مقال حول العقوبة القانونية على الشيكات المكتبية
الغاء العقوبة على الشيكات المكتبية..
بقلم: المحامي سامي العوض بني دومي
أدهشني مقال في احدى الصحف المحلية يتحدث عن الغاء العقوبات على الشيكات المكتبية و قد بدأ المقال بكلمة ( يتوقع ) و في الفقرة الثانية ( و بحسب مصدر قضائي طلب عدم ذكر اسمه ) فبدا لي و كأن الحديث عن أسرار دولة خطيرة ، و الصحيح ان الحديث عن قانون و الجميع يعلم ان العلم بالقانون مفترض فلا يعتد بجهل احد بالقانون.
و لا اريد ان أتعرض لدستورية او عدم دستورية التعديلات التي ادخلت على قانون العقوبات بموجب قانون مؤقت و كذلك لا أريد ان أتحدث عن حسنات و سلبيات التعديل ولا ما هي الاسباب الداعية الى مثل هذا التعديل ، و ان كنت اؤيد التعديل و أرى انه كان من الواجب ان يعدل من أمد بعيد فهذا التعديل على الأقل يتماشى مع نص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية , و الذي ينص ( لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي).
فقد صدرت التعديلات الجديدة لقانون العقوبات بموجب القانون المؤقت المؤقت رقم 12 لسنة 2010 المعدل لقانون العقوبات و الذي اصبح نافذ المفعول من تاريخ 1/6/2010 و هو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية حيث تم نشره في العدد رقم 5034 من الجريدة الرسمية.
ونظرا للجدل الذي أثير حول تاريخ تطبيق التعديلات ، فلابد من توضيح المسائل التالية :
سريان القانون بأثر رجعي :
الأصل ان القانون لا يسري بأثر رجعي احتراما لقاعدة عدم رجعية القوانين و الاستثناء على ذلك ان يسري بأثر رجعي متى كان القانون الجديد أصلح للمتهم .
وبموجب هذه التعديلات فقد اصبح الشيك المعاقب عليه فقط الشيكات البنكية حيث نصت المادة 421 الفقرة 5- ينحصر تطبيق أحكام هذه المادة على الشيكات المحررة باستعمال النماذج المعتمدة من قبل البنوك 0
و بذلك فان هذا التعديل يشمل الجرائم السابقة على صدوره باعتباره القانون الأصلح للمتهم ، فاذا كان هناك اي شخص محكوم سابقا حتى و لو بحكم قطعي على شيكات مكتبية بالغرامة و الحبس فتسقط هذه العقوبات عنه تلقائيا باعتبار ان الافعال المرتكبة لا تعتبر جريمة.
فقد نصت المادة 5 من قانون العقوبات على ما يلي :
المادة (5) :
كل قانون جديد يلغي عقوبة أو يفرض عقوبة أخف يجب أن يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه وإذا صدر قانون جديد بعد حكم مبرم يجعل الفعل الذي حكم على فاعله من أجله غير مجرّم يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجزائية0
و من خلال المادة الخامسة من قانون العقوبات الأردني فانه إذا صدر قانون بعد حكم مبرم (يقصد حكم بات) يجعل الفعل الذي حكم على فاعله من أجله غير مجرم يوقف تنفيذ الحكم و تنتهي آثاره الجزائية ، و يترتب على هذا التعديل عدم إمكان البدء في تنفيذ العقوبة التي كانت قد صدرت أو عدم الاستمرار في هذا التنفيذ إذا كان قد بدأ أو إزالة ما نفذ منها إن أمكن.
ثالثاً :حكم القوانين الجنائية التي تلغي تجريما سابقاً :
اذا صدر قانون جديد يلغي تجريما سابقا ويجعل الفعل مباحاً فان اعتبارات العدالة تأبى ان يخضع شخصاً لتنفيذ عقوبة عن فعل لم يعد يكوّن جريمة لهذا فقد اضافت المادة الخامسة من قانون العقوبات حكما ينظم حالة ما اذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من اجله غير معاقب علية حينذ يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي اقاره الجنائية.
الاثار المترتبة على التعديل الجديد :
ففي هذه الحالة يستفيد المتهم من القانون الجديد ولو كان صادراً بعد حكم بات ، فإذا كان الحكم لم ينفذ بعد يمتنع البدء في تنفيذه اما اذا كان قد بدأ تنفيذه فيوقف الاستمرار فيه وعلى ذلك لو كان المتهم محكوما عليه مثلا بعقوبة سالبه للحرية يخلى سبيله وتنتهي الآثار القانونية للحكم فلا يعد مثلا سابقة في العود( أسبقية جرمية) ، حتى أن هناك من يرى انه من الممكن استرداد ما دفع سابقا من غرامات على افعال اصبحت غير مجرمة وفقا للقانون الجديد، و ان وجهة النظر هذه لها ما يؤيدها و عليها ما يناقضها و هو أمر لا نتصور تطبيقه في الواقع العملي على ألأقل.
متى يبدأ تطبيق التعديل الجديد :
الصحيح ان التعديلات يجب ان تطبق اعتبارا من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية وهو تاريخ 1/6/2010 و ذلك لسببين قانونين :
السبب الأول : ان نص قانون العقوبات الجديد و القديم يفرض سريانه بمجرد نشره في الجريدة الرسمية :
فقد كان نص قانون العقوبات قبل التعديلات الأخيرة المادة (1) :
يسمى هذا القانون ( قانون معدل لقانون العقوبات لسنة 2002 ) ويقرأ مع القانون رقم (16) لسنة 1960 المشار إليه فيما يلي بالقانون الأصلي وما طرأ عليه من تعديل قانونا واحداً ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ومع التعديل الجديد اصبح
المادة (1) :
المادة 1- يسـمى هذا القـانون ( قانـــون مؤقت معــدل لقانــون العقوبــات لسنة 2010) ويـقـرأ مع القـانــون رقــم (16) لسنـــة 1960 المشار إليه فيما يلي بالقانون الأصلي وما طرأ عليه من تعديل قانوناً واحداً .
و بالنظر في النصين نجد ان سريان القانون الجديد و اجب من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ولا يوجد في النص الجديد جملة شهر او ثلاثين يوما .
السبب الثاني : ان سريان القانون الجديد اذا كان اصلح للمتهم في حال ازالة صفة التجريم يسري بحق المتهم او المحكوم عليه من تاريخ صدوره و ليس من تاريخ نفاذه حتى لو ان القانون الجديد نص على جملة ( و يعمل به بعد مرور شهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ) و السبب في ذلك ان العدالة تقتضي ان يستفيد المتهم من زوال صفة التجريم بحيث يستفيد المتهم من التعديل بمجرد علم القضاء بها من تاريخ صدورها وذلك لتعجيل استفادة المتهم منها بدليل نص المادة الخامسة من قانون العقوبات التي تنص
” كل قانون جديد يلغي عقوبة أو يفرض عقوبة أخف يجب أن يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه وإذا صدر قانون جديد بعد حكم مبرم يجعل الفعل الذي حكم على فاعله من أجله غير مجرّم يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجزائية0″
و الجملة واضحة في النص ( و اذا صدر قانون ) و لو كان الكلام عن غير ذلك لكان النص ( و اذا اصبح قانون نافذ ) و الفرق واضح جلي .
و أخيرا وليس اخرا للأسف فان بعض القضاة قد استمروا بتطبيق القانون القديم بعد تاريخ 1/6/2010 و استمروا باصدار احكام بالحبس و الغرامة على شيكات مكتبية ، مستندين في ذلك الى احد سبببين الأول : ان التعديل يسري بعد مرور ثلاثين يوم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية و هذا كلا ليس بصحيح وفقا لما ذكرت سابقا
و الثاني : ان البعض ينتظر من رئيس المجلس القضائي ان يوزع تعميما لتطبيق القانون الجديد كما اعتاد السابقون من رئيسهم على ذلك ، وهذا الكلام غير صحيح البتة ، فالنشر في الجريدة الرسمية كاف ولا حاجة لانتظار تعميم .
اترك تعليقاً