السلطة المختصة بإصدار القرار بحفظ الدعوى الجزائية
لكي يتسنى لنا معرفة من هي السلطة المختصة بإصدار أمر الحفظ لا بد من التطرق إلى عدة أمور أولها ما هي الأنظمة المتبعة في حفظ الدعوى الجزائية؟، ومن ثم معرفة مدى إلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية من خلال معالجة المذاهب القانونية الثلاث المذهب القانوني )الحتمي( والمذهب التقديري )الملائمة( ومذهب المزج بين كل من نظام الإلزام والملائمة.
الفرع الأول: الأنظمة المتبعة في حفظ الدعوىالجزائية تختلف الأنظمة القانونية في موقفها اتجاه مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق، فبعضها
يأخذ مبدأ الفصل بين السلطتين وبالتالي يعطي للنيابة سلطة الاتهام ولقاضي التحقيق سلطة التحقيق والتصرف فيه، والنيابة العامة وفقاً لهذه الأنظمة لا تباشر التحقيق إلا في الجرائم المتلبس بها ، بينما نحت بعض التشريعات منحاً آخر حيث تقوم النيابة العامة بسلطتي الاتهام والتحقيق دون استثناء كما هو الحال في قانون الإجراءات الفلسطيني، حيث أشارت المادة)1( « تختص النيابة العامة دون غيرها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها ولا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز وقف الدعوى أو التنازل عنها أو تركها أو تعطيل سيرها أو التصالح عليها، إلا في الحالات الواردة في القانون »،
كذلكالفقرة)1( من نصالمادة) « )55 تختص النيابة العامة دون غيرها بالتحقيق في الجرائم والتصرففيها .» كما نلاحظ من نص المادتين السابقتين فقد خص المشرع الفلسطيني النيابة العامة دون غيرها التصرف في الدعوى، وحفظ الدعوى الجزائية كإجراء قضائي من إجراءات انتهاء التحقيق والتصرف في الدعوى يكون من اختصاص النيابة العامة وقد نصت على ذلك صراحة المادة )149 ( إجراءات فلسطيني بقولها -1« متى انتهى التحقيق ورأى وكيل النيابة أن الفعل لا يعاقب عليه القانون أو أن الدعوى انقضت بالتقادم أو بالوفاة أو العفو العام أو لسبق محاكمة المتهم عن ذات الجريمة أو لأنه غير مسؤول جزائياً لصغر سنه أو بسبب عاهة في عقله أو أن ظروف الدعوى وملابساتها تستوجب حفظها لعدم الأهمية يبدي رأيه بمذكرة ويرسلها للنائب العام للتصرف .»
-2 إذا وجد النائب العام أو أحد مساعديه أن رأي وكيل النيابة في محله يصدرقراراً مسبباً بحفظ الدعوى ويأمر بإطلاق سراح المتهم إذا كان موقوفاً.3- إذا كان قرار الحفظ لعدم مسؤولية المتهم بسبب عاهة في عقله فللنائب العام مخاطبة جهات الاختصاصلعلاجه . » نستدل من النص المتقدم أن القرار بحفظ الدعوى لأي سبب من الأسباب المذكورة في النص،يكون من اختصاص النائب العام أو أحد مساعديه فقط، ولا يملك وكيل النيابة العامة إصدار مثل القرار فهو فقط يقوم بإرسال مذكرة خطية تتضمن رأيه إلى النائب العام للتصرف، فإذا وجد النائب العام أو أحد مساعديه أن رأي وكيل النيابة في محله، يقوم بإصدار القرار بحفظ الدعوى، ويأمر بإطلاق سراح المتهم إذا كان موقوفاً، كذلك نحى المشرع الأردني، فقد أخذ كما المشرع الفلسطيني باختصاص النيابة العامة بسلطتي الاتهام والتحقيق وجعل للنائب العام وحده إصدار القرار بمنع المحاكمة .
وهذا ما نستدل عليه من قرار محكمة التمييز الأردنية حيث أشار «إن قرار المدعي العام بمنع محاكمة المميزين عن جرم السرقة لا أثر فيه طالما أن النائب العام لم يصادق على قراره بالموافقة على منع المحاكمة .» أما البعض الآخر من الأنظمة فهو يجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق، فيعقد الاختصاص فيها للنيابة العامة كأصل عام، واستثناء ينعقد الاختصاص لقاضي التحقيق ومنها التشريع المصري، كما جاء في نص المادة)64 ( من قانون الإجراءات المصري أنه «إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملائمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة جاز لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاه المحكمة لمباشرة هذاالتحقيق» ، فيصدر الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى من القائم بالتحقيق في الدعوى، سواء كان النيابة العامة أو قاضي التحقيق ،
فإذا كانت النيابة العامة هي التي تباشر التحقيق بنفسها ورأت بعد إجراء التحقيق بناء على أي سبب قانوني أو موضوعي أن لا وجه لإقامة الدعوى أن تصدر أمراً بذلك وتأمر بالإفراج عن المتهم المحبوس، يستوي عندها ما إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة أو مخالفة، غير أن المشرع قد استلزم أن يصدر الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى في الجنايات من المحامي العام أو من يقوم مقامه ، أما بالنسبة لقاضي التحقيق فلا يكون له أن يصدر بعد التحقيق أمر بألا وجه لإقامة الدعوى إلا إذا كانت الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو كانت الأدلة على المتهم غير كافية أي توافر سبب قانوني أو موضوعي فيما عدا السبب الخاص بعدم الأهمية ، وقد حدد المشرع الأسباب التي من أجلها يمكن لقاضي التحقيق إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى حيث نصت المادة)154 ( من قانون الإجراءات المصري في فقرتها الأولى « إذا رأى قاضي التحقيق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة على المتهم غير كافية، يصدرأمراً بأن لا وجه إقامة الدعوى .»
ولا بد من الإشارة أن النيابة العامة تصدر أمرها بالتصرف في التحقيق مباشرة بمجرد انتهائها منه أما قاضي التحقيق فإنه يلتزم إذا ما انتهى من التحقيق أن يرسل الأوراق إلى النيابة العامة وعليها أن تقدم له طلباتها خلالثلاثة أيام إذا كان المتهم محبوساً، وخلال عشرة أيام إذا كان مفرجاً عنه،ويلتزم كذلك بإخطار سائر الخصوم قبل أن يصدر أمره ليبدوا ما قد يكون لديهم من أقوال ،وعلة هذا الفرق أن النيابة العامة تجمع بين صفتي المحقق وطرق الدعوى فلا تلتزم بإخطار أحد، أما قاضي التحقيق فهو محقق فحسب فعليه الالتزام بإخطار أطراف الدعوى . إذاً فالنيابة العامة الفلسطينية هي صاحبة سلطة الاتهام والتحقيق، وتحريك الدعوى الجزائية واستعمالها بيدها .
ولكن هل النيابة العامة ملزمة بتحريك دعوى الحق العام أم أنها تملك سلطة تقديرية بهذا الخصوص؟
الفرع الثاني: مدى إلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية يوجد في القانون المقارن مذهبان متعارضان في هذا الصدد، مذهب قانوني أو حتمي ومذهب تقدير أو ملائمة، ومذهب ثالث قام بالمزج بين كلا النظامين، من خلال البحث فيهم تسهل الإجابة عن السؤال السابق، إضافة لمعرفة المذهب المتبع في فلسطين مقارنةً بمصروالأردن. أولاًُ: المذهب القانوني أو الحتمي. يقضي هذا المذهب بإلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى عند علمها بوقوعها، وليس له أن يتوانى في ذلك، شريطة أن تتوافر أركان الجريمة وتنشأ المسؤولية عنها بحق شخص معين وتنتفي كافة العقبات الإجرائية التي تحول دونتحريكها 77 مثل سقوطها بالتقادم، أو عدم تقديم شكوى من المجني عليه إذا تطلب المشرع ذلك، أو توافر مانع آخر من موانع العقاب ، فلا مناصعندئذ من تحويله إلى القضاء المختص. من أهم مزايا هذا النظام:
1. اتفاقه مع مبدأ الشرعية الذي يقضي بحتمية محاسبة كل من يرتكبجرماً أمام القضاء، ولا1منجاة له من ذلك متى توافرت في الواقعة المنسوبة إليه أركان الجريمة فيحقق المساواة بين جميع الأشخاص الخاضعين للقانون والذين يرتكبون جريمة، فلا تعطى النيابة العامة الحرية في تحريك الدعوى فتحرك الدعوى الجزائية في مواجهة جانب من الناس ثم تمتنع عن تحريك هذه الدعوى في مواجهة الجانب الآخر.
2. يحقق وظيفة القاعدة الجنائية في الردعالعام وذلك من خلال حتمية محاسبة كل من يرتكبجرماً أمام القضاء.
3. استبعاد أية شبهة تدخل من جانب السلطة التنفيذية، في مواجهة النيابة العامة، التي لا تملك في ظل النظام الإلزامي أن تصدرأمراً بحفظ الدعوى الجزائية، فهي مجرد وسيط في نقل الدعوى الجزائية إلى المحكمة المختصة التي تتولى حسم الخصومة الجنائية.
أما عن أهم المآخذ والعيوب على النظام الإلزامي فهي:
1. يؤدي إلى زيادة واكتظاظ القضايا أمام المحاكم ، دون التمييز بين الدعاوى المرفوعة عن جرائم جسيمة ، والدعاوى المرفوعة عن جرائم تافهة وغير ذو أهمية مما يؤدي إلى إرهاق القضاء
2. يدفع بالأبرياء إلى قاعات المحاكم حتى ولو لم يتوفر أي دليل يربطهم بالجريمة ممن سجلت أو دست أسماؤهم في الأخباروالشكاوي مما يترك بابا لمساومات والابتزاز مفتوحاً على مصراعيه أمام أرباب الضمائر الضعيفة.
3. يجعل عضو النيابة العامة مجرد منفذ آلي لنصالتجريم دون أن يكون لهذا العضو أية سلطة تقديرية، عندما تقتضي مصلحة المجتمع ذلك أي عدم تحريك الدعوى الجزائية في حالات معينة، كما في حفظ الدعوى الجزائية لعدم الأهمية مثلاً. ومن هنا نستنتج أن التشريعات التي أخذت به لا تأخذ بحفظ الدعوى الجزائية، من هذه التشريعات التشريع الألماني والإسباني واليوناني
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً