تنص المادة 870/1 من القانون المدني العراقي على أنه : يضمن المهندس المعماري والمقاول ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مبانِ أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى ……(1) فعلى ما يبدوا ومن خلال هذا النص القانوني الصريح أن الأعمال الخاضعة للضمان الخاص في عقد المقاولة هي قد تكون تشييد مباني أو إقامة منشآت ثابتة أخرى . وللإحاطة بما تقدم سيتم تقسيم هذا الموضوع إلى الفرعين الآتيين :
الفرع الأول : تشييد المباني .
الفرع الثاني : إقامة المنشآت الثابتة الأخرى .
الفرع الأول : تشييد المباني
تدخل المباني بجميع أنواعها في نطاق تطبيق الضمان الخاص في عقد المقاولة وذلك دون جدال في الفقه (2) والمقصود بالمباني ، المنشآت التي من صنع الإنسان والتي يستطيع الفرد أن يتحرك بداخلها وتُوفر له الحماية ضد المخاطر الناتجة عن المؤثرات الطبيعية الخارجية أياً كانت المواد التي شُيدت منها طالما أن المبنى مُستقراً وثابتاً في مكانه ومُتصلاً بالأرض إتصال قرار بحيث لايُمكن نقله دون هدم أو تلف وبالتالي فهو مبنى ويكون محل حماية (3) . وذهب جانب فقهي آخر(4) إلى تعريف المباني بأنها مجموعة من المواد أياً كان نوعها خشباً أو جيرًا أو جبساً أو حديداً وكل هذا معا أو شيء غير هذا شُيدت بيد الإنسان وأتصلت بالأرض اتصال قرار. وتم تعريف المباني أيضاً بأنها كل عمل أقامته يد الإنسان ، ثابت في حيز من الأرض ومُتصل بها اتصال قرار عن طريق الربط ربطاً غير قابل للفك دون تعيب ، بين مجموعة من المواد أياً كان نوعها وجرت العادة على إستعمالها في مثل هذا العمل طبقاً لمقتضيات الزمان والمكان (5)ومن أبرز أمثلة المباني التي هي كثيرة جداً ، المنازل والمدارس والمستشفيات والمسارح ودور السينما والمصانع والمساجد والمعابد ، أياً كانت المواد التي شُيدت منها ، حيث لايُشترط أن يكون المبنى قد تم تشييده بالطابوق أو الحجارة بل يجوز أن يكون تم تشييده بالزجاج أو الخشب أو أي مادة أخرى كالمعادن أو البلاستك، وقد تم تطبيق قواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة حتى على المباني التي تم تشيدها من الزجاج لإيواء بعض النباتات والزهور (6) فالمبنى إذن يكون دائماً مُستقراً وثابتاً في مكان ومتصل بالأرض إتصال قرار بحيث لا يُمكن نقله من مكان إلى أخر دون تلف أو هدم ، ويترتب على هذا أن الأكشاك والمنازل القابلة للفك والتركيب والتي يُمكن نقلها من مكان لآخر دون هدم أو تلف لا تتوفر فيها صفة المبنى بالمعنى المقصود وبالتالي ستخرج عن النطاق الموضوعي لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة .
كما إنه لاعبرة في أن تكون هذه المباني قد شُيدت فوق سطح الأرض كما هو الأمر المُعتاد الذي جرى عليه العمل أو تكون قد أُقيمت تحت سطح الأرض وان هذه الظاهرة الأخير قد أصبحت كثيرة الإنتشار في عصرنا هذا ومن أبرز أمثلتها المخابيء التي تُبنى تحت سطح الأرض ليختبىء الناس بداخلها أثناء الحروب ويحتمون بها من القصف وكذلك الدور السُفلية التي تُستغل كمحلات تجارية أو صناعية أو أف ا رن أو مخازن أو إلى غير ذلك من الإستغلالات المختلفة ، علماً أنه لم يعد غريباً أن تتعدد الطوابق تحت سطح الأرض بقدر تعددها فوقه (7) وعليه ، فإن المباني أياً كان طبيعتها ومكانها سواء فوق سطح الأرض أم تحته وشكلها والمادة الداخلة في تكوينها والغرض منها ، طالما كانت ثابتة في مكانها تكون ضمن نطاق الموضوعي لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة . ولابد أن نذكر أيضاً أن جانباً من الفقه (8) وهو ما – نؤيده – يذهب إلى أن قواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة ، هي قواعد لا تسري إلا على العمليات الإنشائية الجديدة بحيث يقتصر عليها وحدها تطبيق تلك الأحكام . أما ما عداها من أعمال أخرى كأعمال الصيانة والترميم والتوسع والهدم مثلاً فهي لاتخضع لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة حيث أن هذه الأعمال تتم في عقارات موجودة من قبل إلا إذا كانت هذه الأعمال قد وقعت على هيكل العقار أو الأجزاء الرئيسية فيه بحيث يترتب على الأداء المعيب لها ، حدوث تهدم كلي أو جزئي في البناء أو تهديد لسلامة العقار ومتانته أو جعله غير صالح للهدف الذي أنشئ من أجله .
الفرع الثاني : إقامة المنشآت الثابتة الأخرى
لم يكتفي المشرع العراقي في المادة870 / 1 من القانون المدني العراقي وكذلك التشريعات المقارنة بجعل عمليات تشييد المباني محلاً لسريان قواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة ، وانما وسَع من نطاق تطبيق قواعد هذه المسؤولية ليجعلها تشمل أيضاً عمليات إقامة المنشآت الثابتة الأخرى ، وما ذلك إلا تنفيذاً لسياسة تشريعية مقصودة تخلص إلى محاولة إيجاد نوع من التوازن في الحماية القانونية بين المصلحة الخاصة والذي تُشكل المباني الجانب الأكبر من نشاطها العقاري بينما لا تُشكل المنشآت الثابتة الأخرى إلا جانباً ثانوياً بالنسبة لها ، وبين المصلحة العامة التي تُشكل المنشآت الثابتة الأخرى الجانب الهام في نشاطها العقاري في حين لا تُشكل المباني إلا جانباً ثانوياً فيها . وللإحاطة بما تقدم سنتناول مفهوم المنشآت الثابتة الأخرى من جهة وتحديد نطاق المنشآت الثابتة الأخرى الخاضعة لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة من جهة أخرى . لم يتطرق المشرع العراقي ، بل حتى التشريعات محل المقارنة إلى إيجاد تعريف للمنشآت الثابتة الأخرى وتم ترك هذه المهمة للفقه الذي ذهب بدوره إلى تعريف المنشآت الثابتة الأخرى بأنها كل عمل أقامته يد الإنسان ثابتاً في حيز من الأرض ومتصلاً بها إتصال قرار عن طريق الربط بين مجموعة من المواد أياً كان نوعها ، ربطاً غير قابل للفك ، بحيث يُيسر على الإنسان سُبل إنتقاله أو سُبل معاشه (9) يُمكن القول من خلال هذا التعريف ، أنه من حيث التكوين تُعتبر كل من المباني والمنشآت الثابتة الأخرى هي شيء واحد ، إذ أن كل منهما عبارة عن عمل قائم وثابت في الأرض بمجموعة من المواد . أما من حيث الوظيفة، فإن كل منهما يختلف عن الآخر، حيث أن وظيفة المباني هي خدمة المصلحة الخاصة في الدرجة الأولى في حين تكون وظيفة المنشآت الثابتة الأخرى وبالدرجة الأولى هي خدمة المصلحة العامة ويصعب جداً حصرها بوظيفة واحدة. فوظيفة المباني هي مجرد إيواء الإنسان أو الحيوان أو الأشياء إذ لا تتعدد وظائفها لتشمل مختلف مجالات الحياة اليومية للإنسان والتي تُسهل عليه سُبل إنتقاله كالجسور والأنفاق والسكك الحديدية وغيرها التي تُعتبر من المنشآت الثابتة الأخرى.
ثانياً : تحديد نطاق المنشآت الثابتة الأخرى الخاضعة لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة . لم يبقى الضمان الخاص في عقد المقاولة محصوراً بأعمال المباني أو الهندسة المعمارية وانما إمتد أيضاً لأعمال الهندسة المدنية ، وانطلاقاً من التعريف السابق الذكر للمنشآت الأخرى فإنه كلما توفرت عناصر التعريف بقيوده وأوصافه كُنا أمام مُنشآت ثابتة أخرى وليس أمام مباني ، ولايهم الغرض الذي أُنشئت من أجله هذه المنشآت طالما كان الغرض هو متعلقاً بالمصلحة العامة . كما أنه لا تهم المادة التي تُصنع أو تُقام منها هذه المنشآت الثابتة الأخرى ، فقد تكون المواد حديداً أو خشباً أو حجراً أو خليطاً من هذه المواد كلها أو بعضها إلى غير ذلك من المواد التي يُمكن ان تدخل في إقامة أو صنع المنشآت الثابتة الأخرى(10) وقد إختلف الفقه في مسألة بعض المنشآت الثابتة الأخرى التي يتم إنشأها دون مستوى سطح الأرض مثل إقامة الممرات تحت الأرض أو قنواة الري أو إقامة شبكات الصرف الصحي ….. الخ ، فهل يُمكن إدخالها إلى النطاق الموضوعي لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة ؟ وقد ظهر في هذه المسألة رايان :
الرأي الأول : يذهب هذا الرأي (11) إلى إخراج هذه الأعمال من النطاق الموضوعي وفقاً لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة بحجة إنها ليست من قبيل المنشآت الثابتة الأخرى هذا من جهة ، و أنه يُشترط لقيام هذا الضمان إلحاق الضرر بالغير، وان الأضرار لا تلحق الغير إلا إذا كانت المنشآت موجودة فوق سطح الأرض من جهة أخرى .
الرأي الثاني : يُمثل هذا الرأي غالبية الفقه (12) وهو – مانؤيده – ويذهب هذا الرأي إلى إخضاع هذه الأعمال لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة بإعتبارها من النطاق الموضوعي لهذا الضمان الخاص أي بإعتبارها منشآت ثابتة أخرى سواء كانت فوق سطح الأرض أو تحت سطح الأرض وباطنها ، كما أن المُشرع لم يشترط أن تكون هذه المنشآت الثابتة الأخرى قد أُقيمت فوق سطح الأرض . لذا نوصي بمشرعنا العراقي التدخل لترسيخ ما تم التوصل اليه فقهاً فيما يتعلق بإخضاع الأعمال المُقامة تحت سطح الأرض لقواعد الضمان الخاص في عقد المقاولة .
_________________
1- يقابل هذا النص المادة مدني / مصري والمادة 788 مدني / أردني والمادة 880 معاملات مدنية / إماراتي والمادة 1792 مدني / فرنسي . وجميع هذه النصوص القانونية مُتفقة على أن الأعمال الخاضعة للضمان الخاص في عقد المقاولة هي تشييد المباني واقامة المنشآت الثابتة الأخرى وهو ما أخذ به القانون المدني العراقي .
2- انظر : د. عبد الرازق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، العقود الواردة على العمل ، ج 7 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1964، ص 107 ، وانظر كذلك د. محمد كامل مرسي ، شرح القانون المدني الجديد ، العقود المسماة ، ج 4 ، ط 2، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1952 ، ص 249 .
3- د. عزالدين الديناصوري و د.عبد الحميد الشواربي ، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء ، ط 7، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2002 ، ص 338
4- د. عبدالرزاق السنهوري ، الوسيط ، ج 1 ، المصدر السابق ، ص 213 .
5- عبد الرازق حسين ياسين ، المسؤولية الخاصة للمهندس المعماري والمقاول البناء ، ط 1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 198، ص 659.
6- انظر : د.محمد ناجي ياقوت ، مسؤولية المعماريين بعد إتمام الأعمال وتسلمها مقبولة من رب العمل ، دار وهدان للنشر ، الإسكندرية ، دون سنة طبع ،ص 83 .
7- د.عبد الرزاق حسين ياسين ، المصدر السابق ، ص 663
8- د. محمد شكري سرور ، مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة الأخرى ، دراسة مقارنة في القانون المدني المصري والقانون المدني الفرنسي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1985،ص 215 وانظر كذلك د.عبد الرزاق حسين ياسين ، المصدر السابق ، ص 668
أولاً : مفهوم المنشآت الثابتة الأخرى.
9- د.عبد الرزاق حسين ياسين ، المصدر السابق ، ص 682
10- د.محمد شكري سرور ، المصدر السابق ،ص 219
11- د. محمد لبيب شنب ، شرح أحكام عقد المقاولة في ضوء الفقه والقضاء ، ط 2 ، منشأة المعارف ، الأسكندرية ، 200، ص 126
12- د. محمد كامل مرسي ، شرح القانون المدني الجديد ، العقود المسماة ، ج 4 ، ط 2، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 195 ص 499 ، وانظر كذلك : د. محمد شكري سرور ، المصدر السابق ، ص 215 ، وانظر كذلك : د. محمد ناجي ياقوت ، مسؤولية المعماريين بعد إتمام الأعمال وتسلمها مقبولة من رب العمل ، دار وهدان للنشر ، الإسكندرية ، دون سنة طبع،
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً