«الفنية القانونية» وأثرها في الاستثمار
د. ملحم بن حمد الملحم
تسن الدول على اختلاف مدارسها القانونية، تشريعاتها لتنظم سلوك أفراد المجتمع فيها، وتسعى التشريعات عند تنظيمها موضوعا محددا إلى أن تغطي جميع جوانبه، على أساس أن هذه التشريعات ستبقى فترة من الزمن ليست بالقليلة. وعندما يصدر قانون ما، فهذا يعني أنه يجب الالتزام به من قبل السلطة التنفيذية، فتكون عادة مسؤولة عن التأكد من الالتزام به من قبل المكلفين به، وتكون مسؤولة عن محاسبة من يخالفه، ومن قبل السلطة القضائية، فواجبها الحكم به، والفصل في النزاعات الناتجة بناءً على ما ورد في هذا القانون.
ومن أهم العناصر والمسائل الأساسية في القوانين والأنظمة مسألة الإجراءات أو المعايير، فإجراءات تطبيق القانون أو المعايير التي يضعها المشرع أو المنظم تعتبر أحد مقومات التشريع الأساسية، وهنا سأسميها “الفنية القانونية” Technicality. أسعى في هذه المقالة إلى عرض شيء من معنى “الفنية القانونية”.
أعني بـ “الفنية” هنا أنه عندما يسن المشرع أو المنظم نظاماً أو قانوناً، ويضمن هذا القانون إجراءات معينة أو صفات محددة لتحقق مخالفة، فإنه يكون بذلك قد وضّح وعبّر عما يراد له تطبيقه وتنفيذه، وليس للسلطتين التنفيذية والقضائية الاجتهاد في معرض النص. هذه المقدمة لها أثر أساسي وجوهري، وهو أنه عندما تسير إجراءات مخالفة لما نص عليه النظام أو القانون، فإن الإجراء يفترض أن يعتبر باطلاً، والنتيجة التي تم الوصول إليها تعتبر باطلة، ما لم يُنَص في النظام نفسه على المسائل التي لا تؤثر في النتيجة حال مخالفتها الإجراء.
فلو ألزم نظام ما أنه في حالة ارتكاب شركة مخالفة من المخالفات، فإن إجراءات التحقيق فيها أو محاسبتها كذا وكذا، ثم يتم إجراء مخالف لهذا الإجراء الذي نص عليه النظام، ينبغي أن يعتبر هذا الإجراء باطلا، حتى إن كان وقوعه ثابتاً لدى القضاء أو السلطة التنفيذية. والسبب في ذلك هو أن “الفنية القانونية” تعزز مبدأ تطبيق القانون من الجهات التنفيذية، وتحد من الخطوات العشوائية والارتجالية، وتكون صمام أمان لكل الخاضعين لهذا القانون من مستثمرين وشركات. توجد جوانب وملامح من “الفنية القانونية” جزئياً في عدد من الأنظمة عند النص على عبارة “وكل إجراء خلاف ذلك يعتبر باطلاً”.
نصت المادة الخامسة من نظام المرافعات الشرعية السعودي، على أنه “يكون الإجراء باطلاً إذا نص النظام على بطلانه، أو شابه عيب تخلف بسببه الغرض من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان – رغم النص عليه – إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء”، وأسندت اللائحة تحقق الغاية إلى القضاء. والذي أراه أن النص في بدايته كان يتحدث عن “الفنية القانونية”، لكن في آخر المادة نقضها بمسألة الغاية مطلقا من دون تقييدها، ما يضعف مفهوم “الفنية القانونية”.
قد يكون مفهوم “الفنية القانونية” له عدة معانٍ، ويمكن أن يفسر بتفاسير كثيرة، لكن بينت المعنى الذي يهم في هذه المقالة، والذي أرى أن هذا المفهوم كلما وضح في الأنظمة والتشريعات وكان تطبيقه قوياً، عزز قوة تطبيق وتنفيذ الأنظمة، وحد من الاجتهادات المتوسعة، وسهل عمل الجهات التنفيذية، ووفر بيئات آمنة للتجارة والاستثمار.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً