مقال بعنوان مسؤولية القضاة أم مسؤولية المجلس القضائي
أ.د. فياض القضاة
اثارت المادة (38) من مشروع قانون استقلال القضاء الجديد ردود فعل عديده حول مدى ملائمتها لتعويض من يتعرض الى ضرر بسبب ما يمكن تسميته “بالأخطاء القضائية”. وقد تم تبرير ايجاد هذه المادة بالقول بان القاضي الذي يرتكب “غشا” أو خطأ جسيما” يجب ان يكون مسؤولا عن تعويض من لحقه الضرر.
ومع كل الاحترام والتقدير لمجلس الوزراء الذي اقر اقتراح هذه المادة وضمنها بنود مشروع قانون استقلال القضاء الجديد، فانه يمكن القول بان هناك العديد من الأمور التي يحتاجها القضاء والتي لم يتطرق لها المشروع على رأسها ترسيخ مبدأ استقلال القضاء بمنح المجلس القضائي نفسه الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري دون أدنى تدخل من قبل وزارة العدل او السلطة التنفيذية، ومعاملة المجلس القضائي وأعضائه معاملة لا تقل معاملة عن معاملة مجلس الوزراء والوزراء.
وعودة الى مسؤولية القاضي عن “الغش” أو “الخطأ المهني الجسيم” الذي يمكن ان يقترفه القاضي اثناء ادائه لعمله، فان يمكن القول بضرورة وجود وسيلة افضل من هذه الوسيلة لمحاسبة القاضي الذي يرتكب “غشا” أو “خطأ جسيما” بحيث تكون هذه الوسيلة معززة لهيبة القضاء وكرامته، مانعة من ادخال الرهبة الى نفسه وهو جالس على كرسي القضاء، ومحصنة له من تعسف الخصوم غير المجابة طلباتهم، وبنفس الوقت حافظة لحقوق الاشخاص المتضررين من بعض هذه الافعال الاستثنائية التي يجب عدم تعميمها.
وتتلخص هذه الطريقة، المعمول بها في العديد من الدول، بان يجيز القانون للشخص المتضرر من قرار قضائي مستند على “غش” القاضي أو “خطأه المهني الجسيم” حق مخاصمة “المجلس القضائي” قضائيا بعد أن يمنح هذا المجلس الشخصية الاعتبارية المستقلة، ويتمتع باستقلال مالي واداري بموجب نصوص يتم ادخالها في مشروع القانون، والتي ستكون تفعيلا حقيقيا للتعديلات الدستورية الاخيرة بحق السلطة القضائية. وتستند هذه المسؤولية المدنية على نص صريح في المشروع، أو على أحكام القانون المدني المنظمة لمسؤولية المتبوع عن أخطاء تابعيه، باعتبار القضاة تابعون مهنيا الى المجلس القضائي وليس وزارة العدل. وتعزز هذه الطريقة مبدأ استقلال القضاء بحيث لا تكون اي جهه اخرى (غير المجلس القضائي) مسؤولة مدنيا عن “غش أو تدليس” القاضي أو “خطأه المهني الجسيم”.
وفي حال ثبوت مسؤولية المجلس القضائي مدنيا بحكم بات ومبرم ناتج عن “غش” القاضي أو “خطأه المهني الجسيم” وصدور حكم بالزام المجلس بتعويض الشخص المتضرر، يمنح المجلس القضائي كامل الحق بالعودة على القاضي المسبب للمسؤولية، بالاضافة الى حق المجلس في مسائلة القاضي تأديبيا أو تحويله للمدعي العام المختص لمسائلته جزائيا حسب الحالة المعروضة.
ونرى بان تحقيق مسؤولية القاضي المهنية مدنيا بهذه الطريقة ستؤدي نفس الغرض ولكن بطريقة تحفظ كرامة القضاء من تسابق الخصوم الخاسرون لدعاويهم لتهديدهم برفع الدعاوى ضدهم في مجتمع اصبح ينظر فيه الى من يحال الى القضاء او الادعاء العام بانه متهم حتى تثبت برائته وليس العكس. ولن تكون نصوص جريمة الافتراء صالحة لردع مثل هؤلاء الاشخاص عن التشهير بالقضاة المخاصمين. كذلك فان جعل المجلس القضائي مسؤولا عن أخطاء القضاة سيكون وسيلة ضاغطة على المجلس القضائي لتشديد الاشراف على الاعمال القضائية للقضاة وعلى آلية تعيين وترقية القضاة ومحاسبتهم. كما انها ستضمن للمتضررين جهه مليئة ماليا للتعويض عن الاضرار التي لحقت بهم.
اترك تعليقاً