الإشكالات العملية لنقل الدعوى المدنية التابعة أمام الغرف الاستينافية
الإشكالات العملية لنقل الدعوى المدنية التابعة أمام الغرف الاستينافية
كتبها الدكتور عبد الحكيم الحكماوي
نائب أول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط
أستاذ زائر بكلية الحقوق سلا
باحث قانوني
ما من شك أن الطعن حق خولته التشريعات لجميع الأطراف الذين تضررت مصالحهم أو صدرت في حقهم أحكام لم تلب مطالبهم التي تقدموا بها أمام الجهات القضائية المختلفة ؛ غير أن المشرع نظم الحق في الطعن و الإجراءات الواجب اتباعها تنظيما دقيقا كما حدد للجهات القضائية المطعون أمامها اختصاصات دقيقة و أحاطها بجزاء قانوني في حالة تجاوزها .
و إذا كان الجانب الجزائي يحظى بالأهمية البالغة في التنظيم لارتباطه لحريات الأفراد كما بحقوقهم ، فإن طرق الطعن و الإجراءات المترتبة عنه لها نفس الأهمية التي يحظى بها الجانب الجنائي ، لذك فإن المهتمين ما فتئوا ينادون بضرورة التقيد بالشرعية الإجرائية باعتبارها المانع الذي يمنع الجهات القضائية أو الأطراف على حد سواء من تجاوز الصلاحيات و الاختصاصات التي خولها لهم القانون .
و في هذا الإطار تبرز إشكالية تدبير الملفات المطعون فيها بالاستيناف أو النقض في الشق المتعلق بالدعوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الزجري ، إذ لابد من التساؤل حول ما إذا كان من الملائم نقل النزاع برمته أمام الجهات التي ستنظر في الطعن أم أن النقل يجب ألا يهم إلا الشق المطعون فيه ؟
صحيح أن القانون أعطى للأطراف المتضررة – بمناسبة قيام الدعوى العمومية – الحق أن يتقدموا بطلباتهم أمام نفس الجهة القضائية التي ستنظر في الدعوى العمومية ، كما أعطاهم الحق في الطعن في الأحكام التي تصدر في تلك الدعاوى ، غير أنه زاد في تنظيم ممارسة حق الطعن حيث أكد على أن نظر الغرفة الاستينافية في هذا الطعن يجب أن يقتصر على الشق المطعون فيه .
و هكذا فقد نصت مقتضيات المادة 410 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي : ” يقصر استئناف الطرف المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية نظر غرفة الجنح الاستئنافية على مصالح المستأَنف المدنية و يتيح للمحكمة تقدير حقيقة الوقائع المتسببة في الضرر المدعى به.” و هي المقتضيات التي تحدد نطاق تدخل الجهة القضائية الاستينافية عند البت في الطعون المدمة إليها .
فوفقا لأحكام المقتضيات الواردة في المادة أعلاه ، فإن عدم طعن أطراف الدعوى العمومية ( النيابة العامة و الإدارات التي يخولها القانون حق تحريك أو إثارة الدعوى العمومية أو المهتم نفسه وفق ما تنص على ذلك مقتضيات المادة 409 من قانون المسطرة الجنائية ) في الحكم الصادر في هذه الأخيرة لا يعني حرمان المتضرر أو المسؤول عن الحقوق المدنية أو المؤمن له من ممارسة حقه في الطعن في الشق المتعلق بالدعوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري .
و في هذه الحالة نظر الغرفة الاسينافية الزجرية ينحصر في الشق المتعلق بالمطالب المدنية دون غيرها ، و لها أن تقدر الوقائع التي تسببت في الضرر المطالب بتعويضه تقديرا يخضع لسلطتها التقديرية منطلقا في ذلك من الإطار العام لمفهوم الضرر المتعارف عليه في القانون المدني لا باعتباره جريمة يؤطر قواعدها التشريع الجنائي .
و كما هو معلوم ؛ إذا كان للطعن بالاستيناف الأثر الناشر للدعوى أمام الجهة القضائية المطعون أمامها فإن نطاق هذا النشر حدده المشرع في نفس المقتضيات الواردة بالمادة 410 من قانون المسطرة الجنائية متى تعلق الأمر بالطعن في الشقق المرتبط بالطلبات المدنية أو الدعوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري .
و على ذلك لا يجوز للغرفة الاستينافية تجاوز نطاق الطعن و إلا كان حكمها معرضا للنقض لعلة الخرق الجوهري للقانون و خرق الإجراءات الجوهرية للمسطرة طبقا لما نصت عليه المادة 534 من قانون المسطرة الجنائية .
فإذا تقرر لنا حق أطراف الدعوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري في الطعن ، و استقر النظر على ما اقتضاه القانون للنظر في ذلك الطعن ، فمن المناسب النظر في الكيفية التي يرفع بها النزاع أمام الجهة القضائية المطعون أمامها.
إن الحديث على إعادة نشر الدعوى أمام الغرفة الاستينافية ، ينحصر – كما سبقت الإشارة إلى ذلك في حالة الطعن من أطراف الدعوى المدنية – في الشق المرتبط بالطلبات و الملتمسات المدنية دون أن يمتد ذلك النطاق إلى الدعوى العمومية التي لا يبادر أطرافها المحددين في المادة 409 إلى الطعن في الحكم الصادر فيها ؛ لذلك فإن الصورة التي يرفع بها النزاع أمام الغرفة الاستينافية – في هذه الحالة – هي الانتقال بشق الدعوى المدنية بمفرده إلى الغرفة الاستينافية الزجرية ، و بالتالي فإن أول ما يتبادر إلى الذهن في هذه الحالة هو أن أطراف الدعوى المدنية الذين يجب أن يمثلوا أمام الغرفة الاستينافية هم الأطراف المدنية ( المدعى عليه ( المتهم في الدعوى العمومية ) و المدعي ( المطالب بالحق المدني ) أو المسؤول على الحقوق المدنية أو المؤمن أو المؤمن له ) و لا دخل لكل من النيابة العامة أو الإدارة التي يخول لها المشرع حق إقامة الدعوى العمومية أو المتهم بصفته هاته في الدعوى المعروضة على أنظار الغرفة الاستينافية .
و يترتب على ذلك أن إدخال هذه الأطراف الأخيرة في النزاع المعروض على أنظار الغرفة الاستينافية غير مستند على قانون و لا أساس له ، لذلك وجب في حالة الإدخال إخراجهم و جعل النزاع مقتصرا على من ذكر بالمادة 410 من قانون المسطرة الجنائية .
و مما تجدر الإشارة إليه أن الإجراءات و الشكليات التي تطبق على رفع الدعوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري ، المطعون في الحكم الصادر فيها ، أمام الغرفة الاستينافية هي نفس الإجراءات التي تطبق عادة على الدعاوى المدنية العادية ، و بالتالي لا يجوز أن تحال تلك الدعاوى على النيابة العامة من أجل تحديد تاريخ أول جلسة لها ، على اعتبار أن النيابة العامة غير معنية بالطعن أصلا لأن الحكم الصادر في الدعوى العمومية أصبح نهائيا عند انصرام أجل الطعن و عدم مبادرة أطرافه للطعن فيه .
و أساس تطبيق المقتضيات و الإجراءات العادية على الطعون الموجهة ضد الأحكام الصادرة في الدعاوي المدنية المرفوعة أمام القضاء الزجري هو ما ورد في المادة 752 من قانون المسطرة الجنائية و التي تنص على أنه : ” تطبق أحكام قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 1.74.474 الصادر في 11 من رمضان 1394 (28شتنبر1974) على الدعاوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري ، كلما كانت غير متناقضة مع المقتضيات الخاصة لهذا القانون و المتعلقة بنفس الموضوع. ” .
فكما هو ظاهر من مقتضيات المادة المذكورة أن الأصل في القواعد المسطرية المتعلقة بالدعاوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الزجري هو ما ورد في قانون المسطرة المدنية و لو رفعت تلك الدعاوى المحكمة الزجرية باعتبارها دعوى مدنية تابعة ، و لم يقيد المشرع خضوع تلك الدعاوى لإجراءات المسطرة الجنائية إلا في الأحوال التي تخالف صريح المقتضيات الواردة بالمسطرة الجنائية .
و على ذلك فوفق أحكام قانون المسطرة المدنية فإن الإجراءات المترتبة على الطعن في الحكم المتعلق بالدعوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري يجب أن تخضع للأحكام التي نص عليها المشرع في الفصول 134 و ما يليه من قانون المسطرة المدنية و خاصة الفصل 141 من نفس القانون باعتباره الجهة التي أوكل لها المشرع اختصاص تجهيز الملف و إحالته على الغرفة الاستينافية .
إن العمل الذي تسري عليه المحاكم في نقل الطعون المتعلقة المقتصرة على الأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الزجري ، غير مستند على أساس قانون .
فالجهة التي يجب أن تتكلف بإرسال الملف إلى الغرفة الاستينافية هي كتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم المعون فيه و ليس النيابة العامة ، لأن هذه الأخيرة لا مصلحة لها و هي ليس طرفا في الدعوى المدنية التابعة أساسا ، لذلك لا يجب تكليفها باي إجراء من إجراءات نقل الدعوى أمام أنظار الجهة القضائية التي تختص بالنظر في الطعون . و ينبني على ذلك ضرورة إعادة النظر عذا الشق من العمل القضائي برمته ما دامت نصوص قانون المسطرة الجنائية لا تسعف في ذلك من جهة ، و حفاظا على مبدأ الشرعية الإجرائية من جهة أخرى .
اترك تعليقاً