نهج المشرع العراقي في قانون العمل رقم 71 لسنة 1987 والمعدل بالقانون المرقم (17) لسنة 2000 ، النهج العام الذي يقضي بالسماح للأجانب بممارسة الاعمال في الدولة ولكن بعد ربط ذلك بقيود واعتبارات محددة . اذ جعل حق العمل في الاصل حكراً على العراقيين(1) الا انه عاد وأجاز للأجانب الحق بالعمل في العراق استثناءاً بعد ان يحدد بتعليمات خاصة نوع الاعمال والحالات التي يجوز لغير العراقيين بممارستها في العراق(2). وقد صدرت التعليمات رقم (18) لسنة 1987 والخاصة بممارسة الاجانب العمل في العراق محددةً في المادة الرابعة منها الشروط التي يجب ان تتوافر لمنح اجازة العمل للاجانب في العراق ، دون ان يكون من بين هذه الشروط . شرط المعاملة بالمثل(3). غير ان من الملاحظ هنا ، ان المشرع العراقي وان لم يستلزم توفر مبدأ المعاملة بالمثل ضمن الشروط اللازمة لمنح الاجانب اجازة العمل في العراق ، الا انه عاد واشترطها ، كشرط لإعفاء الاجنبي في العراق من الخضوع لهذه الشروط عند ممارسته لحق العمل في العراق . وهذا ما يستشف ضمناً من احكام المادة الحادية عشر من تعليمات ممارسة الاجانب العمل في العراق رقم (18) لسنة 1987 ، فبعد ان بينت هذه التعليمات الشروط والقيود اللازمة لمنح اجازة العمل للاجانب في العراق ، عادت في المادة الحادية عشرة منها ، بالنص على :-
(أولاً- يستثنى من أحكام هذه التعليمات :
أ-العاملون لدى الهيئات الدولية والبعثات الدبلوماسية والقنصليات التجارية والاجنبية المعتمدة في العراق .
ب-الاجانب الذين تسمح لهم القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون الحكومة العراقية طرفاً فيها بممارسة الاعمال في العراق .
ج- الاجانب المشتغلون لدى الحكومة .)
وبتأمل دقيق لما سبق ، نجد ان المشرع العراقي قد ميز بين طائفتين من الاجانب ، وفقاً لقانون العمل رقم (71) لسنة 1987 ، والتعليمات الصادرة بموجبها:
الطائفة الأولى- وهم الاجانب الذين يسمح لهم قانون العمل بمزاولة العمل في العراق دون استلزام مبدأ المعاملة بالمثل ، ولقد رأينا ان تعليمات ممارسة الاجانب للعمل في العراق قد حددت الشروط اللازمة لمنح الاجنبي اجازة العمل في العراق ، دون ان يكون فيما بينها (شرط المعاملة بالمثل) .
الطائفة الثانية – وهم الاجانب الذين تسمح لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون الحكومة العراقية طرفاً فيها بممارسة العمل في العراق دون الخضوع للقيود والشروط التي تضعها قوانين الدول الداخلية ، استناداً بالطبع على مبدأ المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، بين العراق والدولة التي ينتمي إليها الأجنبي ، سواء اكانت هذه المعاملة تشريعية ام دبلوماسية .
وعليه ، فأن المعاملة في القانون العراقي ليست شرطاً من شروط منح العامل الأجنبي إجازة مزاولة حق العمل في العراق ، بل هي شرط لإعفاء الاجنبي من الخضوع لهذه الشروط. ونعتقد أنه من الاجدر بالمشرع العراقي ان ينص صراحة على شرط المعاملة بالمثل من ضمن الشروط اللازمة لمنح العامل الاجنبي إجازة للعمل في العراق ، خاصة وان المشرع العراقي قد تبنى شرط المعاملة بالمثل بالنسبة لممارسة الاجانب لمعظم المهن والحرف في العراق ، وكما سنرى ذلك لاحقاً. أما بالنسبة للقانون المصري ، فأن المشرع المصري قد تبنى موقفاً اكثر وضوحاً من الموقف الذي تبناه المشرع العراقي ، وذلك بأنه اشترط صراحة ، بنص عام ضرورة تحقق مبدأ المعاملة بالمثل بين مصر والدولة التي ينتمي اليها الاجنبي كشرط لممارسة الاجنبي لحق العمل في مصر(4)وذلك بموجب قانون العمل المصري رقم (137) لسنة 1981(5)، والتي نصت المادة (26) منه على : (لا يجوز للأجانب ان يزاولوا عملاً الا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من وزارة العمل ، وان يكون مصرحاً لهم بالاقامة ، وبشرط المعاملة بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها وفي حدود تلك المعاملة …).
ومبدأ المعاملة بالمثل وفقاً لذلك ، ليس شرط ابتداء فحسب وانما هو شرط استمرار كذلك ، بحيث لا يسمح للأجنبي بالاستمرار في العمل اذا عدلت دولته عن معاملة المصريين فيها بالمثل(6). والمعاملة بالمثل التي اشترطها المشرع المصري في هذه الحالة يجب ان تتحقق بالتطابق ، أي (تبادل الحق بالحق) ، بحيث يلقى العامل الاجنبي في مصر نفس المعاملة التي يلقاها العامل المصري في بلد الاجنبي من حيث نوع العمل المسموح له بممارسته فيها(7). وفي هذا الصدد يرى البعض(8) بأنه : “ لا يكفي للسماح للأجنبي بمزاولة عمل معين في الجمهورية العربية ، ان تقر هذه الدولة للرعايا المصريين الحق في مزاولة ذات العمل الذي يطلب الاجنبي السماح له به في الجمهورية العربية ، فاذا كانت تمنعهم من مزاولة اعمال معينة تعين منع رعايا هذه الدولة من مزاولة هذه الاعمال في الجمهورية العربية ” . الا انه ورغم وضوح صياغة النص ، فأن البعض الاخر(9) يذهب ، بأنه ليس بشرط ان تتحقق المعاملة بالمثل هنا بالتطابق ، بل يكفي تحقق التعادل لأعمال مبدأ المعاملة بالمثل هنا ، ” لأن هذا التشدد لا يتلائم مع المرونة التي يحسن مراعاتها في اعمال فكرة المعاملة بالمثل بما يتفق ويتلائم مع مصلحة الدولة ، وهي المرد الاخير في هذا الشأن ، بل انه قد يتعارض مع هذه المصلحة ذاتها اذا دعت الحاجة فعلاً الى الترخيص لأجنبي ما بالعمل في قطاع معين وكانت دولته لا تمنح معاملة مماثلة للمصريين فيها “.
ورغم ما استند عليه هذا الرأي الاخير من مبررات منطقية وفعالة ، الا اننا لا نتفق معه ، وذلك لأن صياغة نص المادة (26) من قانون العمل المصري ، جاءت واضحة جداً – وبما لا يقبل الشك – باشتراط المشرع المصري تحقق (المطابقة) في مبدأ المعاملة بالمثل ، الامر الذي يتنافى معه القول بخلاف ذلك .والمشرع المصري لم يكتف باشتراط المعاملة بالمثل بالنسبة لعمل الاجانب في مصر فحسب ، بل اشترطها كذلك في خصوص استفادة الاجانب الخاضعين لقانون العمل المصري فيما يتعلق بانتفاعهم من مزايا التأمينات الاجتماعية(10). حيث نصت المادة الثانية ، فقرة (ب) من قانون التأمينات الاجتماعية المصري رقم 79 لسنة 1975 والمعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977 والقانون رقم 93 لسنة 1980 ، على سريان احكام هذا القانون على الاجانب الخاضعين لقانون العمل ، بشرط الا تقل مدة عقد العمل على سنة وان توجد اتفاقية معاملة بالمثل(11). ويتضح من ذلك ، بأن المشرع المصري قد اشترط لضرورة انتفاع العمال الاجانب من مزايا قانون التأمينات الاجتماعية المصري ، تحقق مبدأ المعاملة بالمثل في شكله الدبلوماسي حصراً (بناءً على اتفاقية) دون الأشكال الأخرى . بناءً على ذلك تعد المعاملة الدبلوماسية بالمثل متحققة بين مصر والعراق فيما يتعلق بانتفاع العاملين من رعاياها في كلا البلدين من مزايا التأمينات الاجتماعية (الضمان الاجتماعي) والتي قررتها الاتفاقية العربية للمعاملة بالمثل في نظم التأمينات الاجتماعية ، وذلك باعتبارهما دولتين عضوتين فيها. والتي نصت المادة الرابعة منها على : (يتمتع المؤمن عليهم المنتمون لجنسية احدى الدول المتعاقدة ، بنفس المزايا التي يقرها تشريع الدولة المتعاقدة الاخرى التي يقيمون بها مع مراعاة الشروط والاوضاع المعمول بها في هذه الدولة) . وبغض النظر عن المعاملة بالمثل التي تقررها التشريعات الداخلية ، فأن الدول قد تعقد مع بعضها البعض ، اتفاقيات ثنائية او جماعية في سبيل تسهيل اجراءات القيام بممارسة الاعمال والمهن من قبل الاجانب ، وهذه الاتفاقيات تبنى بالطبع على مبدأ المعاملة بالمثل(12). ومن قبيل هذه الاتفاقيات ، اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة رقم 111 لسنة 1958 (13)، والتي ألزمت الدول الاعضاء فيها ، بإلغاء التمييز بين رعاياها ورعايا احدى الدول الاخرى في الاتفاقية ، وفيما يتعلق باستخدام العمال الاجانب في الاعمال والمهن في اقاليمها وذلك من خلال خلق نوع من التكافؤ في فرص العمل والمساواة في المعاملة بين رعاياها ورعايا الدول الاخرى الاعضاء في الاتفاقية ، وعلى اساس المعاملة بالمثل بالطبع .
_____________________
[1]- اذ نصت المادة (2) من قانون العمل العراقي رقم (71) لسنة 1987 : (يضمن هذا القانون حق العمل لكل مواطن قادر عليه بشروط وفرص متكافئة بين المواطنين جميعاً دون تمييز بسبب الجنس او العرق او اللغة او الدين ويترتب على ذلك اتاحة الفرصة لكل مواطن في التدريب على النشاط المهني في الحدود التي ترسمها الدولة لحجم ونوع العمل في كل قطاع مهني ) .
2- اذ نصت المادة (23) من القانون المذكور على انه : (لا يجوز تشغيل أي عامل اجنبي ما لم يكن قد حصل على اجازة عمل وفقاً للشروط والاجراءات التي تحدد بتعليمات يصدرها وزير العمل والشؤون الاجتماعية)
3- وهذه الشروط هي :
أولاً- مدى حاجة العراق الى الايدي العاملة الاجنبية على ضوء ما يتطلبه الاقتصاد الوطني ، وحسب متطلبات كل محافظة بعد التثبت من ذلك من قبل دائرة العمل والضمان الاجتماعي في بغداد وأقسام العمل والضمان الاجتماعي في المحافظات .
ثانياً- تأييد الدوائر الامنية المختصة عدم وجود مانع امني من اشتغال الشخص الاجنبي في العراق .
4- ونفس هذا الموقف ، تبناه ايضاً القانون اللبناني ، حيث نصت المادة (69) من قانون العمل اللبناني على انه : (يتمتع الاجراء الاجانب عند صرفهم من الخدمة بالحقوق التي يتمتع بها العمال اللبنانيون على اساس شرط المعاملة بالمثل ويترتب عليهم الحصول من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على اجازة عمل) . راجع : د. حمدي عبد الرحمن ود. محمد يحيى مطر ، قانون العمل ، الدار الجامعية ، بدون مكان نشر، 1987 ، ص98.
5- د. عوض الله شيبة الحمد السيد ، مصدر سابق ، ص248 ؛ وفي المعنى نفسه انظر : د. عبد الناصر توفيق العطار ، شرح احكام قانون العمل ، مؤسسة البستاني ، القاهرة ، 1989 ، ص101 .
6- د. حسن كيرة ، أصول قانون العمل ، ط3 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1979 ، ص206.
7- في هذا المعنى انظر : د. محمد كمال فهمي ، مصدر سابق ، ص304 ؛ ود. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق ، ص425 ؛ و د. حسن كيره ، المصدر السابق ، ص206 .
8- د. فؤاد عبد المنعم رياض ، تطور تنظيم مركز الأجانب في القانون المصري ، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثاني ، السنة الثالثة والأربعون ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1973 ، ص383 .
9- د. احمد قسمت الجداوي ، نقلاً عن : د. ابراهيم احمد ابراهيم ، مصدر سابق ، ص157 .
0[1]- د. عوض الله شيبة الحمد السيد ، مصدر سابق ، ص254.
1[1]- المصدر نفسه ، ص254 .
2[1]- د. صلاح الدين احمد حمدي ، مصدر سابق ، ص325.
3[1]- صادقت على هذه الاتفاقيات حتى 1 تموز من عام 1997 ، (127) دولة . راجع : حقوق الانسان الاساسية ، اتفاقيات منظمة العمل الدولية الصادرة عن مكتب منظمة العمل الدولية للدول العربية . بيروت .
المؤلف : مراد صائب محمود البياتي
الكتاب أو المصدر : مبدأ المعاملة بالمثل في مجال المركز القانوني للأجانب
الجزء والصفحة : ص109-114
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً