من مستلزمات الايجار أن يعقد لمدة محدودة، حيث قضت المادة (722) من القانون المدني العراقي بأن الايجار ((تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة… الخ)) فتأييد انتفاع المستأجر يتنافى مع طبيعة عقد الايجار، ولهذا فالغالب أن يتفق المتعاقدان على المدة لأن المدة ركن لا يتم الايجار بدونه ولكن قد يحصل أن لا يتعرض المتعاقدان للمدة أصلاً، أو أن يتفقا على أن يكون الايجار لمدة غير معينة، أو أن يتفقا على مدة معينة ولكن يتعذر اثباتها، وفي هذه الحالات الثلاث لا يعتبر الايجار باطلاً بل يكون صحيحاً ويتكفل القانون بتحديد المدة(1). وهذه المدة قد تكون قصيرة لأن المشرع لم يضع حداً أدنى لمدة الايجار بحيث لا يجوز أن تقل عنه وبالتالي فإنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق على أية مدة قصيرة للإيجار كما لو اتفقا على أن تكون مدة الايجار ساعة أو أي جزء من الساعة أو يماً أو اسبوعاً أو شهراً، كما قد يتفق على مدة طويلة أمدها سنة أو عدة سنوات أو أية مدة زمنية أخرى. وإذا لم يكن المشرع العراقي قد وضع حداً أعلى لمدة الايجار بالمعنى الذي لا يجوز للطرفين تجاوزه، فإن الفقرة (1) من المادة (740) من القانون المدني أعطت الحق لكل من المؤجر والمستأجر أن يطلب انهاء الايجار بعد مضي ثلاثين سنة على انعقاده فيما إذا كانت المدة المتفق عليها للإيجار تزيد على ثلاثين سنة أو كان الايجار مؤبداً. حيث تنص هذه الفقرة على ما يلي:
((إذا كان عقد الايجار لمدة تزيد على ثلاثين سنة أو إذا كان مؤبداً جاز انهاؤه بعد انقضاء ثلاثين سنة بناء على طلب أحد المتعاقدين مع مراعاة المواعيد القانونية المنصوص عليها في المادة التالية (أي المادة 741) ويكون باطلاً ((كل اتفاق يقضي بغير ذلك)). وعلى هذا الأساس إذا حدد الطرفان مدة الايجار تزيد على الثلاثين سنة واشترطا في العقد بأنه لا يجوز لأي منهما طلب انهاء الايجار بعد مضي ثلاثين سنة عليه فإن هذا الشرط لا يؤخذ به، حيث يجوز للمؤجر أو المستأجر بالرغم من وجود الشرط المذكور طلب انهاء الايجار بمجرد مرور مدة الثلاثين سنة بعد مرور مواعيد التنبيه بالإخلاء لأن الشرط المذكور يعتبر باطلاً لمخالفته النظام العام وهذا ما قصده المشرع بقوله في الفقرة (1) من المادة (740) ((ويكون باطلاً كل اتفاق يقضي بغير ذلك))، أي أن الايجار لا يكون باطلا لمجرد احتوائه على الشرط الذي يمنع أي من الطرفين انهاء الايجار وانما الذي يبطل هو الشرط فقط دون العقد. وإذا حدد الطرفان مدة معينة للإيجار فإنه لا يشترط أن تأتي تلك المدة متصلة حيث لا يوجد ما يمنع من أن تكون متقطعة. فقد تؤجر الدار لمدة ثلاث سنوات متصلة بحيث لا يتخلل المدة المذكورة فترة زمنية تعود فيها العين إلى المؤجر، كما قد تكون مدة الايجار متقطعة كما لو أجر فلم سينمائي مرة واحدة في الأسبوع ولمدة سنة أو تم تأجير مسرح مرتين في الأسبوع لمدة ثلاث أشهر مثلاً أو تأجير ملعب كرة يوم واحد من أيام الأسبوع(2). وقد جاءت الفقرة الثانية من المادة (740) من القانون المدني العراقي باستثناء مهم حيث أجازت أن تكون مدة الايجار مدة حياة المؤجر أو المستأجر ولو زادت المدة في هذه الحالة على ثلاثين سنة. والواقع أن الايجار لمدة حياة المؤجر أو المستأجر لا يعتبر مؤبداً لأن حياة الانسان مؤقتة، فإن كان الايجار لمدة حياة المستأجر، بقي الايجار ملزماً للمؤجر والمستأجر ما بقي المستأجر حياً ولو مات المؤجر من بعده. أما إذا مات المستأجر فإن الايجار ينتهي ولا ينتقل إلى ورثته من بعده. وإذا كان الايجار لمدة حياة المؤجر، بقي الايجار نافذاً ما دام المؤجر حياً ولو مات المستأجر قبله، وعند ذلك ينتقل الايجار إلى الورثة المستأجر ولا ينتهي إلا بموت المؤجر. كذلك يجوز أن يكون الايجار لمدة حياة كل من المؤجر والمستأجر ويدوم ما بقي أحد منهما حياً فإذا مات أحدهما انتقل الايجار إلى ورثته وبقي إلى أن يموت الآخر(3). وقد اعتبر المشرع العراقي عقد الايجار الذي يتفق فيه على أن يبقى نافذاً ما دام المستأجر يدفع الأجرة، إنه معقود لمدة حياة المستأجر. غير أن عقد الاجار يعتبر في هذه الحالة معلقاً على شرط فاسخ هو أن يريد المستأجر انهاءه ينبه المؤجر إلى ذلك فينتهي. أما الايجار الذي ينص في عقده أنه باقٍ ما دامت العين المؤجرة باقية فهن ايجار مؤبد يجوز انهاؤه بعد انقضاء ثلاثين سنة إذا لم تهلك العين قبل ذلك(4). ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض التشريعات كالقانون المدني المصري مثلاً لم تضع حداً أقصى للمدة التي يجوز التأجير فيها، لذلك ذهب غالبية الشراح إلى أنه لا يجوز أن تكون مدة الايجار مسرفة في الطول بحيث تفصل منفعة الشيء المؤجر عن ملكيته مدة طويلة، واعتبروا طول مدة الايجار في مثل هذه الحال تأييداً لقاضي الموضوع يفصل فيه وفقاً لطبيعة الشيء المؤجر والغرض الذي استأجره من أجله بحيث يكون له أن يعتبر الايجار قطعة أرض للبناء عليها غير مؤبد ولو كانت، مدته خمسون عاماً. واتفق الشراح على أنه بالنسبة لتأجير الأراضي لا يجوز أن تزيد مدة الايجار على ستين عاماً وذلك قياساً على عقد الحكر(5).
وقد نصت المادة (741) من القانون المدني العراقي على أنه (( إذا عقد الايجار دون اتفاق على مدة أو عقد لمدة غير محدودة أو إذا تعذر اثبات المدة المدعى بها فيعتبر الايجار منعقداً للمدة المحددة لدفع الأجرة وينتهي بانقضاء هذه المدة بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه المتعاقد الآخر بالإخلاء في المواعيد الآتي بيانها:
(أ) في الأراضي إذا كانت المدة المحددة لدفع الأجرة ستة أشهر أو أكثر يكون التنبيه قبل انتهائها بثلاثة أشهر. فإذا كانت المدة أقل من ذلك كان التنبيه قبل نصفها الأخير. كل هذا مع مراعاة حق المستأجر في المحصول وفقاً للعرف.
(ب) في المنازل والحوانيت والمكاتب والمتاجر والمصانع والمخازن وما إلى ذلك إذا كانت المدة المحددة لدفع الأجرة أربعة أشهر أو أكث يكون التنبيه قبل انتهائها بشهرين. فإذا كانت المدة أقل من ذلك كان التنبيه قبل نصفها الأخير.
(ج) في المساكن والغرف المؤثثة وفي أي شيء غير ما تقدم إذا كانت المدة المحددة لدفع الأجرة شهرين أو أكثر يكون التنبيه قبل نهايتها بشهر واحد. فإذا كانت المدة أقل من ذلك كانت التنبيه قبل نصفها الأخير)).
ويظهر من هذه المادة أنه إذا عقد الايجار ولم تذكر فيه المدة فإذا كان موضوع الايجار أرضاً واتفق الطرفان على أن يدفع المستأجر الأجرة بعد سنة مثلاً فإنه يجب على المؤجر أن ينبه عليه بالإخلاء قبل انتهاء السنة بثلاثة شهور على الأقل. أما إذا كان المستأجر يدفع الأجرة في أقل من ستة شهور كان الواجب على المؤجر أن ينبه على المستأجر بالإخلاء قبل ابتداء نصفها الأخير(6).
ولنضرب مثلاً على ايجار المنازل أو الحوانيت فنفرض أن ميعاد دفع الأجرة هو كل ثلاثة أشهر فمدة الايجار تكون ثلاثة أشهر تمتد إلى ثلاثة أشهر ثانية فثلاثة أشهر: ثالثة وهكذا إلى أن يحصل التنبيه بالإخلاء من أحد الطرفين. والتنبيه بالإخلاء يجب أن يحصل قبل ـ شهر ونصف على الأقل من انقضاء مدة الثلاثة أشهر وإذا كانت الأجرة تدفع شهرياً فيجب أن يكون التنبيه قبل نصف شهر على الأقل، أما إذا كانت الأجرة تدفع سنوياً أو كل ستة أشهر فيجب أن يكون التنبيه قبل شهرين. فإذا حصل التنبيه بعد الميعاد كان غير نافذ ولو كان سبب التأخر قوة قاهرة(7). ونفس القاعدة تطبق في حالة اجارة المساكن والغرف المؤثثة. ولكن هذه الأحكام لا تعتبر من النظام العام فيجوز الاتفاق على خلافها فيجوز اطالة مدة التنبيه أو تقصيرها. وسواء كانت مدة الايجار معينة أو غير معينة فإن المدة المذكورة تبدأ من التاريخ الذ حدده الطرفان في العقد لسريانها. فقد يبرم الايجار بتاريخ معين ولمدة معينة إلا أن الاتفاق بينهما يتم على سريان المدة من تاريخ لاحق لانعقاد الايجار، فإن مدة الايجار تسري عندها من هذا التاريخ اللاحق وليس من تاريخ الانعقاد. أما إذا سكت الطرفان عن تحديد التاريخ الذي تبدأ منه مدة الايجار بالسريان فإن مدة الايجار تبدأ من تاريخ ابرام العقد ـ وقد نصت على ما تقدم المادة (739) من القانون المدني بالقول ((تبدأ مدة الاجارة من الوقت الذي سمي في العقد وإن لم يسم فمن تاريخ العقد(8). وتجدر الاشارة هنا إلى أن قانون ايجار العقار رقم 87 لسنة 1979 المعدل الذي لم يجز للمؤجر مطالبة المستأجر بالتخلية إلا إذا توفر أحد الأسباب الواردة في المادة السابعة عشر منه، فقد حدد مدداً لإنذار المستأجر بالتخلية ولا مهلة في البقاء في المأجور.
______________________
1- د. العامري ـ المصدر السابق ـ ص228.
2- د. كمال قاسم ثروت ـ المصدر السابق ـ ص96 وما بعدها د. عباس الصراف ـ المصدر السابق ـ ص347.
3- راجع د. عامري ـ المصدر السابق ـ ص229، 230.
د. السنهوري ـ الوسيط ـ ج6 ـ المصدر السابق، 146.
4- د. العامري ـ المصدر السابق ـ ص230.
5- وهو عقد يجعل للمحتكر حقاً عينياً في الأرض المحتكرة ويقع عادة على أرض خربة يقتضي استصلاحها مدة طويلة. راجع:
د. محمد لبيب شنب. ـ المصدر السابق ـ ص79، المادة 999 ـ مدني مصري.
6- د. عباس الصراف ـ المصدر السابق ـ ص349.
7- ج. العامري ـ المصدر السابق ـ ص232.
8- د. كمال قاسم ثروت ـ المصدر السابق ـ ص103.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً