لجنة الاصلاح التشريعي :
مهمة لجنة الإصلاح التشريعى ليست سهلة، بل هى تخوض فى حقل إلغام لتنقية التشريع مما علق به من قوانين أصابها العوار وأخرى أتلفتها الأهواء الذاتية ، والمصالح الشخصية ، ومن ثم كانت مهمة هذه اللجنة مهمة قومية لبناء دولة القانون والمؤسسات ، ومن ذلك العوار الذى أصاب قانونى النقض والإجراءات الجنائية مما ترتب عليه من خلل فى تطبيق العدالة مما يستوجب سرعة النظر فى هذا العوار لتطبيق القانون دون ثغرات ، وتأكيد على قاعدة أن الجميع سواسية أمام القانون .
لقد كشف التطبيق العملى لقانونى النقض والإجراءات الجنائية، عن وجود ثغرات قانونية خطيرة يجب تداركها فى أقرب وقت، إن المادة – 33 – من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم – 57- لسنة 1959 وتعديله، كانت تنص على» أن «للنيابة العامة والمدعى بالحقوق المدنية والمسئول عنها وكل فيما يختص به الطعن بطريق النقض فى الحكم الصادر من محكمة الجنايات فى غيبة المتهم بجناية»، ثم صدر القانون رقم – 47 – لسنة 2007 والمعمول به اعتبارا من أول أكتوبر سنة 2007، وقد ألغى هذه المادة، وترتب على ذلك مفارقات غريبة وتناقضات واضحة، ذلك أنه لو قضى بالبراءة من محكمة الجنايات لمتهمين أحدهما تمت محاكمته غيابيا والآخر حضوريا، وكانت النيابة العامة ترى الطعن بالنقض لثبوت الواقعة قبلهما، فهنا لايجوز الطعن بالنقض بالنسبة للمتهم الذى صدر الحكم بالنسبة له غيابيا بينما يجوز لها الطعن بالنقض بالنسبة للمتهم الثانى الذى صدر الحكم ضده حضوريا وذلك برغم وحدة الواقعة، والأدلة بالنسبة لهما، وتلك مفارقة غريبة ودخيلة على طبيعة التشريع المصرى، وتمثل خللا واضحا فى تطبيق القانون، إذ كيف لمن حضر إجراءات المحاكمة ومثل أمام القاضى وتم إيداعه قفص الاتهام إذا كان محبوسا احتياطيا، وتحمل كل الاعباء النفسية والمادية خلال جلسات المحاكمة، أن يكون أسوأ حالا من ذلك المتهم الذى هرب ولم يمثل أمام العدالة أو يتكبد تبعاتها النفسية والمادية، ويكون حكم البراءة بالنسبة له – رغم عدم حضوره المحاكمة – قد تحصن وأصبح الحكم نهائيا باتا، كما أن الطامة الكبرى تكون إذا ما رأت محكمة النقض أن هناك عوارا فى الحكم برمته وقضت بنقض الحكم بالنسبة للمتهم الصادر ضده الحكم حضوريا، وتمت إعادة محاكمته من جديد، وفى إعادة المحاكمة قد تقضى محكمة الموضوع الجديدة بالإدانة بالنسبة له، وهنا تنفذ ضده العقوبة، بينما المتهم الآخر الصادر ضده الحكم غيابيا يرتع حرا طليقا بعد أن أفلت من قبضة العدالة “وللأسف بالقانون المعيب” إذ إن يد النيابة العامة كما سبق القول “مغلولة قبله” كما حدث فى إحدى القضايا الكبرى خلال السنوات الاخيرة .
إشكاليات قانونية ..
هناك إشكاليات أخرى فى تطبيق القانون وهى اذا ما قضت المحكمة الجنائية بحكمها غيابيا، وكانت المحكمة قد أخطأت فى أنزال العقوبة ونزلت بها عن الحد الأدنى أو استعملت المادة -17عقوبات – دون مراعاة ما نصت عليه أو أغفلت القضاء بالعقوبات التبعية أو التكميلية، كالغرامة أو الرد أو المصادرة أو العزل أو ماشابه ذلك ، فهنا لايجوز أيضا للنيابة العامة الطعن بالنقض على هذه الاحكام، لأن الحكم قد صار غيابيا والمتهم وحده هو الذى يستطيع أن يعيد إجراءات محاكمته بالقبض عليه أو حضوره من تلقاء نفسه، وذلك إعمالا لنص المادة -395- من قانون الإجراءات الجنائية ، قد جاء فى الفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر ” ولايجوز للمحكمة فى هذه الحالة التشدد عما قضى به فى الحكم الغيابى، وحاصل ذلك أن المتهم لا يحكم عليه بأكثر مما قضى به الحكم الغيابى الصادر ضده وهو الحكم الخاط من البداية، كما لا تستطيع المحكمة أن تضيف الى العقوبة الموقعة أية عقوبات تبعية أو تكميلية يكون قد أغفلها الحكم الغيابى، وذلك برغم أن إعادة الإجراءات ليست معارضة فى الحكم بل هى إجراءات محاكمة جديدة، وبمجرد اتخاذ إجراءاتها يسقط الحكم الغيابى ويعتبر كأن لم يكن، .. ولايقال أن الهدف من إضافة الفقرة السابقة بالقانون رقم -74 – لسنة 2007 إعمال لمبدأ» لايضار الطاعن بطعنه ، فهى ليست طعنا، .. وهنا يؤدى ذلك الوضع الى نتيجة غير منطقية، فالنيابة العامة لا تستطيع الطعن بالنقض فى جناية صدر فيها الحكم غيابيا، والمتهم إذا ما اعيدت إجراءات محاكمته، فإن المحكمة لا تستطيع أن تقضى بأشد مما قضى به الحكم الغيابى، أو أن تقضى بالعقوبات التبعية أو التكميلية، وهى مفارقة آراها عكس فلسفة التشريع التى تؤكد على إحترام القوانين وتطبيقها على الجميع، ولذا اناشد لجنة الإصلاح التشريعى تدارك هذا الأمر الخطير والعمل على إعادة نص المادة – 33 – من قانون النقض الذى يعطى الحق للنيابة العامة فى الطعن بالنقض فى الحكم الغيابى، وكذلك “الشطرة” الآخيرة من الفقرة الأولى من المادة – 395 – من قانون الإجراءات الجنائية، ويمكن فى ذلك مراجعة نقض جلسة 29 يوليو 2008 الطعن رقم 43717 لسنة 57 قضائية، وذلك حتى تتسق نصوص القانون وتتوحد مراكز المتهمين أمام العدالة.
بقلم المستشار : سمير أنيس
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً