المؤامرة في القانون السوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المحامي لؤي اسماعيل : (كلنا شركاء) 12/1/2010
وهي من الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي التي ينعقد الاختصاص فيها للمحاكم العسكرية بموجب المرسوم التشريعي رقم 51 الصادر في 22 – 12 – 1962 حيث نص في المادة السادسة منه الفقرة ” ب ” على إحالة الجرائم الواقعة على أمن الدولة والسلامة العامة من المادة ( 260 – 339 من قانون العقوبات ) إلى القضاء العسكري مهما كانت صفة الفاعلين او المحرضين أو المتدخلين فيها .
عرفت المادة 260 من قانون العقوبات السوري المؤامرة بأنها كل اتفاق تم بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معينة .
من هذا التعريف نجد أنه يشترط لتحقيق اركان جريمة المؤامرة :
1- أن يكون هنالك اتفاق جرى بين عدة أشخاص : أي أن تتحد إرادة الفاعلين على القيام بالعمل عن طريق اتخاذا قرار بهذا الخصوص وهذا القرار يجب أن يكون قرارا قطعيا ونهائيا وموحدا بين المتآمرين والبدء عمليا بتهيئة الأرضية اللازمة لذلك ولا يؤثر في طبيعة العمل الجرمي كون التنفيذ معلقا على شرط معين كتعليق إرتكابهم الجناية المخلة بأمن الدولة على اتخذا السلطات قرارا معينا أو حادثة معينة كإغلاق صحيفة ما أو إقرارا قانون معين ، كما لا يؤثر فيه أن يكون الأجل المحدد لارتكاب مؤامرتهم بعيد المدى وغير وشيك وفوري أو غير محدد التاريخ على وجه الدقة . إذا يجب أن يكون الاتفاق بين أشخاص متعددين فإذا اقتصرت على فرد واحد فلا يمكن اعتبارا ذلك ضربا من المؤامرة فالعبرة في المؤامرة يعود إلى كونها جماعية وهذا ما يميزها عن غيرها من الجرائم الأخرى .
2- أن يكون الغرض من الاتفاق ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة وتعيين الوسائل المفضية إلى تحقيق الغرض من المؤامرة : أي أن يكون هدف الاتفاق المعقود بين الأشخاص هو ارتكاب جناية تقع على امن الدولة أما إذا بقيت الجريمة المنوي ارتكابها غير وضاحة المعالم أو مبهمة فلا يمكن الاستلال منها على وجود اتفاق قطعي ونهائي على ارتكاب الفعل الجرمي وبالتالي لا يمكن القول عندها بوجود جريمة المؤامرة كما انه لا يكفي أن يتفق المتآمرون على تحديد الغرض من مؤامرتهم بل لا بد من تحديد الوسائل والآليات الكفيلة بتحقيق الهدف من المؤامرة كرسم الخطط الكفيلة بتحقيق الأهداف المتوخاة من اتفاقهم . كما يجب التنويه بملاحظة هامة وأساسية هي أنه كون شرف البواعث والهدف من المؤامرة لا يحجب النية الجرمية ولا ينفي قيامها ولا يؤثر في توفر أركان الجريمة فمتى انصب الاتفاق على ارتكاب إحدى الجنايات المخلة بأمن الدولة فالمؤامرة قائمة مهما تكن الغاية التي يهدف إليها ” المتآمرون ” نبيلة ومحمودة
ونلاحظ في جريمة المؤامرة عموما أن المشرع السوري قد خرج عن القواعد الاساسة في التجريم التي تتطلب فعلا ماديا يمهد لتنفيذ الجريمة إلى المحاسبة على مجرد الإتفاق الجنائي حيث عاقب عليه في موضعين هما المادة 260 التي تنص على ” المؤامرة هي كل اتفاق تم بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معينة ” والمادة 325 من قانون العقوبات التي تنص : ” إذا أقدم شخصان أو أكثر على تأليف جمعية أو عقد اتفاق بقصد ارتكاب الجنايات على الناس أو الأموال يعاقبون بالأشغال الشاقة الموقتة، ولا تنقص هذه العقوبة عن السبع سنوات إذا كانت غاية المجرمين الاعتداء على حياة الغير” .
ونلاحظ فيما يتعلق بجريمة المؤامرة ان المشرع السوري قد ساوى بين الفعل والشروع بالفعل في من ناحية توفر ركن الجريمة ومن ناحية العقوبة كما لم يفرق بين المتآمرين من حيث العقوبة فهو لا يميز بين الرؤساء والأعضاء ولا بين من أنشأ المؤامرة او من انضم إليها لاحقا فالعقوبة واحدة حيال الجميع حيث جاء في المادة 261 : ” يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء أكان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً أو مشروعاً فيه ” . طبعا ذلك لا يعني بكل الاحوال كف يد القاضي عن ممارسة حقه في استعمال الأسباب المخففة التقديرية لمن تتوافر فيهم أسبابها من المتآمرين أو مراوحة العقاب بين حديه الأعلى والادنى تبعا لما يراه القاضي مناسبا .
والمشرع السوري في معرض تصديه لجريمة المؤامرة لم يقفل باب التوبة فلقد أحدث حالات معينة أعفى فيها الفاعل من عقوبة الجريمة التي ارتكبها رغبة من المشرع في الكشف عن بعض الجرائم الخطيرة قبل استفحالها وتعاظم خطرها بحيث يصبح معه من الصعب السيطرة عليها وحالات الإعفاء من العقوبة أو ما يسمى ” الأعذار المحلة ” تعفي المجرم من أي عقوبة ويلزم القاضي بالحكم بها في حال توفرها وهي فيما يتعلق بالجرائم الواقعة على أمن الدولة محصورة في حالة واحدة فقط هي المؤامرة حيث جاء في المادة 262 : ” 1 ـ يعفى من العقوبة من اشترك بمؤامرة على أمن الدولة وأخبر السلطة بها قبل البدء بأي فعل مهيأ للتنفيذ ” .
ويستنتج من نص هذه الفقرة أن العذر المحل من العقوبة في جريمة المؤامرة رهن بتوفر الشروط التالية :
أولا – أن تكون الجريمة المخبر عنها مؤامرة على أمن الدولة سواء أكان الداخلي أم الخارجي .
ثانيا – أن يكون المخبر شريكا بالمؤامرة أو متدخلا فيها والمتدخل هو من أسدى إلى القائمين بها إرشادا أو شدد في عزمهم او ساعدهم في أعمالهم .
ثالثا – أن يكون هناك إخبارا منه بوجود مؤامرة سواء أكان هذا الإخبار خطيا أم شفهيا أو حتى بالواسطة على أن يدلي بهذا الإخبار إلى السلطة قبل البدء بأي فعل مهيء للتنفيذ .
أما في حال باشر المتآمرون بعضا من الإجراءات التنفيذية لمؤامرتهم فإن المشرع لحظ بعين الاعتبار ضرورة تخفيف العقوبة عن المتآمر الذي يقدم العون والمساعدة للسلطة ليمكنها من إلقاء القبض على المتآمرين وهذا ما أشارت إليه المادة 262 عندما نصت على :
2ـ وإذا اقترف فعل كهذا أو بدء به فلا يكون العذر إلا مخففاَ.
3 ـ ويستفيد كذلك من عذر مخفف المجرم الذي أخبر السلطة بمؤامرة أو بجناية أخرى على أمن الدولة قبل إتمامها أو أتاح القبض ـ ولو بعد مباشرة الملاحقات ـ على المجرمين الآخرين أو على الذين يعرف مختبأهم.
اما المحرض على جريمة المؤامرة فهو في كل الاحوال لا يستفيد من أي عذر سواء أكان محّلا أم مخففا لأنه أساس هذه الجريمة فالمحرض كما عرفته المادة 216 عقوبات : ” يعد محرضا من حمل او حاول ان يحمل شخصا آخر بأية وسيلة كانت على إرتكاب جريمة ” يستوي في ذلك أكان المحرض في جريمة المؤامرة هو من كون هذه الجريمة أو أن يحرض على الإنضمام إلى مؤامرة معدة مسبقا لذلك فإن الفقرة الثالثة من المادة 262 قد استثنت من تطبيقها المحرض حيث لا يشمله أي عذر وتبقى العقوبة القانونية المقررة عليه كاملة .
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن القانون السوري ألزم جميع المواطنين ممن يلحق إلى علمهم وقع جناية على أمن الدولة ان يخبر بها السلطات العامة تحت طائلة تعرضه للعقوبة القانونية المقررة وهو ما جاءت به المادة 388 من قانون العقوبات عندما نصت على ” كل سوري علم بجناية على أمن الدولة ولم ينبيء بها السلطة العامة في الحال عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالمنع من الحقوق المدنية” .
ونلاحظ من خلال هذه المادة انه لتوفر شروط عقوبة الكتمان لا بد من توافر الشروط القانونية التالية:
1- أن يكون الفاعل سوريا أما إذا كان أجنبيا فلا عقوبة عليه .
2- ان تكون الجريمة التي علم بها هي من نوع الجناية على امن الدولة سواء الداخلي أم الخارجي وكتمها عن السلطة العامة ولم ينبئها فيها فورعلمه ونلاحظ ان القانون استعمل عبارة ” في الحال ” تأكيدا منه على السرعة في الإخبار أما إذا مضى وقت طويل ولم يبادر الشخص إلى إبلاغ السلطات بالجريمة فإن العقوبة المقررة تصبح لازمة .
اترك تعليقاً