إن شراح القانون انقسموا في تعريفهم للأجرة على ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول:
يعرفها بعض شراح القانون(1) بأنها المال(2) الذي يلتزم المستأجر بدفعه للمؤجر نظير انتفاعه بالشيء المؤجر ، يستشف من هذا التعريف أن الأجرة لا يمكن حصرها في إطار النقود ، وبذلك فان الأجرة يمكن أن تكون من غير النقود كالعقارات والمنقولات ونحو ذلك ، وعلى هذا فان الأجرة بهذا المفهوم تختلف عن الثمن في عقد البيع الذي يلزم فيه أن يكون دائماً من النقود(3) .
الاتجاه الثاني:
يعرفها قسم أخر من شراح القانون(4) بأنها المقابل الذي يلتزم المستأجر بدفعه للمؤجر نظير انتفاعه بالعين المؤجرة ، ومما يلاحظ على هذا التعريف انه يعطي للأجرة مفهوماً واسعاً .
الاتجاه الثالث:
يعرفها القائلون بهذا الاتجاه(5) بأنها العوض الذي يلتزم المستأجر بدفعه للمؤجر إزاء انتفاعه بالمأجور ، وبهذا الصدد يعرفها احد شراح القانون(6) بأنها : العوض المالي الذي يلتزم المستأجر بدفعه للمؤجر مقابل انتفاعه بالعين المؤجرة . أما بالنسبة للقوانين المدنية(7) فأنها لم تضع تعريفاً للأجرة ، وذلك لأنها تركت تعريفها إلى شراح القانون وحسناً فعلت في ذلك، وذلك لان مهمتها ليست وضع التعريفات وإنما وضع الأحكام القانونية ، أما بالنسبة لموقف التشريعات الخاصة من تعريف الأجرة فإننا وجدنا قانون المالكين والمستأجرين الأردني رقم (11) لسنة 1994 قد عرفها في المادة الثانية منه التي جاء فيها (… بدل الإيجار البدل المتفق عليه بين المالك والمستأجر في عقد الإيجار أو البدل الذي عينته لجنة الإيجارات بالاستناد إلى قوانين المالكين والمستأجرين السابقة … ) ، أما بالنسبة لتعريف الأجرة في ضوء أحكام القضاء فإننا لم نجد في القرارات القضائية التي تيسر لنا الإطلاع عليها قراراً قد عرف الأجرة باستثناء التعريف الذي وضعته محكمة الاستئناف العليا السودانية في احد قراراتها الذي جاء فيه (… تعني الأجرة أي مبلغ يدفعه المستأجر مقابل انتفاعه بالعين المؤجرة)(8) .
ثانياً: تعريف الأجرة في الفقه الإسلامي :
إن فقهاء المسلمين لم يهتموا بالتعريفات بل تركز اهتمامهم على المسائل العملية ، فلم نجد عندهم تعريفاً للأجرة ولكننا يمكن أن نستخلص تعريفاً لها من خلال تعريفهم لعقد الإجارة ويمكن القول إنهم قد انقسموا في تعريفهم للأجرة على اتجاهين :
الاتجاه الأول :
قال به جمهور الفقهاء من الحنفية(9) والشافعية(10) والحنابلة(11) والامامية(12) إذ إنهم يعرفون الأجرة بأنها العوض الذي يلتزم بدفعه المستأجر نظير حصوله على المنفعة المقصودة من عقد الإجارة .
الاتجاه الثاني :
قال به فقهاء المالكية(13) ، إذ إنهم ذهبوا في ذلك إلى التمييز بين الأجر والكراء ، فعرفوا الأجر بأنه العوض الذي يدفع في إجارة الآدمي وما ينقل فيما عدا السفن والحيوان ، وعرفوا الكراء بأنه البدل الذي يدفع في إجارة غير الآدمي وما ينقل إضافة إلى السفن والحيوان وما لا ينقل كالدور والأراضي وما شاكل ذلك . يلاحظ على هذا التعريف أن فقهاء المالكية قد خرجوا عن التعريف الذي جاء به جمهور الفقهاء ، ولابد من الإشارة إليه ان التمييز بين الأجر والكراء لا يتعدى في نظرهم عن كونه تمييزاً في الألفاظ دون المعاني ، وذلك لأنهم يطلقون الأجرة على الكراء أحياناً وعلى عقد الإجارة أحياناً أُخّر ، وبذلك فان الفرق بين الأجر والكراء عندهم لا يتعدى كونه فرقاً لفظياً . أما بالنسبة لمجلة الأحكام العدلية فأنها لم تضع لنا تعريفاً محدداً للأجرة ، ولكنها عرفت عقد الإجارة في المادة (405) منها بأنه (… بيع المنفعة المعلومة بعوض معلوم …) وهذا إن دل على شيء فانه يدل على أن مجلة الأحكام العدلية قد تأثرت بالتعريف الذي وضعه جمهور الفقهاء لعقد الإجارة . بعد عرضنا تعريفات الأجرة فإننا نعرفها بأنها قيمة مادية أو معنوية يلتزم المستأجر بدفعها للمؤجر نظير انتفاعه بالعين المؤجرة .
__________________
1- د. عبد الرزاق احمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، العقود الواردة على الانتفاع في الشيء (الإيجار والعارية) ، مج 1 ، ج6 ، دار النهضة العربية ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1963 ، ص 158 . د. بدر جاسم يعقوب ، عقد الإيجار ، ط1 ، الكويت، 1981 ، ص 60 . د. حسام الدين كامل الاهواني ، عقد الايجار في القانون المدني وفي قوانين ايجار الاماكن ، ط3 ، 1998 ، ص 56. د. عباس حسن الصراف ، شرح عقدي البيع والإيجار ، مطبعة الاهالي ، بغداد ، 1956 ، ص 341 . د. سعدون العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة ، ج1 ، ط3 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1974، ص 224. د. كمال قاسم ثروت ، شرح أحكام عقد الإيجار ، ط1 ، مطبعة الزهراء ، بغداد ، 1974 ، ص74 . د. عصمت عبد المجيد بكر ، شرح احكام عقد الإيجار ، شركة الزهراء ، بغداد ، 2002 ، ص61. جمعة سعدون الربيعي ، احكام ايجار العقار في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 دراسة عملية معززة بقرارات محكمة التمييز مع التعديلات الاخيرة لقانون ايجار العقار رقم 87 لسنة 1979 ، ط1 ، 1991 ، ص 14 .
2- بات من الشائع في حياتنا العملية موضوع الخلط بين الشيء والمال ، لاسيما عند رجال القانون على الرغم من الاختلاف الكبير بينهما ، ويظهر ذلك بوضوح عند التعمق في محتوى هذين المصطلحين، إذ ان المال هو الحق سواء كان ذلك الحق حقاً عينياً أم حقاً شخصياً أم حقاً معنوياً، والشيء هو المحل الذي يرد عليه ذلك الحق سواء كان ذلك الشيء شيئاً مادياً أو شيئاً معنوياً ، والجدير بالذكر ان المشرع العراقي لم يغفل عن هذا الاختلاف ، إذ عرفت المادة (65) من القانون المدني المال بقولها: (كل حق له قيمة مادية) وعرفت المادة (61) من القانون المدني الشيء بانه (كل شيء لا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح ان يكون محلاً للحقوق المالية) ولكن المشرع العراقي عاد وخلط بين الشيء والمال مرة أخرى ، إذ نصت المادة (71) من القانون المدني (… تعتبر اموالاً العقارات والمنقولات …) على الرغم من انها اشياء ونصت المادة (126) (يصح ان يكون المحل مالاً عيناً كان ام ديناً) فانه جعل الاعيان اموالاً على الرغم من انها اشياء . انظر: محمد طه البشير ، د. غني حسون طه ، الحقوق العينية (الحقوق العينية الاصلية – الحقوق العينية التبعية)، ج1 ، 1982 ، ص10 – 11 .
3- هذا ما نصت عليه المادة (507) من القانون المدني العراقي بقولها (البيع باعتبار المبيع اما ان يكون بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق أو بيع النقد بالنقد وهو الصرف أو بيع العين بالعين وهي المقايضة) والمادة (527) من القانون المدني العراقي بقولها : (في البيع المطلق يجب ان يكون الثمن مقدراً بالنقد …) والمادة (418) من القانون المدني المصري بقولها: (البيع عقد يلتزم به البائع ان ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً اخر مقابل ثمن نقدي) والمادة (386) من القانون المدني السوري بقولها : (البيع عقد يلتزم به البائع ان ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً اخر في مقابل ثمن نقدي) وتجدر الإشارة هنا إلى ان القانون المدني الأردني لا يشترط في الثمن ان يكون نقوداً وهذا ما نصت عليه المادة (465) بقولها: (البيع تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض) فالعوض في النص المذكور قد يكون ثمن نقدي وقد يكون شيئاً اخر .
4- د. محمد كامل مرسي ، شرح القانون المدني الجديد (العقود المسماة) ، عقد الإيجار ، ج5 ، المطبعة العالمية ، مصر ، 1953 ، ص 61. د. عبد الناصر توفيق العطار ، شرح أحكام عقد الإيجار ، القاهرة الحديثة للطباعة ، 1970 ، ص85 . د. محمد عزمي البكري ، ايجار الشقق المفروشة وتبادل الشقق ، ط2 ، دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1984 ، ص 255 . د. محمد كامل مرسي ، شرح القانون المدني (العقود المسماة) ، عقد الايجار ، تنقيح المستشار محمد علي سكيكر ، المستشار معتز كامل مرسي ، ج5، الناشر منشأة المعارف بالاسكندرية ، طباعة شركة الجلال للطباعة ، 2004 ، ص 63 .
5- د. احمد فتحي زغلول ، شرح القانون المدني ، المطبعة الاميرية ، القاهرة ، 1913 ، ص 27 . د. محمد لبيب شنب ، الوجيز في شرح احكام الإيجار ، دار النهضة العربية، 1967 ، ص 13.
6- أ. د. ادم وهيب النداوي ، العقود المسماة في القانون المدني (البيع والايجار) ، ط1 ، دار الثقافة ، عمان ، 1999 ، ص 138 .
7- انظر: القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل والقانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 المعدل والقانون المدني الفرنسي لسنة 1804 والقانون المدني السوري الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم (84) في 18 آيار 1949 والقانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976 المعدل والقانون المدني الجزائري رقم (75 – 85) لسنة 1975 والقانون المدني اليمني رقم (19) لسنة 1992 والقانون المدني الكويتي رقم (67) لسنة 1980 والقانون المدني الليبي الصادر عام 1953 وقانون الموجبات والعقود اللبناني رقم (84) لسنة 1969 المعدل وقانون الالتزامات والعقود المغربي ومجلة الالتزامات والعقود التونسية لسنة 1906 .
8- رقم القرار (310) لسنة 1960 . انظر: موسوعة أحكام الإيجار ، ترجمة : هنري رياض، كرم شفيق ، عبد الرحمن محسن بشير ، عبد الرحيم محمد بشير ، الناشران دار الثقافة ، بيروت ومكتبة النهضة السودانية ، الخرطوم ، بلا سنة طبع ، ص 99.
9- يبدو ذلك جلياً من خلال تعريفهم لعقد الإجارة بانه عقد على المنافع بعوض . محمد بن احمد بن سهل السرخسي ، المبسوط ، ج15 ، ط1 ، مطبعة السعادة ، مصر ، بلا سنة طبع ، ص 74 .
10- يتضح ذلك من خلال تعريفهم لعقد الإجارة بانه عقد على منفعة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض . شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني ، مغني المحتاج في معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، ج3 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2000 ، ص 438 .
11- يتجلى ذلك من خلال تعريفهم لعقد الإجارة بانه عقد على منفعة مباحة … بعوض معلوم . منصور بن يوسف بن ادريس البهوتي ، كشاف القناع عن متن الاقناع ، ج3 ، الناشر ، مكتبة النصر الحديثة ، الرياض ، بلا سنة طبع ، ص 537 .
12- يتبين ذلك من تعريفهم لعقد الإجارة بانه تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي ، المختصر النافع في فقه الامامية ، مطبعة الزمان ، النجف الاشرف ، 1966 ، ص 179 .
13- يتضح ذلك من خلال تعريفهم لعقد الإجارة ولعقد الكراء ، إذ انهم عرفوا الإجارة بانها العقد على منافع الادمي وما ينقل ما عدا السفن والحيوان ، وعرفوا الكراء بانه العقد على منافع ما لا ينقل كالدور والأراضي وما ينقل من سفن وحيوان . شمس الدين محمد بن عرفه الدسوقي ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، ج4 ، ط1 ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، 1962 ، ص 2 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً