الحقوق القانونية و الاساسية للدول
أ/ حنين نصار
حق الدولة الأول الذي يثبت لها بمجرد وجودها هو البقاء ويتبع هذا الحق حقوق أخرى هي في الواقع نتيجة له ومتصل بعضها ببعض كحلقات سلسلة واحدة كحق الحرية وحق المساواة وحق الاحترام والمتبادلة وما يتفرع عنه من حقوق رئيسية أخرى وسوف نوضح ذلك :-
– حق البقاء :-
مؤدي حق البقاء :-
للدولة استنادا إلى حقها في البقاء أن تعمل كل ما من شأنه المحافظة على وجودها وأن تتخذ ما يلزم من الوسائل لدفع ما قد يهدد هذا الوجود من اخطار في الداخل في الخارج .
فلها أن تقوم داخل إقليمها بعمل كل ما يكفل لها المحافظة على كيانها ويساعد على تقدمها من زيادة عدد سكانها بتشجيع النسل ومكافحة المرض وتحديد الهجرة من إقليمها ومن تنمية ثروتها بزيادة إنتاجها الزراعي والصناعي ومن رفع مستوى الحياة ينشر الثقافة بين أفرادها والعلم على تحسين حالتهم الاجتماعية والاقتصادية .
ولها حماية نفسها أي اعتداء يقع عليها من الخارج أن تقوم وإعداد القوات العسكرية اللازمة للدفاع عنها وقت الحاجة وبإنشاء الحصون والاستحكامات وكل ما تحتاج اليه من وسائل الدفاع .
حق الدافع الشرعي :-
ولعل من مظاهر حق البقاء هو حق الدولة في الدفاع عن نفسها إذا اعتدى عليها لرد هذا الاعتداد ودفع الخطر الناتج عنه بكافة الوسائل اللازمة . وقد أيد ميثاق الأمم المتحدة صراحة وجود هذا الحق للدولة باعتباره حقا طبيعيا أزليا إذ وقد حظر الميثاق على الدول هذا الالتجاء إلى أعمال العنف لتسوية خلافاتها وصيانة حقوقها .
ويثبت حق الدفاع الشرعي للدول كنتيجة لحقها في البقاء بنفس الشروط التي يثبت بها للأفراد وفقا للقانون الداخلي أي أن يكون هناك اعتداء حال غير مشروع لا يمكن دفعة إلا باستعمال القوة .
حق منع التوسع العدواني :-
في مجال الدفاع يثور التساؤل كذلك إذا كان للدول استنادا إلى حق الدفاع عن سلامتها أن تتدخل بالقوة لتحول دون اتساع دولة أخرى على حساب جيرانها من الدولة الصغيرة كالفقهاء المتقدمون أمثال جروسيوس وفاتيل ولا يقرون مثل هذا التدخل إلا في حالات استثنائية اشاروا إلى بعض منها كأن تكون الدولة التي تسعى إلى الاتساع قد لجأت إلى أعمال العنف للاستيلاء عنوة على أقاليم الدول المجاورة لها دون أن يكون بينها وبين هذه الدول أية صلة من وحدة الجنس أو الأصل أو أن يكون عملها هذا يتعارض مع معاهدة مرتبطة بها أو تكون الدولة الأخرى ضامنة لسلامة الدول المعتدي عليها وما شابه ذلك وقد أخذ بهذا الرأي بعض العلماء المعاصرين .
نظرية المجال الحيوي :-
قد حاول بعض الفقهاء من الألمان أن يجدوا مبررا لاتساع دولتهم على حساب جيرانها من الدول الصغيرة فابتدعوا نظرية المجال الحيوي ومؤداها أن أي شعب كبير لا يمكن أن يتقدم بحرية في سبيل الارتقاء وأن يستفيد ويفيد من حيويته ومزايا الخاصة إذا ظل محصورا اقتصاديا وسياسيا في نطاق إقليم محدود ومقيدا بروابط قانونية تحول دون تعديه هذا النطاق إلا بموافقة جيرانه المحيطين به ولما كان وهؤلاء الجيران استنادا إلى بمالهم من حقوق مماثلة قد يأبون عبه المنافذ الضرورية لنشاطه الاقتصادي ويضنون عليه بالمواد الأولية اللزمة لسد حاجاته كأن مثل هذا الشعب الكبير في حل من أن يسعى للتخلص من حالة الحصار هذه وإيجاد مجال حيوي له يتناسب مع قوة حيويته الكامنة وقدر نشاطه الخاص مجال يستطيع أن يهئ لنفسه فيه ما يضن به إليه غيره وزن ويحصل منه على حاجاته الضرورية لبقائه وإرتقائه .
نظرية الضرورة :-
فكرة احتضنها الفقه الألماني أيضا وجعل منها مبدا مؤداة أن الدولة بجانب حقها في الدفاع ضد دولة معتدية أو مهددة لسلامتها حق آخر يبيح لها باسم الضرورة أن تأتي للمحافظة على مصالحها وكيانها أي عمل ولو كان فيه اعتداء على دولة أخرى بريئة لا دخل لها فيما تريد الدولة الأولى دفعة عنها اعتداء عنها أو حماية نفسها منه وقد طبق الألمان هذه النظرية أثناء الحرب العالمية الأولى فاقتحمت جيوشهم دوليت بلجيكا ولكسمبورج المحاديتين على زعم أن سلامة ألمانيا كانت تقتضي احتلالهما عسكريا ونشر أحد فقهائهم المعروفين في نفس الوقت كتابا بعنوان بحق الضرورة برو فيه مسلكدولته ودافع عنه .
– حق الحرية :-
مؤدي حق الحرية :-
حق الحرية هو حق الدولة في أن تتصرف في شؤونها بمحض اختيارها دون أن تخضع في ذلك لإدارة دولة أخرى ويثبت هذه الحق لكل دولة كنتيجة لسيادتها ويقتضي انفراد الدولة بممارسة جميع مظاهر هذه السيادة سواء داخل إقليمها أو في الخارج ويعبر عن المركز السياسي للدولة التي لها كالم الحرية في ممارسة سيادتها بلفظك الاستقلال .
القيود التي تعرض حق الحرية :-
لا يعني حق الحرية إطلاق يد الدولة في التصرف وفقا لإرادتها ورغباتها وحدها وتبعا لما تمليه عليها مصالحها وأهوائها دون غيرها بل تتقيد الدولة في استعمال حريتها باحترام مالغيرها من الدولة من حريات وحقوق . والذي نقصده هنا بالقيود التي تعترض حق الحرية هي القيود الخاصة التي قد تتناول بعض الدول دون غيرها بعض الدول دون غيرها فتحد من حريتها فعلا في التصرف في شئون هي اصلا من اختصاصها وحدها فتحرمها من هذا الاختصاص أو تشرك معها فيه دولة غيرها وتشمل هذه القيود حالة التبعية وحالة الحياد الدائم والتدخل .
أ – حالة التبعية :-
وضع الدول ناقصة السيادة :-
التبعية هي حالة ارتباط الدولة بدولة أخرى تتولى عنها ممارسة كل أو بعض مظاهر السيادة وهذا هو وضع الدول التابعة والدول المحمية والدول المشمولة بالوصايا فهذه الدول ليس لها كامل الحرية في تصرفها شئونها كغيرها من الدول الأخرى .
ب – حالة الحياد الدائم :-
ماهية الحياد الدائم
الحياد نوعان :-
حياد عادي مؤقت مؤاده بقاء الدولة بعيدا عن حرب قائمة بين دولتين أو أكثر وأمتناعها عن مساعدة أحد الفريقين المتحاربين ضد الأخر مقابل عدم اقحامها في القتال القائم وتجنبتها ويلاته
وحياد دائم يقتضي بقاء الدولة ابدا بعيدة عن أي حرب تقوم بين غيرها مقابل امتناع الدول المحاربة عن الاعتداء عليها بأية صور الحياد العادي هو مجرد موقف تتخذه الدولة بمحض اختيارها ازاء حرب بالذات وأنثائها فهو يبدأ معها وينتهي بانتهائها ولا يعتبر تقييدا لحريتها لأنها تستطيع أن تخرج مه متى شاءت ذلك .
ونظام الحياد الدائم أوجدته السياسة الأوروبية في القرن التاسع عشر لتحقيق غرضين :-
الأول : حماية الدول الضعيفة التي يعتبر وجودها ضروريا للمحافظة على التوازن الدولي من اعتداء جيرانها الأقوياء ومحاولتهم ادماجها فيهم .
والثاني : حماية السلم الدولي بإيجاد حاجز يفصل بين دولتين قويتين ندين لتجنب الاحتكاك أو التصادم بينهما .
الواجبات المترتبة على الحياد الدائم :-
يترتب على وضع دولة في حالة حياد دائم واجبات بالنسبة لهذه الدولة وواجبات تقابلها بالنسبة للدولة الأخرى .
أ – واجبات الدولة المحايدة :-
يحرم على هذه أن تدخل في أي حرب إلا دفاعا عن حيادها إذا ما اعتدى عليه ولها لذلك أ تتخذ ال عدة لكل متطلبات هذا الدفاع من اعداد قوات حرية ويناد حصون على حدودها وما إلى ذلك كذلك يحرم على الدولة المحايدة حيادا دائما أن تدخل في اتفاقات دولية قد تجرها إلى الحرب مثل معاهدات التالف والضمان والمتبادل وما شابهها و تترتب هذه الواجبات العامة التي تلتزم بها أراء حرب قائمة باعتبارها دولة محايدة .
ب- واجبات الدولة الأخرى :-
تلتزم الدول الضامنة للحياد والدول التي أقرته اقرارا لاحقا بالامتناع عن كل فعل من شأن أن يخل بهذا الحياد وللدول الأولى إذا وقع ما يهدده أو يخل به أن تتدخل لتحول دون هذا الإخلال سواء كان الإخلال من جانب الدولة المحيدة ذاتها أو من جانب دولة أخرى وذلك لأن وضع الدولة في حالة حياد دائم لم يتقرر لصالحها وحدها وإنما أيضا لصالح جماعة الدول كوسيلة للمحافظة على السلم الدولي .
أثر الحياد الدائم في مركز الدولة المحايدة :-
لا شك أن وضع الدولة في حالة حياد دائم يقيد حريتها في ممارسة سيادتها الخارجية بما أنه يفرض عليها أن لا تقوم بأي عمل أو تدخل في أي اتفاق قد يجرها ولو بطريق غير مباشر إلى الحرب غير أن هذا التقييد لا يؤدي إلى اعتبار الدولة إلى في هذا لا مركز في حكم الدولة ناقصة السيادة وذلك أولا لأن حالة الحياد الدائم لا تفرض على الدولة رغما عنها .
امثلة الحياد الدائم :-
من الدول التي تقرر وضعها في حالة حياد دائم يقتضي اتفاق دولي بلجيكا ولكسمبورج وسويسرا واختارت النمسا لنفسها هذا الوضع بتشريع أصدرته بعد الحرب العالمية الثانية وذلك على التفصيل الآتي :-
1- بلجيكا وضعت في حالة حياد داذم عند الاعتراف بها كدولة مستقلة في اتفاق لندرة في 15 نوفمبر سنة 1831 وتعهدت الدولة الخمس الكبرى وقتئذ وهي انجليترا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا بضمان هذا الحياد .
2- لكسمبورج وضعت في حالة حياد دائم بمقتضى معاهدة لندرة سنة 1867 وتعهدت بضمان هذا الحياد كل من انجلترا وفرنسا والنمسا وهولندا وإيطاليا وبروسيا .
3- سويسرا بدأ حيداها سنة 1815 بإقراره في مؤتمر فينا ولم ينتهك حتى الآن وتتمسك سويسرا بالمحافظة على حيادها الدائم تمسكا أوجد صعوبات شديدة عند دخولها عضوا في عصبة الأمم وكان حائلا دون انضمامها لهيئة الأمم المتحدة .
الحياد الخاص بمناطق محددة :-
تقرر حالة الحياد الدائم بالنسبة لجزء محدود من إقليم الدولة أو بالنسبة لمنطقة معينة بالذات لاعتبارات تتعلق بالأمن الدولي أو بمصالح الجماعة الدولية فيحرم على الدولة صاحبة الإقليم أن تحصن هذا الجزء أو تقسيم فيه منشآت عسكرية ويحرم على الدولة الأخرى أن تقوم فيه بأية أعمال حربية .
ويطبق هذا النظام عادة أما على مناطق متاخمة لحدود دولتين تجنبا للاحتكاك بينهما وأما على مناطق تعتبر طرقا عامة للمواصلات الدولية محافظة على سلامة هذه المواصلات وقت السلم والحرب معا ومثل الحالة الأولى ما تقرر في معاهدة ستوكهلم سنة 1905 بين السويد والنرويج من أنه ضمانا لبقاء العلاقات السلمية بين الدوليتين تحدد على كل من جانبي الحدود المشتركة بينهما منطقة محايدة تطبق كافة المزايا المقررة للحياد الدائم .
ج- التدخل :-
ماهية التدخل :-
التدخل هو تعرض دولة للشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى دون أن يكون لهذا التعرض سند قانوني والغرض من التدخل هو الزام الدولة المتدخل في امرها بتباع ما تمليه عليها في شأن من شئونها الخاصة .
صور التدخل :-
يحصل التدخل في صور مختلفة فقد يكون سياسيا أو عسكريا وقد يكون فرديا أو جماعيا وقد يكون صريحا ومباشرا أو خفيا ومقنعا .
أ – فالتداخل السياسي يكون بتقديم يكون طلبات كتابية أو ملاحظات شفوية من الدولة المتداخلة وقد يحصل ذلك بطريق رسمي وبصفة علنية كما قد يحصل بصفة غير رسمية ودون علانية .
ب – وكما يقع التدخل من دولة منفردة يجوز أن يحصل من عدة دول مجتمعة وفي هذه الحالة يكون أعظم أثرا وأكثر ضمانا ضد المطامع الشخصية لدولة بالذات وهذه هي الصورة الغالبة في التدخل في المسائل التي تمس مصالح الجماعة الدولية عامة .
ج- وكما يكون التدخل صريحا مباشرا بالطريق الدبلوماسي أو العسكري قد يحصل أيضا بطريق خفي مقنع وهذا هو أخطر انواع التدخل لحدوثه في الخفاء في خلسة من سلطات الدولة المتدخل في شئونها بواسطة أشخاص تبعث بهم الدولة المتدخلة أو تشتريهم من بين السكان المحلين ليقوموا بدعاية أو بأعماء لغير مشرعة ضد نظام الحكم أو ضد الحكومة .
مشروعية التدخل :-
الأصل في التدخل أنه عمل غير مشروع لأن فيه أعتداء على ما للدولة المتدخل في شئونها من سيادة واستقلال والتزام الدول باحترام حقوق بعضها البعض بفرض عليها واجب عدم تدخل أي منها في شئون غيرها الخاصة هذا هو رأي جماعة الفقهاء وإن كانت الدول لم تتبعه دائما في تصرفاتها فهي طورا تستبيح التدخل لنفسها إذا اتفق ومصالحها وطورا تستنكره أن لم يكن لها فيه صالح .
ويجعل بعض الفقهاء من واجب عد م التدخل مبدأ مطلبق فلا يجيزون بأي حال تدخل دولة في شئون دولة أخرى اللهم إلا إذا كانت الدولة الأولى في حالة دفاع شرعي . على أنه إزاء ما تكشف عنه الحياة الدولية كل يوم من زيادة التداخل بين مصالح الدول المختلفة وما يتبع ذلك من عدم إمكان مراعاة مبدأ عدم التدخل بصفة مطلقة .
وفيما يلي بيان أهم هذه الحالات والاساس الذي يستند اليها القول بجواز التدخل في كل منها :-
أ – التدخل دفاعا عن حقوق الدولة
ممارية كل دولة لحقوقها يجب أن يراعى فيها كما أشرنا إلى ذلك مرارا عدم المساس بحقوق الدول الأخرى فإذا أساءت دولة استعمال حقوقها بشكل فيه اضرار بدولة أخرى فلهذه الدولة الأخيرة استنادا إلى حقها في البقاء عن كيانها .
وتطبيقا لما تقد م يرى فوضئ جواز التدخل في الحالات الاتية :
1- حالة قيام دولة معروفة بميلها للعدوان بزيادة تسلحها زيادة لا تتفق مع مجرد ما يلزمها للدفاع عن نفسها .
2- حالة قيام مؤامرة في إقليم دولة بغرض اشعال ثورة في جولة مجاورة أو قلب نظام الحكم فيها .
3- حالة قيام ثورة في دولة وانتشارها بشكل يخشى منه على سلامة الدول المجاورة .
4- حالة تصريح دولة علنا بعزمها على بسط نفوذها على جيرانها أو على غيرهم من الدول الأخرى.
ب – التدخل دفاعا عن رعايا الدولة :-
لكل دولة الحق في حماية رعاياها أنى كانوا لها تبعا لذلك أن تتدخل لدى أي بلد أجنبي قد يوجدون فيه للدفاع عنهم إذا لم تكفل لهم ولأموالهم الحماية اللازمة وفقا لقوانين هذا البلد أو كانوا محل معاملة شاذة أو اعتداء غير مشروع ولم تحمهم السلطات المحلية أو ينصفهم القضاء في البلد الأجنبي .
ج- التدخل دفاعا عن الإنسانية :-
يجيز بعض الشراح التدخل للدفاع عن الإنسانية في حالة اضطهاد دولة للاقليات من رعاياها واعتدائها على حياتهم أو على حرياتهم وأموالهم أو عدم حمايتها لهم من مثل هذه الاعتداءات مستندين في ذلك إلى أنه على الدول واجب عام يفرض عليها أن تعمل متضامنة على منع الإخلال بما تقضي به قواعد القانون الدولي ومبادئ الإنسانية من احترام حياة الفرد وحريته أيا كانت جنسيته أو أصله أو ديانته وأن تدخلها في مثل الحالة التي نحن بصددها ما هو إلا أداء لواجبها هذا .
د- التدخل في حالة ثورة أو حرب أهلية :-
إذا قامت ثورة في دولة ما ضد الحكومة الشرعية فيها وطلبت هذه الحكومة إلى دولة أخرى التدخل لمساعدتها على قمع الثورة أو طلب الثوار التدخل لمساعدتهم ضد الحكومة فهل لدولة المطلوب اليها ذلك أن تتدخل لمساعدة احد الفريقين ضد الاخر ؟ يرى بعض الفقهاء انه ليس هناك ما يمنع من التدخل لمساعدة حكومة دولة صديقة في قمع ثورة على إقليمها دون التدخل لمساعدة الثوار .
هـ – التدخل ضد التدخل :-
إذا تدخلت دولة في شئون دولة أخرى فهل يجوز لدولة ثالثة أن تتدخل لتمنع التدخل الأول أو تبطل أثره ؟ يرى الراح هنا التفرقة بين حالتين حالة ما إذا كان التدخل الأول مشروعا أي كان يدخل ضمن حالات التدخل الجائز التي ذكرناه فيما تقدم هنا لا يجوز التدخل ضد هذا التدخل أما إذا كان التدخل الأول غير مشروع فالأرجح جواز التدخل المضاد أو بالصالح إذا كان يترتب عليه اضرار بمصالح الدولة التي تقوم بالتداخل المضاد أو بالصالح العام لجماعة الدول .
و – التدخل الجماعي :-
يميل بعض الفقهاء إلى القول بأن التدخل الذي يحدث من جملة دول مجتمعة يمكن أن يعتبر تدخلا مشروعا إذا كان يرمي إلى صيانة مصلحة عامة مشتركة وليس لتحقيق مطلب خاص باحداها أو ببعضها على أن الأخذ بهذا القول على إطلاقه فيه كثير من الخطورة لأن من شأنه أن يطلق يد بعض الدول الكبيرة في التدخل في شئون غيرها كلما لاحت الفرصة لذلك التاريخ حافل بالأمثلة لهذا الأنواع من التدخل وما كان يشوبه في كثير من الأحيان من العسف من جانب الدول المتدخلة منذ التحالف المقدس إلى المؤتمر الأوربي حتى أوائل القرن الحالي .
النظرية الإمريكية في التدخل :-
في عام 1796 وجه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطون إلى شعوب أمريكا بمناسبة رئاسته رسالة وداع ضمنها العبارة الآتية :” لا تتدخلوا في الشئون الأوربية وحاذروا من أن تنساقوا إلى الاشتراك في المنازعات بين دول أوربا ليقول بعيدين ولا يكن لكم مع دول أوروبا غير علائق تجارية دون ارتباطات سياسية
تصريح مونرو:-
يقوم هذا التصريح على المبادئ الثلاثة الآتية :-
1- أن القارة الإمريكية قد وصلت إلى درجة من الحرية والاستقلال يجعل هناك محلا لأي احتلال أو استعمار لإقليم من أقاليمها من جانب أحدى الدول الأوربية .
2- أن كان محاولة من الدول الأوربية لفرض نظمها السياسية على جزء من أجزاء القارة الأمريكية تعتبر خطرا على أمن وسلامة الولايات المتحدة وأنا لولايات المتحدة لا تسمح اطلاقا بحصول أي تدخل من الدول الأوربية في الشئون الداخلية أو الخارجية للدول الأمريكية .
3- أنه ليس للولايات المتحدة أن تتدخل في الشئون الخاصة بدلو أوربا ولا شأن لها بالحروب التي تقوم بين هذه الدول .
ولقد لقي تصريح مونرو وقت صدوره ترحيبا من دول أمريكا المختلفة إذا كان في مظهره عمل دفاعي ضد كل تدخل أجنبي في شئون هذه الدول ولما كانت الولايات المتحدة هي أقوى هذه الدول فقد أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عنها جميعا ضد أي اعتداء اوربي ثم تدرجت من ذلك إلى أن نصبت نفسها قيمة على شئون دول امريكا لا في علاقاتها مع أورباء فحسب بل أيضا في علاقاتها مع بعضها .
ولا يعتبر تصريح موترو في ذاته قاعدة جديدة من قواعد القانون الدولي وما هو في وضعه الأصلي إلا تطبيق لمبدأ عدم التدخل الذي يقال به فقهاء القارة الأوربية من قبل لهذا فهو لم يلاق اعتراضا فعليا من دول هذه القارة وقد أخذت تكف يدها شيئا فيشئا عن التدخل في شئون دول كانت واقعة في وقت ما تحت سيطرتها أو نفوذها .
القيمة الحالية لتصريح موترو :-
لم تعد لتصريح مونرو في الوقت الحالي الأهمية التي كانت له وقت صدوره وأن كانت الولايات المتحدة ظلت تعتبره إلى عهد قريب في حكم دستور لسياستها الخارجية فقد أخذت حدتها في التمسك بتطبيقه بكافة جزئيات تخفف في الواقع شيئا فيشئا يعد أن اطمأنت إلى أن القارة الأمريكية لم تعد لقمة سائغة للدول الاستعمارية الأوربية .
أما من ناحية التدخل الأمريكي في شئون أوربا وغيرها فقد قامت الولايات المتحدة نفسها الأمثلة على أمكان حصوله ومن ذلك مساهمتها في إنشاء جمهورية ليبيريا في افريقيا سنة 1847
ولا جدال في أن موقف الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الأخيرة واهتمامها اهتماما جديا بكثير من المسائل البعيدة كل البعد عن شئون القارة الأمريكية وسعيها إلى السيطرة على السياسة الدولية العالمية وفرض رغبتها على كثير من الدول الأوربية وغيرها باستعمال الضغط الاقتصادي ولا جدال في أن كل هذا أكبر دليل على أن الولايات المتحدة قد طرحت تصريح موترو جانبا وأن هذا التصريح قد أصبح الآن يتصل بالتاريخ أكثر منه بالوقاع .
مبدأ عدم التدخل في ميثاق الأمم المتحدة :-
لم يفت ميثاق الأمم المتحدة أن يعالج موضوع التدخل من ناحية الهيمنة الدولية الجديدة في ممارستها للاختصاصات المختلفة التي عهد بها إليها فنص في الفقرة السابعة من المادة الثانية منه في معرض الكلام عن المبادئ التي تقوم عليها الهيئة على أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحكم بحكم هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما ليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحكم بحكم هذا الميثاق على ان هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع .
اترك تعليقاً