تعريف الرسم وخصائصه
أولاً – تعريف الرسم وخصائصه
الرسم fees قدر من المال يدفعه الفرد إلى الدولة، لقاء خدمة معينة تقدمها الدولة إليه.
1- الرسم مبلغ من المال: والمال قد يكون نقداً أو عيناً، والأصل أن يكون بدل الرسم نقداً يدفع إلى الدولة، إلا أنه يجوز استثناء أن يدفع المكلف الرسم بصورة عينية كأن تستوفي الدولة في أثناء الحرب مثلاً بعض رسوم الإعاشة بشكل حصة من المواد والسلع المستوردة.
2- الرسم يدفع إلى الدولة: أي إن الرسوم لا تدفع إلى الأشخاص أو الشركات، والمقصود بالدولة الشخصية الاعتبارية الحقوقية الممثلة للشعب بما فيها المؤسسات العامة والهيئات الإقليمية والبلدية التي تمارس سلطة عامة. غير أن الأمر لم يكن دائماً كذلك، فقد كانت الرسوم فيما مضى تدفع للأشخاص الذين يقومون بالخدمات مقابل تكليفهم بهذه الخدمات بطريقة التلزيم.
3- الرسم يدفعه المنتفع لقاء خدمة معينة تقدمها له الدولة، والخدمة التي تؤديها للأشخاص ذات أشكال متعددة: فقد تكون عملاً يقوم به بعض الموظفين لمصلحة شخص معين، كتوثيق عقد أو قيد دعوى قضائية للفصل فيها، وقد تكون امتيازاً يمنح لفرد ما فيتيح له انتفاعاً خاصاً يمتاز به، كرخصة حمل السلاح أو رخصة الصيد أو براءة الاختراع، وقد تكون تسهيلاً من جانب الدولة لمباشرة أحد الأفراد عمله أو مهنته كرسوم الموانئ أو المناورات.
والخدمات التي تقدمها الدولة إلى الأشخاص وتستوفي عنها الرسوم ذات صفتين في آن معاً، فهي خدمات عامة بمعنى أنها تفيد المجتمع بكامله. وهي خدمات خاصة، بمعنى أن هناك أفراداً من المواطنين هم الذين يستفيدون منها دون غيرهم وهؤلاء المستفيدون هم المكلفون بدفع الرسم، فالخدمات التي تقدمها الدولة في مرافق التعليم والصحة مثلاً هي خدمات مفيدة للمجتمع بكامله، غير أنه على الرغم من ذلك فإن هناك أفراداً معينين يستفيدون وحدهم بصورة مباشرة من هذه الخدمات، كالطلاب الجامعيين الذين يستفيدون من خدمات التعليم العالي والمرضى والمصابين الذين يستفيدون من الخدمات الصحية.
لهذا كان الأصل في الرسم ألا يدفعه كل شخص كالضريبة، وإنما يدفعه الأشخاص الذين يستفيدون برضائهم من خدمات الدولة. غير أن هناك حالات يكون فيها الأفراد مجبرين غير مختارين على قبول الخدمة التي تقدمها لهم السلطة العامة، وعليهم أن يدفعوا مقابل ذلك الرسم المحدد لها أو ما يقال له الإتاوة، كما هو الحال في رسم الشرفية الذي يفرض لصالح البلدية. وهذا ما دعا إلى الخلط بين الرسم والإتاوة كون كليهما يدفع لقاء خدمة معينة، وإن كان هناك أوجه للتفرقة بين الرسم والإتاوة، أهمها أن الأخيرة خاصة بأصحاب الأملاك العقارية، أو هم ملزمون وحدهم بدفعها ولا خيار لهم بالتخلص منها. والجدير بالذكر هنا أن بعض العلماء يرون أن الدولة تملك جباية جميع الرسوم المفروضة على خدماتها بالإكراه والإلزام كالإتاوة إلا أن مدى هذا الإلزام يختلف في بعض الرسوم عنه في بعضها الآخر بحسب ما يكون قانونياً أو أدبياً، وفي ضوء هذا الاختلاف يميزون بين نوعين من الرسوم: رسوم إلزامية يرغم الفرد على دفعها كالرسوم القضائية ورسوم الامتحان. وهذه الصفة الإلزامية جعلت كثيراً من الناس وحتى بعض التشريعات الضريبية لا تفرق بين الرسم والضريبة بل إنها أطلقت على بعض الضرائب كلمة الرسوم. ففي سورية مثلاً يشار إلى الضرائب الجمركية بكلمة رسوم الجمرك وإلى ضريبة السكر بكلمة رسم السكر، وغير ذلك من المسميات الخاطئة الواردة في الموازنة كالرسوم على الكحول أو على التبغ التي في الواقع ضرائب غير مباشرة على النفقات وليست رسوماً بالمعنى العلمي، وهذا ما حمل بعض المؤلفين على القول أن السلطة التشريعية وحدها هي صاحبة القرار في فرض الرسوم، وخاصة أن الرسم يتجاوز في الغالب بدل المنفعة، بحيث يغدو في الحقيقة والواقع تكليفاً ضريبياً.
ثانياً – معدل الرسم
يدفع الرسم مقابل الخدمة المؤداة للأشخاص الذين يستفيدون منها، وعلى هذا الأساس يجب أن يحدد معدل الرسم وفق الاعتبارات التالية:
1- إن الحد الأقصى للرسم يجب أن يغطي نفقات المصلحة القائمة بالخدمة المؤداة، لأن ما زاد على هذا الحد يصبح ضريبة مستترة.
2- يجب عند تحديد معدل الرسم أن تلاحظ النسبة بين المنفعتين اللتين تحملهما الخدمة، فإذا كانت المنفعة الشخصية أكبر من المنفعة العامة وجب أن يكون معدل الرسم مرتفعاً، أما إذا كان العكس فيجب أن يكون معدل الرسم خفيفاً ومعتدلاً.
3- يجب أن يحدد معدل الرسم بشكل عمل ثابت، أي أن يكون الرسم هو نفسه بالنسبة لسائر الأفراد، وذلك لكيلا يترك للسلطة الإدارية أو للموظف القائم بالخدمة مجال التصرف بحسب هواه مما يسمح بإساءة الاستعمال. غير أن هناك شذوذاً لهذه القاعدة إذ يخفض الرسم عادة بالنسبة لبعض الأشخاص غير القادرين على الدفع مثلاً، أو يعفون منه إعفاء تاماً كما هي الحال في الإسعاف العام والمعونة القضائية.
ثالثاً – طرائق استيفاء الرسوم
يجب أن تراعي الدولة في طرائق استيفاء الرسوم مصلحة الخزانة العامة ومصلحة المكلفين. فمصلحة الخزانة العامة تقتضي بأن تكون الجباية ميسورة قليلة النفقات لا تتطلب عدداً كبيراً من الموظفين ولا تعقيداً في الحساب، كما يجب أن تكون الرقابة على جباية الرسوم رقابة مجدية بحيث لا يكون هناك سبيل إلى الغش في تقديرها أو التهرب من أدائها، ومصلحة المكلفين تقضي بأن لا يصبح دفع الرسم الذي يدفعونه هو بعينه الرسم المستحق.
وطرائق استيفاء الرسوم التي تتبعها الدولة ثلاث:
1- الدفع الفوري المسبق لأداء الخدمة: أي إن المكلف يدفع الرسم مباشرة إلى المصلحة المختصة أو إلى خزانة حكومية، لقاء إيصال يبرزه إلى الموظف المختص ليفيد من الخدمة المعينة كرسوم التعليم.
2- استيفاء الرسوم من قبل الإدارة: أي إن الرسم يستوفى من قبل الإدارة مباشرة، وذلك بموجب جداول أو كشوف تدون فيها مسبقاً أسماء المكلفين المستفيدين من الخدمات العامة كالرسوم العقارية ورسوم التفتيش الدوري على المحلات العامة والخطرة والمضرة بالصحة العامة.
3- استيفاء الرسوم بشكل طوابع: أي أن يلصق المستفيد من الخدمة طوابع بقيمة مساوية للبدل المحدد للخدمة، أو أن يستعمل أوراقاً خاصة مدفوعة بقيمة الرسم كما في الرسوم القضائية والمالية.
تستخدم الطريقتان الأولى والثانية عادةً في الرسوم ذات المبالغ الكبيرة، وتستخدم الطريقة الثالثة وهي أبسطها في استيفاء الرسوم البسيطة وليس من المستحب تطبيقها في حالات الرسوم الكبيرة تجنباً لاحتمالات إساءة الاستعمال التي يلجأ إليها المكلفون والموظفون.
رابعاً – تمييز الرسم عن الاقتطاعات المالية الأخرى
لابد من تمييز الرسوم من بعض الاقتطاعات المالية المتشابهة، كالسعر والضريبة:
1- الفرق بين الرسم والسعر: يتشابه الرسم مع السعر في بعض النواحي ويختلف عنه في نواح أخرى. فهناك تشابه بين المبلغ الذي يدفعه المتظلم لتسجيل دعواه والمبلغ الذي يدفعه مشترٍ ثمناً لقطعة نسيج من معمل مؤمم، ذلك أن كلاً منهما يحصل على كل شيء بالمقابل سواء أكان ذلك الشيء خدمة أم كان سلعة تنتجها الإدارة وتبيعها وتوزعها.
