السرقة لغة: هي اخذ الشيء من الغير خفية ومنها استرق السمع أي سمع مستخفياً ويقال هو بسارق النظر اليه اذا انتظر غفلة لينظر اليه(1).
اما مفهوم السرقة في الشريعة الاسلامية فهي: اخذ الشيء من الغير على وجه الاستخفاء وقد اضاف الفقهاء على المعنى اللغوي ان يكون (في حرز مثله)(2).
والشريعة الاسلامية التي اعتبرت السرقة من الكبائر التي يستوجب القطع فيها تطبيقاً لما ورد في القرآن الكريم (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(3).
وقد اعفت الشريعة الاسلامية الصغار من عقوبة (حد السرقة) لانها اشترطت الارادة والاختيار ليكون الانسان محلا للمسؤولية الجنائية فمن لم يبلغ سنا معينا من الادراك لا يمكن ان يكون كامل الادراك والاختيار وعلى هذا فلا مسؤولية على الطفل ولا مجنون ولا معتوه او فاقد الادراك(4).
وقد جرى الفقه والقضاء على تعريف السرقة بانها (اختلاس منقول مملوك للغير بنية تملكه)(5).
وقد اتفق التعريف القانوني للسرقة في الكويت مع التعريف المصري (اختلاس مال منقول للغير بنية امتلاكه، المادة 217 من قانون الجزاء الكويتي)(6).
والسرقة كما يعرفها التشريعان المصري والفرنسي تختلف في بعض جوانبها عن السرقة كما كان يعرفها القانون الروماني رغم انه يمثل الاصل التاريخي لمواد السرقة فيهما، وقد ظلت القوانين الفرنسية تخلط بين افعال السرقة وما تطلق عليه الآن افعال نصب او خيانة امانة، وذلك حتى وضعت تشريعات الثورة فجاءت مفرقة بين هذه الجرائم المختلفة، ووضحت معالم التفرقة على وجه خاص في تشريع سنة 1811 وهو التشريع الذي لازال مطبقا حتى الآن فجاء محددا عناصر السرقة في المادة 379 كما حدد عناصر النصب في المادة 405 وخيانة الامانة في المادة 408.واحكام السرقة في التشريع المصري مستمدة من احكام المواد 379-398 وبنفس الترتيب تقريبا الذي سار عليه المشرع الفرنسي مع المغايرة في بعض التفاصيل(7). ويعرف القانون الامريكي السرقة: بانها الاستحواذ على الممتلكات الشخصية للآخرين ضد ارادتهم سواء أكان ذلك بغيابهم او بحضورهم عن طريق استعمال القوة او التخويف وعند ذلك تشكل السرقة جريمة مركبة تتضمن اعتداء على المال والجسد(8). اما بالنسبة الى علماء النفس فانهم ينظرون الى السرقة على انها سلوك مكتسب يعبر عن حاجة انفعالية لها وظيفتها في تكوين الشخصية، اساسها الطبيعي في الانسان الميل الى التملك او الاستمتاع(9).ويرى الدكتور مصطفى فهمي ان السرقة سلوك يحاول السارق من خلاله ان يمتلك ما يمنحه القوة لمواجهة قلقه الناتج من فقدان تأثير ذاته(10). فمحور المفهوم النفسي يدور اذاً حول الدوافع الكامنة في شخصية الفرد. فالسطو كأحد اشكال السرقة والذي ينطوي على عنصر الاكراه يرجع برأي علماء النفس الى الجمع بين غريزتي العدوان والتملك(11).
والسرقة في المفهوم الاجتماعي: سلوك اناني غير منضبط يفتقد للايثار الاجتماعي، يحصل به الفرد على ما ليس من حقه(12).
وتذهب الباحثة مابل اليوت (M. Elliott) في كتابها (الجريمة في المجتمع الحديث) الى تعريف السرقة بانها سلوك يعبر عن المصالح الشخصية لاشخاص يبحثون عن اشباع حاجاتهم ورغباتهم الخاصة فقط والسرقة خطر ضد قيم الامانة وحرمة الممتلكات الخاصة للافراد(13).
ويبدو للباحث ان المفهوم الاجتماعي للسرقة متأثر بما ذهب اليه دوركهايم، من ان الجرائم تختلف في شدة جرحها للعاطفة الجمعية على الرغم من كونها ظاهرة سوية واعتيادية، فالسرقة برأيه سلوك اناني ومن اكثر الجرائم اعتداءً على العاطفة الايثارية، لذلك كانت عقوبة السارق قاسية(14).وعموما فان السرقة لون من الوان الانحراف الاجتماعي الخطر الذي اتخذ من الملكية هدفا له، وانها تشمل على انواع متعددة من السلوك المنحرف الذي يختلف في درجة خطورته ومدى ما يسببه من اضرار تبعا لدوافعه واهدافه واساليب تنفيذه، وانماط السرقة هي:
1- السرقة البسيطة: هذا النوع من السرقات لا يقترن بظروف مشددة، ويكون اسلوب ارتكبها اعتياديا لا يتخطى فيه السارق الحواجز، كسرقة البضائع المعروضة في المتاجر وسرقة ادوات السيارات المودعة في الاماكن والساحات المكشوفة، والنشل يعد من السرقات البسيطة وهو يعني استخراج المال موضوع السرقة من ملابس المجني عليه في غفلة منه، سواء أكان من الجيوب ام من أي موضع اخر يودع المال فيه كسرقة ساعة او سوار من المعصم وكثيرا ما يستعين النشال ببعض الحركات او يفتعل المواقف لا شغال ضحيته(15).
ويتطلب النشل نوعا من المهارة وخفة اليد وقد يستعين النشال بالمشارط والامواس، وتنفذ هذه الجريمة عادة في المناطق المزدحمة التي تسمح بتماس الناس كدور السينما وحافلات النقل العام والاسواق وغيرها.
2- السطو: هذا النمط من السرقة يتم بأسلوب مخطط له مسبقا، وقد يشترك في التنفيذ اكثر من سارق يتبعون اسلوب الهجوم المنسق على الهدف، ويتم توزيع الادوار على الشركاء حسب مهارة الشخص كما في سرقة المساكن وسرقة المتاجر بعد اقفالها، حيث يعمد السراق الى كسر الاقفال او تسلق الجدران او اية وسيلة اخرى تسهل عليهم اختراق الهدف.
3-السلب: هو السرقة المقترنة بالاكراه وتمثل مجاهرة بالأجرام وفيها يعمد السارق الى مواجهة ضحيته وتحديها، وقد يقترن تنفيذها بالقتل وهو ما يدعونه فقهاء الشريعة (بالحرابة) وهي الخروج على المارة لا خذ المال على سبيل المغالبة والاستعانة بالسلاح وكثيرا ما ترتكب هذه الجرائم بعيدا عن العمران في الطرق العامة، فتعطل ارادة الضحية ولا يقوى على دفع الاذى عن نفسه او الاستعانة بالناس.
ويصف رج (Rich) سرقات الاحداث تبعا لظروفها واهدافها ودوافعها الى ما يأتي(16).:-
1- سرقات آنية – يرتكبها الحدث مع اقرانه بتأثير موقف معين وبدون تخطيط مسبق، كسرقة لعبة في دكان تركه صاحبه برهة دون اقفاله.
2- سرقات لاثبات الذات – هذا النوع من السرقات يرتكبها الحدث بمفرده لاثبات قوته او رجولته امام الآخرين ومنها سرقة السرقات.
3- سرقات رمزية – هذا النوع من السرقات غالبا ما تكون من الاهل، وذلك للتعويض عن حب مفقود او للتسلية والمتعة.
4- سرقات مخططة – هذا النوع من السرقات يحسب لها الحدث حساباته ويرتكبها بتخطيط مسبق وبقصد جنائي.
ومن المحاولات العديدة التي بذلت لتصنيف السراق، المحاولات التي اعتمدت على درجة الخطورة الاجتماعية، وربما كان اول تصنيف جدير بالاشارة اليه ذلك الذي وضعه فريجي (H.A. Fregier) وكان معيار التصنيف فيه هو درجة العنف المستخدم في ارتكاب السرقة، وقد فرق بمقتضاه بين ثلاثة انماط من السراق(17).:
1- السارق العرضي – الذي يسرق بتأثير ظروف موقف معين يوجد في اطاره وبالصدفة.
2-السارق تحت وطأة حاجة ملحة كالجوع او المرض.
3- السارق المحترف الذي يتخذ من السرقة مهنة له، ويتميز بثقافة اجرامية ويتبع اساليب متخصصة في السرقة.
ويكاد هذا التصنيف الذي وضعه (فريجي) لا يختلف كثيرا عن التصنيف الذي وضعه (رج) الا انه وكما يبدو بان (فريجي) قد أكد على الابعاد الاجتماعية للسرقة فيما أكد (رج) على الدوافع التي تمثل الابعاد النفسية للمفهوم.
وعرف المشرع العراقي السرقة في المادة (439) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بأنها (اختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني عمدا)، وخصها بالتعريف في المواد من (439-450) ولم يتبين للباحث وجود اختلاف معتبر لمفهوم السرقة في اللغة والشريعة والقانون، فقد جاءت جميعا متضمنة لنفس المدلولات والمعاني، ومركزة على وصف الفعل دون الاهتمام بالدوافع او الاسباب التي ادت اليه.
ان دراسة السرقة من الناحية القانونية تقتضي بيان اركانها والظروف التي تؤثر في تشديد او تخفيف عقوبتها .
_______________________________
1- ابن منظور، لسان العرب المحيط، المجلد الاول، تقديم عبدالله العلايلي.
2- محمد ابو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الاسلامي، دار الفكر العربي بمصر، بلا تاريخ، ص124.
3- القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 38.
4- د. احمد الكبيسي، احكام السرقة في الشريعة الاسلامية، القانون، بغداد، 1971،ص56.
5- د. عوض محمد، جرائم الاشخاص والاموال، القاهرة، 1978، ص214.
6- د. عبد المهيمن بكر سالم، الوسيط في شرح قانون الجزاء الكويتي، القسم الخاص، 1973، ص209.
7- د. رؤوف عبيد، جرائم الاعتداء على الاشخاص والاموال في القانون المصري، القاهرة، 1960،ص220.
8- gammage A.2، and Hemphill C.F.: opcit، p.238.
9- د. عبدالعزيز القوصي، اسس الصحة النفسية، ط5، مطبعة السعادة، القاهرة، 1975، ص358.
10- د. مصطفى فهمي، مجالات علم النفس، المجلد الاول، مكتبة مصر، القاهرة، بلا تاريخ، ص93.
11- د. رمسيس بهنام، المجرم تكوينا وتقويما، منشأة المعارف، الاسكندرية، بلا تاريخ، ص162.
12- د. حسن الساعاتي، النظريات الاجتماعية لتفسير السلوك الاجرامي، ابحاث الندوة العلمية السادسة، المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب، الرياض، 1987، ص104.
13- د. ابراهيم ابو الغار، سرقة المساكن في المناطق الحضرية بمدينة القاهرة، المجلة الجنائية القومية، العدد الاول، المجلد12، القاهرة، 1978، ص6.
14- اميل دوركهايم، السوي والمنحرف، ترجمة وتعليق د. محمد المشاط، مجلة البحث العلمي، العدد7، الرباط، 1966، ص92-93.
15- د. محمود نجيب حسني، قانون العقوبات، القسم الخاص، القاهرة، 1986، ص140.
16- د. فخري الدباغ، جنوح الاحداث، الموصل، 1975، ص34.
17- د. محمد عارف، الجريمة في المجتمع، بغداد، 1975، ص233.
المؤلف : عبود علوان عبود
الكتاب أو المصدر : جريمة السرقة اسبابها والاثار المترتبة عليها
الجزء والصفحة : ص13-16
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً