مقال متميز يشرح الخصائص التي تميز قانون العمل عن غيره من القوانين

1- الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل :

تعتبر الصفة الامره لقواعد قانون العمل من أهم الخصائص التي تميزه عن القانون المدني فهذه القواعد تعتبر من النظام العام التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إلا إذا كانت المخالفة في مصلحة العامل . إن قواعد قانون العمل قد وضعت في الأساس بهدف حماية العامل ،ولهذا فان هذه الحماية لا يتحقق متى ماكان في إمكان العامل وصاحب العمل الاتفاق على ما يخالف قواعد القانون المذكور ،وبعبارة أخرى إن الحماية لا تكون فعالة إلا إذا كانت تلك القواعد إمرة. إن حماية العامل يمكن اعتبارها الغاية التي تهدف إليها المشرع في قواعد قانون العمل بحيث تقع باطلة كل مخالفة إذا ما انتقضت من الحد الأدنى المقرر لحماية العامل ، فيحين تعتبر صحيحة كل مخالفة تزيد من هذه الحمية. وقد نصت المادة (9)من قانون العمل النافذ على مايلي :

((تمثل الحقوق الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وحيثما وجد تنظيم خاص لعلاقات العمل تطبق على العمال إحكام هذا القانون أو إحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل ))

كما نصت المادة (11)على مايلي :

(يقع باطلا كل صلح او تنازل او براء عن الحقوق المقررة للعامل بموجب أحكام هذا القانون خلال فترة قيام علاقة العمل وحتى انقضاء ستة اشهر على انتهائها)). وقد عالج القانون السوري رقم 91 لسنة 1959 هذا الموضوع إذ قررت المادة (6)منه بطلان كل شي يخالف احكام قانون العمل واستثنت الشروط المخالفة لاحكام قانون العمل الفردي إذا كانت الشروط المخالفة أكثر فائدة للعامل كما نصت على بطلان كل مصالحة أو براء عن الحقوق الناشئة عن عقد العمل سواء تمت هذه المصالحة أو هذا الإبراء خلال سريان عقد العمل أو خلال شهر من تاريخ انتهاء مادمت هذه المصالحة أو الإبراء تخالف إحكام القانون إلى ما هو ضار بالعامل ذلك لان العامل يكون في الواقع عند إبراء صاحب العمل من حقوقه أو التصالح معه تحت تأثير الحاجة فيبرم كارها ذلك الإبراء أو تلك المصالحة .إما إذا مضى الشهر على انتهاء عقد العمل فتعتبر الحاجة العاجلة بالعامل إلى الحصول على بعض حقوقه منتفية كما نه يتحرر من الرهبة التي تولدها لديه رابطة التبعية التي تربطه بصاحب العمل إثناء نفاذ العقد وذلك فانه يلتزم بالصالح أو الإبراء الذي يتم بعد الشهر اللهم إلا إذا كان الصلح باطلا وفقا للقواعد العامة .ولا شك فان في تدخل المشروع بتقريره بطلان مثل هذه المصالحات والإبراء جائز في القانون لان هدف المشروع من وضع إحكام خاصة بالعمال التدخل في حرية التعاقد بينهم وبالتالي فيمكن القول بعدم الاعتداد بأي شرط يتنافى وهذه الإحكام إذا كان فيه غبن للعامل الذي يهدف المشرع إلى حمايته. ويذهب القضاء الفرنسي وجانب من الفقه إلى التفرقة مابين التنازل أو التصالح الواقع إثناء سريان العقد فيعتبره باطلا ،والواقع بعد انتهاء العقد فيعتبره صحيحا (1). ومع ذلك فقد ذهبت بعض المحاكم المصرية في نفس الاتجاه قبل نفاذ قانون العمل الموحد ولعلها تأثرت في ذلك بمركز العامل الضعيف قبل صاحب العمل إثناء سريان العقد.إن التنازل أو التصالح يضر بمصلحة العامل سواء تم إثناء سريان العقد أو بعد انتهائه مباشرة إذ يكون العامل في إثناء تنفيذ العقد واقعا تحت سلطة صاحب العمل كما يكون في الوقت التالي مباشرة لانتهاء العقد في حالة من التعطيل تجعله محتاجا إلى المال وهو ما يدفعه إلى ((تفضيل الاكتفاء باقتضاء حقوقه ناقصة ولكن معجلة على اقتضائها كاملة مؤجلة ))ولهذا السبب نص قانون العمل الموحد على توفير الحماية للعامل في الحالتين طالما أن ظروفه فيها تضطره إلى التنازل أو التصالح (2). أن الانتقاص من الحقوق الواردة في قانون العمل المعتبرة كحد أدنى يعتبر باطلا ،ألا انه ليس هناك ما يمنع قانونا من الاتفاق على زيادة هذه الحقوق إذ يقع هذا الاتفاق صحيحا ولا يجوز مخالفة إحكام قانون العمل التي لاتنظم حقوقا فردية وان كانت هذه المخالفة في مصلحة العامل وتوضيح ذلك أن بعضا من إحكام قانون العمل قد وضعت لحماية المصلحة العامة وتحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة لأصحاب العلاقة ،فالقواعد المتعلقة بتنظيم الإضراب وقضاء العمل وسن العمل لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وكل اتفاق من هذا القبيل يعتبر باطلا ولو كان ذلك في مصلحة العامل (3). وإذا تضمن العقد شروطا أكثر فائدة للعامل وأخرى تنتقض من حقوقه المقررة في قانون العمل والمعتبرة كحد أدنى فانه في هذه الحالة تبطل الشروط الأخيرة دون أن يبطل العقد ويحل محلها الشروط الواردة في قانون العمل ، فيجب إذن النظر إلى كل شرط منفردا دون التفات إلى باقي الشروط ومهما كان في هذه الشروط من مزايا بحيث تعوض العامل عما فقده بموجب الشروط الأخرى (4). إما بالنسبة لمشكلة تنازع قوانين العمل من حيث الزمان فتظهر هنا أهمية الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل حيث تقتضي القواعد العامة في سريان القانون بان القواعد الآمرة تسري بأثر مباشر عل الآثار المستقبلة للعقود التي أبرمت قبل نفاذها .أن الأثر المباشر هو غير الأثر الرجعي فالأثر الرجعي للقانون الجديد يعني انه يحكم العلاقات والعقود التي أبرمت وانقضت قبل نفاذه .

الأصل أن القانون لا يسري ألا على العلاقات التي تنشا بعد نفاذه ألا أن قانون العمل قد خرج على هذه القاعدة حيث تكيف علاقات العمل وفق إحكام هذا القانون اعتبارا من تاريخ تنفيذه …

وان تكييف علاقات العمل المنوه عنه لا يعني تجديدا لعقود العمل بل تعتبر جميع عقود العمل القائمة إثناء صدور هذا القانون مستمرة .

على أن الحقوق الجديدة أو الإضافات التي أدخلت على بعض الحقوق لا يكون لها إي اثر ألا من تاريخ نفاذ القانون .

أن التكييف المنوه عنه يعني تعديل شروط العمل سواء أكانت مقررة بموجب عقد العمل أو بموجب أنظمة العمل النافذة أو إحكام قانون العمل الملغي ، في ضوء ما قررته إحكام القانون النافذ . ويقتضي في هذه الحالة المحافظة على الحقوق المكتسبة للعامل وهذا يتضح من نص المادة التاسعة التي تقضي باعتبار الحقوق الواردة في القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وحيثما وجد تنظيم لعلاقات العمل تطبق على العمال إحكام هذا القانون أو إحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل . فإذا وجد شروط العمل متفقة مع إحكام القانون أو كانت أفضل منه فأنها تبقى نافذة بدون حاجة إلى تكييف . إما إذا كانت الشروط المذكورة اقل مما هو في القانون ففي الحالة يقتضي تعديلها بحيث ترتفع إلى المستوى المقرر فيه والمعتبر كحد أدنى لحقوق العمال . ان التكييف المذكور لا يعني تجديدا لعقود العمل وإنما تعتبر هذه العقود مسمرة واستمرار العقود لا يعني سريان التعديل فيها فيما يتعلق بالحقوق الجديدة ألا من تاريخ نفاذ القانون فلا يحق للعامل المطالبة بالحقوق الواردة في القانون الجديد عن الفترة السابقة لنفاذه . أن الصفة الآمرة لقواعد قانون العمل تقترن بفرض جزاء جنائي على كل من يخالف هذه القواعد إلى جانب الجزاء المدني المتمثل في البطلان ويتشدد المشروع في شان الحكم بهذا الجزاء الجنائي كما هو الحال في حالة العود كما تتعدد العقوبة بقدر عدد العمال الذين وقعت المخالفة بشأنهم أو بتكرار المخالفة بالنسبة للعامل ذاته (1). أن الصفة الآمرة لقواعد العمل أكدتها قرارات قضائية كثيرة فقد ذهب القضاء المصري إلى تأكيد ذللك : ((وحيث ان القاعدة هي عدم رجعية القوانين بمعنى انه لا يسوغ للقاضي أن يطبق قانونا على وقائع حدثت قبل نفاذه غير أن هذه القاعدة لاتنصرف إلى قوانين العمل لتعلقها بالنظام العام ذلك ترديد لمبدأ هو أن القوانين المتعلقة بالنظام العام تكون ذات اثر مباشر يبدأ من وقت صدورها بحيث تخضع لها كافة اثأر العقود التي أبرمت قبل صدورها حتى ولو أدى ذلك إلى تعديل الروابط القانونية التي استقرت إعمالا لإحكام القانون القديم ))(2). كما ذهبت محكمة التمييز العراقية إلى ذلك كما يلي : ((…أن قانون العمل هو من القوانين الآمرة المتعلقة بالنظام العام وان قاعدة عدم الرجعية القوانين لا تنصرف إلى قوانين العمل لتعلقها بالنظام العام ))(3).

2-تفسير قانون العمل :

يعتبر قانون العمل مستقلا قائما بذاته ومتميزا بخصائص تختلف عن الخصائص التي يتميز بها إي قانون أخر كالقانون المدني ولذلك فلا يخضع تفسيره للقواعد التي تحكم تفسير القانون المدني .وقد قضى بهذا الصدد مايلي :

((من المعروف أن قانون عقد العمل أصبح الآن قائما بذاته مميزا بصفاته واتجاهاته الخاصة ومن ثم فان من القواعد المهمة التي يستهدف بها في تفسير نصوصه أن جميع النصوص الاجتماعية تعبير وحدة واحدة يكمل بعضها بعضا ،وان من اللازم احترام المبادئ الأساسية في تشريعات العمل كمبدأ الحرية الشخصية ومبدأ حرية العمل وان التفسير الأصلح للعمال كقاعدة هو الذي يتبع عند وجود غموض في تحديد مقصود احد النصوص القانونية ، وهذا يتفق مع قصد الشارع فات الكثير من التشريعات العمالية وضع لحماية العمال فيجب أن تحترم هذه الإرادة عند التفسير ))(4). أن من خصائص قانون العمل هو خروجه من نطاق التعاقد الذي يحكمه مبدأ سلطان الإرادة ودخوله في نطاق أخر هو الخضوع للقواعد الآمرة ، فلم يعد صاحب العمل حرا في إملاء شروط العمل حسب مايريد بل أصبح مقيدا بتلك القواعد الآمرة التي تعتبر من النظام العام لا يجوز مخالفتها ، آذ أن هدف القانون هو حماية العمال من تعسف أصحاب العمل (5) هذه الحماية التي تعتبر من أهم ما قصده المشرع من تشريع قانون العمل لذلك فان الرأي الراجح في الفقه والقضاء هو وجوب الأخذ بالتفسير الأصلح للعامل في حالة غموض النص ( إي انصرافه إلى أكثر من معنى واحد )، او تناقضه مع نص أخر أو في حالة وجود خطا يشوب النص كإغفال شرط أو مخالفته للواقع أو في حالة انعدام النص حيث أن الأخذ بهذا المبدأ هو احترام لمقاصد المشرع وقد ذهبت محكمة العمل العليا الملغاة بصدد ذلك إلى ما يلي : ((…حين لا يكون النص التشريعي في قانون العمل أو في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي صريحا بل يحتمل التأويل والشك توجب تفسيره بما هو أصلح للعامل …الخ ))(6). ألا انه لا ينبغي عدم إطلاق هذه القاعدة بما يودي إلى الخروج بالتفسير عن الغرض الحقيقي من النص وذلك لأنه إذا كان قانون العمل يستهدف أساسا حماية العمال ويجب لهذا أن يفسر عند الشك لمصلحتهم ألا انه حيث تقصد بعض قواعده حماية أصحاب العمل أو تحقيق التوازن بين مصلحة العمال وأصحاب العمل فمن غير المعقول أن تفسر عند الشك لمصلحة العمال إنما يقتضي تفسيرها في ضوء الغرض من تقريرها (7). فلا يكون للتفسير محل في حالة وضوح النص وصراحته آذ لا يجوز الخروج عن معناه الواضح وقد قضى بهذا الصدد ما يلي :

((بانه متى ماكانت نصون القانون واضحة جلية المعنى فالبحث عن حكمة التشريع ودواعيه لا يكون له محل وإنما يكون ذلك عند غموض النص او وجود لبس فيه مما يكون معه القاضي مضطرا في سبيل تعرف الحكم الصحيح إلى تقصي الغرض الذي رمى اليه والقصد الذي الاه ))(8). وقد قضى كذلك بأنه (يتعين بالنسبة لقوانين العمل أن يتحرى في تطبيقها أو تفسيرها الابتعاد عن الجمود والتقيد المطلق بالنصوص آذ يجب الاعتداد دائما بقصد الشارع وحكمة النص مع الالتفات إلى حل النزع على وجه يضمن تحقيق مصلحة الفريقين معا وهذا بعينه هو ما يستفاد من النصوص وما تدل عليه روح القوانين وظروف وضعها ولا شك أن العامل الأول في تطبيق هذه القوانين أو تفسيرها تغليب روح العدالة وما تقضي به الظروف العامة على جمود النصوص والتزام حرفيتها )(9).

3- الطابع الواقعي لقانون العمل :

يتميز قانون العمل بطابعه الواقعي حيث تتكيف أحكامه مع ظروف الواقع فلا تطبق بصورة موحدة بل يختلف تطبيقها باختلاف صور العمل وظروفه وقدرة أصحاب العمل الاقتصادية وقدرة العمال على العمل فلا يخضع خدم المنازل مثلا لنفس الإحكام التي تطبق على عمال الصناعة والتجارة بل أن هناك استثناءات بالنسبة لهم من إحكام معينة وهي الإحكام الخاصة بتنظيم أوقات العمل والراحة (10)،كما يخضع فئات معينة كالأحداث والنساء لإحكام خاصة تتفق مع ظروف هؤلاء(11)،فلا يجوز تشغيل النساء في الإعمال المرهقة والضارة بالصحة وكذلك الحال بالنسبة الإحداث فيما يتعلق بعدم جواز تشغيلهم دون سن معينة مراعاة لصحتهم وسلامة نموهم كما لا يجوز تشغليهم في الإعمال الليلية والإعمال المرهقة والضارة بالصحة كما يحدد القانون الحد الأقصى لساعات عملهم . كما توضح للأعمال الشاقة كالعمال المقالع أحكام خاصة كتحديد حد أقصى لساعات العمل وتعيين فترات للراحة وكذلك الاحتياطات الواجب اتخاذها في هذا المجال كما يراعي المشروع قدرة أصحاب العمل المالية فيفرض عليهم أعباء والتزامات بما يتناسب مع هذه القدرة …الخ . أن الطابع الواقعي لقانون العمل هو الذي أملى على المشرع تخويل الجهة الإدارية صلاحية إصدار الأنظمة والتعليمات والبيانات لتسهيل تنفيذ إحكام القانون . ألا أن هذا الطابع الواقعي يجعل القانون المذكور دائما عرضه للتغير وهو بذلك ينتقص مما يجب أن يتوفر لإحكامه من استقرار (12).

___________________

1- دوران وفيتو :المطول في قانون العمل ،واللوز،باريس،ط2،سنة1950 ص 408-409.

2- د. حسن كيره أصول قانون العمل . عقد العمل . الإسكندرية 1979،ص79.

3- القضية 2242 لسنة 1962 ،عصمت الهواري ، الوسومة القضائية في منازعات العمل سنة 1964 ،ص2-3.

4- قرار رقم 1508 -حقوقية -66 في 4-12-1966 . (4) محكمة الجيزة الابتدائية في القضية رقم 914 لسنة 1953 ، انظر عصمت الهواري وفهمي كامل ، المرشد في قانون العمل الموحد ، الجزء الأول ، القاهرة سنة 1959 ، ص 22.

5- برن وكالان ، قانون العمل ، باريس سنة 1958،ص130.

6- انظر قرار محكمة العمل العليا رقم 73-عليا أولى -1971 في 16-1=.1972

7- استثناف الإسكندرية 91 يناير 955 مدونة الفكهاني ج 1-1 رقم 21 ص48 .

8- انظر كامل محمد بدوي ، المرجع في التشريعات العمالية الموحدة للجزء الاول ، عقد العمل الفردي وتامين اصابات العمل 19959 القاهرة ،ص7.

9- محكمة استئناف القاهرة ،هيئة تحكيم في النزاع 44 لسنة 1953، كامل محمد بدوي ، المرجع السابق ،ص7م

10- انظر م 22 من قانون العمل .

11- الدكتور . رمضان أبو السعود : الوسيط في شرح قانون العمل المصري واللبناني . النظرية العامة لقانون العمل ، سنة 1983ص187.

12-د. حسن كيره ، المرجع السابق ، ص 82 ،ريفيرو وسافاتييه قانون العمل باريس 1972. ص 12 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .

Share

1 Comment

  1. نويوة محفوظ الجزائر

    3 مارس، 2018 at 8:56 م

    جزاكم اللة خيرا ودمتم نبراسا ينير درب المتعلمين

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.