إلا أن الرسم والسعر يختلفان بالنواحي الآتية:
أ ـ تفرض الدولة الرسم بإرادة وحيدة الطرف مستعملة امتيازاتها القانونية وسلطاتها العامة، في حين يتحدد السعر بعقد بين الأطراف المعنية ذات الحقوق المتساوية وطبقاً لشروط السوق والمزاحمة.
ب ـ تستهدف الدولة جراء القيام بالخدمات التي تتقاضى عنها الرسوم تحقيق منفعة عامة يفيد منها أشخاص معينون، في حين تغلب صفة الربح على المرافق الاقتصادية التي تبيع الدولة منتجاتها على أساس تجاري.
فالدولة تأخذ على عاتقها التعليم الجامعي ليس بغية الربح أو لأنها تتقاضى لقاء ذلك رسماً من الطلاب، بل لقيامها بخدمة عامة وهي رفع المستوى الثقافي للمواطنين بينما تقوم الدولة بإنتاج النسيج بهدف بيعه وتحقيق الربح.
ج ـ إن للرسم طبيعة وخصائص تجعل له قيمة واحدة لا تتغير بالنسبة للفئة الاجتماعية التي تفيد من المنفعة، بينما طبيعة السعر تعاقدية فيتغير مقداره بحسب الظروف الاقتصادية.
د ـ يكون القضاء الإداري مختصاً بالنظر بالمنازعات الناجمة عن الرسوم، بينما يختص القضاء العادي بالدعاوى الناشئة عن الأسعار.
هـ ـ تبعة الإدارة محدودة والتي تنظمها القوانين المرعية تجاه الضرر الذي يلحق بالمنتفعين بالخدمات العامة التي تتقاضى عنها الرسوم، في حين أنها تتحمل تبعة أكبر تجاه الضرر الحاصل على أسعار المنتجات.
2- الفرق بين الرسم والضريبة: أوجه التشابه بين الرسم والضريبة متعددة، فكل منها مبلغ من المال تغلب عليه الصفة النقدية ويدفع للدولة أو مؤسساتها العامة بموجب نص قانوني، لكن الضريبة تختلف عن الرسم في الأمور التالية:
أ ـ يدفع الرسم لقاء منفعة معينة يفيد منها المكلف، بينما تفرض الضريبة على المكلفين لأنهم أعضاء متضامنون في منظمة سياسية مشتركة هي الدولة ويدفعها المكلف مشاركة منه في الأعباء العامة ودون أن يحصل في المقابل على منفعة عامة.
ب ـ تختلف طبيعة الإجبار كعنصر في الرسم عنه في الضريبة، فهو أدبي أو قانوني في الرسم يتعلق إلى حد ما بإرادة المنتفع، بينما هو ذو طبيعة إجبارية ويفرض بقوة القانون في الضريبة ولا أثر لإرادة المكلف فيه.
ج ـ تعد الديون الناشئة عن تأخير جباية الرسوم بمثابة الديون العادية، بينما تتمتع الديون الناشئة عن تأخير تحصيل الضرائب بامتيازات ديون الخزينة، إلا أن بعض التشريعات أعطت هذه الامتيازات إلى الديون الناشئة عن الرسوم.
خامساً – أنواع الرسوم
قسم علماء المالية الرسوم إلى أنواع متعددة فيما بينها حسب الأساس المعتمد في هذا التقسيم، فمنهم من عد أهمية النفع أساساً للتفريق بين الرسوم، ومنهم من ميزَّ بين الرسوم القضائية والقانونية من جهة والرسوم الإدارية من جهة أخرى، وفرق بعض الفقهاء الإيطاليين بين الرسوم الصناعية التي تنظم بعض المرافق الاقتصادية كالهاتف والبريد، والرسوم الإدارية التي تدفع لقاء منح وتسهيل معين كالصيد وحمل السلاح، والرسوم القضائية التي يجب أن يكون لها مبدئياً طبيعة مجانية ولكنها تفرض للتقليل من عدد المنازعات المعروضة على القضاء.
أما في الجمهورية العربية السورية فتنقسم الرسوم إلى الأنواع الآتية:
1- رسوم وإيرادات لأغراض ثقافية وإعلامية، ومثالها الرسوم التي تدفع من أجل الدراسة الجامعية ورسوم المتاجرة بالآثار.
2- رسوم وإيرادات لأغراض الدعاية الاجتماعية، وتشمل رسوم الخدمات الصحية وبدلاتها والحجز الصحي.
3- الرسوم لأغراض إدارية وقضائية كالرسوم القضائية.
4- رسوم وإيرادات لأغراض اقتصادية ومالية، كرسوم المعادن ورسوم عبور الطرقات.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً