الفساد وعلاقتة بجريمة غسيل الأموال
تعد جريمةغسيل الأموال من أخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي وهي احدى التحديات الحقيقية أماممؤسسات المال والأعمال.
واذا كان الفساد يؤدي إلى تخريب الاقتصاد فإن جريمة غسيل الأموال تؤدي إلى خراب كل شيئابتداء من الذمم والضمائر وانتهاءً بمستقبل الأنظمة والشعوب.4
وفي هذا الشأن اشارت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون جرائم غسيل الأموال بأنه «يعدمرتكباً لجريمة غسيل الأموال كل من قام أو اشترك أو ساعد أو حرض أو تستر على ارتكابالسرقة أو اختلاس الأموال العامة او الاستيلاء عليها بوسائل احتيالية أوالرشوةوخيانة الأمانة
وهنا نتوقف عند مدلول هذه الفقرة فهؤلاء الذين شملتهم هذه الفقرة يقومون بعد ارتكابهم لهذهالجرائم المتعددة بغسل هذه الاموال المتحصلة من المال العام بعملية غسل للمال الذياكتسبوه بوسائلهم الاحتيالية واكساب هذا المال صفة الشرعية واتاحة الفرصة لهؤلاءالاشخاص للاعلان عن وجود هذا المال والاستمتاع بانفاقه علناً وفي اطار رسمي مفتوحبل والوصول به الى واجهه المجتمع وليصبحوا أحد الرموز الناجحة ويتم تقديم هؤلاءكأحد أفراد المجتمع البارزين وباعتبارهم من الوجهاء الناجحين.
وجريمة غسيلالأموال تعطي لأمثال هؤلاء الفاسدين الذين قاموا بنهب المال العام بكافة صورةواشكالة فرصة جني ثمار جريمتهم والاستفادة من ممارسة النشاط الاجرامي والتربح وجنيالمكاسب،
كما أن جريمة غسيل الاموال هي الجريمة الوحيدة التي تعطي لهؤلاء فرصةالحصول على احترام وتقدير المجتمع لهم بل وقد يتحولون الى نموذج مثالي يحتذى بهمويتحدث المجتمع عنهم باعتبارهم الانجح الذين بنوا أنفسهم بأنفسهم حيث لم يرثواشيئاً من والديهم الفقراء، وأمثال هؤلاء يمكن أن يشار اليهم بالبنان حيث انهم قبلسنوات قليلة من ارتكاب جرائمهم كانوا لايملكون شيئاً وخلال هذه السنوات القليلةبدأو في امتلاك السيارات الفارهه الغالية الثمن واصبحوا يمتلكون الفلل الفخمةوغيرها. فأين الرقابة على هؤلاء ومتى تتم محاسبتهم واذا امن هؤلاء أن الرقابة لنتطالهم أو تصل يد العدالة اليهم فإن عين الخالق جل وعلاء لن تغفل عنهم ان الله يمهلولايهمل.
ان القائمينعلى الفساد مروراً بجريمة غسيل الأموال يرتكبون خيانة عظمى ضد الشرف والقيموالمبادئ وضد أمن المجتمع واستقراره، خاصة وان جميع أطرافه والمشاركين في غسيلالأموال هم مجرمون وضالعون في الاجرام وهنا يتأكد بأن الضحية بجريمة غسيل الاموالهو النظام العام بكاملة والمجتمع ايضاً بكاملة والاجيال القادمة. ومن امثلة الفسادالمالي والاداري انتشاراً.
1- أنشطةالرشوة والتربح من الوظائف العامة وذلك من خلال الحصول على أموال غير مشروعة مقابلالتراخيص او الموافقات الحكومية او ترسية العطاءات في المعاملات المحلية والخارجيةبالمخالفة لأهم نصوص اللوائح والقوانين العامة والخاصة وعند استلامهم لهذه المبالغ غير المشروعة وخوفاً من معرفة الآخرين بأمر هذه المبالغ الكبيرة الفاسدة المقدمة كرشاوي وكمكافأة لخيانة الأمانة وخوفاً من معرفة مصدرها يقوم هؤلاء بعملية غسل هذه الأموال وذلك بايداعها في احد البنوك الاجنبية خارج البلاد تمهيداً لعودتها فيالمستقبل بصورة مشروعة.
2-الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية وتحويل الأموال الى الخارج وعدم سداد مستحقات البنوك وهروب الاشخاص المقترضين مع اموالهم الى خارج البلاد وبالأخص الى دول أجنبية لاترتبط مع بلادنا باتفاقيات لتسليم المجرمين.
العلاج الرئيسي والأساسي في مقاومة اي فساد يبدأ من الذات من الضمير الحي اليقظ دائماً من القواعد الاخلاقية والمبادئ الحميدة، من الآداب والتقاليد الراسخة في عمق وجذور التكوين القيمي للشعوب.
وعليه فإنه يستدعي توافر قدر من المرونة في عمليات التجريم وهو مايتطلب أيضاً القيام بمايلي:
اولاً:- إعادة التأكيد على أهمية هيكل القيم وبنيان المبادئ الحميدة ومثاليات المجتمع فتقوية الضمير الذاتي والحسن والمبادئ الاخلاقية هي اول قواعد منع الانحراف وبالتالي منعارتكاب الجريمة، ومن ثم الحرص على قواعد الاخلاق الحميدة، وعلى تقوية الاحساس بشرف المهنة يكون أساس مقاومة عمليات الغواية والاغراء للانحراف .
ثانياً:– حسن اختيار القادة والرموز الطاهرة النقية والتي تجعل من الضروري حسن اختيار من يتولون المناصب العامة خاصة أن قوى الفساد والافساد تعمل فينا نحن هؤلاء الأفراد إمابعناصر الغواية والاغراء، او بعناصر التهديد والإبتزاز نتيجة فضائحهم المالية والجنسية، ومن ثم فإنه يصبح من الخطاء الجسيم الذي قد يصل الى حد الخيانة العظمى وضع مسؤول فاسد في موقع عام.
ثالثا:- حسن الشفافية : أي أن يكون هناك وضوح وشفافية في كل الأعمال خاصة ما يتصل بالاجراءاتو النظام المستخدم، وبالتالي معرفة كل فرد حقوقه والتزاماته ومعرفة كل جوانب الاعمال وبالتالي لاتكون هناك مناطق مجهولة يسيطر عليها الفاسد والفاسدون ولايكون هناك مجال للانحراف استغلالاً لعدم وضوح أوانتهازاً لمناطق مظلمة او غير مستقرة .
وهنا ادعو إلىتطبيق اللائحة التنفيذية المنظمة للعمل في كل مؤسسات الدولة المختلفة وزارات،مؤسسات، بنوك، هيئات، الخ» حيث أن هذه اللائحة تحفظ للعاملين حقوقهم وامتيازاتهم وفي غياب هذه اللائحة تختل المعايير ويبدأ المسؤولون في هذه المؤسسات بالتمييز بين موظف وآخر وتبدأ المزاجية والمناطقية في التعامل مع الموظفين ويسود الاحباط في اوساط العاملين ويبدأون بالبحث عن واسطة من خارج هذه المؤسسات لكي ينظراليهم بعين الاعتبار سواء من ناحية الدرجات الوظيفية او للاستفادة من المميزات التيبدأ يحصل عليها بعض الموظفين دون البعض الآخر.
ان الفساد يحمل بذور فنائة، وأن الفساد مهما ملك من قوة القهر ومهما استفحل فيه الحقد والغل، ومهما تأصلت معهالجريمة، ومهما أشتد جبروت الاهانة والمهانة، فإنه لن يستمر لأنه لايملك مقومات الاستمرار، سيذهب هباءً وسيمكث الخير والحق والجمال في الارض.
رابعاً:- خلق رأي عام عالمي مناهض للجريمة بصفة عامة وجريمة غسيل الاموال بصفة خاصة وجعلها اولىالجرائم التي تمتد اليها ولاية المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي تستطيع ان تقاوم وتكافح الجريمة على نطاق دولي وان تصل بيد العدالة الى المجرمين العالميين في كافة المناطق التي تنتشر فيها الجريمة المنظمة.
خامساً :- فرض جريمة غسيل الأموال في كافة منتديات الفكر ووسائل الاعلام لتصبح دائماً محورالاهتمام الرئيسي وترسيخ «عادة» الاحاطة بكل جديد وكشف وتعرية القائمين بها واقرار مقاومة العالم لهذه الجريمة.
ان جبروت امبراطورية الشر شديد، وتهديدها ووعيدها أشد، وايذاؤها يصل الى حيث يريدون، ويدالعدالة قد تكون مغلولة لكن بالتأكيد وبدون شك أن يد العدالة سوف تصل اليهم وأنالله سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته.
المراجع:
– د/نائل عبدالرحمن صالح-جريمة غسيل الاموال
– د/ حمدي عبدالعظيم -غسيل الاموال في مصر والعالم
– د/ محسن احمد الخضري – غسيل الاموال الظاهرة -الاسباب والعلاج.
اترك تعليقاً