قراءة لمشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري
مشروع قانون ” حماية النساء من العنف الأسري” .. مشروع لهدم الأسرة
د. نهى قاطرجي
بسم الله الرحمن الرحيم
انشغل اللبنانيون في الأشهر القليلة الماضية بمشروع القانون الذي تقدمت به منظمة ” كفى” تحت عنوان ” حماية النساء من العنف الأسري” . هذا المشروع الذي وافق عليه مجلس الوزراء بموجب المرسوم رقم 4116 بتاريخ 28 ايار 2010 وأحيل على مجلس النواب لإقراره . إلا أنه وبسبب تضمن هذا المشروع على مخالفات قانونية وشرعية واجتماعية خطيرة فقد حوّل إلى لجنة نيابية مصغرة لدراسته ووضع الملاحظات حوله قبل أن يصار إلى الموافقة عليه .
مما لا يخفى على كثير من المطلعين والمتابعين لنشاطات العديد من منظمات المجتمع المدني، أن هذه المنظمات تتلقى الدعم المادي من جهات خارجية لقاء تنفيذها لأجندات تهدف إلى تغيير المجتمعات وخلخلة معتقداتها. وهذا الأمر لا تخفيه الجمعيات نفسها، فمشروع قانون “حماية النساء من العنف الأسري” الصادر عن “التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري ” مولته جهات غربية عدة: على رأسها الاتحاد الأوروبي والسفارة الايطالية، وجهات أخرى،وقد ورد ذكرها على الصفحة الأولى للمشروع.
وهذا الدور الخارجي يبدو واضحا ايضا من قراءتنا للأسباب الموجبة التي استند عليها مشروع القانون، والتي من بينها : اتفاقية سيداو CEDAW التي وقع عليها لبنان في العام 1996. وبذلك فقد الزم لبنان نفسه ليس فقط بتطبيقها بل بتطبيق التوصيات الصادرة عنها بعد سنوات من التوقيع عليها.
إن قراءة الأسباب الموجبة لهذا المشروع قراءة موضوعية تجعل المواطن يتساءل : هل يجوز إصدار قانون يلزم كل اللبنانيين بالإستناد إلى اتفاقيات دولية وقعت عليها الدولة اللبنانية بغفلة عن المواطن اللبناني وتتنافى مع قيمه وشرائعه؟ ألا يحتاج أي قانون من أجل إصداره أن يكون نابعاً من ظاهرة مجتمعية موثقة بإحصاءات ودراسات تبين شدة الحاجة إلى إصدار مثل هذا القانون ؟
إن ما ذكرناه ما هو إلا مقدمة تعرض للأسباب الموجبة التي أرفقت مع هذا القانون،أما تعليقاتنا عليه فتبدأ بالتعريفات، وتنتقل إلى الناحية القانونية ، ومن ثم الناحية الشرعية .
في التعريفات :
تعريف الأسرة : عرف مشروع القانون الأسرة تعريفاً يخالف التعريف المتبع عند علماء الاجتماع والانتروبولوجيا. ففيما جاء التعريف الاجتماعي للأسرة بأنها عبارة عن ” جماعة اجتماعية بيولوجية نظامية، تتكون من رجل وامرأة ، يقوم بينهما رابطة زوجية مقررة، وأبنائهما …” ، عرّف مشروع القانون الأسرة بأنها: ” تشمل أفراد العائلة، سواء أكانوا مقيمين في مسكن واحد أم لا، على أن تجمع بينهم رابطة الدم أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة، أو التبني، أو التكفل، أو القيمومة، أو الوصاية” .
ولعله لا يخفى على أحد الغاية من وراء تمرير مثل هذه التعريفات التي تخالف ما تعاهد عليه الناس، كما تخالف الرؤية الشرعية، وإدخال مفهوم الوصاية والتبني ، وكذلك ادخال المصاهرة حتى الدرجة الرابعة في محاولة للتوسع في إيقاع العقوبة . هذا إضافة إلى محاولة تمرير فكرة حق المرأة بتقرير مكان سكنها ولو كان بعيدا عن الزوج كما تدعو إليه اتفاقية سيداو .
1- تعريف العنف الأسري
عرف المشروع مصطلح العنف الأسري بأنه ” أي فعل عنف ممارس ضد المرأة في الأسرة بسبب كونها امرأة ، يرتكب من أحد أفراد الأسرة وقد يترتب عليه أذى أو معاناة للأنثى، من الناحية الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الاقتصادية ، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو الحرمان من الحرية، سواء حدث ذلك داخل مساكن الأسرة أو خارجها ” .
إن حصر تعريف العنف الأسري بالعنف الموجه ضد المرأة أمر يتوافق في كل تفاصيله مع تعريف منظمة الأمم المتحدة للعنف ضد المرأة ، في حين يخالف هذا التعريف ذلك الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية في العام 2002م. والذي جاء فيه بأن العنف الأسري هو ” كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة ويسبب أضرارا أو آلاماً جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة ” . وهو ايضا مخالف للتعريف الوارد في قوانين عنف أخرى مثل قانون العنف الأسري الأردني الذي جاء في مادته الخامسة : “فيما عدا الجرائم التي تختص بها محكمة الجنايات تعتبر الجرائم الواقعة على الاشخاص الطبيعيين عنفاً اسرياً اذا ارتكبها احد افراد الاسرة تجاه أي فرد آخر منها ” .
إن الغاية من التركيز على العنف الموجه ضد المرأة دون غيرها من أفراد الأسرة إنما يهدف إلى تصوير المرأة على أنها هي الأضعف، واعتبار أن العنف يمارس ضدها فقط.وماذا عن حالات تعرض الذكور من الأطفال والرجال وكبار السن لهذا العنف! والدعاوى المقدمة إلى المحاكم الشرعية تشير إلى كثير من هذه الحالات .
1- في الملاحظات القانونية :
تتعدد الملاحظات القانونية التي يمكن استخراجها من هذا المشروع . ولكن قبل الإشارة إليها لا بد من التأكيد على أن صدور هذا المشروع يشكل مخالفة دستورية لأنه يتناول تنظيم الأسرة وأحكامها وحل نزاعاتها، والتي هي من اختصاصات المحاكم الشرعية، وفقاً لما جاء في المادة 9 من الدستور اللبناني التي تنص على أن :” حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تخدم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية، وهي تضمن للأهلين، على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية” .
و من أبرز الملاحظات القانونية التي يمكن ان نستشفها ما يلي:
1- مخالفته لوحدة التشريع، من خلال إيجاد قانون استثنائي، أقرب إلى قانون الطوارئ، مستقل عن قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية.
2- تخصيص الإناث بهذا القانون دون باقي أفراد الأسرة، مما يشكل تمييزاً للمرأة على حساب الرجل، وهذا يتناقض مع المادة 7 من الدستور التي تنص على :” أن كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون فرق بينهم” .
3- استخدام العبارات والألفاظ المبهمة التي يمكن أن يساء فهمها وتأويلها بقصد وبغير قصد. ومن هذه الألفاظ لفظة “الخداع” ، دون تفسير لهذا الخداع وكيفيته ، وكلمة “قد”التي تفيد هنا الظن وعدم التحقق، وعبارة “النقص الجسدي والنفسي” ، وهي عبارة مطّاطة يمكن أن تفسّر بالخوف والقلق والمرض البسيط انتهاءً إلى الاكتئاب والجنون والعاهة ، وكذلك عبارة “المعاناة النفسية والإقتصادية ” التي تحمل الكثير من الإبهام والإلتباس .
4- حق تقديم الإخبارات لكل من اتصل إلى علمه حصول ذلك العنف كما ورد في المادة 6 وكذلك المادة 9 من المشروع المذكور، والتي أوجبت على أي مرجع قضائي إعلام النيابة العامة بكل ما من شأنه أن يشكل أحد حالات العنف الأسري .
إن في توسيع دائرة الإخبار لتصل إلى كل من اتصل إلى علمه، فيه خطورة التبليغ الكاذب، أو سوء الفهم ، أو الكيدية، أو الحقد، وما إلى ذلك من أمور تبيح لكل من تسول له نفسه التدخل بشؤؤن الأسرة عن حسن أو سوء نية. وهذا ما يسهم في هدم استقرار الأسر، والتقدم بدعاوى من دون الرجوع إلى أصحاب الشأن مباشرة .
إن في هذا الفعل تدخلا سافرا في خصوصيات الأسر، وسدا مانعا أمام مساعي الصلح التي يمكن أن تحدث إثر أي خلاف زوجي. كما أن فيه اعتداء على حقوق المرأة نفسها التي قد تكون غير راغبة في تقديم الشكوى حفاظا على أسرتها وتماسكها، خاصة إذا كانت على علم بطبيعة الشخص المعنِّف وعدم وجود نية لديه بإيذائها، وكما يقول المثل : ” مكة أدرى بشعابها ” .
كما أن في هذه المادة تحويل للمراكز الاجتماعية أو الصحية أو القضائية إلى دائرات استخباراتية لتلقي الشكاوى . وهذا الأمر خطير جدا خاصة فيما يتعلق بالقضاة الشرعيين الملزمين بموجب هذه المادة بالتقدم بإخبار للنيابة العامة، وبذلك تحول القضايا التي تحال إليهم إلى قضايا جزائية قبل أن يقوموا بالتحقيق فيها .
5- تشديد العقوبات على الرجل والتي يمكن أن تصل إلى السجن على أمور، قد لا تعد شرعا وعرفا من الجرائم، مثل ما يعرف الإكراه على الجماع ( الاغتصاب الزوجي). وكذلك التشديد في تدابير الحماية، التي من بينها إبعاد الرجل عن بيته قبل التوثق والتثبت من صحة الادعاء . مما يشكل مادة ثرية للافتراء والتهديد .
كذلك فإن في التشديد في العقوبة التي قد تصل إلى السجن دمار لحياة الرجل المستقبلية وحياة أولاده، ناهيك عن النزعة الانتقامية التي تتولد لديه، الأمر الذي يمكن أن يحوّله إلى مجرم بعد خروجه من السجن. خاصة إذا وقع ضحية شكوى كيدية قد تكون المرأة مشاركة فيها من أجل الانتقام منه أو ابعاده عن المنزل أو رغبة في الارتباط بغيره .
6- في مخالفة قواعد الإثبات: لجهة استدعاء الصغير والقاصر إلى أداء الشهادة كما جاء في المادة 13 من المشروع والتي تبيح للضابطة العدلية استجواب الأطفال.إن هذا الأمر مخالف لبعض مواد قوانين أصول المحاكمات، منها المواد 91 من قانون اصوال المحاكمات الجزائية التي حددت الاستماع إلى القاصرين على سبيل المعلومات لا الشهادة، كما أنها منعت من سماع شهادة أصول وفروع المدعى عليه ضده. والمادة 260 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي لا تجيز شهادة الشهود بين الأصول والفروع وبين الزوجين ولو بعد انحلال عقد الزواج.
هذا بالإضافة إلى أن هذا الاستماع مخالف لاتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها لبنان والتي تمنع إقحام الأطفال في النزاعات العائلية حتى لا يصبح الطفل جزءاً من الصراع، مما يمكن أن يؤثر سلباً على سلوكياته وعلاقته بأبويه. خاصة إذا قام أحد الأبوين بالضغط عليه واستغلاله للشهادة لصالحه .
2- في الملاحظات الشرعية :
تتعرض قوانين الأحوال الشخصية في معظم الدول الإسلامية إلى حملة شرسة من قبل منظمات الأمم المتحدة وأدواتها في الداخل من أجل تغييرها وتعديل موادها، حتى تتناسب مع الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، التي تطالب بالغاء التمييز في القوانين والأعراف . وأبرز هذه المفاهيم الشرعية التي يسعى إلى تغييرها: مفهوم القوامة، وتعدد الزوجات، ورفع سن الحضانة، ومنع الزواج المبكر ، وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية . والتي أوكل الأمر فيها إلى القضاء الشرعي طبقاً لأحكام قانون المحاكم الشرعية الصادر بتاريخ 16/7/ 1962 .
لهذا وتنفيذا لهذه الأجندة الخارجية ، والتفافاً على تحفظ لبنان على المادة 16 من اتفاقية السيداو ، المتعلقة بالأحوال الشخصية، تقوم الجهات العلمانية وما يعرف بمنظمات المجتمع المدني بحملات مباشرة وغير مباشرة ضد هذه القوانين من أجل تعديلها أو الغائها. وكان من بين الحملات المباشرة ما ورد في كتاب “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” إلى وزير الداخلية زياد بارود تاريخ 23/4/2009 والذي نص على:” إن قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في لبنان تكرس ببعض أحكامها التمييز ضد المرأة، وهي لذلك تشكل في بعض بنودها أساساً للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الاقتصادي وتناقض مفاهيم مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري… “
اما الحملات غير المباشرة فقد جاءت عن طريق إصدار القوانين التي تقلل من صلاحيات هذا القضاء، ومن بين هذه القوانين ، قانون العنف الأسري الذي جاء في كثير من مواده ليتعارض مع صلاحيات هذه المحاكم أو يحد من صلاحياتها، ويمكن لمس هذا الأمر في المواد التالية:
1- المادة /15/ التي تعطي المحامي العام والقاضي الجزائي حق إصدار قرار بإيواء العائلة في مسكن مواز أو مركز إيواء لحين صدور قرار مؤقت أو نهائي عن المرجع القضائي المختص لا سيما في موضوعي الولاية والحضانة …
2- المادة /18/ التي وسعت من اختصاص القضاء الجزائي ليشمل النفقات بأنواعها، و في هذا الأمر خروج كلّي على قواعد الاختصاص، مما يمكن أن يؤدي إلى تعارض في الأحكام ، ولقد سبق ان حدث مثل هذا التعارض بين القضاء الشرعي وبين القضاء المدني، وفي قانون الأحداث بالذات الذي تم إقراره في العام 2002 ، فقد ذكر القاضي “محمد أبو زيد” حالة سجلت في مدينة ” صيدا “حين قام قاضي مدني بنقل حضانة طفل مسلم لا يتجاوز عمره الأسابيع (بحجة أن والديه غير مؤهلين لرعايته) إلى عائلة مسيحية، مما أثار غضب والديه اللذين إلتجآ إلى المحكمة الشرعية التي استطاعت إسترداد الطفل ولكن بعد 14 شهراً ” .
وبالعودة إلى الأهداف الأساسية لصدور هذا القانون ، نجد أن إلغاء مفهوم القوامة واعتبار هذه القوامة عنفاَ ضد المرأة هو من أهم هذه الأهداف. وهذا الأمر غير خفي بل وتعلنه كل الجهات التي تدافع عن حقوق المرأة، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة التي اعتبرت في التقرير الأممي الصادر عام 1985 بمناسبة تقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة، ” أن الحائل والعقبة الكؤود أمام تمكين المرأة هو جعل الرجل مسئولاً عن الأسرة “. وطالب التقرير الدول الأطراف بتغيير التشريعات من أجل الغاء قوامة الرجل على عائلته واعتبار هذه القوامة نوعاً من أنواع ” العنف ضد المرأة ” … ولعل مشروع القانون الذي نحن بصدده يسعى إلى التخفيف من هذه القوامة إن لم نقل يقضي عليها، وذلك عبر :
-1: الغاء مفهوم الولاية : وذلك عندما عمد المشروع إلى الحد من صلاحية الأب وولايته على زوجته أو ابنته ، واعتبار الفعل التأديبي عنفاً سواء كان عنفاً جسديا او عنفا معنوياً ، وفي هذا الأمر مخالفة للسلطة الممنوحة للأب بموجب المادة (209) من الاحكام الشرعية في الأحوال الشخصية المطبقة من قبل المحاكم الشرعية السنية في لبنان ، والتي تنص على أنه ” يباح للزوج تأديب المرأة تأديبا خفيفاً على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقدر . ولا يجوز له أصلا أن يضربها ضربا فاحشا ولو بحق ” .
أما فيما بتعلق بولاية الأب على ابنته فإنه يمنع عليه أن يقوم بتربيتها أو توجيه مجرد اللوم لها ، حتى لا يعتبر هذا من العنف المعنوي الذي يعاقب عليه القانون .
كما أنه لا يحق للأب أن يمنع زوجته أو ابنته من الخروج من البيت أو العودة إليه متى شاءتا ذلك ، حتى لا يعد هذا حجزٌ للحرية كما جاء في المادة (2) و في البند (10) من الفقرة (أ) من المادة (3) . دون أن تحدد هذه المواد الاطار أو الحدود الذي تقف عنده هذه الحرية .
3- استخدام تعبير الإكراه على الجماع ، والذي هو العبارة الملطفة لما يعرف بالاغتصاب الزوجي ، والذي ورد في المادة 4 من مشروع القانون والتي تنص على أن : “من أكره زوجته بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين” . وكذلك المادة 5 التي تنص على أن: ” من أكره زوجته على الجماع وهي لا تستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمله نحوها من ضروب الخداع ، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات ” .
إن اعتراضنا على تجريم فعل الاكراه على الجماع لا يعني بحال من الأحوال موافقتنا عليه، فالإسلام وضع آدابا واضحة لتحقيق الانسجام الجنسي بين الزوجين، فقال الله عز وجل: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ البقرة، 223 ]. ففي هذا الآية بيان لطبيعة المعاشرة الزوجية التي لا تحتاج إلى القسوة بل إلى اللطف واللين.
إلا أنه مع ذلك ومع كون الإسلام قد فرض على الزوج مراعاة وضع المرأة الصحي والنفسي قبل العلاقة الجنسية وأثنائها، ووضع الآداب لهذه العلاقة، إلا أنه في المقابل حرم على المرأة الامتناع عن زوجها إذا طلبها عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنه ) رواه مسلم .
وهذا الامتناع يكون في حالة عدم وجود عذر شرعي، أما في حالة وجود عذر مثل المرض والإجهاد والأعذار الشرعية الأخرى من حيض ونفاس، فهذه الأمور يجب على الزوج أن يراعيها وأن لا يجبر زوجته على المعاشرة الزوجية فيها .
ومن اسباب اعتراضنا على هذا التجريم هو كون الإسلام جعل العلاقة الزوجية شديدة الخصوصية، فلا يعلم ما وراء الأبواب إلا الزوجين فقط، لذلك وصف الله عز وجل هذه العلاقة باللباس ، كما في قوله تعالى : ﴿ هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهُنّ ﴾[ سورة البقرة ، الآية 187] .
من هنا لا يصح اعتبار كل علاقة زوجية بدون إرادة الزوجة اغتصاباً زوجياً أو عنفًا ضد المرأة، لأن مثل هذا الفعل يصعب إثباته، فإذا كان الشرع قد فرض على من يريد اثبات الزنا الاتيان بأربعة شهود ، فكيف يكون هذا في حال الزواج الشرعي؟؟؟ أم ان المطلوب تطبيق ما ورد على لسان “بان كي مون” الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الصادر حول التقارير المقدمة عن الحكومات، “تم تشجيع الزوجات على تقديم الأدلة عن طريق التصوير بواسطة الكاميرا، كدليل قانوني على حدوث ما سماه التقرير الاغتصاب الزوجي، مع ضمان الحماية لتلك الزوجة ودعمها قانونيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا (الفقرة 124، 149)”
الخاتمة
إن الإصرار على رفض هذا القانون لا ينتج من موقف التشبت بالرأي ولكن لكون هذا المشروع إذا أقر فستكون نتائجه وخيمة ليس فقط على المرأة لكن على المجتمع ككل . ومن هذه النتائج :
1- تدمير الأسر الحالية ، حيث يصبح الزواج انطلاقاً من هذا المشروع نقمة على الزوج ، فبمجرد تقديم الزوجة شكوى عنف ضد زوجها فإن الرجل سيبادر إلى تطليقها فوراً. و “سوف تنشأ مشاكل اضافية ومعقدة لم يفطن لها واضع هذا المشروع الذي ينصرف بغايته النهائية إلى إلغاء مفهوم الزواج كعقد مستمر”.
2- الوصول بمؤسسة الزواج إلى طريق مسدود، إذ إن مثل هذا القانون قد يدفع بكثير من الشباب إلى الامتناع عن الزواج، كما حدث في المجتمعات الغربية التي أقرت فيها مثل هذه القوانين، الأمر الذي قد يضاعف من المشكلات المجتمعية الموجودة اصلاً، مثل العنوسة والطلاق . كما أنه سيضاعف من حالات الشذوذ والاباحية وما إلى ذلك من أمور كان لها الدور الفعال في تدمير المجتمعات الغربية .
3 – التمهيد لإلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي يروج على أنه يظلم امرأة ويعنفها بقوانينه المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث والقوامة وحضانة الأولاد والولاية ، كما يزيد هذا المشروع في تمرد المرأة على زوجها حيث يجرم الطاعة ويعتبره عنفا …
4- بروز دعوات جديدة لإقرار قوانين مدنية أخرى في محاولة واضحة للإلتفاف على تحفظات لبنان على المادة 16 من اتفاقية السيداو كما يحدث مع مشروع قانون رفع سن الحضانة ، ومشروع قانون الزواج المدني الذي ينتظر دوره في أدراج مجلس النواب ..
من هنا فإننا نهيب بالمسؤولين إعادة النظر في هذا المشروع والتنبه للمخاطر السلبية التي يمكن أن تنتج عنه على الصعيد الأسري ، مع السعي الحثيث لإعادة النظر في بعض الثغرات في قوانين الأحوال الشخصية وفي إجراءات المحاكم الشرعية، التي يستغلها البعض من أجل كسب الرأي العام وكسب تأييده في ضرورة التخلي عن القوانين الشرعية واستبدالها بقوانين مدنية .
المصادر والمراجع
1- بيان تجمّع اللجان والجمعيات النسائية للدفاع عن الأسرة حول مشروع قانون العنف الأسري .
2- بيان دار الفتوى حول مشروع قانون ” حماية النساء من العنف الأسري ” .
3- رد القاضي الشيخ همام الشعار على رد د. أمان شعراني على بيان دار الفتوى .
4- كاميليا حلمي، مصطلح الأسرة في أبرز المواثيق الدولية.. دراسة تحليلية ، بحث مقدم في مؤتمر الخطاب الإسلامي المعاصر، 28-29 يوليو 2011 .
5- ملاحظات القاضي الشيخ همام الشعار على بيان التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري .
6- المحامي الأستاذ محمد أنيس منيمنة : دراسة قانونية حول مشروع قانون حماية النساء من العنف الاسري، المحال إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 4116 تاريخ 28/5/2010 .
7- المحامي الدكتور وائل طبارة ،دراسة نقدية حول مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري .
اترك تعليقاً