الطبيعة القانونية لحق الاقتراح :
بما ان اقتراح القوانين هو العمل الذي يحرك الإجراءات التشريعية ويقدم للتشريع مادته ، إذ به تبدأ العملية التشريعية ، بيد ان الفقه اختلف حول تكييف الدور الذي يؤديه الاقتراح في عملية سن القوانين ، والتساؤل هنا هل الاقتراح هو عمل تشريعي ام انه عمل قانوني ليس له صفة التشريع الصحيح. فقد نفى فريق من الفقه الطبيعة التشريعية على حق الاقتراح . ونقطة البدء لهؤلاء ان السلطة التشريعية تكمن في إضفاء الخصائص الآمرة للقانون على عمل ما أو إعطاء نص صفة القاعدة الإجبارية فإذا جاز ان نعتبر كل الإجراءات التي تساهم في عمل القانون من قبيل الأعمال التشريعية بالمعنى الواسع فان العمل التشريعي بالمعنى الدقيق هو الذي يدخل في تكوين عنصر القرار الأمر الذي يتولد منه القانون حالاً ومباشرة. فلا يكفي لكي يعتبر العمل تشريعاً ان يقتصر دوره على تحريك السلطة التشريعية أو التمهيد لها ولذلك فان الاقتراح يعتبر عملاً من أعمال الادارة وان دوره ينحصر في دور الباعث أو الدافع أو المحرض. وطبقاً لما تقدم فان الاقتراح لا يعتبر جزءاً من العملية التشريعية ذاتها، التي تبدأ بعد ذلك عندما يوافق المجلس المنتخب على المشروع المقترح ففي نظر هذا الجانب من الفقه ان الاقتراح وان كان يثير العملية التشريعية غير انه ليس جزءاً منها(1).
اما الرأي الراجح في الفقه فيذهب إلى ان الاقتراح هو أول جزء في العملية التشريعية فهو العمل الذي يكون جوهر القانون ويؤسس لبنته الأولى وبذلك يعد أحد الأعمال التي تساهم في وجود القانون ، ولا يقتصر دوره على الإعداد للقانون والتحضيرية . فاقتراح القانون ليس فقط الباعث أو الدافع وانما هو القانون جنينا ، ذلك ان العمل التشريعي لا يبدأ من فراغ وانما يستند إلى فكرة تكون جوهره ، وماهيته يطورها حتى يصل إلى درجة الاكتمال. ووفقاً لهذا الرأي يعتبر اقتراح القوانين أحد الإجراءات التشريعية اللازمة لوجود القانون فهو عمل تشريعي بالدرجة الأولى فالاقتراح هو الذي يجعل البرلمان قادر على فحص مشروعات القوانين وإقرارها وهو الذي يخلق القانون حتى ان أحد الفقهاء (الأستاذ رويير كولار Royer Collard) قد ذهب إلى القول بخصوص هذا الحق ((ان من يملك حق الاقتراح هو الذي يحكم)) فالاقتراح هو الحركة الأولى التي تنبثق عنها جميع الحركات التالية للعملية التشريعية ولولاه لما كانت موافقة البرلمان ولا التصديق ولا إصدار ولا نشر ، وبغيره لا تستطيع الحكومة ولا أعضاء البرلمان أضافة جديد إلى النظام القانوني القائم(2). ونحن نؤيد هذا الرأي فالاقتراح هو جزء من العملية التشريعية بحيث لا يمكن ان تتم من دونه مما يجعل الاقتراح عنصراً أساسياً في التشريع ، ولا يهم بعد ذلك القول بان صفة الأمر في القانون تأتي من عنصر آخر غير الاقتراح ، ذلك ان هذا العنصر لا ينشأ الا نتيجة الاقتراح ، ولهذا فان التلازم بينهما قوي وحتمي حتى يتكون القانون(3). ونتيجة لذلك فالاقتراح يعتبر عملاً تشريعياً إذ لا يتصور ان ينهض التشريع أو يأخذ طريقة إلى التطبيق من دون الاقتراح.
_______________________
1-CARRE DE MALBERG : contribution ala Theorie general de Letat – 1920–T1-p37B.
وكذلك
د. السيد صبري ـ مبادئ القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص305.
ود.حسن الحسن ـ القانون الدستوري والدستور في لبنان ـ الطبعة الثانية ـ دار مكتبة الحياة ـ بيروت ـ 1959 ـ ص242.
2- د. عثمان خليل عثمان ود. سليمان الطماوي ـ القانون الدستوري ـ مصدر سابق ص341.
ود. عثمان خليل ـ النظام الدستوري المصري ـ مصدر سابق ـ ص154.
ود. محمود حلمي ـ المبادئ الدستورية العامة ـ مصدر سابق ـ ص245.
3- ود. محمد كامل ليلة ـ القانون الدستوري ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ 1971. ص350، ود. عبد الفتاح حسن ـ مصدر سابق ـ ص184.
الطبيعة القانونية لحق الاعتراض :
هل يعتبر الاعتراض على القانون حقاً تشريعياً يعتبر به رئيس الدولة مساهماً في العملية التشريعية؟ إن الفقه الدستوري في هذا الشأن مستقر على التفرقة بين حق التصديق بالمعنـى الفني (الاعتراض المطلق) وحق الاعتراض النسبي. فالاعتراض المطلق أو ما اصطلح على تسميته برفض التصديق حق مطلق يغدو به رئيس الدولة ، إذا ما اعترف له به مساوياً للبرلمان في العملية التشريعية ، فالقانون لا يصدر إلا إذا اقره البرلمان ووافق عليه رئيس الدولة ، ان تصديق الرئيس هنا يغدو شرطاً أساسياً لصدور القانون ، ولا يمكن للبرلمان على الإطلاق ان يتغلب على إرادة الرئيس. ولذلك فان حق التصديق يعتبر حقاً تشريعياً ، هذا بإجماع الفقهاء(1). ونحن نؤيد هذا الإجماع ذلك ان هذا الحق يعتبر عملاً تشريعياً فرئيس الدولة عندما يملك استخدامه بهذا المعنى يعتبر عضواً أساسياً في العملية التشريعية له من الإرادة في التشريع ما للبرلمان. اما عن الطبيعة القانونية لحق الاعتراض النسبي فقد انقسم الفقه بشأنها إلى اتجاهين وسوف نبينهما على النحو التالي :
الاتجاه الأول ـ الطبيعة التشريعية (لحق الاعتراض النسبي) :
يعرف أنصار هذا الاتجاه سلطة التشريع بانها ((سن وصياغة القوانين)) ويترتب على ذلك ان كل الأشخاص والهيئات الذين يستلزم الدستور تدخلهم في العملية التشريعية ويتطلب موافقتهم لوجود القانون يساهمون في السلطة التشريعية ويباشرون نشاطاً تشريعياً فلا يوجد القانون بصورة نهائية الا متى اجتمعت كل الارادات التي يستلزم الدستور تدخلها. ترتيباً على ذلك فان وجود أية عقبة تحول دون استكمال هذه العناصر يؤدي إلى منع اكتساب النص قوة القانون ولذلك فان حق الاعتراض يعتبر حقاً تشريعياً لان مشروع القانون لن يصبح قانوناً ما دام في وسع رئيس الدولة ان يعترض عليه ، فموافقة البرلمان على مشروع القانون لا تجعل منه قانوناً نهائياً وانما يبقى دون ذلك إلى ان يرفع القانون إلى رئيس الدولة فاذا وافق على المشروع اكتملت العملية التشريعية. فضلاً عن ان الرئيس عندما يتدخل لحماية حقوق السلطة التنفيذية أو للدفاع عن الدستور مستخدماً في ذلك حقه في الاعتراض فانه يباشر أعمالاً من جنس الأعمال التي يزاولها البرلمان ، فهو يراقب وجود القانون ويلاحظ مدى توافر الشروط التي استلزم الدستور وجودها لاكتماله فعمل الرئيس بحق الاعتراض لا يختلف من الناحية الموضوعية عن عمل البرلمان فهو يثير في ذهن رئيس الدولة المشاكل نفسها التي تشغل البرلمان ويخلص أنصار هذا الاتجاه إلى انه رئيس الدولة يمارس حق الاعتراض النسبي بوصفه جزءاً متمماً للعملية التشريعية ، أي باعتباره عضواً في السلطة التشريعية(2).
الاتجاه الثاني : الطبيعة التنفيذية لحق الاعتراض النسبي:
يرى هذا الاتجاه الفقهي إلى ان حق الاعتراض النسبي هو مجرد حق تنفيذي يستخدمه رئيس الدولة باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية وكل ما يترتب عليه من أثر ينحصر في تاجيل صدور القانون ريثما تعاد دراسته مرة أخرى في ضوء اعتراضات وملاحظات رئيس الدولة ، ويمكن إذا أصر البرلمان على رأيه ان يصدر القانون(3). فهذا الحق لا يدخل في العملية التشريعية بأي حال من الأحوال فهو كما ميزه ، مونتسكيو حق منع لا حق تقرير ، وهو بهذه الصفة وسيلة من وسائل الحكمة والحيطة تسمح للسلطة التنفيذية من تلطيف اندفاع السلطة التشريعية واستبدادها وحماية لحقوقها التنفيذية في الوقت نفسه ؛ أي ان الاعتراض هو عبارة عن سلطة محدودة فهو حق يتيح للسلطة التنفيذية فرصة تنبيه السلطة التشريعية إلى الأخطاء التي تقع فيها(4). وطبق لذلك فالقانون لا يفقد شيئاً من كيانه لانه يحمل سلطة الإجبار بمجرد ان قرره البرلمان وانما يقوم الاعتراض على تنفيذ القانون لاسباب أخرى يبديها رئيس السلطة التنفيذية للبرلمان الذي يظل هذا الأخير صاحب الأمر التشريعي وحده ، فان أخذ بأوجه الاعتراض أهمل القانون أو عدله والا اقره واضطر رئيس السلطة التنفيذية إلى تنفيذه بلا اعتراض جديد(5). ونحن نؤيد هذا الاتجاه الذي يسبغ الطبيعة التنفيذية لحق الاعتراض النسبي ، فرئيس الدولة إذا ما اعترض على القانون رده إلى البرلمان في خلال فترة معينة ، ويستطيع البرلمان ان يتغلب على هذا الاعتراض بأغلبية معينة ، فكل ما يفعله رئيس الدولة انه يبين للبرلمان المصاعب التنفيذية التي يمكن ان تترتب من جراء هذا القانون. فالاعتراض هنا سلطة توقيفية توقف القانون لبعض الوقت ولكنها لا تتساوى في قوتها مع سلطة البرلمان.
__________________________________
1- نرى من المفيد ان نعرض لبعض الآراء التي قيلت بشأن أهمية التصديق في العملية التشريعية فقد ذهب العالم الألماني ((لا باند)) إلى التفرقة في عمل القانون بين دور كل من البرلمان والرئيس الأعلى ، أما دور البرلمان أو تحديد محتوى القانون. كما بين ـ لا يخرج عن كونه مجرد نشاط عقلي خال من كل قيمة تشريعية حقيقية فهو مجرد عملية تحرير مما تتولاه اللجان العادية ، واما الدور الثاني فيقوم به الرئيس الأعلى وهو التصديق وهذا الدور وحده الذي له قيمة تشريعية بالمعنى الصحيح لانه يعطي القانون صفته الهامة أي صفة القاعدة القانونية الإلزامية. وهكذا فهو يرى ان العملية التشريعية كلها تتركز في التصديق. اما يلينك JELLINEK فانه يرى ان لا باند قد بالغ في تشبيهه البرلمان باللجان العادية ذلك لان البرلمان ـ كما يرى ـ لا يحدد فقط نصوص القانون ولكنه يصرح كذلك للرئيس الأعلى بان يملي الأمر الذي يعطي للقانون صفته الاجبارية ، فهو لايرى في التصديق عملاً انشائياً أو تحريرياً فقط بل فيه الموافقة كذلك على العمل الذي قام به البرلمان إذ من دون هذا العمل لا يستطيع رئيس الدولة ممارسة إرادته التشريعية وعليه فهو يعتبر التصديق هو العملية التشريعية مقيدة بشرط ، وفي رأي كاريه دي ميلبرج CARRE OE MALBERG فيرى ان عمل المجلس والرئيس الأعلى لا ينصب على شيئين مختلفين وانما تنصب إرادة كليهما على شيء واحد حقيقة ان إرادة المجلس بمفردها لا تكفي لايجاد القانون ولكن ذلك ليس معناه ان مشروع قانون اقره ، المجلس يكون خالياً من القيمة التشريعية مادام الرئيس الأعلى لم يصدق عليه فالتصديق يعطيه قيمته التكميلية ولكن لا يكسبه أي صفة جديدة.
د. السيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص308 ـ 309 ـ 327.
د. محمد سليم غزوي ـ مصدر سابق ص134.
د. عثمان خليل ود. سليمان الطماوي ـ مصدر سابق ـ ص429.
2- د. محمد كامل ليله ـ القانون الدستوري ـ ص355.
3-د. سيد صبري ـ مبادئ القانون الدستوري ـ ص321.
4- المصدر ذاته ـ ص309.
5- د. مصطفى أبو زيد فهمي ـ مصدر سابق ـ ص479.
المؤلف : تغريد عبد القادر المنقحة
الكتاب أو المصدر : مبدا الفصل بين السلطات
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً