رغم ان نشأة المحاكم التأديبية اتى بها المشرع فى صلب قانون النيابة الادارية ووضع من المواد التى تمهد مستقبلا هذا التبادل بين النيابة الادارية والمحاكم التأديبية ولكن حدث الصدع بينهما عندما سحب مجلس الدولة المحاكم التأديبية من قانون النيابة واضافها لاختصاصه…في السطور التالية يوضح المستشار أيمن فؤاد رئيس النيابة الإدارية من اين اتى حق النيابة بالمحاكم التأديبة؟؟
1 – انشئت النيابة الادارية لاول مرة بالقانون رقم 480 لسنة 1954 بإنشاء النيابة الإدارية ولم تكن للمحاكم التأديبية وجود لا فى قانونها ولا فى قانون مجلس الدولة السارى فى ذلك الحين رقم 115 لسنة 1952 بإعادة تنظيم مجلس الدولة
2 – عندما نجحت فكرة انشاء النيابة الادارية فى توحيد جهات التحقيق فى جهة واحدة تتمتع بالاستقلال وحيدة ونزاهة اعضاءها رؤى انشاء المحاكم التأديبية لتوحيد جهات محاكمة الموظفين بين مجالس التأديب فى محاكم يغلب عليها العنصر القضائى ويكون مايدر عنها احكام وهنا ……كان للمشرع الاختيار بين انشاءها فى قانون مجلس الدولة ولكنه اختار انشاءها فى قانون النيابة الادارية فصدر القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والغى قانون النيابة الادارية رقم 480 لسنة 1954 وارد فى هذا القانون تنظيما شاملا للمحاكم التأديبية من حيث التشكيل والاجراءات وبعض القواعد الحاكمة للمحاكمة وتحديد للعقوبات التى تحكم بها المحكمة
3 – ثم صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة وقد انشأ لهم محكمة تأديبية واخضعها لاحكام المحاكم التأديبية بقانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية
4 – فى ظل نصوص المحاكم التأديبية بمتن قانون النيابة الادارية تضمن على اهم مادة وهى المادة رقم مادة 19-والتى كانت تنص على ( يصدر بتعيين عدد المحاكم التأديبية ومقرها ودوائر اختصاصها وتشكيلها قرار من رئيس مجلس الدولة بعد اخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية. ويختار كل من رئيس ديوان المحاسبة ورئيس ديوان الموظفين كل سنتين عضو اصليا وآخر احتياطيا لكل محكمة أو أكثر فإذا غاب العضو الأصلي أو قام به مانع حل محله العضو الاحتياطي ويجوز دائما إعادة انتداب الأعضاء.)
وهذة المادة تجعل مدير النيابة الادارية (رئيس هيئة النيابة الادارية حاليا ) يشترك مع رئيس مجلس الدولة برأيه بشأن تلك المحاكم من عدة وجوة
اولا : فى تعيين عدد تلك المحاكم
ثانيا : فى تعيين مقرات تلك المحاكم
ثالثا : تحديد اختصاص دوائر تلك المحاكم
رابعا : وتحديد تشكيلها القضائى من درجه وكيل مجلس دولة او الوكلاء المساعدين وكذا مستشار أو مستشار مساعد بمجلس الدولة .
وطالما ان رئيس هيئة النيابة الادارية يؤخذ رأيه فى كل هذه الشئون واهم شأن منهم هو اختيار قضاتها من مجلس الدولة مايؤكد تماثل وضع النيابة الادارية مع موضع النيابة العامة فى تلك الحالة بالنسبة للنقل والتبادل بين النيابة والقضاء بدليل اضافة مادة اخرى بقانون النيابة الادارية المذكور تجيز هذا التبادل بين النيابة والمجلس وباقى الهيئات القضائية بطبيعة الحال وقد اكد المشرع على ذلك فى المذكرة الايضاحية لقانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية بأن القانون حقق المساواة بين أعضاء النيابة العامة ورجال القضاء والأعضاء الفنيين بإدارة قضايا الحكومة وأعضاء مجلس الدولة وأساتذة القانون بكليات الجامعات المصرية وأعضاء النيابة الإدارية بأن أجاز تبادل التعيين في هذه الوظائف بين أعضاء النيابة الإدارية وأعضاء هذه الجهات وذلك في الوظائف القضائية المماثلة (م34).
5 – ثم صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1489 لسنة 1958 باللائحة الداخلية للنيابة الادارية وهى مجموعة مواد تنظم العمل بالنيابة الادارية وقد تضمنت على بعض احكام تنظيم العمل بالمحاكم التأديبية …هذا وللعلم ومما يثير التعجب والدهشة انه مازالت تلك اللائحة معمول بها بالمحاكم التأديبية ولم يصدر مجلس الدولة لائحة خاصة به بعد سحبه للمحاكم من قانون النيابة الادارية !
6 – حدثت تعديلات متتالية لقانون مجلس الدولة منذ نشأته بموجب القانون رقم 112 لسنة 1946 وكانت بالقوانيين ارقام على الترتيب 9 لسنة 1949 ثم القانون رقم 6 لسنة 1952 ثم القانون رقم 115 لسنة 1952 ثم القانون رقم 165 لسنة 1955 ثم القانون رقم 55 لسنة 1959 ثم القانون رقم 140 لسنة 1959 ثم القانون رقم 37 لسنة 1968 ……….. وخلال تلك التعديلات الكثيرة التى طرأت على قانون مجلس الدولة لم يشأ المشرع اضافة اختصاص المحاكم التأديبية ضمن اختصاص مجلس الدولة الاصلى والذى تقريبا لم يتغير وهو الاختصاص ببعض المنازعات الادارية والفتوى الى ان حل دستور 1971 وكلنا نعرف ان مجلس الدولة قبل هذا الدستور لم يكن ينص عليه فى الدساتير السابقة بل اكثر من ذلك لم ينص صراحتا قانونه او ايا من تعديلاته حتى قانون 37 لسنة 1968 على انه كيان قضائى مستقل وقد حانت له الفرصة فى دستور 1971 لتحقيق عدة اهداف منها النص الصريح عليه بالدستور ثم التأكيد على انه هيئة قضائية مستقلة ثالاثا التأكيد على انه صاحب الولاية العامة فى الفصل فى المنازعات الادارية وليس كما هو فى قوانيه اختصاصة بنوعيات معينه من المنازعات الادارية ثم اضاف لنفسه فى الدستور دون وجه حق اختصاص الفصل فى الدعوى التأديبية ليأتى بتعديل قانونه بعد ذلك بالقانون رقم 47 لسنة 1972 لينص على المحاكم التأديبة لاول مرة بقانونه بعد مرور اكثر من 12 عام على انشأها والغى باب المحاكم من قانون النيابة ليقطع صلة النيابة بالمحاكم الا انه استبقى جزء من حكم المادة 19 من قانون النيابة بشأن اخذ رأى رئيس هيئة النيابة الادارية من قبل رئيس مجلس الدولة ليجعلها محصورة فى تحديد عدد المحاكم وتعيين مقارها ودوائر اختصاصها والتى تنشأ بالمحافظات ولم ينص على تحديد تشكيلها كما كان فى نص المادة 19 وذلك بالمادة 8 فقرة ثانية من قانون مجلس الدولة الاخير اذ جرى نصها :-
(يكون مقر المحاكم التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا في القاهرة والإسكندرية وتؤلف من دائرة أو أكثر تشكل كل منها من ثلاثة مستشارين ويكون مقار المحاكم التأديبية للعاملين من المستويات الأول والثاني والثالث في القاهرة والإسكندرية وتؤلف من دوائر تشكل كل منها برئاسة مستشار مساعد على الأقل ، وعضوية اثنين من النواب على الأقل ، ويصدر بالتشكيل قرار من رئيس المجلس. ويجوز بقرار من رئيس مجلس الدولة إنشاء محاكم تأديبية في المحافظات الأخرى القرار عددها ومقارها ودوائر اختصاصها بعد أخذ رأى مدير النيابة الإدارية . وإذا شمل اختصاص المحكمة التأديبية أكثر من محافظة جاز لها أن تنعقد في عاصمة أى محافظة من المحافظات الداخلة في اختصاصها ، وذلك بقرار من رئيس مجلس الدولة)
من الواضح بمقارنه تلك المادة فيما يخص اخذ رأى مدير النيابة الادارية بالمادة المناظرة لها والتى كانت بقانون النيابة انه تم حذف كلمة ( وتشكيلها ) بعد كلمة ( دوائر اختصاصها )وقبل كلمة (رأى مدير النيابة الادارية ) وطبعا كلمة ( تشكيلها ) هذة هى التى كانت تيسر التبادل بين النيابة ومجلس الدولة بالنسبة لقضاء التأديب مثل المتبع بين النيابة العامة والقضاء العادى وفى الغاءها جعل تنفيذ هذا التبادل امر صعب ان لم يكن مستحيل لانه متوقف على موافقة مجلس الدولة الذى حذف عبارة (تشكيلها ) سالفة البيان
7 – ترتب على احتجاز مجلس الدولة لمنصة المحاكم التأديبية وحجبها عن اعضاء النيابة الادارية انه يجلس على منصتها قضاة ليسوا ذات خبرة سابقة بالتأديب حيث ان تدرج الوظائف بمجلس الدولة يجعل سابق خبرة قاضى التأديب هى مفوض تحضير لدعاوى الالغاء والتعويض وهى دعاوى منازعات ادارية بعيدة كل البعد عن الدعوى التأديبية والتأديب وحرمان من هم خبرة فى مجال التأديب منذ تعيينهم وهم اعضاء النيابة الادارية وهو مايحرم العدالة العقابية فى التأديب من قاضى حاصل على خبرة فى التأديب كوكيل نيابة والتى تؤهله لان يحكم قناعته عن بصر وبصيرة لموضوع الدعوى التأديبية ليس فقط من واقع ماتفصح عنه الاوراق وانما كذلك مما يكون ملم به من واقع عملى بطبيعة المرافق العامة وظروف عمل الموظفين المتهمين بها وهو ما يجعله فى لحظة فارقة فى الدعوى يفصل فيها بحكم يحكم فيها قناعته يوم تقف على قدم المساواة ادلة الثبوت وادلة النفى.
بقلم : المستشار أيمن فؤاد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً