]، كما يدخل في هذه الحالة الطعن بالنقض في قرارين وأداء هذه الرسوم عن أحدهما، ويكون مآل هذه الحالات هو عدم القبول.
إلا أنه إذا تمكن الأجير من الإعفاء من الرسوم القضائية من قبل السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأن أرفق مقاله بقرار صادر عنه بهذا الشأن فإن طلبه يكون مقبولا.
غير أنه ينبغي التريث في حالة إشارة دفاع الطالب في مقال النقض إلى أن الرسوم القضائية قد أديت حينما يكون غير مرفق بوصل أدائها حيث يتعين إشعار الدفاع بالإدلاء به تحت طائلة التصريح بعدم القبول.
خامسا: حالات عدم القبول التي ترجع إلى كون الطلب رفع خارج الأجل القانوني
لقد حدد الفصل 358 من قانون المسطرة المدنية أجل الطعن بالنقض في 30 يوما[14] تبدأ من تاريخ تبليغ القرار إلى الطالب، والأجل فيها يكون كاملا بمعنى أنه لا يحتسب فيه اليوم الأول للتبليغ وكذا اليوم الأخير، ويدخل في هذه الحالة أيضا سعي الطالب إلى تبليغ الطرف الآخر لذلك يسري عليه هذا الأجل.
سادسا: حالات عدم القبول التي ترجع لطبيعة بعض الطلبات
يمكن التمييز في هذا الإطار بين صورتين من الطلبات:
الصورة الأولى: كون مبلغ الطلب يقل عن عشرين ألف درهم
لقد أقر مشروع قانون المسطرة المدنية هذا المبدأ والذي يمكن اعتباره تحديدا للاختصاص القيمي للطعن بالنقض من خلال التعديل الذي طرأ على الفصل 353[15].
وقد جاء في المادة الفريدة من القانون المذكور ما يلي: “الفصل 353: تبت محكمة النقض ما لم يصدر نص بخلاف ذلك في:
1- الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة باستثناء الطلبات التي تقل قيمتها عن عشرين ألف درهم (20.000 درهم)…”.
ويلاحظ أن قانون المسطرة الجنائية ومن خلال الفقرة الثانية من المادة 523 قد تبنت نفس التوجه حينما حددت الاختصاص لمحكمة النقض في هذا الجانب فيما يعادل أو يتجاوز نفس المبلغ، حيث جاء فيها ما يلي:
“وعلاوة على ذلك لا يقبل طلب النقض ضد الأحكام والقرارات والأوامر القضائية الصادرة بغرامة أو ما يماثلها إذا كان مبلغها لا يتجاوز عشرين ألف (20.000) درهم إلا بعد الإدلاء بما يفيد أداءها”.
الصورة الثانية: كون موضوع الطلب يتعلق بإيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه بالنقض
لقد نص الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية وبعد التعديل الذي طرأ عليه بتاريخ 10/09/1993 على ثلاث حالات يمكن إيقاف التنفيذ فيها بمناسبة الطعن بالنقض أمام محكمة النقض حصرها في قضايا الأحوال الشخصية وقضايا الزور الفرعي وقضايا التحفيظ العقاري، غير أن الفقرة الثانية من نفس الفصل قد خولت لحكمة النقض بصفة استثنائية وبطلب من رافع الدعوى أن توقف التنفيذ في القضايا الإدارية وفي مقررا السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء.
خاتمة حول : شروط قبول المذكرة التفصيلية وكذا المذكرة الجوابية
وأخيرا فإن هناك جانبين يرتبطان بالشكل وتضطلع بهما محكمة النقض نظمهما مشرع قانون المسطرة المدنية من خلال الفصلين 364 و365، باعتبار أنهما وإن كانا لا يخصان مقال النقض إلا أنهما يرتبطان بما يعقب تقديم هذا المقال، وعلى الخصوص تقديم الطالب لمذكرة تفصيلية من جهة، وكذا تقديم دفاع المطلوب لمذكرة جوابية:
أما بخصوص المذكرة التفصيلية أو ما في حكمها فقد فرض الفصل 364 من القانون المذكور شرطين لقبولها يتمثلان في حفظ الطالب لحقه في الإدلاء بها من جهة، وفي أن يدلي بها خلال أجل 30 يوما من تاريخ تقديم الطلب، بمعنى أنه إذا اختل أحدهما فإن محكمة النقض يتعين عليها عدم قبولها مع تعليل ذلك.
وأما بخصوص المذكرة الجوابية فقد اشترط الفصل 365 من نفس القانون لقبولها أن تقدم خلال 30 يوما من تاريخ تبليغ المطلوب بنسخة من مقال النقض، غير أن هذا الأجل يخفض إلى النصف أي 15 يوما فقط بالنسبة لبعض القضايا[16]، كما يقرر ذلك الفصل 367 من ذات القانون.
الهوامش :
1. لقد وردت صيغة الوجوب وجزاء عدم القبول ثلاث مرات في الفصل 355 من ق م م، كما تفرعت عن كل حالة ثلاث صور، وأما في الفصل 357 فقد وردت مرة واحدة، بينما رتب الفصل 354 جزاء التشطيب على القضية، وهو ما يعتبر في حكم عدم القبول ما دامت المحكمة لم تنتقل للبت في موضوع الدعوى.
2. تحتل حالات عدم القبول وما في حكمها من قضايا الشكل التي تشمل التشطيب على القضية، وسقوط الطلب، والإشهاد على التنازل نسبة تصل أو تقل بقليل عن ثلث جميع القضايا المعروضة على محكمة النقض، وهي نسبة مهمة تمثل عددا لا يستهان به ويثقل كاهل هذه المحكمة ومن شأن الحد منها بإيجاد صيغة لتصفيتها أن يخفف العبء عن هذه المحكمة.
3. ينص الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية على أنه:
“لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية، والمصلحة، لإثبات حقوقه.
يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده.
إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة. وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى…”.
4. المادة 526 من قانون المسطرة الجنائية تنص هذا المادة على أنه:
“يرفع طلب النقض بتصريح لدى كتابة الضبط بالمحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه.
يقدم التصريح طالب النقض بنفسه أو بواسطة محام ويقيد التصريح بسجل معد لهذه الغاية، ويوقع عليه كاتب الضبط والمصرح.
إذا كان المصرح لا يحسن التوقيع، فيضع بصمته.
إذا كان طالب النقض معتقلا، فإن تصريحه يكون صحيحاً إذا قدمه شخصياً إلى كتابة الضبط بالمؤسسة السجنية، حيث يقيد فورا بالسجل المنصوص عليه في المادة 223 أعلاه ويتعين على رئيس المؤسسة السجنية أن يوجه داخل الأربع والعشرين ساعة الموالية للتصريح نسخة منه إلى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، حيث تضمن في السجل المنصوص عليه في الفقرة الثانية أعلاه، ثم يضاف التصريح إلى ملف الدعوى.
يسلم وصل عن التصريح.”
5. تنص هذه المادة على انه:
“يسلم كاتب الضبط نسخة من المقرر المطعون فيه مشهودا بمطابقتهما للأصل إلى المصرح بالنقض أو محاميه، خلال أجل أقصاه ثلاثون يوما تبتدئ من تاريخ تلقي التصريح.
يضع طالب النقض بواسطة محام مقبول لدى محكمة النقض مذكرة بوسائل الطعن لدى كتابة الضبط بالمحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه، خلال الستين يوما الموالية لتاريخ تصريحه بالنقض.
تكون هذه المذكرة اختيارية في قضايا الجنايات، ويمكن وضعها من طرف المحامي الذي آزر فعلا طالب النقض ولو لم يكن هذا المحامي مقبول لدى محكمة النقض.
توقع كل مذكرة وترفق بنسخ مساوية لعدد الأطرف الذين يهمهم البت في طلب النقض، ويشهد كاتب الضبط بعدد النسخ ويضع طابع المحكمة وتوقيعه على الأصل وعلى النسخة التي تسلم لطالب النقض.
يوجه الملف إلى محكمة النقض بمجرد وضع المذكرة، وفي جميع الأحوال خلال أجل أقصاه تسعون يوما.
إذا لم تسلم نسخة المقرر للمصرح بالنقض داخل الأجل المشار إليه في الفقرة الأولى، فإنه يتعين عليه الاطلاع على الملف بكتابة ضبط محكمة النقض وتقديم مذكرة وسائل الطعن بواسطة دفاعه خلال ستين يوما من تاريخ تسجيل الملف بها تحت طائلة الحكم بسقوط الطلب عندما تكون المذكرة إلزامية”.
6. لقد صدر هذا القانون بموجب ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، كما نشر بالجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 7 ذو القعدة 1429 (6 نوفمبر 2008)، ص 4044.
7. لقد نصت هذه المالدة على أنه: “لا يقبل لمؤازرة الأطراف وتمثيلهم أمام محكمة النقض، مع مراعاة الحقوق المكتسبة إلا:
– المحامون المسجلون بالجدول منذ خمس عشرة سنة كاملة على الأقل؛
– المحامون الذين كانوا مستشارين أو محامين عامين، بصفة نظامية، في محكمة النقض؛
– قدماء القضاة، وقدماء أساتذة التعليم العالي، المعفون من شهادة الأهلية ومن التمرين، بعد خمس سنوات من تاريخ تسجيلهم بالجدول”.
8. لقد صدر هذا الظهير تحت رقم 1.14.190 بتاريخ 29-12-2014 بتنفيذ القانون رقم 18.12 ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22-01-2015 من صفحة 489 إلى الصفحة 511.
9. ينص الفصل 21 على ما يلي:
“يبت القاضي في القضايا الاجتماعية انتهائيا في حدود الاختصاص المخول إلى المحاكم الابتدائية والمحدد بمقتضى الفصل 19 وابتدائيا إذا تجاوز الطلب ذلك المبلغ أو كان غير محدد.
غير أنه يبت ابتدائيا فقط في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وكذا في المعاشات الممنوحة في نطاق الضمان الاجتماعي باستثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية فإن الأحكام تصدر بصفة انتهائية ولو كان مبلغ الطلب غير محدد”.
10. ينص الفصل 15 على ما يلي:
“تختص المحكمة بالنظر في جميع الطلبات المقابلة أو طلبات المقاصة التي تدخل بنوعها أو قيمتها في حدود اختصاصها.
إذا كان كل واحد من الطلبات الأصلية أو المقابلة أو طلبات المقاصة يدخل في حدود اختصاصها الانتهائي بتت المحكمة بحكم غير قابل للاستئناف.
إذا كان أحد هذه الطلبات قابلا للاستئناف بتت المحكمة ابتدائيا في جميعها”.
11. تنص هذه الفقرة على أنه: “يجب إرفاق المقال بنسخة من الحكم النهائي المطعون فيه إلا طلبتها كتابة الضبط من المحكمة التي أصدرته”.
12. ينص الفصل 273 على ما يلي:
“يستفيد من المساعدة القضائية بحكم القانون العامل مدعيا أو مدعى عليه أو ذوو حقوقه في كل دعوى بما في ذلك الاستئناف، وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم القانون على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية”.
13. ينص الفصل 357 من قانون المسطرة المدنية على أنه:
“يتعين على طالب النقض أمام محكمة النقض أن يؤدي الوجيبة القضائية ففي نفس الوقت الذي يقدم فيه مقاله تحت طائلة عدم القبول”.
14. ينص الفصل 358 على ما يلي:
“يحدد بصرف النظر عن المقتضيات الخاصة أجل رفع الدعوى إلى محكمة النقض في ثلاثين يوما من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي.
لا يسري الأجل بالنسبة للقرارات الغيابية إلا من اليوم الذي يصبح فيه التعرض غير مقبول.
يوقف أجل الطعن ابتداء من إيداع طلب المساعدة القضائية بكتابة ضبط محكمة النقض ويسري هذا ال أجل من جديد من يوم تبليغ مقرر مكتب المساعدة القضائية للوكيل المعين تلقائيا ومن يوم تبليغ قرار الرفض للطرف عند اتخاذه”.
15. لقد صدر هذا التعديل بمقتضى الظهير الشريف رقم: 1.05.113 الصادر في: 23/11/2005 بتنفيذ القانون رقم: 25.05 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5374 الصادرة بتاريخ فاتح ديسمبر 2005.
16. لقد حصر هذا الفصل هذه القضايا فيما يلي:
1- الأحكام الصادرة في قضايا النفقة النفقة أو قانون الأحوال الشخصية أو الجنسية؛
2- الأحكام الصادرة في قضايا الانتخابات والقضايا الاجتماعية؛
3- الأحكام الصادرة في الموضوع طبق مسطرة القضاء الاستعجالي.
اترك تعليقاً