مسئولية الطبيب عن الخطأ الطبي
من المستقر عليه فقهاً وقضاءاً أن مسئولية الطبيب عن خطئه مهما كان نوعه سواء كان خطأً فنياً أو مادياً , جسيماً أو يسيراً , ويجب على القاضي أن يتثبت من وجود هذا الخطأ , وأن يكون ثابتاً ثبوتاً كافياً لديه , وعليه الإستعانة برأي الخبراء في ذلك. فيسأل عن كل تقصير من مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ من مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول , كما يسأل عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته . فعدم نقل المريض إلى القسم الطبي المختص في الوقت المناسب يشكل خطأً فاحشاً يستوجب مسؤولية الطبيب, كما أنه يسأل عن خطئه المتمثل في حقن المريض بمخدر دون الإطلاع على زجاجته والتأكد مما إذا كان هو المخدر الذي طلبه أو شيء آخر . كما أن القضاء استقر على أنه وإن كان لا يشترط الخطأ الجسيم حتى تقدم مسئولية الطبيب عن عمله الفني , إلا أنه يشترط أن يكون هذا الخطأ محققاً ومتميزاً . ويتنوع الخطأ الطبي بين الإهمال و الرعونة و عدم الإحتراز .
أولاً : الإهمال :-كترك الطبيب الجر اح في جوف طفل أثناء عملية جراحية إحدى ضمادات ثلاثة إستعملها في العملية وذلك لأنه لم يتخذ إحتياط لتفادي نسيانه في جوف المريض – ومثل ذلك من الأمثلة .
ثانياً : الرعونة :-والمثال عليهات كأن يجري الجراح عملية جراحية في الفخذ الأيمن بدلاً من الأيسر بينما لو رجع إلى الملف الخاص بالمريض لعرف الفخذ المطلوب إجراء الجراحة فيه – ومن ثم كان في إستطاعته تجنب الوقوع في هذا الخطا لو تذرع بالحيطة والعناية . كذلك أيضاً إذا أصيب المريض بحروق جلدية بسبب حدوث تماس في أسلاك التيار الكهربائي الموصل إلى طاولة العمليات بسبب خطأ الممرضة , فإن المسئولية تشمل أيضاً كل من يدير المستشفى والجراح الذي أجرى العملية , وإذ أن الإشراف على الأجهزة وصيانتها وإعادتها إلى حالتها الطبيعية بإصلاحها هو واجب مفروض على المستشفى ومن ثم فإن الإخلال به يعتبر من قبيل الخطأ .
ثالثاً : عدم الإحتراز :-ويحدث ذلك عندما يجازف الجراح بإجراء عملية خطيرة ولغير ضرورة عاجلة في الوقت الذي كان يمكن فيه أن يقتصر على بتر جزء من اللوزه ليس غير في حاله معالجة مرضاً في حلق سيدة ذلك لأنه لجأ إلى عملية خطيرة لا لزوم لها في منطقة تؤدي أقل حركة خطرة فيها إلى موت المريض . والأمثلة على ذلك كثيرة …
مسئولية الطبيب جنائياً عن أي خطأ ولو كان يسيراً :- إن مسئولية الطبيب لها وجهان :
* خطأ المهنة :– ويقصد به إخلال ذوي المهن بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليهم مهنهم كإهمال الجراح أصول مهنة الجراحة , وتعتبر المسئولية عن الخطأ مسئولية عقدية إذا كان يربط صاحب المهنة بالمضرور عقد , أما إذا انتفى هذا العقد فالمسئولية تقصيرية . وإن كانت بعض الأحكام تعتبر مسئولية الطبيب تقصيرية في جميع الأحوال.
* أما الخطأ العمد :– فهو إخلال بواجب قانوني مقترن بقصد الأضرار بالغير وهو ما يسمى بالجريمة المدنية , فلابد فيه من فعل أو امتناع يعد إخلالاً بواجب قانوني , ولابد أيضاً من أن يكون هذا الإخلال مصحوباً بقصد الأضرار بالغير أي بإتجاه الإرادة إلى إحداث الضرر فلا يكفي إتجاهها إلى ارتكاب الفعل ذاته إذا لم تتجه إلى إحداث النتيجة .
* أما الخطأ بإهمال :– وهو ما يعرف بشبه الجريمة المدنية فهو الإخلال بواجب قانوني سابق مقترن بإدراك المخل لهذا الإخلال والخطأ بإهمال في توافر المسئولية المدنية.
* مسائلة الطبيب عن أي تقصير يصدر منه :إباحة عمل الطبيب مشروطه بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العملية المقررة , فإذا فرط في إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله . – ولما كان الطبيب في تنفيذ إلتزامه يقوم بأعمال بعضها فني يتصل إتصالاً وثيقاً بمهنته وبعضها الآخر عادي لا علاقة له بمهنة الطب فإنه يجب مراعاة الطبيعة الفنية لعمله عن وضع المقياس الذي يقاس عليه سلوك الطبيب ومؤدى ذلك أن المعيار الذي يقدر به خطأ الطبيب يختلف بإختلاف طبيعة العمل الذي حدث به الإخلال بالإلتزام لأنه متى تقررت درجة العناية الواجب اقتضاؤها من المدين اعتبر كل تقصير في بذل العناية مهما يكن طفيفاً خطأ يرتب مسئولية المدين. (السنهوري ف 428 ص 739)
ولمعرفة ما إذا المدين قد أدى ما هو مطلوب منه ينبغي مقارنة العناية التي أداها بمقدار العناية التي يبذلها الشخص العادي إلا إذا نص القانون أو العقد على خلاف ذلك – المادة 290 من القانون المدني الكويتي .
وبالنسبة للعمل العادي للطبيب فإنه يطلب منه في أدائه مثل كل شخص عادي أن يصطنع الحيطة والتبصر في سلوكه وأن يبذل العناية التي يبذلها الشخص العادي أما بالنسبة للعمل الفني للطبيب فإن تقدير الخطأ فيه يخضع لمعيار الخطأ المهني والمقياس الذي يقاس به سلوك المهني مرتكب الفعل الضار هو السلوك الفني المألوف من شخص وسط من نفس المهنة في عمله وكفائته ويقظته ومتى كان المهني ملتزماً بمجرد بذل العناية الواجبة فإن هذا المعيار يصدق سواء كانت مسئوليته عقدية أم تقصيرية . (السنهوري ف 548 ص 931) ومثل هذا الشخص لا يجوز أن يخطئ فيما استقرت عليه أصول فنه والخروج عن هذه الأصول يعتبر خطأ .
(المرجع السابق ص 933/934) ومع ذلك فإن الطبيب يكون مخطئاً إذا كان اعتقاده في اختياره لطريقة العلاج غير مبرر أو لم تبذل العناية اللازمة في تنفيذ هذه الطريقة المختلف عليها لذلك يراعي عند تقدير خطأ الطبيب مستوى الفن الذي يمارسه وهل هو طبيب عام أم طبيب تخصص وفي أي فرع من فروع التخصص … فالمطلوب من الطبيب أن يكون حسب تعبير الفقهاء حاذقاً يعطي المهنة حقها فيحتاط في عمله ببذل العناية المعتادة من أمثاله في التشخيص والعلاج فإن فعل ما لا يفعله مثله وكان عالماً به فهو ضامن ( محمد علي النجار – حول مسئولية الأطباء – مجلة الأزهر – المجلد 20 سنة 1368هـ – ص 51 مشار إلى ذلك في مؤلف الدكتور أحمد شرف الدين – مسئولية الطبيب – طبعة سنة 1986 ) فالإنحراف عن السلوك المألوف للطبيب الوسط لا يتحقق بالخروج عن الأصول المعتمدة للفن الطبي فحسب ولكن أيضاً بعدم إصطناع الحيطة الواجبة أثناء ممارسته لعمله في عدم الإضرار بالمريض , وهذا ما أكدت عليه المادة (13) من القانون رقم 25/1981 بشأن مزاولة مهنة الطب بقولها ” لا يكون الطبيب مسئولاً عن الحالة التي يصل إليها المريض إذا تبين أنه بذل العناية اللازمة ولجأ إلى جميع الوسائل التي يستطعيها من كان في مثل ظروفه لتشخيص المرض والعلاج… ومع ذلك يكون مسئولاً في الحالتين الآتيتين :-
أ- إذا ارتكب خطأ نتيجة الجهل بأمور فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها سواء من حيث تشخيص المرض أو وصف العلاج المناسب وترتب على هذا الخطأ الاضرار بالمريض
ب- إذا أجرى تجارب أو أبحاثاً علمية غير معتمدة فنياً على مرضاه وترتب ذلك الإضرار بهم .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً