الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 178-1-1 بتاريخ 22 نوفمبر 2011 ما يتعلق بعقدي الهبة والصدقة، وبذلك وجد الآن تشريع يمكن الرجوع إليه وتطبيق فصوله على العقدين المذكورين، إضافة إلى التشريع المتعلق بالوصية المنظم بمقتضى مدونة الأسرة.
هذا التشريع وإن جاء متأخرا باعتبار أن مصر سبقتنا إليه منذ سنة 1947 بسنها تشريعا خاصا يتعلق بالهبة، فإن المشرع المغربي قد أحسن صنعا عندما خطى هذه الخطوة.
ولقد استقى المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية أحكام عقد الهبة من الفقه الإسلامي ومن العمل القضائي، وصاغ القواعد الفقهية في مواد صياغة سهلة الفهم تستجيب لحل أهم المنازعات التي يطرحها عقد الهبة، ذلك أن عقد الهبة بالخصوص -والمغاربة مجبولين على حب الخير والإحسان والصدقة والتقرب للخالق سبحانه- يطرح عدة منازعات وإشكالات، وتضاربت في شأن حلها الأحكام القضائية، ذلك أن هذا العقد قد يبرم أثناء حياة الواهب وهو في أتم عافيته،
وقد يبرم أثناء مرض الموت، وقد يكون موضوع الهبة عقارا محفظا، أو في طور التحفيظ أو عقارا غير محفظ، وقد تكون الهبة من باب المحاباة والإضرار بالورثة، واختلفت الآراء في موضوع حيازة الملك الموهوب وشروط تلك الحيازة، كما أن الرجوع في الهبة أي ما يعرف بالاعتصار، خلق هو الآخر عدة نزاعات طرحت على القضاء، وتغص رفوف المحاكم بالقضايا التي تتعلق بالطعن في عقود الهبة، تارة ببطلان تلك العقود وتارة أخرى بادعاء الزور.
ومع أن المشرع المغربي خص عقد الهبة ب 17 مادة فقط، فالخطوة خطوة محمودة والتشريع قابل للزيادة والحذف والتعديل حسبما سيسفر عنه التطبيق العملي، وتلك المواد من 273 إلى 289 من مدونة الحقوق العينية، وهو ما سنحاول تسليط الضوء عليه.
فالهبة لغة وكما جاء في المنجد في اللغة والإعلام تفيد إعطاء مال بلا عوض، وقد ورد في مختصر خليل قوله: ” الهبة تمليك بلا عوض ولثواب الآخرة صدقة “.
وقد وردت كلمة «وهب» في 12 آية من آيات القرآن الكريم، من ذلك قوله الله تعالى: «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق»، «فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين»، «وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي»،«ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا».
وقد استهل المشرع مواد عقد الهبة في مدونة الحقوق العينية بتعريفه لها في المادة 273 بقوله: “الهبة تمليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض”، وبذلك فإن الهبة في مدلول هذا القانون تتعلق بالعقار وبالحقوق العينية، ولا تتعلق بالمنقول، وهي يقصد بها وجه الموهوب له في حياة الواهب، وبذلك تفترق الهبة عن الصدقة التي تعطى لوجه الله العظيم.
كما أن الهبة تبرع، فإذا نص عقد الهبة على المقابل، فإن العقد قد يكيف على أنه عقد بيع أو عقد معاوضة أو عقد مقايضة.
والهبة عقد كسائر العقود لا بد فيها من إيجاب الواهب وقبول الموهوب له، لأن المال لا يدخل في ذمة شخص آخر إلا برضاه ما عدا التملك عن طريق الإرث، وهذا العقد يجب أن تتوفر فيه شروط صحة العقود المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود ولا سيما الأهلية وخلو الإرادة من العيوب كالإكراه أو التدليس.
وبما أن عقد الهبة كان يحرر في بعض الأحيان بواسطة محرر عرفي، ويثور نزاع حول صحة هذا العقد، فقد استلزم المشرع أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي، تحت طائلة البطلان، والمشرع عندما نص على الجزاء فقد أصبح هذا المقتضى من النظام العام لا يجوز مخالفته، ويمكن إثارة الدفع بالبطلان في أي طور من أطوار المسطرة ولو أمام محكمة النقض لأول مرة.
ويرجع في تعريف المحرر الرسمي إلى الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود، الذي جاء فيه: “الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون”، وعلى أساس ذلك فإن عقد الهبة يقوم بتحريره الموثقون، والعدول، والمحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض.
وفي الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 274 من مدونة الحقوق العينية، جاء المشرع بأحكام حسمت نقاشا طويلا يتعلق بموضوع حيازة العقار الموهوب، ذلك أن أحكام الفقه كانت متشعبة ومعقدة في هذا الباب، حيث أن بعض الفقه كان يتشدد في حيازة العقار الموهوب ولا سيما دار السكنى، ويشترط عدة شروط منها إخلاء العقار من شواغل الواهب، ومعاينة الإخلاء من طرف عدلين، وغلق العقار لمدة سنة، وهذه شروط لم تعد ملائمة مع تطور العصر، الذي لا يقبل تجميد الأموال، بل إن الشريعة الإسلامية تحث على ترويج المال واستثماره وتداوله.
وجاء في التحفة بخصوص شرط إخلاء دار السكنى قوله:
وإن يكن موضع سكناه يهب / فإن الإخلاء له حكم وجب
وقد أخذ المشرع المغربي بما تمليه مقاصد الشريعة الإسلامية، وجاء بحل لتلك المعضلة وفرق بين الهبة في العقار المحفظ والعقار في طور التحفيظ والعقار غير المحفظ، كما يتبين أنه أخذ بالاجتهاد الذي سار عليه المجلس الأعلى المتعلق بحيازة العقار الموهوب إذا كان محفظا.
وهكذا إذا انصبت الهبة على عقار محفظ فإن تقييد عقد الهبة في السجل العقاري يغني عن الحيازة الفعلية أو المادية للملك الموهوب، ولا داعي لإخلائه من طرف الواهب، وكذلك الأمر بالنسبة للعقار الذي هو في طور التحفيظ.
وإذا كان العقار غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه، وهذه طريقة من شأنها أن تدفع ملاك العقارات غير المحفظة إلى إدخال تلك العقارات تحت نظام التحفيظ.
ونشير أن المجلس الأعلى سبق له أن اعتبر أن عقد الهبة لا يكون له وجود بالنسبة للعقار المحفظ إلا بتسجيله في الرسم العقاري، في قراره عدد 2614 الصادر بتاريخ 9/7/2006 في الملف المدني عدد 3144/1/3/2006 جاء في قاعدته: “لئن كانت الهبة في العقار العادي أو في طور التحفيظ عملا بالفقه الإسلامي لا تنشأ إلا بعقد عدلي يشهد فيه العدلان على الواهب بهبة العقار إلى الموهوب له ومعاينتهما لحوز هذا الأخير للعقار الموهوب له، فإن الهبة في العقار المحفظ عملا بالفصلين 66و67 من ظهير التحفيظ العقاري فضلا على أنها لا تؤسس إلا بعقد رسمي مستوف لكافة الشروط فإنه لا يكون لها وجود قانوني إلا بتسجيلها في الرسم العقاري”.
وإن الهبة كباقي العقود يجب أن تصدر من شخص بلغ سن الرشد ويكون كامل الأهلية، أي قادرا على التصرف بالتفويت في أمواله بدون عوض، وأن يكون مالكا للعقار الموهوب وقت الهبة، وسن الرشد 18 سنة شمسية كاملة كما هو منصوص عليها في المادة 209 من مدونة الأسرة، ويرجع للمواد من 212 إلى 217 من مدونة الأسرة لمعرفة المقصود بناقص الأهلية، وعديمها.
ولا إشكال في موضوع قبول الهبة من طرف شخص كامل الأهلية وقادر على التعبير على إرادته بقبول الهبة أو رفضها، بينما الأمر يختلف بالنسبة لقبول الهبة من طرف شخص فاقد الأهلية، وهنا نجد المشرع فرق بين ثلاث حالات:
– إذا كان الموهوب له فاقد الأهلية، فيقبل الهبة عنه نائبه الشرعي.
– إذا لم يكن للموهوب له فاقد الأهلية نائب شرعي، عين له القاضي من ينوب عنه في قبول الهبة.
– إذا كان الموهوب له ناقص الأهلية فقبوله يقع صحيحا ولو مع وجود النائب الشرعي، سيرا مع قاعدة قبول التصرف الذي فيه مصلحة للقاصر أو تصرف يدور بين النفع والضرر.
ونص المشرع على أن عقد الهبة يكون باطلا في ثلاث حالات هي: حالة الوعد بالهبة، وهبة عقار الغير وهبة المال المستقبل. وصح موقفها هذا، ذلك أن الوعد لا يشكل التزاما قاطعا وقد يتحقق أو لا يتحقق، وأن هبة عقار مملوك للغير يعتبر من باب فاقد الشيء لا يعطيه، وأن هبة المال المستقبل فيه نوع من الغرر لأن المستقبل عبارة عن غيب والغيب علمه عند الحق سبحانه.
وإذا كان الواهب مدينا وديونه تستغرق ماله، أو كما عبر عن ذلك المشرع من كان الدين محيطا بماله فلا تصح هبته، لأنه يتعين عليه أولا أن يسدد ديونه، وكما قيل روح المدين معلقة بالوفاء بديونه، وهذا الشرط عبر عنه في مختصر خليل بقوله: “وبطلت إن تأخر لدين محيط” كما جاء في التحفة:
صدقة تجوز إلا مع مرض / موت وبالدين المحيط تعترض
وقد سبق أن صدر عن المجلس الأعلى عدة اجتهادات تتعلق بعقد الهبة المبرم أثناء مرض الموت نذكر من تلك الاجتهادات:
القرار الصادر تحت عدد 574 تاريخ 24/7/2002 ملف عقاري عدد 90/2/1/2002 جاء في قاعدته:” أنه ما دام الهالك كان صحيحا أثناء التعاقد كامل الإدراك فإن الشهادة الطبية المتعلقة بفترات خارجة عن إطار التعاقد لا تأثير لها، وإن الاستدلال بقول ابن عاصم ” ويثبت العيوب أهل المعرفة ” إنما هي تتعلق بعيوب المبيع وليس بعيوب الإرادة”.
والقرار عدد 620 المؤرخ في 7/10/1997 الملف العقاري عدد 5269/93 جاء في قاعدته: “لا تجوز صدقة المريض مرض الموت وتتعرض للبطلان متى قامت أدلة كافية على إنجازها في مرض الموت “.
وقد بين المجلس الأعلى موقفه من شرط الأتمية في القرار عدد 165 بتاريخ 16/3/2005 ملف شرعي عدد 386/2/1/2003 جاء في قاعدته: “الأتمية التي يضمنها العدلان في الرسم إنما تتعلق بصحة التعاقد ظاهريا، ولا تثبت عدم إصابة المتصدق بمرض الموت الذي يمكن الاستعانة بالأطباء المختصين لإثباته”.
وفي المادة 279 من مدونة الحقوق العينية فقد تعرض المشرع لأحد موانع سريان عقد الهبة، والمانع هنا هو الوفاة قبل أن يقبل الموهوب له الهبة، فإذا توفي الواهب قبل أن يقبل الموهوب له الملك الموهوب بطلت الهبة، وهذا أمر بديهي لأن الإيجاب لم يتطابق مع القبول، والعقد لا ينعقد إلا بتطابق الإيجاب مع القبول خلال حياة العاقدين.
وإذا توفي الموهوب له قبل أن يقبل الملك الموهوب بطلت الهبة كذلك ولا حق لورثة الموهوب في المطالبة بالهبة، لأن الهبة كما ذكرنا قصد بها وجه الموهوب له وليس وجه ورثته.
وقلما يقع الطعن في عقد الهبة الصادرة عن الواهب العاقل المميز السليم من كل عيب جسما وإرادة، ولكن المشكل يطرح لما يكون الواهب طريح الفراش ويعاني من مرض خطير يفضي غالبا إلى موته، أو مرض لا يعرف له علاج أو شفاء، ويريد ذلك المريض أن يهب عقارا لشخص أسدى له معروفا، أو كان يعتني به وهو يعاني من المرض، فهذه الهبة تقع خلال ما يعرف بمرض الموت، والمشرع في هذه الحالة أحال على الأحكام المتعلقة بالوصية خلال مرض الموت.
وأحكام الوصية منظمة بمقتضى المواد من 277 إلى 314 من مدونة الأسرة.
ولقد كان المشرع سخيا في حالة من حالات الهبة، وهي حالة الواهب الذي توفي وليس له وارث، ووهب قيد حياته مثلا نصف عقار، واحتفظ بالنصف الآخر، ففي هذه الحالة تصح الهبة في الشيء الموهوب بكامله، أي أن الموهوب له يتملك النصف الآخر من العقار الذي لم تشمله الهبة، حتى لا يبقى ذلك المال مباحا بدون مالك.
وحتى لا يرهق الواهب بتحملات بعد أن وهب عقاره وتنازل عنه بدون مقابل لمجرد وجه الموهوب له، فقد أعفاه المشرع من الالتزام بضمان الاستحقاق، وأعفاه من ضمان العيوب الخفية، وجعل نفقات عقد الهبة ومصروفات تسليم الملك الموهوب ونقل ملكيته على عاتق الموهوب له ما لم يقع الاتفاق على غير ذلك، لكن إذا تقاعس الواهب عن تسليم العقار الموهوب للموهوب له، فعدم الحوز لا يبطل الهبة ما دام المتبرع على قيد الحياة ويمكن إجباره على ذلك، هذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 1565 المؤرخ في 23/4/2008 ملف مدني عدد 3495/1/1/2006.
وإذا كان المشرع أعفى الواهب من ضمان الاستحقاق، فإن لجانب من الفقه رأي آخر، بعلة أن المشرع المغربي ركز على تنظيم مؤسسة التعرض والاستحقاق بالنسبة لعقد البيع، ولم يول نفس العناية بالنسبة لغيره من العقود الأخرى، إلا أن المؤسسة المذكورة لا يقتصر نطاقها على عقد البيع بل هي تشمل كل العقود التي تفضي إلى انتقال الملكية كالهبة.
والواقع ما فائدة تملك عقار عن طريق الهبة إذا كان ذلك العقار سيستحق من طرف الغير، أفلا يكون الواهب قد وهب ما لا يملك، وانقلب تبرعه محنة.
وقد عالج المشرع ابتداء من المادة 283 من مدونة الحقوق العينية موضوع الاعتصار، أي الرجوع في الهبة، أو رجوع الواهب في هبته، ومعلوم أن الرجوع في الهبة مستهجن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الراجع في هبته كالكلب الراجع في قيئه”.
ولم يفتح الفقهاء الباب على مصراعيه بالنسبة للاعتصار، كما أن المشرع حدد الاعتصار في حالتين على سبيل الحصر، بحيث لا يجوز القياس عليهما أو التوسع في تفسيرهما، وتلك الحالتين هما:
– الحالة الأولى: أنه يجوز للأب وللأم أن يعتصرا فيما وهباه لولدهما قاصرا كان أو راشدا، ولقد كانت حالة الاعتصار قاصرة على الأب، ولكن الفقهاء المحدثين سمحوا للأم بالاعتصار ولم يجدوا أي تبرير معقول لتلك التفرقة.
– والحالة الثانية: حالة الواهب الذي أصبح عاجزا عن الإنفاق على نفسه أو على من تلزمه نفقته.
فلا يعقل أن يهب شخص عقاره ويصاب بضائقة لا يجد لها مخرجا، ويصبح عاجزا عن تحصيل لقمة عيشه وعيش من معه، والموهوب له يتمتع بالعقار الموهوب له، فقواعد الشريعة الإسلامية ومنها دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، وقاعدة الضرر يزال تقتضي السماح للواهب بالرجوع في هبته واسترداد عقاره حتى يخرج من المحنة التي يتخبط فيها.
وحتى لا يكون هذا الرجوع من جهة أخرى فيه ضرر على الموهوب له، ويقع بشكل مفاجئ أو قد يساء استعمال هذه الإمكانية، فقد قيد المشرع حق الرجوع بقيد، ألا وهو وقوع الإشهاد بالاعتصار والتنصيص عليه في عقد الهبة، وأن يقبل الموهوب له ذلك الإشهاد، ففي هذه الحالة يكون الموهوب له، على بينة من احتمال وقوع الاعتصار، ويكون الرجوع تصرفا متوقعا يحسب له حساب، وتطبق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
وقد خص صاحب التحفة الاعتصار بقوله:
والاعتصار جاز فيما يهب / أولاده قصدا لمحبة الأب
والأم ما حي أب تعتصر / وحيث جاز الاعتصار يذكر
وجاء في شرح هذين البيتين: «اعتصار رجوع الواهب في هيبته كما تقدم ولا يعتصر إلا الأب والأم»
ولذلك خصهما الشيخ خليل فقال فيما يهب الأب والأم ففهم منه أن غيرهما لا يعتصر فلا يعتصر جد ولا جدة ولا عم ولا عمة ولا الولد من أبيه، فالأب يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير كان للولد أم أو لم تكن، ما لم يمنع من ذلك مانع، وأما الأم التي تهب في حياة أبيه هبة لولدها فلها أن تعتصر ما دام الأب حيا، وإلى ذلك أشار الشيخ خليل بقوله:
“والأم ما حي أب تعتصر، فإن وهبته بعد موت أبيه وهو صغير فلا اعتصار لها لأنه يتيم” .
وقد نصت المادة 285 من مدونة الحقوق العينية على أنه لا يجوز للواهب الاعتصار في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية:
إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر ما دامت رابطة الزوجية قائمة، لأن الرجوع في الهبة من شأنه أن يفسد العلاقة الزوجية.
إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار، لأن موت الواهب لا يعطي الحق للورثة في الاعتصار، ولآن الملك خرج من الذمة المالية للواهب، ولم يعد عنصرا من عناصر تركته، وإذا مات الموهوب له انتقل الملك عن طريق الإرث لورثته ولا علاقة بين الواهب وورثة الموهوب له.
إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضا مخوفا يخشى معه الموت، فإذا زال المرض عاد الحق في الاعتصار، لأن بظهور مرض الموت يتعلق حق الورثة بتركته.
إذا تزوج الموهوب له بعد إبرام عقد الهبة ومن أجلها، كما لو كان الموهوب له عاجز عن تحمل نفقات الزواج وكانت الهبة سببا في تشجيعه على الزواج وتحمل أعبائه.
إذا فوت الموهوب له الملك الموهوب بكامله، بأن باعه مثلا، فالاعتصار هنا يضر بحقوق المشتري حسن النية، فإذا اقتصر التفويت على جزء من العقار جاز للواهب الرجوع في الباقي.
إذا تعامل الغير مع الموهوب له تعاملا ماليا اعتمادا على الهبة، كما لو قدم ذلك العقار على وجه الضمان أو رهنه رهنا لضمان أداء الدين.
إذا أدخل الموهوب له تغييرات على الملك الموهوب أدت إلى زيادة مهمة في قيمته، فمن شأن الاعتصار أن يؤدي إلى الإثراء بلا سبب بالنسبة للراجع في هبته.
إذا هلك الملك الموهوب في يد الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي.
وهذه الموانع جمعها صاحب التحفة في الأبيات التالية:
ولا اعتصار مع موت أو مرض / له أو نكاح أو دين عرض
وفقر موهوب له مــا كانـا / لمنع الاعتصار قـد أبانا
وما اعتصار بيع شيء قد وهب / من غير إشهاد به كما يجب
وبخصوص الاعتصار فللمجلس الأعلى سابقا موقفا يتبين من قراره عدد 151 تاريخ 16/3/2005 الملف الشرعي عدد 675/2/1/2003 جاء في قاعدته:
“ليس للأب اعتصار الهبة إذا اشترط عدم الرجوع فيها، والمحكمة لما اعتبرت تضمين المتبرع عقد الهبة عدم الرجوع فيها في حكم الصدقة من حيث عدم جواز اعتصارها، فإنه ليس بقرارها أي خرق للقواعد الفقهية المنظمة لأحكام الهبة”.
وكما أن الهبة تعقد بالإيجاب والقبول وحضور طرفي العقد، فإن الاعتصار لا يتم في غيبة الموهوب له فلابد من حضوره وموافقته، طبقا لقاعدة لا يقضى في مال غائب، ولا ينزع مال الغائب، لكن يمكن فسخ عقد الهبة بحكم قضائي لفائدة الواهب، ومعنى ذلك أن ورثة الواهب لا يحق لهم طلب فسخ عقد الهبة لا خلال حياة الواهب ولا بعد مماته، وهذا ما يفسره قول المشرع “لفائدة الواهب”.
فإذا وقع الرجوع في الهبة، فإن العقد يفسخ وترجع الحالة إلى ما كانت عليه سابقا ويرد الملك الموهوب للواهب، وإذا كان للعقار غلة ثمار طبيعية أو مدنية فلا يرد الموهوب له تلك الثمار إلا من تاريخ الاتفاق، أو من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى.
وقلنا من تاريخ الاتفاق لأن الواهب قد يشترط في عقد الهبة حقه في الاعتصار، وقد يشترط أيضا شروطا بالنسبة لرد الثمار، وعند ذلك تطبق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
وعندما تنتقل ملكية العقار للموهوب له، فإنه يسهر على حفظه وصيانته، وينفق في ذلك مصاريف قد تكون ضرورية ففي هذه الحالة سمح المشرع للموهوب له أن يسترد النفقات الضرورية التي أنفقها على الملك الموهوب.
وبخصوص هذه النفقات فرق المشرع بين النفقات الضرورية والنفقات النافعة ونفقات الزينة، فإذا كان قد سمح باسترداد النفقات الضرورية، فإن باقي النفقات لا يرد منها إلا ما زاد في قيمة العقار، وعند النزاع تعتمد المحكمة على ما بيد الموهوب له من وثائق غير منازع فيها، وإلا تأمر المحكمة بإجراء خبرة على العقار لمعرفة القيمة التي أضيفت إليه بعد الهبة.
وقد احتاط المشرع لما قد يتعرض له العقار من هلاك، فإذا استرجع الواهب الملك الموهوب دون وجه حق، أي دون مراعاة الأسباب الوردة في المادة 285 وهلك العقار في يده فإنه يكون مسؤولا عن هذا الهلاك، وإذا امتنع الموهوب له من رد الملك الموهوب إلى الواهب بعد الاعتصار اتفاقا أو بحكم القضائي وبعد إنذار الموهوب له وفقا للإجراءات المتبعة، فإنه يكون مسؤولا عن هلاك العقار.
اترك تعليقاً