يشكل الوفاء الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام ، إلا أن الوفاء لا يكون في بعض الاحيان ممكناً ، وذلك إذا تعذر الوفاء وفقاً للطريق المألوف له ، فالأصل أنه وفي حال حلول أجل الوفاء ان يقوم المدين بتبرئة ذمته عن طريق الوفاء للدائن ، إلا أنه في حالات معينة يعبر المدين عن رغبته في الوفاء إلا أنه يتعذر عليه ذلك ، فإما أن يكون سببه تعنت الدائن بقبول الوفاء من أجل استمرار انشغال ذمة مدينه وما يترتب عليه من تبعات ، وإما ان يكون سببه عدم معرفة المدين لمحل تواجد دائنه او موطنه ، أو قد يكون سبب عدم الوفاء عدم صلاحية الشخص للوفاء له. أمام هذه العقبات والتي تعترض عملية الوفاء لم يشأ المشرع ان يقضي على رغبة المدين في الوفاء ، بل رسم طريقاً من أجل التغلب على هذه المشكلة ، وهو ما يسمى بالعرض والايداع. فما المقصود بالعرض والايداع؟ وما هو واقع ودور التبليغات فيها؟ أما العرض فهو ابداء المدين لرغبته في الوفاء بواسطة الجهة المختصة خلال مدة معينة حيث يبادر فيها الدائن إلى استيفائه، أما الايداع فهو عبارة عن تسليم ما عرض المدين الوفاء به للدائن لدى الكاتب العدل او في صندوق المحكمة عند رفض الدائن تسلم ما تم عرضه عليه(1).
إن الأسباب التي تدعو إلى العرض والايداع عديدة، فقد ترجع إلى رفض الدائن للوفاء دون مبرر ، أو إذا رفض القيام بالأعمال التي لا يتم الوفاء بدونها ، أو قد ترجع الأسباب إلى تعذر الوفاء للدائن ، وحالات التعذر هذه قد ترجع إلى عدم معرفة المدين لشخصية الدائن او محل إقامته او إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها، كذلك إذا كان دين الدائن محل نزاع بين عدة أشخاص ، فهنا ليس من مصلحة المدين التسرع في الوفاء بل عليه الانتظار لحين حسم النزاع(2). أما عن الإجراءات الواجبة الاتباع لصحة العرض والايداع ، فالملاحظ ان هذه الاجراءات تمر بثلاث مراحل ، المرحلة الاولى تتمثل بوجوب اعذار او اخطار الدائن وما يترتب على هذا الاعذار من نتائج قانونية، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة عرض الدين عرضاً حقيقياً على الدائن ، في حين ان المرحلة الثالثة هي مرحلة ايداع الدين على ذمة الدائن. ففيما يتعلق بالمرحلة الأولى، فقد تكفلت المادة (385) من القانون المدني العراقي بفقرتيها بمعالجتها، إذ نصت هذه المادة”1. إذا رفض الدائن دون مبرر قبول الوفاء المعروض عليه عرضاً صحيحاً أو إذا رفض القيام بالأعمال التي لا يتم الوفاء بدونها أو إذا أعلن انه لن يقبل الوفاء فيجوز للمدين ان ينذر الدائن بوجوب استيفاء حقه في مدة مناسبة يحددها في الإنذار. 2- ولا يتم اعذار الدائن الا إذا أودع المدين الشيء على ذمة الدائن بعد انقضاء هذه المدة وأنذره بهذا الايداع“.
نستنتج من المادة أعلاه ان المدين حتى يتمكن من السير في إجراءات العرض والايداع لابد من توجيه إنذار إلى دائنه يفصح فيها عن رغبته الجدية في الوفاء ، مهما يكن من أمر ، فإن هذا الإنذار لا قيمة له إذا لم يتم تبليغه إلى الدائن ، وهذا يعني ان التبليغات في هذه المرحلة تشكل نقطة تحول مهمة ، بحيث إذا تبلغ الدائن بهذا الإنذار ولم يبادر إلى استيفاء حقه ، عندها يحق للمدين المباشرة في إجراءات العرض والايداع ، وبمفهوم المخالفة إذا لم يتم تبليغ الدائن بهذا الإنذار فإن إجراءات العرض والايداع ستكون مشوبة بنقص يتوجب تكملته. وتبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة العرض عندما لم يقم الدائن باستيفاء حقه رغم تبليغه بمضمون اعذار المدين بواسطة الكاتب العدل حيث اجاز المشرع العراقي(3). للمدين إذا اراد الوفاء ان يعرض على الدائن ما التزم به من نقود او منقولات وذلك بواسطة الكاتب العدل ، بعدها يخبر الاخير الدائن بالعرض الواقع حيث يطلب منه الحضور في الزمان والمكان المعينين للتسلم. ويترتب على العرض الصحيح او ايداع الدين صندوق المحكمة قبل اقامة الدعوى نتائج مهمة تتمثل في تحمل الدائن لنفقات الدعوى واجور المحاماة ، فضلاً عن تحمله النفقات التي تستجد بعد العرض والايداع إذا حصل ذلك اثناء سير الدعوى(4).
ويتم الانتقال إلى المرحلة الثالثة وهي الايداع وذلك إذا لم يؤد العرض الذي تقدم به المدين والذي تم تبليغه بواسطة الكاتب العدل او في صورة عرض فعلي اثناء المرافعة إلى قيام الدائن باستيفاء حقه(5).ان الايداع الذي يمكن تصوره يمكن أن يحدث في المرافعة أمام المحكمة وذلك بدون إجراءات أخرى اذا كان من وجه اليه العرض حاضراً، وتسلم النقود المعروضة عند رفضها لكاتب الجلسة لا يداعها صندوق المحكمة(6).أما اذا رفض الدائن العرض أو لم يحضر أمام المحكمة وكان المعروض نقوداً عندها يكون للمدين أن يودعها في صندوق المحكمة، أما اذا كان المعروض منقولاً أو عقاراً حينذاك تقوم المحكمة أو الكاتب العدل بوضع المال تحت يد شخص عدل تعينه لذلك الغرض(7). واذا ما تم الايداع صحيحاً فيجب على المحكمة أن تبلغ الدائن خلال ثلاثة أيام من تاريخ حصوله(8).ويشكل تبليغ الدائن بحصول الايداع مرحلة في غاية الأهمية للأسباب التالية(9).:
أولاً. يعد تبليغ الايداع دعوة أخيرة للدائن لقبول الايداع أو رفضه، ليتم بعدها الانتقال الى المرحلة الأخرى مرحلة الحكم بصحة العرض أو الايداع.
ثانياً. يترتب على تبليغ الايداع اعتبار الدائن معذراً وذلك من تاريخ تبليغه وهذا له أثره في إثبات تقصير الدائن في استيفاء حقه.
ثالثاً. وقف سريان الفوائد فضلاً عن تحمل الدائن تبعة هلاك أو تلف الشيء الذي يجب الوفاء به بقوة قاهرة أو حادث مفاجئ.
رابعاً. ثبوت حق المدين في تعويض الضرر الناشئ له بسبب امتناع الدائن عن قبول الوفاء.
وقد جاء في الأسباب الموجبة لقانون المرافعات العراقي: “وغني عن البيان أن الدائن يبلغ بالايداع إذا لم تكن هناك دعوى مقامة أو إذا كانت هناك دعوى ولم يحضر الدائن عند حصول الايداع، أما إذا كان حاضراً فلا حاجة لتبليغه بحصول الإيداع لأنه جد عليم بهذه الواقعة….“.وقد أجاز المشرع العراقي(10). للدائن حق الاعتراض على صحة العرض أو الإيداع خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه بكل منهما، وفي كل الأحوال يعد سكوت الدائن عن الاعتراض قبولاً لهما.
________________________________________________
1- استاذنا د. عباس العبودي، شرح احكام المرافعات ، مصدر سابق ، ص 364 – 365.
2- د. آدم النداوي، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص 262 – 263 ؛ عبدالرحمن العلام ، مصدر سابق، ج4 ، ص 503.
3- راجع الفقرة (1) من المادة (277) مرافعات عراقي .
4- راجع المادة (280) مرافعات عراقي.
5-استاذنا د. عباس العبودي ، شرح احكام المرافعات ، مصدر سابق ، ص 367.
6- راجع المادة (278) مرافعات عراقي.
7- راجع الفقرات (1-2-3) من المادة (279) مرافعات عراقي.
8- راجع المادة (281) مرافعات عراقي.
9- عبد الرحمن العلام، مصدر سابق، ج4، ص518-519.
10- راجع المادة (282) مرافعات عراقي.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً