القوة الملزمة للعقد:
وتقرر المادة (196) أساسًا من أهم الأسس التي يقوم عليها القانون وهو أن العقد شريعة المتعاقدين، فالعقد بالنسبة إلى عاقديه يعتبر بمثابة القانون، أو هو قانون خاص بهما، وإن كان منشؤه الاتفاق بينهما، وقد توج الله سبحانه وتعالى أثر العقد ومدى إلزامه طرفيه بقوله عز شأنه: ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود “، وجاء الرسول الكريم يقول: ” المسلمون عند شروطهم “. ويترتب على كون العقد بمثابة القانون بالنسبة إلى طرفيه، أنه لا يجوز لأيهما أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه أو الإعفاء من آثاره إلا في حدود ما يسمح به الاتفاق أو يقضي به القانون. ويتنفذ العقد على نحو ما تضمنته أحكامه، على أن تتمشى طريقة التنفيذ مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل يظلان العقد، ليس فقط بالنسبة إلى تحديد مضمونه، بل أيضًا بالنسبة إلى تحديد الطريقة التي يتم بها تنفيذه وهو ما يقرره المشروع بالمادة (197).
والمادة (198) تقنين تشريعي لنظرية الظروف الطارئة ومؤدى حكم هذه المادة أنه إذا حدث، بعد انعقاد العقد، وقبل تمام تنفيذ الالتزام الناشئ عنه، أن وقعت نازلة استثنائية عامة، لم تكن في الحسبان ولم يكن في الوسع توقعها عند التعاقد، وكان من شأن هذه النازلة أن أصبح تنفيذ الالتزام – وإن ظل ممكنًا – شديد الإرهاق بالمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، فإنه يجوز للقاضي، بناءً على طلب المدين، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وللقاضي، في هذا المجال، أن يُنقص في مدى التزام المدين، أو أن يزيد في الالتزام المقابل، على النحو الذي تقتضيه العدالة ويمليه التوفيق بين مصلحة الطرفين كليهما، والحكم الذي تقرره المادة (198) اعتبارًا بأنه يضفي حماية فعالة على العاقد الذي بات بسبب ظرف طارئ لم يكن في الوسع توقعه، مهددًا بخسارة فادحة، يمس النظام العام، ومن ثم يقع باطلاً كل اتفاق على ما يخالفه.
وإذا كان من شأن إعمال حكم المادة (198) أن تثبت للقاضي، في صدد العقد، السلطة في تعديل آثاره، متجاوزًا في ذلك حدود سلطته الأصيلة إزاءه، فإنه يجد مع ذلك مبرره القوى في أنه يتمثل رفقًا بمدين تعسر به الحظ، إذ شاءت ظروف طارئة غير متوقعة أن تهدده بخسارة فادحة بعيدة عن كل حسبان، وهو بهذه المثابة يتضمن تخفيفًا من شدة القانون وصرامة أحكامه، ويطبع تنفيذ العقد بطابع العدالة والرحمة والإنسانية. وقد استوحى المشروع حكم المادة (198) من نص المادة 147/ 2 مصري والنصوص العربية الأخرى التي استمدت منه، ومن بينها نص المادة 146/ 2 من قانون التجارة الكويتي، وذلك بعد إجراء تعديلات طفيفة في الصياغة توخيًا للدقة والانضباط.
ويعرض المشروع، في المادتين (199 و200) للحالة التي يلجأ فيها المتعاقدان إلى الصورية، بأن يظهرا أمام غيرهما بمظهر أنهما يعقدان عقدًا معينًا، حالة كون هذا العقد في حقيقته زائفًا كليًا أو جزئيًا، إما لأن الطرفين لم يبرما في الحقيقة أي عقد على الإطلاق، وإما لأنهما أبرما عقدًا آخر غير ذاك الذي أظهراه، وإما لأنهما في النهاية أبرما بالفعل عقدًا يتفق في طبيعته مع العقد الذي صوراه، ولكنه يتغير معه على نحو أو على آخر. والصورية ليست بذاتها سببًا للبطلان. وإذا كانت هي كذلك، فإن مؤداه أن يثور تساؤل أساسي هام، يتمثل فيما إذا كان من الواجب الاعتداد بالحقيقة أم بالمظهر، بالعقد المستتر أم بالعقد الصوري الساتر.
والأصل العام هو وجوب الاعتداد بالحقيقة. فهي التي حدثت بالفعل، دون المظهر الذي أُريد لها أن تتخفي فيه، ويتمشى المشروع مع هذا الأصل العام في العلاقة بين طرفي العقد والخلف العام لكل منهما، مقررًا في المادة (199) أن العبرة فيما بينهما هي بالحقيقية، التي من شأنها أن يسري بينهم العقد الحقيقي المستور، دون العقد الصوري الساتر، شريطة أن يكون هذا العقد المستور قد توفرت له مقومات قيامه، بطبيعة الحال.
وكان من مؤدى المنطق البحت للقانون ألا يقتصر إعمال الحقيقة على المتعاقدين وعلى الخلف العام لكل منهما بل ليمتد أيضًا ليشمل الغير، ولكن المشروع لاحظ مع ذلك أن ثمة أشخاص في تعاملهم مع طرفي العقد الصوري قد ينخدعون، ويعتقدون أنه حقيقي لا زيف فيه، ومن هنا توجب أن تُضفى الحماية على هؤلاء، لا مراعاة لمصلحتهم هم فحسب، بل مراعاة للصالح العام كذلك، متمثلاً في استقرار المعاملات التي قامت على الثقة المشروعة ومن هذا المنطلق يقرر المشروع في المادة (200) لدائني كل من المتعاقدين وللخلف الخاص لأي منهما، الحق في أن يتمسكوا بالعقد الحقيقي أو العقد الصوري، أيهما يرونه لهم أصلح، ولهم إذا شاءوا إعمال العقد الحقيقي في مواجهتهم، أن يثبتوا الصورية بكافة طرق الإثبات، اعتبارًا بأن الصورية واقعة هم عنها غرباء، على أنهم لا يكون لهم التمسك بالعقد الصوري، إلا إذا كانوا حسني النية، بأن كانوا يجهلون الصورية، عند قيام أسباب نشأة حقوقهم، فلو أنهم كانوا يلمون حينئذٍ بزيف عقد من تعاملوا معه، ما ساغ لهم أن يدعوا بأنهم انخدعوا به ورتبوا أمورهم عليه، وقد حرص المشروع على أن يقتصر، في منحه رخصة التمسك بالعقد الحقيقي أو العقد الصوري، على الدائنين والخلف الخاص لكل من طرفي العقد الصوري، فليس لغير هؤلاء أن يفيدوا من تلك الرخصة، وإنما يعمل في حقهم بالعقد الحقيقي.
وإذا كان لدائني كل من طرفي العقد الصوري ولخلفه الخاص أن يتمسكوا بالعقد الصوري أو بالعقد الحقيقي، فإنه من المتصور أن تتعارض المصالح بين هؤلاء، فيتمسك بعضهم بهذا العقد، في حين يتمسك الآخرون بذاك، وتجيء الفقرة الثانية من المادة (200) لتقرر الحكم في هذا التعارض، مقررة أفضلية لمن يتمسك بالعقد الصوري على من يتمسك بالعقد الحقيقي. وهو حكم، إن خالف المنطق البحت لقانون العقود، إلا أنه يتفق مع مبدأ حماية الغير حسني النية استقرارًا للمعاملات التي تقوم على الثقة المشروعة.
والمادة (200) إذ ترخص لدائني كل من طرفي العقد الصوري ولخلفه الخاص أن يتمسكوا بالعقد الحقيقي المستتر أو العقد الصوري الظاهر، أيهما يرونه لهم أوفق، وإذ تقرر الأفضلية لمن يتمسك من بين هؤلاء بالعقد الصوري على من يتمسك منهم بالعقد الحقيقي، تتجاوب مع قاعدة تمتد جذورها عميقة في دنيا الماضي، وأخذت ترسخ وجودها وتدعم كيانها في قانون اليوم، وهي قاعدة المظهر الخادع يحمي المخدوع، أو كما يقال، في عبارة أكثر شيوعًا وإن كانت أقل دقة، الخطأ الشائع يولد الحق.وقد استمد المشروع تلك الأحكام من المادتين (147 و148) من قانون التجارة الحالي مع بعديل صياغتها توخيًا للدقة والانضباط.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً