مقال يشرح الاجراءات القانونية لسماع شهادة الشهود
إجراءات سماع الشهادة :
إذا توافرت مبدأ الثبوت بالكتابة، فعلى الخصم الذي يريد إثبات واقعة بشهادة الشهود أن يتقدم إلى المحكمة بطلبه كتابة أو شفاهه في الجلسة, ويبين في طلبه هذا الوقائع التي يريد إثباتها بالبينة. والسبب في تطلب ذلك هو أن تتمكن المحكمة من تبين الوقائع التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود من الوقائع التي لا يجوز إثباتها بهذه الطريقة والوقائع الأخرى التي تكفي مستندات الدعوى لإثباتها دون حاجة إلي إجراء تحقيق بشأنها.
فإذا قدم الخصم طلبه نظرته ذات المحكمة المرفوع أمامها الدعوى, وإذا قبلت المحكمة الطلب قضت بإحالة الدعوى للتحقيق ويلزم لإجابة طلب الإثبات بشهادة الشهود توافر شروط ثلاثة:
1- أن تكون الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباتها بشهادة الشهود, وفقاً للأحكام العامة في قانون الإثبات (المادة 70 إثبات).
2- أن تتوافر في الوقائع المطلوب إثباتها الشروط التي يتطلبها القانون في الواقعة محل الإثبات, بأن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجه فيها, وجائزاً قبولها (المادة 2 إثبات).
3- أن تري المحكمة داعياً للتحقيق بمعني ألا يكون هناك من الأدلة الأخرى ما يكفي لإثبات الواقعة المدعاة. ولذلك فإن المحكمة تستطيع أن ترفض الإثبات بشهادة الشهود لو كانت الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباته بالشهادة, ولو كانت متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها, وذلك إذا لم تر المحكمة فائدة من التحقيق, بأن كان في أدلة الدعوى الأخرى ما تبينت منه المحكمة أن الحق ثابت في جانب أحد الخصوم.
وهذا الشرط يستنتج بمفهوم المخالف من المادة 70 من قانون الإثبات التي تقضي بأن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ما دامت قد رأت في ذلك فائدة للحقيقة. إذ يستفاد من ذلك النص أنه إذا لم تر المحكمة فائدة من إحالة الدعوى للتحقيق أمرت برفض الطلب, وإنما يجب أن تبين في حكمها الأسباب التي استندت إليها في رفض هذا الطلب.
وقد قضت محكمة النقض بأن: “لمحكمة الموضوع أن ترفض إجراء تحقيق يطلبه الخصوم متى رأت بما لها من سلطة التقدير أنه لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع، وإنما هي ملزمة إذا رفضت مثل هذا الطلب أن تبين في حكمها لماذا رفضته وأن تكون الأسباب التي بنت عليها اقتناعها من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به”. (نقض مدني جلسة 24/2/1944 مجموعة عمر 4 رقم 101 صـ 265).
ويستوي في الطلب أن يبدي كتابة أو شفاهه أثناء الجلسة, وإنما يتعين على الخصم أن يبين فيه الوقائع التي يريد إثباتها بشهادة الشهود, فلا يكفي أن يكون الطلب عاماً، والقصد من ذلك تمكين المحكمة من مباشرة سلطتها في قبول الطلب أو رفضه.
ولا يقتصر حق المحكمة على رفض طلب الإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجوز فيها ذلك, بل لها على العكس أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك متي رأت في هذا الأمر فائدة للحقيقية.
كما يجوز لها كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من تري لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة, سواء كان الأمر بالإثبات من تلقاء نفس المحكمة أو استجابة لطلب الخصوم.
والقصد من ذلك هو تأكيد هيمنة المحكمة والقاضي على الدعوى حتى يتمكن من تحري الحقيقة واستخلاصها نقية مما يغلفها به مسلك الخصوم حسبما تمليه عليهم مصلحة كل منهم الخاصة في الإثبات.
ويجب أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً (المادة 71/1 إثبات).
وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى, وكونها منتجه فيها. ومن ثم ينبغي أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه.
كذلك تضيف المادة 71 من قانون الإثبات أنه يجب أن يبين في الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق, والميعاد الذي يجب أن يتم فيه, ولكن لا يترتب البطلان على عدم تحديد اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه. فإذا صدر الحكم دون هذا التحديد فإنه لا يكون باطلاً, وإنما يكون للخصوم أن يطلبوا تحديده من المحكمة أو من القاضي المنتدب لإجراء الإثبات. كما أن للقاضي المنتدب للتحقيق أن يحدد هذا الميعاد من تلقاء نفسه.
والمفروض أن ينتهي التحقيق في الميعاد الذي حدده الحكم الصادر بإجرائه.
ولكن المادة 74 تجيز للخصوم أن يطلبوا من المحكمة أو من القاضي المنتدب مد الميعاد ويفصل في هذا الطلب على الفور بقرار يثبت في محضر الجلسة, وقرار المحكمة في هذا الطلب لا يجوز الطعن فيه بأي طريق. أما قرار القاضي المنتدب بمد الميعاد فإنه يجوز التظلم منه إلى المحكمة بناء على طلب شفوي يثبت في محضر التحقيق ويحكم فيه على وجه السرعة.
ولا يجوز للمحكمة أو للقاضي المنتدب مد الميعاد لأكثر من مرة واحدة.
هذا ولما كان الحق في الإثبات يقتضي أن يتاح لكل خصم أن يفند ما يقدمه الخصم الآخر من أدلة, فإنه يترتب على ذلك أنه إذا أذنت المحكمة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود, فإن ذلك يقتضي أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق، ولا يعني ذلك أن المشرع يلقي على عاتق هذا الأخير عبء نفي الواقعة المراد إثباتها وإنما هو يعطيه رخصة إتباع ذات الطريق في دحض تقريرات شهود الإثبات لتوازن المحكمة بين أقوال الفريقين وترجح بينهما، فإذا لم يستعمل هذه الرخصة أو طرحت المحكمة أقوال شهوده، فلا ينشأ عن ذلك دليل يعفي خصمه من عبء الإثبات. (نقض مدني في الطعن رقم 1344 لسنة 48 قضائية، جلسة 15/4/1982 مجموعة المكتب الفني، السنة 33، جزء 1، صـ 413)، وقد قررت هذا صراحة المادة 69 من قانون الإثبات، ولكن ذلك يقتصر على الوقائع التي أمرت المحكمة بإثباتها, ولا يباح للخصم أن يثبت بالشهادة غيرها من الوقائع.
سماع الشهود – واجب الحضور:
وتقتضي استجابة المحكمة لطلب التحقيق حضور الشهود في الجلسة المحددة لإجرائه لسماع شهادتهم, ويكون حضورهم أمام المحكمة أو القاضي المنتدب عند الاقتضاء (المادة 72 إثبات).
وعلى الخصم أن يكلف شاهده بالحضور في الجلسة المحددة أو أن يصحبه معه في يوم الجلسة دون حاجة إلى إعلان (المادة 76 إثبات)، فإذا لم يحضر الخصم شاهده أو لم يكلفه بالحضور في الجلسة المحددة لإتمام التحقيق فيجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب لإجراء التحقيق إلزام الخصم بإحضار شاهده أو تكليفه بالحضور لجلسة أخرى ما دام الميعاد المحدد لإتمام التحقيق لم ينقض، فإن لم يمتثل الخصم، سقط الحق في الاستشهاد به, ولا يخل هذا بأي جزاء آخر يرتبه القانون على هذا التأخير (المادة 76 إثبات).
وميعاد تكليف الشاهد بالحضور هو أربع وعشرون ساعة على الأقل يضاف إليه ميعاد المسافة, ويجوز في أحوال الاستعجال تقصير هذا الميعاد وتكليف الشاهد بالحضور ببرقية من قلم الكتاب أو القاضي بأمر من المحكمة أو القاضي المنتدب (المادة 77 إثبات).
وإذا كلف الشاهد بالحضور تكليفاً صحيحاً ولم يحضر, حكمت عليه المحكمة أو القاضي المنتدب بغرامة, ويثبت الحكم بالغرامة في المحضر ولا يكون قابلاً للطعن فيه, ويجوز في الأحوال الاستعجال الشديد أن تصدر المحكمة أو القاضي المنتدب أمراً بإحضار الشاهد (المادة 78/1 إثبات).
كما يجوز للمحكمة أن تأمر بإعادة تكليف الشاهد بالحضور, إذا كان لذلك مقتضى, ويتحمل في هذه الحالة مصروفات إعادة التكليف بالحضور, فإذا تخلف بعد ذلك حكم عليه بضعف الغرامة المذكورة, ويجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب إصدار أمر بإحضاره (المادة 78/2 إثبات).
وإذا كان للشاهد عذر يمنعه من الحضور جاز أن ينتقل إليه القاضي المنتدب لسماع أقواله. فإن كان التحقيق أمام المحكمة, جاز لها أن تندب أحد قضاتها لذلك (المادة 81 إثبات).
تأدية الشهادة:
وتؤدي الشهادة بحضور الخصوم أو وكلائهم إذا رغبوا في ذلك. ويؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بغير حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم بعد (المادة 84 إثبات), وعلى الشاهد أن يذكر اسمه ولقبه ومهنته وسنه وموطنه, وأن يبين قرابته أو مصاهرته ودرجتها أن كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم (المادة 85 إثبات). هذا ولا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم.
كذلك يبين الشاهد في جميع الأحوال ما إذا كان يعمل عند أحد الخصوم (المادة 85 إثبات)، ويجوز رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر يجعله غير قادر على التمييز (المادة 82 إثبات).
ويجب على الشاهد قبل أن يدلي بشهادته أن يحلف يميناً, بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق, وإلا كانت شهادته باطلة. ويكون الحلف على حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك (المادة 86 إثبات).
ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض على أن: “التحقيق الذي يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم، إنما هو الذي يجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود، تلك الأحكام التي تقضى بأن التحقيق يحصل أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاض تندبه لذلك، وتوجب أن يحلف الشاهد اليمين إلى غير ذلك من الضمانات المختلفة التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يجريه الخبير من سماع الشهود ولو أنه يكون بناء على ترخيص من المحكمة لا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود إذ هو مجرد إجراء ليس الغرض منه إلا أن يستهدى به الخبير في أداء مهمته”. (نقض مدني في الطعن رقم 199 لسنة 38 قضائية – جلسة 20/11/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 24 – صـ 1114).
كما قضت محكمة النقض بأن: “العبرة بالشهادة التي يدلى بها الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين ولا قيمة لما يقدمه الشهود من إقرارات مكتوبة لأحد طرفي الخصومة”. (نقض مدني في الطعن رقم 212 لسنة 37 قضائية – جلسة 21/3/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 439 – فقرة 3).
ومن المُقرر قانوناً أن سماع شهادة الشاهد بدون أن يحلف اليمين يبطل شهادته، ويبطل الحكم إذا استند إليها. لأن ما بني على باطل فهو باطل. (نقض مدني في الطعن رقم 449 لسنة 36 قضائية – جلسة 13/6/1966. وفي الطعن رقم 1105 لسنة 43 قضائية – جلسة 15/1/1974).
هذا، وتؤدي الشهادة شفاهه, ولا يجوز للشاهد الاستعانة بمذكرات مكتوبة أثناء تأدية الشهادة, إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب, وحيث تقتضي ذلك طبيعة الدعوى (المادة 90 إثبات), فإذا كان الشاهد غير قادر على الكلام أدى الشهادة – إذا أمكن أن يبين مراده – بالكتابة أو بالإشارة (المادة 83 إثبات).
كما يلاحظ أن من يعفي من حلف اليمين هو من لم يبلغ سنه خمسة عشر عاماً, وهو في الأصل غير أهل للشهادة, ولكن المادة 64 تجيز سماعه بغير يمين على سبيل الاستدلال، والعبرة بسن الشاهد وقت الإدلاء بشهادته لا وقت حصول الواقعة التي يشهد عليها.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: “يكفي لصحة الأداء في الشاهد البلوغ، فلا يصح أداء الصبي وإن كان عاقلاً إذاً أن في الشهادة معنى الولاية على المشهود عليه, لأن بها يلزم بالحق ويحكم عليه به. والصبي لا ولاية له على نفسه, فلا ولاية له على غيره من باب أولي”. (نقض مدني جلسة 1/1/1979 مجموعة المكتب الفني, السنة 30, صـ 176).
وتكون الشهادة عن طريق إجابة الشاهد على الأسئلة التي توجه له من المحكمة أو القاضي المنتدب, ولا يجيب الشاهد على أسئلة الخصوم إلا من خلال ما يوجهه إليه القاضي الذي يتولى التحقيق, وفي جميع الأحوال يلتزم كل من الخصوم والشهود بالنظام الذي يفرضه القاضي في سماع الشهادة دون أن يقاطع أحد الخصوم الآخر أو يقاطع الشاهد أثناء إدلائه بشهادته.
وإذا انتهى أحد الخصوم من استجواب الشاهد, فلا يجوز له إبداء أسئلة جديدة إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب.
وقضت محكمة النقض بأنه: “من المقرر أنه يجوز للشاهد أن يرجع في أقواله ويصحح شهادته ما دام في مجلس القضاء ولم يبرحه أخذاً بأن الرجوع عن الشهادة فسخ لها”. (نقض مدني، جلسة 10/3/1976، مجموعة المكتب الفني، سنة 27، صـ 206).
ويستمر التحقيق لحين الانتهاء من سماع كل الشهود, سواء شهود الإثبات, أو شهود النفي, على أن يتم ذلك في الميعاد.
ويراعى أن يجري سماع شهود النفي في الجلسة ذاتها التي يسمع فيها شهود الإثبات, إلا إذا تعذر ذلك لوجود مانع.
ويتم سماع شهود الإثبات أولاً، وهم عادة شهود طالب الإثبات بالبينة لإثبات الواقعة المدعاة، وبعد سماعهم يتم سماع شهود النفي، وهم عادة شهود المدعى عليه والمتمسك ضده بالواقعة المراد إثباتها من جانب المدعي. فإذا لم يحضر المدعي أو طالب إثبات الواقعة المدعاة شهوده، فعادة لا تسمع المحكمة أو القاضي المنتدب شهود النفي، لكون الواقعة المدعاة لم يتم إثباتها أصلاً حتى تجيز المحكمة للخصم الآخر نفيها، وتقضي المحكمة في الدعوى – والحال كذلك – برفضها لعجز المدعي عن الإثبات أو برفضها بحالتها.
وإذا أجلت المحكمة التحقيق لجلسة أخري, اعتبر هذا تكليفاً بالحضور للحاضر من الشهود, إلا من تعفيه المحكمة من الحضور صراحة.
محضر التحقيق:
تنص المادة 91 من قانون الإثبات على أن: “تثبت إجابات الشهود في المحضر, فإذا انتهى الشاهد من شهادته, تليت عليه, ويوقعها بعد تصحيح ما يري لزوم تصحيحه منها, وإذا امتنع عن التوقيع, ذكر ذلك وسببه في المحضر”.
وقد بينت المادة 93 البيانات التي يجب أن يشتمل عليها محضر التحقيق وهي:
أ- يوم التحقيق, ومكانه, وساعة بدئه وانتهائه, وبيان عدد الجلسات التي استغرقتها.
ب- أسماء الخصوم وألقابهم, وذكر حضورهم وغيابهم, وطلباتهم.
ج- أسماء الشهود وألقابهم, وصناعتهم, وموطن كل منهم, وذكر حضورهم وغيابهم وما صدر بشأنهم من الأوامر.
د- ما يبديه الشهود, ويذكر تحليفهم اليمين.
هـ- الأسئلة الموجهة إليهم, ومن تولي توجيهها, وما نشأ عن ذلك من المسائل العارضة, ونص إجابة الشاهد على كل سؤال.
و- توقيع الشاهد على إجابته بعد إثبات تلاوتها, وملاحظاته عليها.
ز- قرار تقرير مصروفات الشاهد إذ كان قد طلب ذلك.
ح- توقيع رئيس الدائرة أو القاضي المنتدب والكاتب.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: “أوجب المُشرع في المادة 93 إثبات أن يكون محضر التحقيق الذي يباشر من القاضي موقعاً منه وإلا كان باطلاً. لأن هذا المحضر باعتباره وثيقة رسمية لا يعدو أن يكون من محاضر جلسات المحكمة وهذه المثابة لا تكتمل له صفة الرسمية إلا بتوقيع القاضي، ويترتب على ذلك، أن الحكم الذي يصدر استناداً إلى محضر تحقيق لم يوقع من القاضي الذي باشره يكون مبنياً على إجراء باطل وهو بطلان من النظام العام يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، بل أن لهذه المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها”. (نقض مدني في الطعن رقم 1637 لسنة 45 قضائية، جلسة 30/1/1985 مجموعة المكتب الفني، السنة 36، صـ 176).
المنع من الشهادة:
الأصل أن كل شخص بلغ خمس عشر عاماً هو أهل للشهادة, ولكن المشرع قد منع بعض الأشخاص من الشهادة, وذلك لاعتبارات مختلفة, وهؤلاء الأشخاص هم:
1- الموظفون والمكلفون بخدمة عامة: ولو بعد تركهم العمل, بالنسبة لما يكون قد وصل إلي علمهم في أثناء قيامهم بعلمهم من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني, ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها, ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم (المادة 65 إثبات) والقصد من هذا المنع في هذه الحالة, هو حماية أسرار الدولة.
2– المحامون أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم: بالنسبة لما علموه من وقائع ومعلومات عن طريق مهنتهم أو صناعتهم. حتى ولو بعد انتهاء الخدمة أو زوال الصفة, ما لم يكن ذكر هذه الوقائع والمعلومات مقصود به ارتكاب جناية أو جنحة. والغرض من المنع هنا حماية أسرار المهنة.
ومع ذلك, يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الوقائع والمعلومات متي طلب منهم ذلك من أسرها إليهم, على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بمهنهم أو صنعتهم (المادة 66 إثبات).
3- ولا يجوز لأحد الزوجين – حفاظاً على الأسرار الزوجية – أن يفشي بغير رضاء الزوج الآخر ما أبلغه له أثناء الزوجية, ولو بعد انفصالهما, إلا في حالة رفع دعوى من إحداهما بسبب خيانة أو جنحة رقعت منه على الآخر (المادة 67 إثبات).
هذا ولا يسري هذا المنع على الخطيب وخطيبته, فقد رأي المشرع أنه لا وجه لقياس الخطبة على الزوجية. وحيث أن المحافظة على الأسرار الزوجية ليس فقط لمصلحة الزوجين، وإنما تقتضيها أيضاً مصلحة الأبناء, وهو ما ليس موجوداً في الخطبة.
انتهاء التحقق وتقرير نتيجته:
تقتضي المادة 95 إثبات, بأنه بمجرد انتهاء التحقيق أو انقضاء الميعاد المحدد لإتمامه يعين القاضي المنتدب أقرب جلسة لنظر الدعوى, ويقوم قلم الكتاب بإخبار الخصم الغائب.
ويشير هذا النص أن نظر الدعوى يستأنف بعد انتهاء التحقيق مباشرة, وتقوم المحكمة بنظر الدعوى فوراً إذا كانت هي التي أجرت التحقيق. أما إذا كان القاضي المنتدب هو الذي أجراه, فإنه يحدد أقرب جلسة لنظر الموضوع الدعوى بعد انتهاء التحقيق ويخطر الخصم الغائب بتاريخ هذه الجلسة عن طريق قلم كتاب المحكمة, وسواء أكانت المحكمة هي التي أجرت التحقيق أم أجراه القاضي المنتدب, فللمحكمة الحرية المطلقة في تقدير نتيجته, وذلك وفقاً لاقتناعها بشهادة الشهود واطمئنانها إليها.
وللمحكمة أن ترجح شهادة شاهد على آخر, ولها أن تأخذ بأقوال القلة وتطرح أقوال الكثرة، أي أن تأخذ بشهادة شاهد واحد مثلاً تطمئن إليها وتطرح أقوال شاهدين أو أكثر لا تطمئن إليها. كما لها أن تأخذ ببعض أقوال الشاهد وتطرح بعضها الآخر, كما لها أن تحكم بناء على شهادة شاهد سمعت أقواله على سبيل الاستدلال, فهي لا تقضي إلا بما يطمئن إليه وجدانها ويكون عقيدتها في موضوع الدعوى، وليس لمحكمة النقض رقابه عليها في ذلك, لأن هذا يعتبر من إطلاقات محكمة موضوع في تقدير الدليل. حيث أن: “تقدير أقوال الشهود منوط بمحكمة الموضوع ولا سلطان عليها في تكوين عقيدتها بما يدلي به الشهود أمامها، وهي غير مقيدة في ذلك بما يبديه الشاهد تعليقاً على ما رآه أو سمعه، كما لها أن تأخذ ببعض أقواله دون البعض الآخر، وأن تأخذ بمعنى للشهادة تحتمله عباراتها دون معنى آخر ولو كان محتملاً، وحسبها أن تبين هذه الحقيقة التي اقتنعت بها دون أن تكون ملزمة بتتبع الخصم والرد استقلالاً على ما يثيره خلافاً لها”. (نقض مدني في الطعن رقم 1478 لسنة 48 قضائية، جلسة 11/11/1982. وفي الطعن رقم 1262 لسنة 52 قضائية، جلسة 4/2/1986).
كما أن لمحكمة الموضوع أن تطرح أقوال جميع الشهود في التحقيق الذي أمرت به لعدم اقتناعها بصدق أقوالهم. حيث يتيح لها نص المادة 9 من قانون الإثبات ذلك، ويقضي هذا النص بأن للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات, بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر, ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء, بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً