البلاغة و الإقناع في القرارات القضائية
القاضي اياد محسن ضمد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
غالبا ما تكون اللغة القانونية لغة جامدة محافظة غير أن ذلك يجب أن لا يمنع الإفادة من الوقائع المنظورة وما يرافقها من أحداث ومعانٍ لصياغة لغة قانونية تكون مؤثرة وجذابة للمتلقي حتى تكون مقنعة لان هدف القاضي من كتابة قراراته اضافة الى تحقيق العدالة هو إقناع المتلقي بصحة ومنطقية ما انتهت اليه المحكمة من حكم وهدف المحامي من تقديم اللوائح والدفوع هو إقناع المحكمة والحضور ببراءة المتهم الذي يدافع عنه.
ومثل هذا الخطاب القانوني وما يهدف إليه من إقناع فانه يستهدف العاطفة والوجدان في ذات المتلقي وإحداث تأثير حسي لدى القارئ بصحة الحكم الذي أصدرته المحكمة او صحة ومنطقية الدفع الذي قدمه المحامي حتى اننا نجد ان الكثير من القرارات القضائية ولوائح المحامين تكتب بطريقة بلاغية أدبية جميلة من اجل ان تزيد قدرتها الاقناعية لاسيما وانها لا تكتب فقط لأطراف الدعوى وذوي الاختصاص وإنما تكتب كذلك لعامة الناس ممن يهمهم تحقيق العدالة والوصول الى الحقيقة في الأحكام القضائية.
إن لغة الإقناع تتجسد في تسبيب الحكم فإذا كان تسبيب الحكم يعني بيان الواقعة وظروفها والأدلة المتحصلة فيها وما تستند اليه المحكمة في إصدار قرارها فان إيراد هذه الأسباب هو وسيلة من وسائل الاقناع الذي تتوجه به المحكمة الى محكمة النقض وأطراف الدعوى لإقناعهم ان الحكم يستند الى اسباب منطقية وقانونية.
كذلك تتجسد لغة الاقناع في الاستدلال القانوني للمحكمة والاستدلال القانوني يعني فهم المحكمة فهما صحيحا للواقعة المنظورة وأدلتها و من ثم بناء الحكم بالاستناد الى هذه الأدلة والوقائع ولا ادل على ذلك مما يرد في قرارات الإدانة او الإفراج التي تصدر من محاكم الجزاء حيث تكتب القرارات بطريقة تستعرض من خلالها المحكمة الواقعة الجرمية وظروف ارتكابها وما ورد من اقوال على لسان المشتكين الشهود والمتهمين ومن ثم تخلص الى بيان ان كانت الأدلة المتوافرة تكفي لتوليد القناعة على سبيل القطع واليقين والجزم بأن المتهم ارتكب الجريمة المسندة إليه فتتجه لإدانته أو انه لم يرتكبها فيصار الى الافراج عنه، وكلما كان تسبيب الحكم والاستدلالات التي اتبعتها المحكمة صحيحة، كان القرار مقنعا ومقبولا.
ثمة عدد من قرارات محكمة التمييز العراقية تضمنت صورا مميزة من صور البلاغة الاقناعية عند صياغتها فقد ورد في قرار لمحكمة تمييز العراق برقم 206/هيئة عامة/2009 بانه لا يعني حق الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية التشهير بتلك السلطة او قذف أشخاصها لان الدستور والقانون رسما السبل الكفيلة للمراقبة وان القذف والتشهير يخرجان عن كونهما آراءً او تقويما للاداء بل هما تجاوز لاستعمال حق النقد.
كذلك كان للقضاء المصري باع طويل في تقديم اروع صور البلاغة الاقناعية عند صياغة القرارات القضائية ففي احد قرارات محكمة النقض المصرية التي كتبها المستشار احمد الشاذلي في طعن ورد على قرار محكمة القضاء الاداري ببطلان اتفاقية تيران وصنافير وجاء في منطوق قرار الحكم (أخيرا، قد وقر واستقر في عقيدة المحكمة، أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوعٌ بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية ما انفك راجحا رجحانا يسمو إلى اليقين، ذلك كأثر لسيادتها المستقرة من ناحية، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شيء آخر يغير أو ينال من هذا الأمر).
و مثل هذه التعابير والصياغات البلاغية والأدبية تمثل سبيلا ولغة للإقناع عند كتابة اللوائح القانونية او الأحكام القضائية ووسيلة لتكسير قيود الرتابة والجمود اللتين تعتريان لغة القانون ومن ثم الانطلاق في فضاءات البلاغة والأدب بطريقة تجعل من هذه الأحكام مكتوبة بلغة مشوقة للقراء والباحثين يسعون لقراءتها والإفادة من مبادئها.
اترك تعليقاً