القانون و القضاء الرياضي في العراق
الدكتور منذر الفضل
ذهبت العديد من الدول الاجنبية والعربية الى تأسيس ( علم القانون الرياضي ) من خلال الاتفاقات الدولية والقواعد والاسس المتعارف عليها دوليا فضلا عن التعليمات والضوابط الرياضية لمختلف الالعاب ومنها قواعد السلوك المهني للرياضي ومن الاحكام القضائية والسوابق التي صدرت أيضا .
ولاشك ان هذا العلم يحتاج الى محكمة رياضية تفصل في المنازعات الرياضية طبقا للاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية والعقود المبرمة بين الاطراف الرياضية .
فالعقود الرياضية لها خصوصية واهمية كبيرة لا تقل عن العقود التجارية وعقد البيع وعقد الوكالة وعقود النقل والعقود الطبية – رغم ان هناك قواعد مشتركة بين هذه العقود – ولهذا فان حل المنازعات الرياضية ومشكلات العقد الرياضي يحتاج الى قضاء رياضي متخصص ومحكمة رياضية لفصل النزاعات من قضاة ومتخصصين في علم الرياضة والاحتراف , وقد جاءت مبادرة السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي الاستاذ مدحت المحمود في تأسيس محكمة رياضية في العراق ولأول مرة خطوة مهمة وضرورية حيث كثرت المنازعات الرياضية وجرى تأسيس ( علم الاحتراف الرياضي ) من خلال الربط بين القانون والرياضة .
كما ان للباحثين المتخصصين وللجامعات بوجه عام دورا مهما في هذا الميدان ولابد ان تكون على صله ومعرفة بحاجات المجتمع , وتسهم في حل مشكلاته , وان لا تنفصل عنه , لانها اذا بقيت المؤسسات التعليمية ( تعليمية فقط ) سوف لن يتقدم المجتمع وانما يجب ان تكون تعليمية وبحثية تسهم في حل المشكلات القائمة وتقدم المقترحات والحلول لمؤسسات الدولة من خلال البحوث والاستبيانات والدراسات .
كما ان هناك تساؤلات مهمة في هذا المجال تحتاج الى بحوث اخرى تساعد دور القضاء الرياضي في حسم المنازعات التي قد تنشأ في هذا الميدان منها :
1. موضوع التأمين عن الاضرار الجسدية في الاحتراف الرياضي اي مسألة ( التأمين عن الضرر في ميدان الالعاب الرياضية ) لاسيما وان هناك العديد من الالعاب الرياضية خطرة حتى على حياة الانسان .
2. موضوع الاضرار الجسدية التي يصاب بها اللاعب المحترف في العديد من الالعاب .
3. مشكلات المسؤولية في الاصابات الرياضية وفكرة القبول بالمخاطر وشرعية شرط الاعفاء من المسؤولية المعروفة في القانون المدني .
والاحتراف قد يكون في ميدان اللعب او التحكيم ايضا , فاللاعب المحترف في لعبة معينة مثل كرة القدم , الطائرة , المبارزة , الفروسية …الخ تحتاج الى ضوابط واسس تحكمها واي خلاف ينشأ عنها لابد من فصل النزاع من المحكمة الرياضية وهي محكمة متخصصة ولكن من جهة اخرى يوجد حكم دولي و احتراف في ميدان التحكيم للالعاب الرياضية ايضا مما يستوجب تنظيم هذا النشاط واعداد قضاة متخصصين للفصل بمثل هذه النزاعات .
ومن الجدير بالذكر , قد يوجد لاعب يعمل في مؤسسات الدولة وهو محترف لرياضة معينة مما يتطلب تنظيم هذه العلاقة , أي انه يستلم اجور الاحتراف وراتب من الدولة فكيف يمكن تنظيم العلاقة في مثل هذا الوضع ؟ وكيف يمكن تنظيم مسألة الضمان الصحي والاجتماعي للاعب المحترف ؟
ومما يستوجب معالجته قانونيا في هذا الميدان هو موضوع الاصابات في ساحة اللعب واحتمالات الاصابة البدنية , ومن الممكن أيضا ان تجري معالجة قانونية من الباحثين لقضية الشغب في داخل الملاعب وخارجها لاسيما اذا عرفنا ان الالعاب الرياضية وبخاصة كرة القدم فيها مراهنات بين الاشخاص وربما اعمال العنف المادي , وقد يؤدي خسارة اي فريق الى العراك والشجار اوشغب خطير وهو يحصل في جميع دول العالم مما يستوجب ايجاد الحلول في بحوث متخصصة تساعد القاضي في الفصل بين المتنازعين من أجل ان تتوصل المحكمة الرياضية الى الحكم العادل والصائب .
كما تثار في هذا الميدان حكم الاعتداء على الحكم او المراقبين في الملعب الرياضي ونقصد قيام ( المسؤولية القانونية ) وهنا تطبق نصوص القانون المدني وقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل فضلا عن القواعد الرياضية المعروفة دوليا والتي يجب ان يعرفها القاضي الذي يجلس في المحكمة الرياضية للفصل في القضية او القضايا المعروضة عليه .
غير ان السؤال المطروح هنا , هل الاجهزة الامنية او أمن الملاعب يتحملون المسؤولية عن ضبط الملاعب وحماية النظام في الملعب ؟
وما الحكم اذا تعرض الفريق والحكم الى الاعتداء من الجمهور ؟
وما الحكم اذا كان عدد الشرطة لم يكن كافيا لضبط النظام فهل ان القوات الامنية مسؤوله عن الاضرار ؟ وما حكم تجاوز القوات الامنية او احد عناصرها لحدود صلاحياته المحددة قانونا ؟
كما نشير بأن الاحتراف في كرة القدم مثلا , وهي اقدم واشهر لعبة في ميدان الرياضة , تحتاج للتنظيم وان بقائها بدون تنظيم قانوني معناه الاتجاه نحو الفوضى ولان لعبة كرة القدم لم تعد تنحصر في زاوية الهواية والتسلية البريئة فقط وانما خرجت من هذا النطاق الى الاحتراف وان اللاعب المحترف صار يجني الاموال والشهرة والاستغلال للدعاية والاعلان مما يؤدي الى تضارب المصالح .
ولابد من التأكيد على قضية مهمة هي ان عقد الاحتراف الرياضي لا يخضع الى لوائح الاحتراف فقط وانما الى القانون المدني والى قانون العمل وقوانين اخرى ذات صلة وهذا يوجب تأهيل القاضي تأهيلا قانونيا في ميدان الالعاب الرياضية والاطلاع على تجارب الدول العربية التي اسست القضاء الرياضي ومنها مثلا جمهورية مصر العربية التي سبقت العراق في انشاء المحكمة الرياضية .
لكل ذلك فأن تأسيس القضاء الرياضي في العراق عام 2014 هو استجابة للتطورات التي تفرضها حركة المجتمع و اصبح قضية مهمة وملحة يشترك فيها قضاة وخبراء في الرياضة للفصل في المنازعات الرياضية لان حل هذه المنازعات عن طريق الاتحادات الرياضية لم يعد كافيا وربما تفتقد لعنصر الالزام ولان الاتحادات الرياضية غير متخصصة بعلم القانون رغم انها تعرف قواعد الالعاب الرياضية والسلوك المهني في الميدان الرياضي وهو غير كافي ايضا لان هناك قضايا قانونية مهمة لا يدركها الا القانوني منها مثلا :
1. حكم شرط الاذعان في عقد الاحتراف الرياضي ؟
2. حكم افشاء الاسرار الرياضية والالتزام بسر المهنة واسرار النادي الرياضي وانتهاك بنود العقد الرياضي ومبدأ حسن النية في تنفيذ عقد الاحتراف الرياضي .
لكل ما تقدم نقول , بأن المحكمة الاتحادية العليا قد أقدمت على خطوة موفقة وناجحة وبان العراق قد استجاب للتطورات المهمة في ميدان الرياضة بكل صنوفها ولعلم القانون الرياضي في انشاء القضاء الرياضي لسد القصور التشريعي وتنظيم هذا النشاط تنظيما قانونيا سليما من خلال انشاء المحكمة الرياضية .
Sweden
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً